بقلم الشاعر الكبير: إبراهيم رضوان
بعد خروجي من معتقل (طرة) السياسي و قد أوشكت الكثير من الجبال بداخلى على الانهيار فوق الزلازل وتبعاتها.. مصدوما من مواقف الأصدقاء وخشيتهم الاقتراب منى و كأننى ناقل لعدوى لا شفاء منها.. أصدرت ديوانا بعنوان (الجنازة) يضم بعض القصائد الرمزية ولم أدري أنه سيؤدي بي إلى (المؤامرة).
ثم أعقبته بإصدار ديوان آخر بعنوان (أنا و الليل).. داهمنى فجأة رغم كل المعاناة التي ما زلت في أحراشها الشائكة حنين للكتابة السياسية فأصدرت مسرحية شعريه بعنوان (السبرسجي).. والسبرسجي لمن لايعلم هو الطفل الذي ينحني في عوز و مذلة أمام المقاهي لجمع أعقاب السجائر من بين أقدام مرتاديها.
المسرحية بدورانها حول السبرسجى كرمز واضح و فاضح تتحدث عن معاناة طبقة كبيرة من الشعب المصري واصطدامها بالسلطة، حيث تنتهي المسرحية بجمله للسبرسجي في نهاية المسرحية للصول الذي يقبض عليه وهو يضربه.. هنا بدأت فصول (المؤامرة).
قائلا: قرب يا حثاله.. يا ابن الكلب.. ليرد عليه في تحد غاضب متفجر عن ما تراكم من أحداث.. يا سيادة الصول.. يا سيادة الصول..أهو انت الكلب ابن الكلب..
بالتزامن مع مسرحية السبرسجي كتبت مسرحية سياسية أخري بعد خروجي من معتقل (طرة) بعنوان (آلة التسجيل) ..والتي تدور حول الصراع الذي كان دائرا بين الأجهزة الأمنية والمثقفين و.. المراقبة الشديدة التى عاناها الشعب المصري في هذه الفترة..
وقد وصلني أكثر من إنذار من قيادات أمنية لأكف عن هجومي على أجهزة الدولة وإلا سيتم اعتقالي مرة أخري وعودتي إلى (طرة)..
اتفق معي الأديب (فؤاد حجازي) الذي تربطني به صداقة عمر على إصدار ديوان صغيرا للأطفال على أن تتولى أدب الجماهير التي يشرف عليها طباعته و توزيعه..
بالفعل قدمت له مجموعه من أغاني الأطفال صدرت في ديوان صغير الحجم جدا بعنوان (هنا مقص..و هنا مقص)..
ألبوم (محمد نوح)
طلب مني (فؤاد) أن أنشر إعلانا في أدب الجماهير عن ألبوم (محمد نوح) ..(لا تنسانا).. الذي كتبته بالكامل كنوع من المساندة المالية.. طالبت (محمد نوح) بثمن الإعلان فأخبرني أنه لا يعلم شيئا عن أدب الجماهير.. وأنه لم يطلب أن أنشر إعلانا عن الألبوم..
لم يغضب فؤاد حجازي.. رغم أنى سمعت فيما بعد من أحد الأصدقاء أنه تكلم عن هذا الموضوع في كتاب من كتبه بطريقة لا تليق بي وبصداقتي معه.. ذاكرا أنني وعدته ولم أنفذ الوعد.. لكننى لم أتيقن من صحة هذه الواقعة ..
بعد صدور هذا الديوان أخبرتنى السيدة (هدى العجيمي) أنها ستقدم حلقه خاصه ببرنامجها المشهور (مع الأدباء الشبان) بالبرنامج العام لمناقشة الديوان.. اتفقت معها أن تحضر ضيفا محترما لمناقشة الديوان.. لكننى فوجئت بالضيف شاعر من قرية صغيرة من قرى الدقهلية سمعته سيئة جدا بالنسبة للنساء .. وللمخدرات.. وبهذا بدأت (المؤامرة).
ولشرف الكلمة.. عاتبتها عتابا شديدا وقلت لها: كيف تحضرين مثل هذا الشاعر المشبوه.. الجاسوس، والذين يسمونه (حشاش مصر الأول) أو (بطل مصر في شرب الحشيش).. قطعت الطريق على أثرها صلتي بالسيده هدى العجيمي لفترة .. وعندما دخلت الإذاعة بعد ذلك شاعرا ناجحا تذاع له عشرات البرامج في كل محطات مصر..
كانت تقابلني كل مرة في الأسانسير فنتبادل التحية.. في إحدى هذه المرات أخبرتني أنها تريد أن تشرب معي قهوة في مكتبها قالت لي: أريد أن أقدمك في حلقة من حلقات برنامجي..
الشاعر (محسن الخياط)
كان البرنامج قد تغير اسمه إلى (زهور وبراعم).. ظننت أنها ستحضر لي أحد البراعم لمناقشته.. لم تعقب عن الضيف.. فكرت لبرهة .. قلت لها ،، إوعى يكون حضرتك ناويه تجبيلي حد زي (عبد الرحمن الأبنودي) يقعد معايا في البرنامج فالناس تفكر أنه هو (الزهره و أنا البرعم).. هنا بدأت تظهر فصول (المؤامرة).
قالت لي: لا.. أنا هاجيب الأستاذ الشاعر (محسن الخياط) الصحفي بالجمهوريه.. قلت لها: هو أستاذي.. وهو أول من قدمني لمصر.. وهو الذي كتب مقدمة ديواني (الدنيا هي المشنقة).. وأول من طالب الدولة بتكريمي والاهتمام بنشر أشعاري كنموذج نادر و شريف للعامية المصرية..وأنني مدين لهذا الرجل بالكثير و الكثير)..
عقبت في سرور: يبقي أنت موافق أن هو اللي يبقي معاك في البرنامج، قلت لها بأدب لا.. ولا أستطيع أن أوافق.. شارحا لها أن البرنامج اسمه (زهور وبراع).. وعلي هذا الأساس سيكون (محسن الخياط) هو الزهرة أيضا، و(إبراهيم رضوان) هو البرعم.. وأنا لا أقبل أن أكون برعما..
ولا أظن أن الأستاذ محسن الخياط نفسه سيقبل ذلك.. خصوصا أن لي الآن عشرات البرامج الشعرية الناجحة.. ولحضرتك أن تقرأى ما نشرته صباح اليوم الكاتبة (حسن شاة) في صفحة كامله بصحيفة الأخبار اليومية عن برنامجي (صورة شعريه) الذي أكتبه للشرق الأوسط وما حققه البرنامج من نجاح باهر علي مستوي العالم العربي..لكني شممت رائحة (المؤامرة).
قالت لي: طيب تحب يكون معاك مين في البرنامج؟.. قلت لها شاعر صديق إسمه (ماجد يوسف) كان صديقا مقربا لى في هذه الفترة قبل أن ينضم بعد ذلك لصف مذيعة شهيرة حاربتني فيما بعد حربا ضروسا و مصيرية.. قالت لي: لأ.. إنت وماجد ما تنفعوش في برنامج واحد..
صممت (العجيمي) علي الأستاذ (محسن الخياط) مما اضطرني أن أقول لها: هاسجل معاه بشرط.. أنا أقول قصيدة.. وهو قصيدة.. رفضت العجيمي.. فى هذه اللحظة أحسست أن هناك مؤامرة ما تدبر ضدي.. وأن هذا البرنامج مجرد شرك..
علي هذا الأساس انسحبت واعتبرت أن الموضوع قد انتهى عند هذا الحد.. وكانت المفاجأة بعد فترة قصيرة.. الأستاذ (محسن الخياط) الذي أعتبره أستاذا لي وأحفظ له مكانته في نفسى و جميله بكل ما حققته يكتب عني مقالة نارية في صحيفه الجمهورية في صفحته (مع أدباء الأقاليم).. تحت عنوان عريض: (عندما يصاب الأديب بالغرور.. وبذلك أوقعني في دروب (المؤامرة).
محمد جبريل يهاجمني
يقول فيها بكلمات غاضبة أنه يكره الجحود.. وأن (إبراهيم رضوان) عض اليد التي امتدت له بكل ما هو جميل.. وأنه عاني من الضغوط الأمنية عندما كان ينشر قصائدي العنيفة ضد الظلم.. وأنه في المؤتمر الأول للأدباء في الزقازيق هدد بالانسحاب من رئاسة المؤتمر إن صممت الجهات الأمنية على منعي من دخول المؤتمر..
وأنه من صمم يومها على حصولي على جائزة المؤتمر الأولي في العامية، رغم أن شاعرا آخر كل رصيده قصيدة كتبها للشيخ إمام قد تم مبدئيا الإعلان عن فوزه بالجائزة الأولى بمساعدة جهات كان يعمل مرشدا لهم بتقاريره عن الأدباء..
هنا تأكدت من شكوكى في الشرك المنصوب لى.. و لا ألوم (محسن الخياط)، فقد كانت خيوط المؤامرة بأدق من أن يراها بالعين المجردة.. ثم هاجمني (محسن الخياط) بعد ذلك في مقالة أخرى من سبعة عناوين عندما كتبت مقدمة لديوان (ماجد يوسف) قلت في بدايتها
يا بلد شيلنا القضية..
والكبار خافوا المبارزة..
الأسامي هي هي..
إحنا جيل من غير أساتذة..
وعلى أثر إصراره على مهاجمتى ساءت العلاقة بيننا تماما.. وسانده في الخصومة فجأة الأستاذ (محمد جبريل) الذي كان ينشر لي أيضا في جريدتى التعاون والمساء.. وقال في مقالته التي نشرها له (محسن الخياط.. ظننت انني ظلمت إبراهيم رضوان..
لكنني بعد مقالتك ارتحت نفسيا وتأكدت أنه إنسان مغرور لا يحمل جميلا لكل من كان خطوة في طريق نجاحه.. لقد تهجم على شخصي في مكتبي وأمسكني من القميص الأبيض الذي أرتديه..و.. و .. و..
ما رواه جبريل كان قد حدث بالفعل.. لكنه ذكر رد فعلى مفصلا دون أن يشير بكلمة إلى فعله حيث أنه قال لي وأنا في مكتبه: أدباء المنصورة بييجوا القاهرة ومش بيفوتوا عليا.. فأنا قلت في نفسي ملعون أبوهم كلهم..
كان الصمت هو ردي.. قال لا مالك يا إبراهم فيه حاج مضايقاك.. كنت قد شعرت بمهانتى كأحد أدباء المنصورة.. التفت إليه أسأله: و هل أنا منهم يا أستاذ محمد؟.. قال لي: أنا لا استثني أحد..
تأكدت من تعمده إهانتى الشخصية المباشرة فأمسكته من ياقة قميصه الأبيض الذي تكرمش بين أصابعي حتى انفرطت أزراره بين أصابعي، ورددت عليه ألفاظه النابية.. وغادرت مكتبه إلى الأبد.. وبذا اكتلمت أركان (المؤامرة).
في هذه الفترة كنت غارقا لأذنى في البرامج التي أكتبها والأغاني التي يقتنصها منى المطربون دون أي مقابل مادي رغم احتياجات العائلة الكبيرة التي أرعاها.. قابلت (هدى العجيمي) يوما الشاعر (سيد حجاب).
فقالت له: (إبراهيم رضوان يأكل غرورا ويشرب غرورا ويمشي غرورا.. ويتنفس غرورا.. ويكتب غرورا.. ولم أشاهد في حياتي شاعرا يمشي في المبنى كالطاووس.. رغم أنى حتي هذه اللحظة لم أذق شعور الغرور للحظة في حياتى ..