(أحمد عدوية).. رحيل المطرب الذي أحبه الرئيس السادات، ونجيب محفوظ، وغنى له العندليب!
كتب: أحمد السماحي
بعد ظهر اليوم الاثنين تم تشييع جنازة المطرب الشعبي الكبير (أحمد عدوية) من مسجد الفنان (حسين صدقي) بالمعادي، وتم الدفن في مقابر السيدة عائشة.
وجاءت وفاة (أحمد عدوية) بعد شهور قليلة من وفاة زوجته السيدة (ونيسة) سنده، وحبه، وكل دنياه، والتى رحلت في شهر مايو الماضي، بعد أن تركت في حياته فراغا كبيرا.
قدم (أحمد عدوية) على مدى مشواره مئات من الأغنيات والمواويل الشعبية، ومن خلالها اقترب من الناس الطيبين، والقلوب المتعبة، والنفوس الصافية الشقيانة.
وخلال رحلة حياتهم كان (أحمد عدوية) بمثابة (آهاتهم) الحلوة في صحراء الحياة، وفرحة قلوبهم في معركة العمل، لأن غنائه، كان غناء المتعبين الذين يجدون في الفن قوة تساعدهم، وتجدد مافيهم من قدرة على الحياة، وتخفف العرق.
وكان عدوية بصوته الشعبي العذب يخلق في جهد الناس الطيبين، الذي يبذلونه متعة وجمالا وفرحا حقيقيا يملأ القلوب.
على مدى سنوات طويلة ربطت بيني وبين (أحمد عدوية)، وزوجته (ونيسة) علاقة صداقة وطيدة، كان نتيجتها العديد من الحوارات الصحفية في جريدة (الحياة) اللندنية، و(الأهرام)، وموقع (إرم).
فضلا عن استضافتي له في العديد من البرامج الفضائية التى قمت بإعدادها مثل (القصر) و(رولا شو)، و(سعد، وسعد) و(مصر البيت الكبير) وغيرها.
عدوية وشارع محمد علي
خلال هذه الحوارات والبرامج اقتربت كثيرا من (أحمد عدوية)، وحكى لى الكثير من أسراره الفنية، حيث بدأ حياته الفنية بعد عامين من نكسة يونيو، وبالتحديد عام 1969، من خلال شارع (محمد علي) الذي يطلق عليه الكثيرين شارع الفن.
وبدأ حياته كعازف على (الطبلة) يطبل ضمن أفراد تعمل مع راقصة، وأحيانا كان يغني من خلفها لترقص على غنائه، واشتهر في شارع (محمد علي) بأدائه لمواويل المطرب الشعبي (أنور العسكري).
وفي هذه الفترة كان الشاعر الغنائي الكبير (مأمون الشناوي)، يتردد على شارع (محمد علي)، واستمع إلى (أحمد العدوي) – الإسم الحقيقي لعدوية – وأعجب بصوته جدا.
ومرت الأيام وعمل (مأمون الشناوي) مستشارا فنيا لشركة (صوت الحب)، وأثناء ذلك كان المنتج (عاطف منتصر) صاحب شركة (صوت الحب) يبدأ باكورة إنتاجه، ويبحث عن مطرب شعبي جديد (لا يكلفه شيئا) يجيد غناء المواويل الشعبية.
فتذكر (مأمون الشناوي) المطرب الشعبي (أحمد عدوية)، الذي يجلس دائما على (قهوة التجارة) أشهر مقهى للفنانيين بشارع (محمد علي) وذهب إليه وأحضره إلى المنتج الجديد.
عدوية والسح الدح إمبو
وتم توقيع العقد وأخرج (عاطف منتصر) عشرة جنيهات، وأعطاها للمطرب الجديد نظير أول أسطوانة بينهما، وقبل أن يخرج (أحمد عدوية) من الشركة قال لعاطف منتصر ومأمون الشناوي والمحامي الخاص بالشركة: (أسمعوا الكلام ده وقولوا لي رأيكم؟)
وبدأ يغني (السح الدح إمبو.. إدي الواد لأبوه.. شيلوا الواد م الأرض، الواد عطشان اسقوه)، وهنا انتفض (عاطف منتصر) قائلا: ايه رأيك يا مأمون؟! فرد عليه : (هذه الكلمات مع صوت العدوي المليئ بالشجن والعذوبة هتحقق نجاح كبير).
فقال عاطف منتصر: (على خيرة الله، تعالى بكره غنيها يا عدوي!) وفي اليوم التالي جاء المطرب الشاب وغنى (السح الدح إمبو)، ونظرا لارتباطه بعقد للعمل في دولة ليبيا، لهذا سجل الأغنية على اسطوانة وسافر.
خطأ مطبعي وشارع الشواربي
بعد أسابيع قليلة طرحت أسطوانة أغنية (السح الدح إمبو) في الأسواق، وحدث خطأ مطبعي في كتابة اسم (أحمد العدوي) فكتب بدلا منه (أحمد عدوية).
ونظرا لعدم وجود المطرب الشاب في مصر، فلم ينتبه أحد للخطأ، وبعد طرح أسطوانة (السح الدح إمبو) بأيام قليلة، بدأت تجد رواجا عند الجمهور.
خاصة أن تلك الأيام شهدت النطق بالحكم في قضية شارع (الشواربي) الشهير في وسط البلد، لصالح التجار، بعدما كانت تنوي الحكومة إغلاق الشارع وطردهم.
وعندما عمت الفرحة تجار هذه المنطقة قاموا بتشغيل أسطوانة (السح الدح إمبو) للمطرب الجديد (أحمد عدوية) في شارع (الشواربي)، فانتشرت الأغنية في منطقة (وسط البلد) بأكملها، ومنها إلى باقي المناطق.
وفجأة أصبحت كلمات (السح الدح إمبو) على كل لسان في مصر، ونجحت الأغنية نجاحا ساحقا، وأعتبرها بعض الكتاب والصحافيين عنوانا لفترة الاستنزاف!.
ويصل النجاح المدوي لأسطوانة (السح الدح إمبو) للمطرب الشاب (أحمد عدوية) في ليبيا، فينزل على الفور إلى مصر ليجني ثمار تعبه.
وعندما عاتب (عاطف منتصر) على كتابة اسمه بالخطأ فقال له: (هذا خطأ مطبعي غصب عني، سنصلحه في الأسطوانة الجديدة).
لكن المطرب الشاب تفائل بإسم (عدوية) خاصة أنه من أشد المعجبين بالمطرب الشعبي (محمد رشدي)، وأغنيته (عدوية)، فقرر ترك الإسم كما هو، واستغلال النجاح الساحق لأغنية (السح الدح إمبو) بعمل أغنيات جديدة.
فغنى (سلامتها أم حسن، وسلمتك يا حسن) فحققت هى الآخرى نجاحا مدويا، وبدأت شهرة (أحمد عدوية) تدوي وتخترق حاجز الصوت، رغم تجاهل أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة له.
ومحاربة بعض الكتاب والصحافيين لما يقدمه، ورغم الحصار الصحفي والتليفزيوني الذي حوصر به (أحمد عدوية) لكن هذا الحصار لم يفلح في القضاء على شعبيته، بالعكس عمل على زيادتها.
وتقربت الشاشة الكبيرة له، واستعانت به في الأفلام السينمائية لضمان رواجها والإقبال الجماهيري عليها، لأن الجمهور يريد مشاهدة مطربه الممنوع في الإذاعة والتليفزيون.
فظهر في أفلام (أنياب، أنا المجنون، 4 ـ 2 ـ 4، مخيمر دايما جاهز، البنات عايزه ايه، للفقيد الرحمة، حسن بيه الغلبان، السلخانة، العسكري شبراوي، المتسول، مملكة الهلوسة، سطوحي فوق الشجرة) وغيرها.
أحمد عدوية يتحدث
كما ذكرت في بداية موضوعي، أجريت العديد من الحوارات مع مطربنا الكبير أحمد عدوية، وقد وقع اختياري على جزء من أحد الحوارات التى أجريتها معه لإعادة نشره، حيث يتحدث فيه عن ملامح من مشواره الفني والغنائي، فإليكم نص حواري معه الذي نشر عام 2013 في جريدة (الأهرام).
* ما رأيك فى الأغنية الشعبية الآن؟
** حزين عليها جداً جداً، لأنها أصبحت مليئة بالإسفاف والانحطاط وبكلمات تخدش الحياء، ولم يعد يوجد المطرب صاحب الصوت القوي مثل أعمامنا القدامى (محمد عبدالمطلب ومحمد رشدي ومحمد قنديل)، وغيرهم من أساطير الغناء الشعبي.
لهذا أقول (يا ألف خسارة على الأغنية الشعبية) التى أصبحت تعاني من الفوضى والعشوائية، لدرجة أن المطربين الشعبيين الحاليين (سدوا نفسي) عن الغناء!
ولكل هؤلاء أقول لهم: (يا جماعة اللي عايز يغني شعبي إما أن يغنيه صح، أو يترك الساحة، وأيام زمان قامت الدنيا علي واتهموني بتقديم أغاني هابطة تسيئ للذوق العام، رغم أنني كنت أغني مفردات جديدة، فأين من اتهموني زمان مما يحدث الآن؟!
* من يعجبك من المطربين الشعبيين الآن؟
** أحب (حكيم) جدا
* كثير من المطربيين الشعبيين يعيدون تقديم أغنياتك، ما تعليقك على إعادة هذه الأغاني؟
** يقومون بتشوهها، ويضيفون عليها ألفاظ وكلمات خارجة عن مضمون الأغنية الأصلي، وليس لدى أي اعتراض على من يريد تقديم أغنية لي، لكن لابد أن يقدمها كما قدمتها من قبل.
* من (يسلطن) أحمد عدوية الآن؟
** عبدالحليم حافظ، والموسيقار محمد عبدالوهاب، ومن الجيل الحالي (هاني شاكر، ومحمد محي، ومحمد الحلو، وعلي الحجار، ومحمد ثروت، وأحمد سعد)، ويوجد مطربيين كثيرين في العالم العربي أحب صوتهم.
وأموت في صوت (شيرين عبدالوهاب) التي غنت معي في تونس أكثر من مرة، وكانت تداعبني وتختبئ فى الحديقة وتغني لي أغنيتي (يا بنت السلطان)، وأحب أيضاً ابني محمد عدوية.
* كيف كنت تختار أغنياتك التى أثارت جدلاً كبيراً؟
** طوال مشواري وأنا أختار كلمات أغنياتي من الأمثال الشعبية، وحديث الناس فى الشارع، فمثلاً أغنية (سلامتها أم حسن) كانت دعوة ضد عادات الزار.
و(حبة فوق وحبة تحت) ضد التعالي والغرور، وتعبيراً صادقاً عن عصر الانفتاح بعدما أصبح هناك (حبة فوق) وهم المستفيدون، و(حبة تحت) وهم جموع الشعب الكادح.
أما أغنية (زحمة يا دنيا زحمة) لهاني شنوده فكانت وما زالت خير تعبير عما نعانيه من الزحام.
* هل ندمت على تقديمك لأغنية معينة؟
** أبدا أبداً، أنا راض عن كل أغنياتي.
* من أعطاك الأجمل في مشوارك على مستوى الكلمات؟
** (مأمون الشناوي، وحسن أبوعتمان، وسمير محجوب، والريس بيرة،، والمطرب يسري الحامولي الذي كتب ولحن لي عدداً من الأغنيات الجميلة.
* هذا على مستوى الكلمة.. ماذا عن الألحان؟
** محمد عصفور، وبليغ حمدي، وحسن أبوالسعود، وهاني شنوده، وعمار الشريعي).
* هل غضب المطرب الشعبي (محمد رشدي* عندما أخذت اسم (عدوية) من أغنيته الشهيرة؟
**بالعكس كان سعيداً جداً، وفي أحد المرات قال لي: (أنا سعيد أن اسمك كتب بالخطأ على أسطوانة أغنيتك الأولى من أحمد (العدوي) إلى (عدوية)، لأنك كنت سبباً في شهرة الأغنية مجددا، و(محمد رشدي) كان رجلاً طيباً وشهماً.
* هل تعرضت لظلم فى مشوارك؟
** ظُلمت كثيراً، يكفي أنني ظلمت عندما منعوني من الغناء في الإذاعة والتليفزيون، واتهموني بأنني أقدم أغنيات مسفة تسيئ للذوق العام، لكن رب ضارة نافعة، هذا المنع زاد من نجوميتي.
* لماذا لم تكرر تجربة المسرح بعد مسرحية (إدلعي يا دوسة)؟
** لأنني تعبت كثيراً فى هذه التجربة، والمسرح مرهق بصفة عامة، ويحتاج إلى مجهود كبير لا أستطيع القيام به حالياً.
* لو توقفنا معك عند أسماء معينة فى مشوارك: ماذا تقول عنها ولنبدأ باسم الرئيس الراحل محمد أنور السادات؟
** الله يرحمه كنت أحبه جداً، وهو الآخر كان يحبني، ويوم استشهاده قطعت رحلتي فى باريس، ونزلت خصيصاً لحضور جنازته، وحزنت جداً لوفاته.
ولقد تعرفت عليه أول مرة فى عيد ميلاد شقيقته الكاتبة الصحفية (سكينة السادات) في منزلها، وحضر الرئيس السادات الحفل، وكان بسيطاً جداً وطلب مني الغناء، ويومها قال عني كلام جميل أخجل أن أقوله فى الحوار حتى لا يتهمني أحد بالكذب.
* وماذا عن نجيب محفوظ؟
** هذا الرجل كان حبيب قلبي، وكان دائم الثناء على صوتي، وقال عني: (أني صوت قوي مليئ بالشجن)، وفي أحد المرات حضرت عيد ميلاده، بوجود الكاتب الصحفي الكبير مفيد فوزي، وطلب مني غناء أغنية (شدوا الكراسي)، وأثنى على صوتي وسط الحضور.
* كانت لك أيضاً علاقة صداقة مع الموسيقار محمد عبدالوهاب وعبدالحليم حافظ؟
** (محمد عبدالوهاب) كان دائم الاستماع إلى ويحب صوتي جداً، لدرجة أنني كنت ضيفاً دائماً في حفل عيد ميلاد ابنه المهندس محمد، وكان يحضر ويأخذني على جنب ويطلب مني غناء إعلان (خضر العطار) الذى كنت أغنيه بصوتي، حيث كان معجباً بكلماته ولحنه وأدائه.
أما (عبدالحليم حافظ) فكان بمثابة أخي، وأول مرة تقابلنا (عزمني) بنفسه للحضور للغناء فى حفل عيد ميلاد أحد الأصدقاء، ويومها غنيت له أغنية (خسارة خسارة وهو غنى لي (السح الدح أمبو)، وكان من ضمن الحضوروجدي الحكيم وأحمد فؤاد حسن.
رحم الله مطربنا الشعبي الكبير أحمد عدوية الذي رحل بجسده، لكن فنه سيبقى في الحياة طويلا، وسيزداد لمعانا وبريقا وجاذبية مع مرور الأيام.