بقلم الفنان التشكيلي الكبير: حسين نوح
حين أشاهد فيلماً كامل المفردات ويخاطب المشاهد بلغة سينمائية رفيعة المستوى ويطرح الاسئلة ويسأل: (هل أنت مازلت مقتنعاً بنفس الحقيقة؟).. اليقين يا سيدي تناول ذلك المؤرخ البريطاني (أرنولد تويني وشكسبير والرائع نجيب محفوظ) في (الحوادث المثيرة).
أندهش من أن فيلم (عيار ناري) إنما هو طلق ناري لم يصب الهدف في مناخ سينمائي سيطرت عليه نوع من سينما تغازل الشباك وجمهور الترند، وأجدها تبتعد عن المهرجانات وتبتعد عن تاريخ سينمائي عريق حافل بالأعمال المشرفه للكبار إلا من أعمال جيدة، لكنها تحاول بين كثير من سينما كم دون كيف.
كيف لمصر والإبداع المصري الذي منح القاهرة لقب هوليود الشرق أن اجد على فترات متباعدة فيلماً جيداً بعيداً عن العنف والكوميديا المسطحة، وأحياناً المبتذله ثم أجد أفلام المطاردات والعنف وتكسير العربات مثل (عيار ناري) رغم وجود كتاب اعرف قدرهم ومخرجين عظماء بمنازلهم يتابعون.
وأتخيل كيف لأمثال (حسين كمال وكمال الشيخ) أن يتخيلوا ماذا تقدم السينما المصرية الآن بعد تاريخ حافل بالإبداع، ولكن للأسف سيطرت أعمال أبعدتنا عن المهرجانات الحقيقيه بعد أن قدمنا في بيتنا (رجل والأرض والزوجه الثانيه وثرثرة فوق النيل وصولاً زوجة رجل مهم، والبريء).
تلك أمثلة من كثير من أعمال خلدت السينما المصرية، ثم بالصدفه أشاهد فيلم (عيار ناري) إنتاج 2018، يؤكد الفيلم أن مصر تمتلك كل مفردات تقديم أعمال تنافس السينما في العالم.
فلدينا الكتاب والمخرجين والممثلين وفقط ينقصنا النقد الموضوعي المهني غير الانطباعي الطيب الذي يعتمد على كلمات الاستحسان من (جميله ورائعه وغول وفيل) إلى آخر مفردات المديح الشخصي.
فالنقد الفني الموضوعي من أهم ما يجعلنا نقدم سينما حقيقية تليق بتاريخ مصر فلدينا نقاد ولكن العدد قليل جداً بالنسبة لكم الاعمال
براعة (أحمد الفيشاوي)
فيلم (عيار ناري) يتحدث عن الدكتور ياسين المانسترلي (أحمد الفيشاوي) الطبيب الشرعي بمشرحة زينهم شخص منطوي يشرب الخمر ويعاني من طرد والده الوزير السابق (أحمد كمال) بعد إدانة المجتمع له.
تصل المشرحة جثة علاء أبوزيد (أحمد مالك) كان مشاركاً في مظاهرات لاظوغلي 2011 والأصابة بعيار ناري من مسدس ماركة حلوان من مسافة أقل من متر بيد صاحبها أشول وليس برصاص بندقية وهذا ماسجله في التقريرالدكتور (ياسين).
ويتسرب للإعلام عن طريق الصحفية مها عوني (روبي)، وهنا يرى البعض أن التقرير يعد تضليلاً وآخرون اعتبروه اشتباك داخل المتظاهرين وزادت مهاجمة دكتور ياسين استناداً إلى إكثاره في تناول الخمر أثناء العمل.
ويحاول الدكتور (ياسين) والصحفية البحث عن الحقيقة ويصل لها وتكون صادمة مع تتابع للأحداث يتجلى فيها أداء الممثلين بشكل عبقري وقياده لمخرج شديد الوعي بقيمة دلالات الصور وحركة الكاميرا.
أدهشني أداء أحمد الفيشاوي الواعي بالشخصية والمحافظ علي مستوى الأداء في جميع مشاهد (عيار ناري) بنفس التقمص للشخصية الباحثة عن اليقين، وكانت مشاهده مع ( محمد ممدوح ) خالد شقيق القتيل.
والذي يطالب باستمرار الحياة ولم شمل الأسرة بكل الطرق مسيطراً علي مستوي الأداء الغاضب والعصبي أحيانآ بشكل عبقري، فكانت مباراة تنس في الأداء التمثيلي بينه ومن امامه من النجوم في كل مشهد بشكل عام.
(روبي).. موهبة عبقرية
فالعمل يعتبر تأكيد أن لدينا مواهب عبقرية فكانت (روبي) متألقه تغوص في أغوار الشخصية الباحثة عن يقين ورغم اعتراض من حولها من المشككين، كذلك قدمت (عارفة عبد الرسول) نفسها في هذاالعمل كممثلة للأدوار المركبة الصعبة وتفوقت وسجلت اسمها مع الكبار ويأتي سؤال حتمي؟
هل أصبح المناخ طارد للحقيقيين كما يحدث في خريجي التعليم الانترناشونال والجامعات الغربيه فيسافرون للخارج دائماً هرباً من مناخ اللافرز والمجاملات.. أين هذا المخرج المبدع بكل ما تحمل الكلمة.. أين كريم الشناوي؟
لقد شاهدت مخرجاً واعياً بحركة الكاميرا وحجم الكادرات وعلاقة الممثل بتكوين الكادر ففي مشهد (روبي وأحمد الفيشاوي) بعد التسجيل التليفزيوني للأم (عارفة عبد الرسول) في احدى استديوهات مدينه الإنتاج.
وتصوير المخرج لهما وجعلهما بأحجام صغيرة في لونج وسط مباني الاستديوهات الكبيرة يشعر معها المشاهد بضآلة حجم حالة الحقيقة وتأكيد التيه والضياع لمحاولات البحث عن يقين.
وجود خطيبة القتيل (أسماء أبو اليزيد) بعيونها المعبرة خلف القضبان في الشباك تتحدث مع (ياسين) بأداء عبقري مأزوم بوعي سقوطها سجينة علاقتها بالقتيل اختيار عبقري لمخرج واع.
بحثت عن المبدع كريم الشناوي اكتشفت ان فيلم (عيار ناري) العمل الأول له، فأين هذا المبدع واكتشفت أنه قدم مسلسلات (قابيل 1018، وعهد الدم 2020، وخلي بالك من زيزي 2021.
لكن اين هذا المبدع من السينما وأين أحمد الفيشاوي بهذا المستوى العبقري، لا يُظهر الاعلام إلا مغامراته النسائيه والوشم والتاتوه.. أين النقد ليعرف أنه مبدع!.. أين نجوم هذا العمل؟، هل هو الورق النص.
فالإبداع الحقيقي يحتاح لتنقيب عن الكتاب الحقيقيين، وأين (هيثم دبور) بعد هذا العمل الذي أراه يستطيع أن يمثلنا في مهرجانات حقيقية تبحث عن سينما تقدم قيمة مضافة في كل مفردات الإبداع الفني.. مجرد أسئلة؟
شكراً لأسرة فيلم (عيار ناري) العبقري بالرغم أني شاهدته بعد سنوات طوال من عرضه بنصيحة من صديق مخرج مبدع توارى بعد ضياع بوصلة السينما الحقيقية.
أطالب بمزيد من تلك النوعية من الأفلام التي تساعد علي إعمال العقل وتقدم قيمة وسط مناخ ومهازل الترند وسينما السرقات والبلطجة والسنج وكوميديا تكريس الهطل وكأننا ناقصون رغم ما يحيط بنا من مهازل وبطش وعنتريات ولا نملك إلا الدعاء بالحفاظ على مصر الغالية التي تستحق فنون بحجم تاريخها فمصر تنطلق وتستحق.