كتب: أحمد السماحي
مع بدايات العام الجديد يفاجىء رجل المسرح الناقد والمؤرخ المسرحي الكبير (عمرو دوارة) جميع المسرحيين باستكمال اسهاماته المهمة، والقيمة في مجال التوثيق والتأريخ المسرحي المصري.
وذلك باصداره لموسوعتين هما: (فرسان المسرح المصري)، و(سيدات المسرح المصري) وتشتمل كل موسو عة منهما على 1500 اسم لممثل ووممثلة، إضافة إلى السيرة الذاتية والمسيرة الفنية لعدد 150 ممثل وممثلة.
هذا وقد صدر مؤخرا (د.عمرو دوارة) الطبعة الثانية من كتابه المهم (المسرح المصري قرن ونصف من الإبداع) الصادر عن المجلس الأعلى للثقافة.
وفي مقدمة الطبعة الثانية يقول (عمرو دوارة): (هذه هي الطبعة الثانية من هذا الكتاب الذي أعتز جدا بإصداره ولا أكون مبالغا إذا اعتبرته أهم وأفضل إصداراتي المسرحية بمجالي النقد والتوثيق.
حيث يعد بمثابة المفتاح أو الدليل المرشد لأهم الإصدرات التوثيقية التي شرفت بتقديمها (موسوعة المسرح المصري المصورة – والتي تتضمن ثمانية عشر جزءا وتقع في ثمانية عشر ألف صفحة، وتضمن سبعة الأف وخمسمائة مسرحية).
وهذه الطبعة الثانية لهذا الكتاب مزيدة ومنقحة عن الطبعة الأولى، بناء على توجيهات الأستاذ الأكاديمي والمثقف الحقيقي د.هشام عزمي (أمين عام المجلس الأعلى للثقافة).
والذي رأى ضروة تحديث بعض البيانات بها، واختتام الفصل الأخير حتى عام 2024 ليصبح مواكبا للأحداث المعاصرة، خاصة بعدما تأثرت عروض المسرح عالميا ومحليا بجائحة (كورونا).
وجدير بالذكر أن الطبعة الأولى قد صدرت من خلال الدوة الثانية عشر للمهرجان (القومي للمسرح المصري) عام 2019 ، والحمد لله فقد نفذت جميع النسخ آنذاك.
بعدما حظى الكتاب بكثير من الإشادات النقدية والإهتمام الإعلامي، ولكن للأسف لم يتم إيداع أي نسخة منه بالهيئة (العامة لدار الكتاب والوثائق القومية)، وبالتالي لم يتم الحصول على رقم إيداع خاص به!
مسيرة المسرح المصري
تناول (د.عمرو دوارة) في بداية كتاب (قرن ونصف من الإبداع) تاريخ المسرح المصري منذ بداياته وحتى الآن، وأكد أنه ظل انعكاسا واضحا ومتميزا لأحداث الواقع.
وانعكاسا صادقا للمتغيرات والتطورات السياسية والاقتصادية والانسانية والإجتماعية، ونقده للأنظمة الحاكمة وكشفه للسلبيات والتجاوزات، وأيضا التحذير والإنذار من الأخطار المستقبلية المحتمل حدوثها.
وأشار (عمرو دوارة) في كتابه: أن المتتبع لمسيرة المسرح المصري يمكنه بسهولة رصد أن المسرح قد ظل ولسنوات طويلة رافعا راية الثورة ضد الظلم والطغيان ومطالبا بتغيير النظم الديكتاتورية.
وكذلك داعيا لمساندة الرموز الثورية الوطنية والدفاع عن مكاسب الثورات الشعبية بانحيازه إلى حقوق الأغلبية في الحياة الكريمة، وقد كان ذلك واضحا من خلال كتابات وعروض كل من مسارح المحترفين والهواة على السواء.
حيث استطاع المسرح من خلال مبدعيه الكبار في مختلف مجالات الفنون المسرحية أن يقوم بتقديم كثير من المعالجات الدرامية المتميزة التي تطالب بالحرية وحق تقرير المصير.
كما تطالب بتطبيق العدالة الإجتماعية والمساواة والتخلص من عناصر الفساد الإجتماعي والسياسي، كما قام أيضا خلال العقود الأخيرة بالقرن الماضي بتقديم معالجات درامية أخرى تنتقد مظاهر الانفتاح الاقتصادي، وتحارب قوى الإرهاب.
ومع بدايات هذا القرن استطاع التعبير عن أهداف الثورة الشعبية التي قادها الشباب في يناير 2011، وعن ثورة تصحيح المسار التي قادها المثقفون في يونيو 2013.
أحداث مسرحية من 1870 إلى 2024
حرص الباحث والناقد (عمرو دوارة) بكتابة (قرن ونصف من الإبداع) على رصد وتسجيل أهم الأحداث والظواهر المسرحية خلال خمسة عشر عقدا – وبالتحديد خلال الفترة من 1870 إلى 2024 – مع محاولة استكمال جميع التفاصيل المتصلة بالإنتاج المسرحي والحياة المسرحية بصفة عامة.
فرق وعروض مازالت ساقطة
وأوضح نقطة مهمة حيث قال: الحقيقة التي يجب تسجيلها في البداية هي أنه بالرغم من ذلك الجهد الكبير الذي بذله بعض الأساتذة، والمؤرخين لتوثيق بعض مراحل المسرح المصري، إلا أن هناك مساحات كبيرة بتاريخنا الفني قد ظلت مجهولة.
كما أن هناك بعض الفرق والعروض التي مازالت ساقطة تماما من ذاكرتنا المسرحية، خاصة وأننا للأسف نفتقد بمكتبتنا العربية لجميع أشكال الموسوعات المسرحية.
ويهدف هذا الكتاب إلى محاولة استكمال تفاصيل أجزاء تلك الصورة المبعثرة، ومحاولة الإجابة على كثير من الاستفسارات وخاصة تلك المرتبطة ببدايات الحركة المسرحية في مصر.
وكيفية انطلاق الشرارة الأولى، وكيفية تشكل الظاهرة المسرحية ونجاحها في استقطاب الجمهور بمختلف فئاته، والتعبير عنه بتقديم عروض تعبر عن واقعه الإجتماعي والثقافي والسياسي، وذلك بفضل جهود عدد كبير من المبدعين بمختلف المفردات المسرحية.
ومما لاشك فيه أن الفضل الأول في انتشار الظاهرة المسرحية وترسيخ جذورها بالتربة المصرية والعربية يعود بالدرجة الأولى – كما يتضح من التصنيف التاريخي للعروض بالموسوعة، ولهذا الكتاب – لأصحاب الفرق، ومجموعة من الرواد الأوائل في المسرح من نجوم إلى مخرجين إلى مؤلفين، ويذكر الكتاب أسمائهم جميعا.
يرصد كتاب (قرن ونصف من الإبداع) مشاركة المسرح المصري في التعبير عن أحداث دنشواي 1906 ومؤازرة جهود الزعيم (مصطفى كامل) مؤسس الحزب الوطني، وكذلك كيفية تأثره كما وكيفا بأحداث ثورة 1919، ثم بنفي زعيمها (سعد زغلول) وإقالة حكومة الوفد.
كما يوضح أيضا مدى تأثير الأزمة الاقتصادية العالمية في منتصف ثلاثينيات القرن الماضي على الانتاج المسرحي مما دفع كثير من الفرق إلى وقف نشاطها أو تنظيم رحلات فنية إلى بعض الدول العربية.
خاصة وقد امتد هذا الـتأثير إلى ظهور وانتشار (مسرح الصالات)، وأيضا تأسيس أول فرقة تابعة للدولة (الفرقة القومية عام 1935).
الصراع العربي الصهيوني
يقول (عمرو دوارة) في كتابه المهم : كان من المنطقي أن يتصدى المسرح أيضا لقضية (الصراع العربي الصهيوني) منذ نكبة فلسطين عام 1948، كما واكب بعروضه الحروب والمعارك الهامة التي خضناها معه.
وبالتحديد معركة (بورسعيد) عام 1956 ، والخامس من يونيو عام 1967، والسادس من أكتوبر عام 1973، ويحسب للمسرح المصري أنه لم يكن فقط مجرد انعكاس لأحداث العبور العسكري العظيم في أكتوبر 1973.
بل كان أيضا مشاركا فعالا في صنعه والتمهيد له، حيث استطاع المسرحيون أن يقوموا بدور حيوي ومؤثر بعد نكسة يونيو 1967 (أثناء مرحلة حرب الإستنزاف).
وذلك حينما قاموا بتقديم عروضهم الوطنية خلال تلك الفترة، لمواجهة مشاعر اليأس والإحباط، والعمل على تعبئة الجماهير لمعركة جديدة لاسترداد الكرامة.
وأشار (د. عمرو دوارة) في كتابه : إلى تأثر العروض المسرحية المباشر بالظروف السياسية والإقتصادية والاجتماعية، وعلى كم الانتاج، ونوعية العروض المسرحية من خلال نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين.
وهذا التأثر يتضح جليا أيضا خلال النصف الثاني من القرن العشرين والذي شهد عدة تغيرات محورية ولعل من أهمها: نجاح ثورة 23 يوليو وإعلان (جمهورية مصر العربية).
وتأميم (قناة السويس) والتصدي لمعركة العدوان الثلاثي، وكذلك تأسيس فرق التليفزيون المسرحية في بداية الستينيات، مرورا بنكسة 1967 ثم عودة الكرامة المصرية بنصر أكتوبر 1973.
ثم ما أعقب ذلك الانتصار خلال فترة النصف الثاني من السبعينيات من تغيرات سياسية باتخاذ سياسة الإنفتاح الإقتصادي منهجا وماتبع ذلك من تغير أساسي لطبقات المجتمع المصري.
وبالتالي تغيرت أيضا فئات ومستويات المشاهدين للعروض المسرحية، مما أثر كثيرا على طبيعة ونوعية العروض المسرحية.
ولذا فقد كان من الطبيعي أن تنتشر ظاهرة العروض التجارية التي تعتمد على أرخص أشكال الفنون للترفيه عن الأشقاء العرب، بالإضافة إلى انتشار ظاهرة المسرحيات المصورة التي تنتج خصيصا للتصوير خلال عرض واحد أو عرضين فقط في أفضل الأحوال.
والتي تفاقمت وتعاظمت سلبياتها منذ منتصف العقد الأخير (بالتحديد منذ عام 2014) بتنافس بعض القنوات الفضائية على انتاج ما سمي بـ (تياترو مصر) أو (مسرح مصر).
6500 عرض مسرحي
ويؤكد الباحث والناقد المسرحي (عمرو دوارة): إلى أن مجموع العروض الاحترافية التي تم إنتاجها منذ بداية المسرح المصري عام 1870 (بداية من اسهامات (يعقوب صنوع) وحتى نهاية عام 2019 قد وصل إلى ما يقرب من ستة ألاف وخمسمائة عرضا.
والمقصود بعروض الفرق الإحترافية هى جميع العروض التي شارك في تقديمها نخبة من الفنانين المحترفين أعضاء نقابة المهن التمثيلية، والتى تم تقديمها للجمهور نظير مقابل مادي (شباك تذاكر).
وذلك سواء تم عرضها بالعاصمة أو ببعض الأقاليم، وكذلك سواء تم عرضها جماهيريا لفترات طويلة أو عرضت لليلة واحدة بهدف التصوير التليفزيوني، وبالتالي فهي تضم جميع عروض الفرق الخاصة وأيضا فرق مسارح الدولة منذ تأسيس فرقة المسرح القومي عام 1935.
مسارح الصالات
يحسب لهذا الكتاب المهم اقتحامه لمناطق مجهولة من حياتنا المسرحية ورصد بعض الظواهر المسرحية لأول مرة ومثال لذلك (مسارح الصالات) في منتصف الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي.
والتي قدمت ما يزيد عن ثلاثمائة وخمسين مسرحية، شارك في تقديمها كبار الكتاب منهم (بيرم التونسي، أمين صدقي، بديع خيري، أبو السعود الإبياري)، وقام بإخراجها كبار المخرجين مثل (عزيز عيد وبشارة واكيم وعبد العزيز خليل).
كما شارك بالتمثيل فيها نخبة من كبار النجوم وفي مقدمتهم علي الكسار، فاطمة رشدي، بديعة مصابني، فتحية أحمد، رتيبة وأنصاف رشدي، ببا عز الدين، فهمي آمان، بشارة واكيم.
وعبد الحليم القلعاوي، عقيلة راتب، ثريا حلمي، تحية كاريوكا، حامد مرسي، إسماعيل يس).
المسرحيات المعلبة
كما تطرق كتاب (قرن ونصف من الإبداع) أيضا إلى ظاهرة (المسرحيات المعلبة) أو (المصورة)، ويقصد بهذا المصطلح تلك المسرحيات التي يتم انتاجها خصيصا بهدف العرض التليفزيوني، وبالتالي يتم تقديمها على خشبة المسرح لمدة ليلة واحدة أو في أفضل الظروف لمدة ثلاث أيام في وجود الجمهور.
كذلك تضمن الكتاب بعض الإشارات لعروض بعض الفرق المجهولة التي قام بتأسيسها بعض النجوم وقدمت بعضها عرضا واحدا أو ثلاثة عروض على أكثر تقدير.
ومن بينها فرق النجوم: (حسن البارودي، حسن فايق، محمد كامل المصري (شرفنطح)، نجمة إبراهيم، نيللي مظلوم (أول فرقة للرقص الحديث بالوطن العربي).
ونجوى سالم، فريد شوقي، بدر الدين جمجوم، كمال الشناوي، حسن يوسف، ليلى طاهر).
بالإضافة إلى فرق بعض نجوم الكوميديا (ومن بينها: الكوميدي المصرية لمحمد عوض، أمين الهنيدي، المدبوليزم لعبد المنعم مدبولي، محمد نجم، فرقة “مصر” لسعيد صالح).
وأخيرا يتضح من خلال الفصل الأخير مدى تأثر عروض المسرح المصري كما وكيفا بثورات الربيع العربي (خلال الفترة من 2011- 2013).
وكذلك مدى تأثرها بوباء كوفيد والإجراءات الإحترازية الخاصة به، والتي استدعت إحظر التجوال بعد لفترات وأيضا إغلاق كثير من المسارح خلال موسم (2019/ 2020).