بقلم الدكتور: طارق عرابي
(طارق نور).. هو أستاذي الذي علمني الكثير أنا وعدد كبير من أصدقاء جيلي، وكما أنه أستاذي ومعلمي الأول في مجال الدعاية والتسويق والعلاقات العامة والإعلان والإعلام، فإنني أعتبره صديقي (إبداعيًا وثقافيًا)..
(طارق نور) يجيد التحدث بخمس لغات ولديه مخزون معرفي متنوع هائل، ولم تكن أبداً نجاحاته الكبيرة من فراغ، سواء نجاحاته كملك الإعلان في الشرق الأوسط أو نجاحاته في قناته الفضائية الخاصة (القاهرة والناس).
(طارق نور).. مبدع حقيقي ولديه قدرة هائلة على اكتشاف المبدعين ودعمهم، ويسمو (طارق نور) فوق أية أمور شخصية، فربما تكون شخصًا مبدعًا ولكن شخصيتك لا تروق له.
لكن (طارق نور) من القلائل في مصر الذين لا يبخسون المبدعين حقوقهم فهو يستطيع الفصل التام بين المشاعر الشخصية والمهارات المهنية، ودعوني أخبركم أمراً صادمًا ومفاجئاً حتى لطارق نور لو توفر له الوقت واطلع على هذا المقال.. حكاية بداية عملي مع (طارق نور):
في بداية عام 1992 كنت ضائعًا بمعنى الكلمة، أغضبت أبي وخسرت دعمه لي عندما هجرت الطب وقررت ألا أكون طبيبًا، ذلك لأنني في الأصل دخلت كلية الطب إرضاءً لوالدي، وكنت حينها أسكن في شقة متواضعة بشارع المقسي بمنطقة شبرا، وكان شغفي الأول منذ طفولتي هو الفن والأدب والإعلام.
وبعد قطيعة والدي لي آنذاك، وصل الأمر بي إلى عدم توفر ما يكفل لي طعام يومي، لدرجة أنني كنت أقوم بتخزين الخبز وتجفيفه وأخلطه في النهاية مع الماء وبعضًا من السكر لكي أستطيع استكمال حياتي.
وكان هذا النصف وجه الذي أراه على شاشة التلفاز بعد كل إعلان يجذبني ويجعلني أفكر.. هل إن هذا الرجل شهير الإعلانات صاحب النصف وجه يمكن أن يستوعب قدرتي وموهبتي الإبداعية ويكون لي نصيبًا معه؟!
سكرتيرة طارق نور
بحثت عن أرقام الهاتف الأرضي لهذا الكيان الذي كان مسماه حينها: (طارق نور – أمريكانا للدعاية والإعلان).. وبعد محاولات يائسة مع سكرتيرة الاستقبال العامة بالشركة وفي النهاية وصلت إلى سكرتيرة طارق نور الخاصة (سناء عبد الستار)، والتي ما زالت سكرتيرته (المحترمة) حتى يومنا هذا.
وعلى عكس السكرتيرة العامة وسخريتها من كلامي، اكتفت (سناء) بضحكة خفيفة على الهاتف رداً على كلامي الغريب، حيث قلت لها بالحرف الواحد: من فضلك بلغي الأستاذ (طارق نور) إن فيه واحد اسمه (طارق عرابي) بيقولك إنت مبدع ومحقق نجاحات كبيرة أوي، لكن لو (طارق عرابي) ما اشتغلش معاك هتضيع عليك فرصة مكاسب ونجاحات أكبر..
وكل اللي (طارق عرابي) طالبه هو إنه يقابلك لمدة نصف ساعة فقط.. وبعد انتهاء المكالمة التي بدت وكأنها كوميدية هزلية، لم تمر ساعة وطلبتني (سناء عبد الستار) على الهاتف الأرضي، وقالت لي: عندك موعد مع الأستاذ طارق نور بكره الساعة 10 صباحًا.
وبالفعل ذهبت (سيراً على الأقدام من شبرا إلى الجيزة وكان مقر الشركة آنذاك في شارع رضوان ابن الطبيب خلف حديقة الحيوانات).. وعندما استقبلني (طارق نور) قال لي وهو يصافحني بابتسامة جميلة لكنها غامضة: إنت بقى اللي هتخليني أكسب أكتر وأنجح أكتر.
وبعد أن علم أنني درست الطب ولم أعمل طبيبًا وبعدما لاحظ إجادتي العالية للغة العربية الفصحى، وبعدما اختبرني بافتراضيات كثيرة وبعدما أعجبته ردودي على كل افتراضية طرحها، أمسك بيدي ومر بي على عدد من موظفي ومدراء علاقات العملاء وقدمني لهم قائلا: ده الدكتور “الكرييتف” المجنون الجديد بتاعنا اللي هيكتبلنا الأفكار.
ونظر إلي مبتسمًا: اللي هتكسبنا فلوس أكتر.. وكتب الله لي نجاحًا مبهراً مع (طارق نور) خلال أيام وأسابيع قليلة، وخاصة عندما أولاني بعد أسبوعين من تعييني مسئولية إعداد برنامج تلفزيوني للقناة الثانية بالتلفزيون المصري عن المهرجان العالمي للحصان العربي بالقاهرة والذي أسميته (أخطر حصان في العالم) وأذيع بالقناة الثانية المصرية في نوفمبر 1992.
ورغم شهرته الكبيرة وواسعة النطاق بمصر ودول الخليج، لم يخرج (طارق نور) علينا يومًا متشدقًا بتفاخر عن نفسه، ولم يتباهَ يومًا بإبداعه وإمكاناته وقدراته الإدارية الهائلة، ولم يحاول يومًا أن يتفاخر بعلمه ومخزونه المعرفي الهائل.
جماله الإنساني والوطني
ولم يسعَ يومًا (رغم قدرته على ذلك) ليقنع واحداً من بعض من هاجموه واتهموه في إنسانيته ومصريته، بل ظل يفضل أن يعكس جماله الإنساني والوطني والمهني بالعمل والعطاء دون الالتفات لتلك التفاهات لأنه يؤمن بأن الزبد يذهب جفاءً وأن ما ينفع الناس فيمكث ويعمر طويلاً في الأرض.
(طارق نور) قادر على تحقيق قفزة نجاح نوعية للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية إذا احترم الآخرون قيمه ومبادئه في العمل، فهو لا يمكن أن يحابي أو يجامل أحداً مهما كان شانه على حساب الصالح العام للعمل والوطن.
(طارق نور) قادر على إعادة بريق صورة الإعلام المصري والدراما المصرية إن توقف الفاشلون ورواد (خالف تعرف) عن محاولة (تكسير مجاديفه).
(طارق نور) قادر على تحويل المتحدة من كونها عبئاً على الدولة المصرية إلى مصدراً ثرياً لدخل قومي كبير، هذا إن مُنح كامل الصلاحيات دون التدخل في عمله. هذا هو (طارق نور) الذي أعرفه جيداً وعن كثب.
من القلب: طارق عرابي