رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمود حسونة يكتب: ليس دفاعاً عن الفنانين المهرولين إلى (السعودية)

نعيب على فنانينا تنافسهم في الهرولة إلى (السعودية) على مدار العام

بقلم الكاتب الصحفي: محمود حسونة

نعيب على فنانينا تنافسهم في الهرولة إلى (السعودية) على مدار العام، وكأننا نريد حبسهم وعدم السماح لهم بتجاوز الحدود، ونحن الذين تباهينا وتفاخرنا على امتداد عمر بلادنا الفني بغزو الفن المصري لكل المساحة العربية.

وأعدنا إليه الفضل في انتشار لهجتنا أكثر من أي لهجة أخرى في الربوع العربية، ونسب إليه كتّاب السياسة قبل الفن كثير من الفضل في حب كثير من العرب لبلادنا، وشاهدناهم يدافعون عنها أينما وجدوا وينحازون إليها.

وهو سلوك قديم يتجدد بلغة العصر، ولو تابعنا السوشيال ميديا لأدركنا أننا البلد الأكثر إثارة للجدل عليها، قطاع يحبها جداً وقد يتفوق بعض أبنائه في حبها والإيمان بها أكثر من أبناء أوفياء لها، وقطاع امتلأ قلبه حقداً عليها ويهاجمها بكل السبل.

للفن فضل في حبهم لنا وله دور في إثارتهم علينا، وهو من أكثر الأدوات التي تثير الأحقاد، خصوصاً أن فنانينا هم الأكثر قبولاً ويتمتعون بخفة دم ناهيك عن الموهبة التي تمنحهم التفوق.

رغم أنهم لا يحصلون على ما يستحقون من جوائز وتكريمات عالمية بسبب عدم انشغالهم بما يقتضيه الفوز في الجوائز، بقدر انشغالهم بما يمتع الناس وينال إعجابهم، هو فن شعبي أكثر من كونه فن أكاديمي مهرجاناتي.

ليسوا فنانونا فقط المهرولين إلى (السعودية) ولكن نجوم العالم كله أصبحوا يهرولون إلى هناك، والعديد من نجوم العالم ينتظرون دعوتهم للمشاركة في احتفالات (موسم الرياض) أو في حفل جوي أوردز.

فهي المدينة التي تمنح الفنانين الكثير لقاء تقديم فنهم على أرض (السعودية)، ولقاء زيارتهم إليها، استقطبت نجوم العالم في الفن، وعلى رأسهم (أنتوني هوبكنز) عبقري الأداء ورئيس جمهورية التمثيل في العالم، وسيلين ديون ملكة الغناء عالمياً.

استضافت (السعودية) نجوماً ما كنا نتخيل أن تطأ أقدامهم أرضاً عربية، تعرفوا علينا وحيونا بلغتنا، ومشوا في شوارع مدينة أو مدن عربية، والتقوا أناساً منا، وصافحوا نجومنا وشاهدوا أعمالاً لهم.

موسم الرياض

تكريم وكرم في الضيافة

لا نختلف على أن ما دفعهم للمجيء إلى الديار العربية وخاصة (السعودسة) كثير من المغريات، أموال وتكريم وكرم في الضيافة، ولكن في المقابل تعرفوا علينا بشكل يتجاوز الصورة التي يقدمها الإعلام الموجه عنا، ومن خلالهم تعرف مليارات حول العالم على السعودية وعلى العرب.

وهذا هو الهدف الذي تحقق ويتم تكريسه بالكثير من المال الذي لم تستطع ولن تسطيع دولة غير (السعودية) فعله، ولكن الفائدة من ذلك تجنيها المملكة في المقام الأول ويجنيها الفن العربي ثانياً.

من حسن حظنا أن فنانينا هم الأكثر نجومية عند الجمهور السعودي، وهو ما تعيه جيداً هيئة الترفيه، فعلى مدار العام حفلات يحيي غالبيتها نجوم الغناء المصريين.

وعلى مدار أيام (موسم الرياض) عروض مسرحية يكتبها ويخرجها ويلعب بطولتها نجوم مصريين، وهو ما أعاد الكثير من نجومنا إلى خشبة المسرح في ظل غياب القطاع الخاص عن الانتاج في مصر بسبب ارتفاع التكلفة ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار التذاكر بما يتجاوز قدرات المصريين.

وبالتالي فقد اقتصر الإنتاج المسرحي في مصر خلال السنوات الماضية على مسرح الدولة المدعوم والذي يفترض أنه يؤدي رسالةً مطلوبة  ليقدم مسرحيات يقبل أبطالها ومبدعوها بما تيسر من أجور زهيدة.

عشرات المسرحيات المصرية أنتجتها هيئة الترفيه (السعودية) وعرضتها في مسارح الرياض وجدة خلال السنوات الماضية، وتألق فيها نجوم مصريون من مختلف الأعمار، إسعاد يونس ويسرا وليلى علوي وغيرهم من الكبار.

وكل جيل الوسط من النجوم والنجمات والذين لا يتسع المجال لذكرهم حتى أن بعضهم لعب بطولة أكثر من مسرحية، وكان أيضاً لجيل الشباب الصاعد مكان متميز في هذه العروض.

جوي أوردز

هيئة الترفيه (السعودية)

كثرة العروض أتاحت الفرصة للكثيرين، وقلة لم يكن لهم مكان لأسباب تخص إدارة هيئة الترفيه (السعودية)، وهو حق لها، فأي منتج من حقه أن يختار أبطال أعماله، والمستفيد الأكبر من هذه الطفرة هي مصر وفنانيها، الفنانون استفادوا مادياً وجماهيرياً.

ومصر استفادت بما ساهمت به الأجور التي يتقاضاها الفنانون في زيادة الدخل القومي والأهم أنها استفادت من تواصل نشر اللهجة المصرية والفكر والفن المصري عند السعوديين، والمملكة استفادت بأن استقدمت لشعبها فناً يحبونه وكانوا يأتون إلى مصر خصيصاً لأجله.

وهيئة الترفيه لم تخسر مادياً وخصوصاً أنها تحدد أسعاراً عالية للتذاكر بما يغطي التكلفة أو على الأقل معظمها، كما أن المملكة استفادت في تنفيذ مخططها بتغيير نظرة العالم إليها من دولة منغلقة ترفض الفن وتحرّمه إلى دولة منفتحة تحتضن كل أشكال الفنون وتحرص على تكريم نجوم العالم.

(السعودية) لم تحتضن فقط الغناء والمسرح ولكنها احتضنت السينما، وأصبحت أفلامنا تحقق أعلى الإيرادات هناك، كما أنها دعمت انتاج أفلام مثل (أولاد رزق 3)، وتخطط لإنتاج أفلام يلعب بطولتها نجوم مصريون بميزانيات غير مسبوقة، وتدعم الدراما بما تنتجه منصة شاهد.

نعم، بعض الأعمال التي تدعمها ذات مضمون لا نرضى عنه وآخرها (أولاد رزق 3) بكل ما فيه من بلطجة وترويج للعنف والجريمة، وكذلك وجود عدد من المسلسلات التي قد تحمل إساءة لقيمنا، إنما المسؤولية تقع أولاً على الفنانين الذين يقبلون المشاركة في هذه الأعمال.

ولكن للأسف بعضهم يتعامل مع الفن على أنه وسيلة ارتزاق لا رسالة، وبالتالي يقبل هؤلاء ما يعرض عليهم بصرف النظر عن مضمونه، وهؤلاء هم من يسمحون بالإساءة إلى قيمنا قبل أي أحد آخر.

الفنانون المهرولون إلى (السعودية) مثلهم مثل الأطباء والمهندسين والإعلاميين وغيرهم المهرولين للخارج، ومثلهم مثل كل مصري في الخارج يعمل ويحول مدخراته إلى مصر ويلقى تشجيعاً من المحيطين به ومن الدولة.. فلماذا نتباهى بهؤلاء وننزعج من هرولة الفنانين؟!

لا نقبل لي ذراع أي من فنانينا، ولا نقبل أعمالاً تسيء إلى قيمنا، ولكن ماذا لو أن (السعودية) استبعدت الفن المصري من أجندتها؟

لو حدث ذلك فإن من يمارسون العواء اليوم على كل شيء عبر السوشيال ميديا سيزدادون عواءً وصراخاً ولطماً، وسينضم إليهم في العواء المعتدلين من المعتزين بالفن المصري.

ولذا ينبغي على هؤلاء المنتقدين لهرولة الفنانين المصريين إلى السعودية الكف عن العواء، كي لا يسقط الحق في انتقاد أي فنان يقدم عملاً يسيء إلينا أو إلى قيمنا بصرف النظر عن الجهة التي تنتجه أو الدولة التي يتم عرضه فيها.

نتمنى أن نرى الفن المصري مطلوباً في كل الدول وأن يكون للفنانين المصريين قاعدة جماهيرية تتجاوز الحدود العربية مثلما حدث في كرة القدم، ومثلما حدث مع (عمر الشريف) من قبل.

ومثلما حدث مع الدكتور مجدي يعقوب في الطب ومثلما حدث مع العديد من العلماء المصريين في مجالات مختلفة شرفونا ورفعوا اسم مصر عالياً في قارات الدنيا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.