بقلم الكاتب الصحفي: محمود حسونة
بعض الأعمال الفنية يكون النجاح فرض عليها، ولا سبيل أمامها سوى أن تحققه، ولو لم تحقق النجاح يكون فشلها مؤلماً ومثيراً في الوقت ذاته، وليس من الضروري أن يكون النجاح عنوان جودة، ومن هذه الأعمال مسلسل (موعد مع الماضي) الذي بثته منصة (نتفليكس) الشهر الماضي.
فهو المسلسل الذي توافرت له كل عوامل النجاح، ولا ننكر أنه نجح ولكنه النجاح الذي لا يتناسب مع حجم الدعاية التي سبقته، وأسماء أبطاله، والعرض على منصة عالمية هى (نتفليكس) التي يتابعها الناس من كل دول العالم.
وبعد أن هرول الناس لمشاهدته بناءً على الحملة الدعائية التي سبقته وكثرة النجوم المشاركين فيه أصيبوا بخيبة أمل في (موعد مع الماضي)، حيث جاءت النتائج أقل من التوقعات، نجح ولكنه النجاح المحدود الذي لا يتوازى مع توافر كل عوامل النجاح المدوي له.
يكفي هذا المسلسل دعايةً عرض حلقتين منه في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي خلال دورته الأخيرة بحضور أبطاله وعدد من نجوم السينما، ونظمت المنصة الدولية مؤتمراً صحفياً في أحد فنادق القاهرة وحضره المخرج وجميع أبطال العرض.
مهرجان دولي للسينما يعرض حلقتين من مسلسل، هو خلط مقصود ومحسوب والهدف منه الدعاية للعمل وانحياز لأبطاله واستجابة للمنصة العالمية (نتفليكس) حتى تتيسر أمور المهرجان معها.
الأهم إرضاء (نتفليكس)
أمر قد يستفز صناع السينما الذين لا يجدون لأعمالهم مكاناً في المهرجان ولا تُوَجه لهم دعوة لحضور أي من فعالياته، وهو أمر ليس مهماً لأن الأهم إرضاء (نتفليكس)، التي لا تعرض أي أعمال عربية ولكنها تختار ما تعرضه وفق الكثير من الشروط.
ولذلك فإن أي فنان تقبل (نتفليكس) بعرض عمل له يكون ممن دعت لهم أمهاتهم، ويعيش في وهم أنه وصل للعالمية، خصوصاً أن هذه المنصة متوافرة في 190 دولة حول العالم، أي أنها موجودة في العالم كله.
وللأسف أن الكثير من فنانينا لا يدركون أن مشاهد (نتفليكس) في أي مكان في العالم غالباً ما لا يشاهد سوى إنتاج البلد الذي ينتمي إليه، وأحياناً إنتاج الإقليم الذي تتواجد فيه بلده، بجانب الانتاج الأمريكي المكتسح عالمياً قبل وجود (نتفليكس) وقبل ظهور المنصات.
وكل من (نتفليكس) والإنتاجات الأمريكية ليست سوى أدوات أمريكية لتشكيل العقل والوجدان الإنساني وفق مخططات الدولة الأمريكية والقوى الخفية التي تدير هذا العالم.
أسماء وعدد النجوم المشاركين في (موعد مع الماضي) وحدها تضمن له نسب مشاهدة عالية، فهو يضم (آسر ياسين ومحمود حميدة وشيرين رضا وشريف سلامة وصبا مبارك وهدى المفتي وركين سعد).
وكل اسم من هؤلاء (يشيل مسلسل) بلغة أهل الفن، وتعني أن اسم أي واحد فيهم يجذب الناس لمشاهدته، فما بالكم لو اجتمعت كل هذه الأسماء في عمل واحد!
أما القضية التي يطرحها (موعد مع الماضي) وهو بالمناسبة اسم تم استخدامه من قبل في أعمال فنية مصرية وغير مصرية، قضية مستهلكة ومكررة، القضية المباشرة هي انتقام المظلوم ممن ظلموه، وفي سبيل ذلك تُسال الكثير من الدماء لدرجة أن أكثر من ثلثي الشخصيات يتم قتلها وبأبشع الطرق، ولكن هناك قضية أهم وهى الكذب.
إخفاء الحقيقة دائماً ما يجلب أزمات ومشاكل، وفي المسلسل تم إخفاء حقيقة المتسبب في قتل (نادية)، ورغم أن القتل كان بالخطأ فإن إخفاء الحقيقة جعل القضاء يتعامل معها على أنها قتل عمد.
وتم استغلال ظروف (يحيى) ومرض والدته ليتم إغراءه بالمال بدعوى أنه سيسجن 3 سنوات تخفف إلى سنة فيتم سجنه 15 عاماً، تموت خلالها والدته قهراً على أخته القتيلة وعلى شبابه الذي ضاع في السجن من دون ذنب ارتكبه.
وبدلاً من أن تكون (نادية) وحدها الضحية تصبح كل عائلته ضحايا إخفاء (عائلة البحث عن قاتل (نادية) ياسين) المتسلطة استناداً إلى ثرائها ومكانة (ياسين) في السلطة، ويخرج (يحيى) من السجن مقرراً البحث عن قاتل (نادية) والانتقام منه واضعاً كل (عائلة ياسين) في دائرة الاشتباه، وفي طريق السعي وراء الحقيقة يسقط ثلثي الأبطال قتلى بما فيهم (يحيى) ذاته.
اختزال الأحداث في 8 حلقات
المسلسل مأخوذ عن مسلسل مكسيكي باسم (من قتل سارة)، ولعل ما يميز (موعد مع الماضي) هو اختزال الأحداث في 8 حلقات جاءت مكثفة بإيقاع سريع وخالية من الملل، وذلك مقارنة بالأصل المكسيكي الذي تم عرض ثلاثة أجزاء منه.
السيناريو الذي كتبه (محمد المصري) شابته بعض السلبيات، وأهمها عدم وجود خلفية عن عائلة (يحيى ونادية) وطبيعة العلاقة التي تربطهما بعائلة (ياسين)، وأيضاً عدم وضوح معالم بعض شخصيات العائلة الغنية وخلفياتهم التعليمية والمهنية مثل شخصية (سلمى/ صبا مبارك)، وشخصية (ليلى/ ركين سعد).
أما المخرج (السدير مسعود) فقد قدم مشاهد القتل ببشاعة مقززة لا تتوافق مع طبيعة مجتمعاتنا، ويبدو أن ذلك كان مطلباً من (نتفليكس) لتعويد الشخصية العربية على مشاهد القتل البشع، وكأننا تنقصنا هذه المشاهد التي نتابعها يومياً عبر نشرات الأخبار من غزة والضفة ولبنان وغيرها من مناطق الصراع مع العدو الاسرائيلي.
البطل الحقيقي في (موعد مع الماضي) هو الماكياج الذي أظهر الفارق بين ملامح الشخصيات قبل الجريمة وخلال المحاكمة، وبعد خروج (يحيى) من السجن، فالفاصل الزمني 15 عاماً تترك آثارها على الملامح وهو ما أجاد فيه الماكيير.
كذلك براعة المخرج في اختيار الممثلين الذين تتشابه ملامحهم وأشكالهم إلى حد كبير ما بين مراحل أعمارهم في الصغر والكِبر، وكان الأكثر تعبيراً وتألقاً في الأداء وتجديداً عن أدواره السابقة (شيرين رضا ومحمود حميدة ومحمد علاء ومحمد ثروت)، والأضعف أداءً كلا من (صبا مبارك وركين سعد).
أما (آسر ياسين وشريف سلامة) فقدما دورين يضافا إلى رصيدهما من دون أن يضيفا إليهما.