(حين يرن الهاتف).. (الدعاية الإسرائيلية) تصل لكوريا الجنوبية!
بقلم الكاتب الصحفي: أحمد الغريب
مع تواصل العدوان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية، تتواصل بوتيرة متسارعة (الدعاية الإسرائيلية) بهدف اختلاق صورة كاذبة عن الواقع الراهن، وهو ما تحول خلال السنوات القليلة الماضية لحقيقة دامغة لا تقبل التأويل.
كما خطت إسرائيل بخطى حثيثة من أجل بسط سيطرتها على العديد من دوائر صناعة السينما والدراما حول العالم لتحقيق تلك الغاية.
لعل واقعة المسلسل الدرامي الكوري الشهير (حين يرن الهاتف)، الذي تعرضه قناة mbc الكورية الجنوبية ومنصة (نتفليكس)، الذي تعرّض لانتقادات شديدة على وسائل التواصل الاجتماعي خير شاهد على مدى توغل إسرائيل في هذا المجال.
قبل أيام قليلة، اتهم الغاضبون من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، المسلسل الكوري بتمرير (الدعاية الإسرائيلية) غير المباشرة حول العدوان الإسرائيلي على غزة، الذي خلّف حتى اليوم 45 ألفاً و936 شهيداً، و109 آلاف و274 مصاباً، وفقدان ما يزيد عن 11 ألف فلسطيني، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين.
فضلاً عن تجاهل إسرائيلي لمذكرتي اعتقال أصدرتهما المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء (بنيامين نتنياهو) ووزير الدفاع السابق (يوآف غالانت)، لارتكابهما جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية بحق الفلسطينيين في غزّة.
تحريف الواقع في غزة
يري معلّقون عدّة في مواقع التواصل الاجتماعي أنّ (حين يرن الهاتف) تضمن إشارات مثيرة للجدل عن إسرائيل وفلسطين، واعتبرها المعلقون المتضامنون مع الفلسطينيين إدراجاً خفياً للسردية الصهيونية مارسه منتجو المسلسل، على سبيل الدعاية الإسرائيلية المضللة.
وقدّم المعلقون الأدلة على حديثهم من خلال مقاطع من الحلقة الأخيرة من الموسم الأول، التي بُثت في 4 يناير وتضمّنت إشارات إلى أماكن تسمى (بالتيما) و(إسمائيل)، والتي فسّرها مشاهدون بسرعة على أنها (فلسطين) و(إسرائيل).
في مشهد من (حين يرن الهاتف)، الذي يدور حول سياسي صاعد، يظهر عرض إخباري على شاشة التلفزيون يقول (إن الغارات الجوية المستمرة في (بالتيما) تجري في (إسمائيل)، حيث اختطف مسلحون مواطنين كوريين).
وفي تكرار للسردية الإسرائيلية التي تركّز على أن الفلسطينيين مجرّد مسلحين يخطفون الأبرياء، بدلاً من وصفهم الحقيقي بأنهم مناضلون مقاومون ضد محتل إسرائيلي يسعى لإبادتهم وخنقهم وطردهم منذ عقود.
وهذا أيضاً ما رآه المعلقون في مواقع التواصل، الذين اتهموا MBC الكورية بـ (تحريف الحقائق) بشأن العدوان، ودعوا إلى حملة مقاطعة ضد المسلسل، مؤكدين أن (الدعاية الإسرائيلية) ليس لها مكان في وسائل الإعلام، وخاصة في الأعمال الفنية، كما طالبوا MBC بالاعتذار.
في هذا السياق كتب مغرّد: (هذا ليس مصادفة بالتأكيد. إنه غير مرتبط تماماً وغير ضروري للقصة ولكن طاقم الإنتاج كان عليه فقط إدراج وجهة نظره الصهيونية).
وغرّدت معلقة: (لن أنهي (حين يرن الهاتف) بعد أن عرفت ما فعلوه مع تلك الدعاية المقززة ضد فلسطين، وهى دعاية غير ضرورية على الإطلاق، (الدعاية الإسرائيلية) ليس لها مكان في وسائل الإعلام، وخاصة في وسائل الإعلام الفنية).
ومما يزيد من خطورة هذا التوجيه نحو السردية الإسرائيلية أن المسلسل ينتمي إلى الدراما الكورية واسعة الانتشار، ويُعرَض على منصة البث الأكثر شعبية في العالم، إذ يتابع الموجة الترفيهية الكورية أكثر 200 مليون معجب في جميع أنحاء العالم.
بينما تمتلك منصة (نتفليكس) أكثر من 280 مليون مشترك، وهى المنصة ذاتها التي حذفت عن عمد 19 فيلماً على الأقل من قائمة (قصص فلسطينية)، التي تضم أعمالاً عن فلسطين ولمخرجين فلسطينيين، بينما الإبادة لا تزال مستمرة.
نتفليكس حقائق دامغة
على الرغم من أن منصة (نتفليكس) تؤكد دائمًا أنها منصة ترفيهية، ولا علاقة لها بأي أجندة سياسية، وتنفي ذلك مرارًا وتكرارًا، فإن المتابع لأعمال (نتفليكس)، خاصةً ما يتعلق بالأعمال الإسرائيلية، يلاحظ وبكل وضوح أنها تعرض أفلامًا وسلاسل درامية ووثائقية تنحاز جميعها للرواية الإسرائيلية، وتدخل في إطار البروباجندا.
فبمجرد أن تقوم بالبحث عن كلمة (إسرائيل) في (نتفليكس) ستجد أمامك وابلًا من جميع الأعمال، سواء الأفلام، أو المسلسلات، أو الوثائقيات، وجميعها متاحة في الدول العربية، ومترجمة للعديد من اللغات، ومن ضمنها اللغة العربية، وفي المقابل لو كتبت كلمة (فلسطين) في بحث (نتفليكس)؛ فكل الأعمال التي ستظهر لك هى أعمال إسرائيلية.
ومن خلال تتبع المحتوى الإسرائيلي على (نتفليكس)، نجد أن الغالبية من هذه الأعمال هى أعمال مسيسة، تمثل رؤية وسردية الكيان الصهيوني، مما دفع بالكاتبة الأمريكية (بيلين فيرناندز) إلى كتابة مقال، نشرته على موقع (ميدل إيست آي) ذكرت فيه أن (نتفليكس) أصبحت مكانًا لـ (الدعاية الإسرائيلية).
وأن إسرائيل محظوظة بسبب تمكنها من تأسيس وجودها على (نتفليكس)؛ لترويج سياستها عالميًّا، والسعي من خلال (نتفليكس) إلى كسب التعاطف على مستوى الرأي العام العالمي، وفي ذلك العالم العربي.
وتضيف (فيرناندز) من خلال مشاهدتها لبعض الأعمال الإسرائيلية على (نتفليكس) أن كل هذه الأعمال تدور حول تعظيم الدور الاستخباري الإسرائيلي، وعرض الشخصيات الإسرائيلية كأبطال، وعرض الضحايا من الفلسطينيين كمجرمين وإرهابيين.
الترويج للرواية الإسرائيلية
لو نظرنا إلى الأعمال التي أنتجتها (نتفليكس) عن الفلسطينيين، أو الأعمال التي اشترت حقوق بثها من شركات الإنتاج الإسرائيلية، فإننا سنجد أن جميع هذه الأعمال تدور حول ما يلي:
إما ترويج مباشر لسياسة ورؤية الاحتلال الإسرائيلي، وفرض الرواية أو السردية الإسرائيلية على كل هذه الأعمال.
أو طمس ومحو الهوية الفلسطينية، ووصف المجتمع الفلسطيني بالإرهاب وبأشنع الصفات، وتصوير جميع رموز وقادة الشعب الفلسطيني بأنهم بلا أية قيم أو أخلاق، ومجردين من كل صورة إنسانية.
وقلب المسميات، ومن ثم قلب الأفكار، فالمجازر والمذابح التي ارتكبتها إسرائيل صار اسمها (اشتباكًا ودفاعًا عن النفس) بينما المقاومة صار اسمها (إرهابًا).
وتمجيد وشرعنة الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل بحق الفلسطينيين!، وتحسين صورة الجندي الإسرائيلي، وإظهار إنسانيته أمام الفلسطيني الإرهابي.
مع تقديم صورة مثالية للشعب الإسرائيلي، لا صلة لها بما يدور على أرض الواقع، وتصوير إسرائيل بأنها لا تلجأ للعنف إلا عند الاضطرار، وهى دائمًا في موقف دفاع وتسعي إلى السلام، بينما الفلسطينيون يلجئون للعنف بكل سرور، وفي كل وقت وحين.
كيف تسللت إسرائيل إلى نتفليكس؟
الواقع يقول إن الدراما الإسرائيلية حجزت على (نتفليكس) مكانًا عالميًّا لها، من خلال أعمال (فوضى، والمختطفون)، إضافة إلى مسلسل (Our Boys، وShtise)، وكذلك مسلسل (BeTipul)، وقد أُدرجت هذه الأعمال الثلاثة على لائحة (نيويورك تايمز) لأفضل ثلاثين عملًا تلفزيونيًّا بين 2010 و2020، وفي العام 2013 ظهر أول عمل إسرائيلي على منصة (نتفلكيس):
مسلسل الرهائن Hostages ويتناول المسلسل قصة عصابة تقوم بخطف عائلة الطبيبة التي ستجري عملية جراحية لرئيس الوزراء، وتلعب أحداث المسلسل على وتر المشاعر.
فمع أحداث الحلقات الـ 15 من المسلسل، تجد مشاعرك أحيانًا تتعاطف مع العصابة، وأحيانًا تتعاطف مع الجهة الأخرى، ومع الوقت تتغير مشاعرك، ولا تدري مع أي فئة تتعاطف، ورسالة المسلسل الضمنية هي أنك غير قادر على التفريق بين الضحية والجاني.
بعد عامين من مسلسل الرهائن، اشتهر مسلسل (فوضى) في العام 2015، وحقق هذا المسلسل مشاهدات بالملايين، وصدرت له ثلاثة مواسم، مقسمة على 36 حلقة، مدة الحلقة الواحدة 45 دقيقة، ومع تتبع مضمون حلقات المسلسل الـ 36.
يتبين أن هذا المسلسل يقوم على تمجيد جرائم الحرب الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، وشرعنة الجرائم التي ارتكبتها وترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين، وتصوير الضابط الإسرائيلي بأنه لا يلجأ للعنف إلا عندما يكون مضطرًّا! بينما الفلسطيني يلجأ للعنف في كل وقت وحين، ويكون في قمة سروره وسعادته حين يستخدم العنف.
إضافة إلى ربط المجتمع الفلسطيني بتنظيم (داعش)، من خلال استدعاء مشاهد القتل التي قام بها التنظيم، وربط الفلسطينيين بها! لإظهار أن إسرائيل تواجه نفس الخطر الذي يواجهه الغرب، وبالتالي فهي عندما تقتل الفلسطينيين، فإنها تقوم بواجبها في مكافحة الإرهاب، كما يفعل حلفاؤها الغربيون.
وبكل فجاجة يظهر المسلسل الفروق بين صورة المجتمع الإسرائيلي، والمجتمع الفلسطيني، فالمجتمع الإسرائيلي بحسب المسلسل، هو مجتمع طيب وذكي، لا يعرف إلا الأخلاق الفاضلة والنبيلة، لا يعتدي على أحد، هو دائمًا في موقف الدفاع!
أما المجتمع الفلسطيني فهو مجتمع منعدم الرحمة، متعطش للدماء والقتل، عاشق للجنس والخيانة، متحرر من أي فضيلة إنسانية، يكره اليهود أكثر من النازيين.
وطالبت (حركة مقاطعة إسرائيل -BDS المشاركين في هذا المسلسل بالانسحاب، ووصفت المسلسل بأنه مادة دعائية تخدم نظام الاستعمار الصهيوني.
نتفليكس بعد هوليود
أتت النقلة الكبرى للحضور الإسرائيلي على (نتفليكس) في عام 2018، حينما ذكرت صحيفة (جيروزاليم بوست) أن محتويات إسرائيلية أُضيفت بصمت وهدوء إلى خدمات نتفليكس، ومن بينها أعمال درامية ووثائقية، تشكل ترويجًا مباشرًا وغير مسبوق للاحتلال الإسرائيلي.
كما أكدت الجريدة أن عددًا من المسلسلات الإسرائيلية سوف يكون متوفرًا على (نتفليكس) خلال الفترة القليلة المقبلة، وهو ما حدث فعلًا.
وعلق الصحفي الإسرائيلي (إيسان شور) حول إنتاج (نتفليكس) المتزايد في الفترة الأخيرة قائلًا: وصلت ذراعنا الطويلة إلى هوليود سابقًا، والآن نتفليكس، لقد تعمقنا في العام 2018، وكأن السينما والتلفزيون الأمريكيين، أصبحا جزءًا من مركز تراث المخابرات الإسرائيلية!
وما ذكرناه مجرد عينة من الأعمال الداعمة لسياسة الاحتلال الإسرائيلي على منصة (نتفليكس)، لكن يبقى السؤال: هل الجمهور الإسرائيلي هو المستهدف من هذا الكم الكبير من الأفلام والمسلسلات والوثائقيات الإسرائيلية على نتفليكس؟
في هذا الصدد يقول (أرييل فرومان) مخرج فيلم (the Angel) إن الجمهور المستهدف من المحتوى الإسرائيلي على منصة نتفليكس هو الجمهور العربي وللعلاقات بين الإسرائيليين والعرب.
عدم وجود تشريعات
يبقى السؤال، هل توجد تشريعات وقوانين تمنع استغلال منصة (نتفليكس) لأغراض سياسية؟ وللإجابة على ذلك يمكن القول (للأسف لا توجد أي تشريعات تمنع حدوث ذلك)، إضافة إلى عدم وجود إطار شفاف وواضح يحدد سياسة (نتفليكس) في اختيار الأعمال التي تنتجها، أو الأعمال التي تشتري حقوق بثها.
وبالنظر إلى كمية ونوع المحتوى الإسرائيلي على منصة (نتفليكس)؛ فليس من الطبيعي أن تروج (نتفليكس) لكل هذا المحتوى المسيس من باب الإنتاج التجاري، وبماذا نفسر انفتاح وانحياز أكبر شبكة ترفيه إلكترونية للسردية الإسرائيلية، مقابل تغييب ومحاربة الرواية الفلسطينية عبر (الدعاية الإسرائيلية) المضللة.
والتفسير هو أن (نتفليكس) لها بُعد سياسي متمثل في دعم رؤية وسياسة الاحتلال الإسرائيلي، ومحاربة القضية الفلسطينية، حتى وإن كانت تنفي وجود أي أهداف سياسية لها.
فالمحتوى الإسرائيلي المسيس على (نتفليكس) يزيد كل يوم، مما حدا بالبعض إلى القول بأن نتفليكس بيت من بيوت الدعاية الإسرائيلية، وأداة لتضخيم رسائل وادعاءات إسرائيل، والهدف من المحتوى الإسرائيلي على (نتفليكس) لا يقتصر على جعل الناس يؤيدون إسرائيل، ويشعرون بالرضا تجاه موقفهم، إنما الهدف هو كسب قلوب وعقول جديدة لإسرائيل.
وللحديث بقية..