بقلم الشاعر الكبير: إبراهيم رضوان
إحدى هذه الشخصيات التي هزتني جدا وما زالت أشواكها عالقة بوجدانى شخصية (عباس المغربي).. هذا الرجل الغلبان الذي يسير في (طرة) يوميا في خيالي مرتديا الجلابية المحلاوي المخططة رابطا رأسه بالمنديل المحلاوي المخطط.. على جبينه وحمة الصلاة.. بينما يخبئ بين يديه المجلات الجنسية التي حصل عليها من عنابر اليهود في (طرة)..
أتابعه بخيالي وهو يبحث لنفسه عن مكان امين يعايش فيها الصور العارية.. يتحسسها وهو يشاهدها في شبق لساعات طويلة.. كأنه يستدعى أطراف أحبال يتشبث بها على أمل أن ترفعه من الجب المظلم وترفعه إلى سطح الحياة مرة أخرى ..
يظل غارقا في كل صورة طويلا حتى تباغته صفاره الحراس يأمروننا بالعودة إلى عنابرنا في (طرة).. في فترة من الفترات كان (عباس المغربي) يحاول الابتعاد عني لأنه أحس أنني أكرهه منذ أن قذفني بطبق الخبيزه في وجهي في اليوم الأول لوصوله معتقل (طرة) السياسي، بعد أن فقد عقله في مواجهة عدة تهم لا يعلم عن أي منها شيئا..
في بداية وصوله كان يظن أنني من ظباط معتقل (طرة).. حيث كنت أرتدي بيجامة.. و من الأسباب الأخرى التي دفعت (عباس المغربي) للابتعاد عنى أيضا أنه تقابل مع (عطيه محمود) الذي ساكتب عنه لاحقا.. والذي تم اعتقاله بسبب سرقته لديوان جمعه من أشعاري التي كنت أنشرها في مجلة إقليمية..
وعندما أراد طبع الديوان..قدمه لأمن الدوله من أجل التصريح فاعتقلوه وتم فصله من وظيفته كمدرس.. والغريب أن (محمود) كان يكرهني وقد لازمه الظن أنني كنت السبب في اعتقاله.. رغم أنني لم أكن أعلم أنه قد سرق أشعاري..
تقابل (عطية محمود) مع (عباس المغربي) فأوحى إليه أنني شيوعي.. سأله الرجل الغلبان عن معنى كلمه شيوعي.. فقال له الشيوعي اللي زي (إبراهيم) ما بيعترفش بربنا.. وكل الخطايا اللي في الدنيا بيعملها ..
خلف الشيخ (محمد الغزالي)
وفي ليلة من الليالي كنت أصلي العشاء خلف الشيخ (محمد الغزالي).. و لم أكن أعلم أن الذي يقف بجانبي هو (عباس المغربي).. و بينما أنا مندمج في الصلاه.. وجدت من يقذف بي أمتارا خارج الحصائر التي نصلي عليها لدرجة حتى اننى سقطت أرضا على جانبي.. وأوقعت معي مجموعه مجاورة من المصلين..
توقف الشيخ (محمد الغزالي) عن الصلاة واختتمها ليستعلم عن ما حدث.. أمسك المصلين بالرجل ليعرفوا السبب الذي دفعه لفعل ذلك.. قال لهم مستنكرا كيف أصلي بجانب كافر مثل (ابراهيم رضوان) الشيوعي..
الكلمة الأخيره لم يستطع نطقها بشكل صحيح.. كان (الغزالي) يعرفني.. لذلك نظر ناحيتي مبتسما ثم قال له: وما أدراك أنه كافر.. قال له عالم من علماء الإسلام أخبرني بذلك..
كان (عطيه محمود) قد أخبره أنه أيضا عالم من علماء الإسلام ويستطيع إدخاله الجنة.. أخذه الشيخ الغزالي بجانبه وأخذه يهدئ من انفعاله.. حيث ظل (عباس) يبكي منهنها عندما اخبره انه تسبب في إصابة بذراعي اليسرى الذي قذفني ناحيته.. وأخبره الشيخ (الغزالي) أن الله هو الذي يعلم ما في القلوب وليس هو ولا من أوحى إليه..
و قام برقيته رقية شرعيه حتى عاد (عباس) إلى هدوءه.. استمر الشيخ الغزالى ينصحه بعد أن قال لنا: لو سمحتم استمعوا إلى نصيحتي له ففيها تذكرة لنفسى ولكم.. ظل الشيخ الجليل حوالي 40 دقيقه يتحدث معه بعد أن اعتذر لنا لأنه سيؤخر صلاة العشاء لبعض الوقت..
المضحك في الأمر أن (عباس المغربي) قال للشيخ الغزالي في نهاية المحاضرة (والله يا شيخ ما فهمت منك ولا كلمة.. الظاهر انك انت برضه شعوري زي (إبراهيم رضوان.. ضج الجميع بالضحك.. ووقفنا مرة أخرى خلف الشيخ الغزالي نصلي العشاء.. بينما كان البعض مسترجعا ما حدث يضحك غصبا..
بعدها بحثت عن (عم عباس المغربي) لأراقبه.. لاحظت أنه هذه الفترة لا يذهب لعنبر اليهود.. بل يذهب كثيرا إلي عنابر الإخوان المسلمين الذين أعطوه سبحة طويله من نوى الزيتون..كما أعطوه جلبابا أخضر وعمة خضراء ..فأصبح في هيئته كممثل كوميدي لا أذكر اسمه..
وأخذ (عم عباس) يتجول بهذا الزي في كل أرجاء معتقل (طرة) مخبئا بين ملابسه هذه المجلات الجنسية التي أصبح لا يستغني عنها.. كان عندما تأتيه زيارة.. يظل يردد ما يظنها آيات قرآنيه لكنها كانت متشابهات مختلطه على بساطة ذهنه من حكم و أمثال لتخرج بلا معنى..
كان فخورا جدا عندما يقول: ربنا قال إسعي يا عبد وأنا أسعى معاك.. وإن كسلت يا عبد مين ينفعك..
الإخوان يتعاطفون معه
لم أحاول أن أقترب منه أو أناقشه في أي شيء.. ولم اقترب من الأماكن التي يذهب إليها أبدا.. لكنني لاحظت أن الإخوان المسلمين يتعاطفون معه ويعطونه بعض النقود ليعطيها بدوره لزوجته عندما تأتي لزيارته.. وأنهم لا ينادون عليه إلا بكلمة مولانا..
رغم ذلك وبلا مقدمات خرج عم عباس المغربي فجاة من عنبر الإخوان المسلمين متجها إلى عنابر المكفراتية.. مصطحبا معه مجموعة المجلات الجنسيه التي يخبئها في ملابسه..
اقتربت منه أسأله: كيف تترك عنابر الإخوان المسلمين وتتجه إلى عنابر المكفراتية وأنت لا تنتمي للإخوان ولا للمكفراتيه؟، قال لي: كنت أحب الإخوان لكنني رأيت على بعضهم امارات الكفر..
سألته: كيف وأنت تقول عن الإخوان أنهم كفره؟.. قال لي: انظر هذا الإخواني الذي امتدت لحيته الى صرته.. ألم تلاحظ أنه في كل زيارة لزوجته التي تحضر له من الشرقية انه يظل واضعا يده في صدرها وهو يبكي حتى تنتهي الزياره.. قلت له: دع الملك للمالك يا عم عباس..
فقال لي محتدا وهو يلم أطراف جلبابه الأخضر: لا تناقشني في الدين.. أنت شيوعي والكلام معك كفر..
وانضم (عم عباس المغربي) إلي عنبر المكفراتيه الذين احتفلوا به.. وعندما قابلته قلت له متوددا: يا عم عباس.. فيه كشف إفراج هاينزل آخر الشهر ده.. إسمك رقم 18 فيه..
كانت هذه الكشوف الوهميه هى الأشاعه الوحيدة التي يطلقها البعض حتى تهدأ النفوس.. كنت أيضا كلما التقيت بأي أحد خصوصا أبناء غزه البسابس يقول لي: على فكرة: أنا عرفت إن إسمك في الكشف اللي جاي لم أكن أهتم..
لكن (عباس) فرح جدا وحاول تقبيل يدي.. و حانت الفرصة لأسأله: هل أنت مرتاح يا عم عباس في عنبر المكفراتيه؟، قال لي: أنا لا أنام معهم.. لأن رائحة ذقونهم نتنه.. فقط آكل معهم وأشرب.. ثم أعود إلى زنزانتي الانفراديه لأنام وحدي..
أنت لست صديقي
قلت له: وماذا تعلمت منهم؟، قال لي تعلمت منهم أن أتكلم بصوت عالي جدا.. وأن أكون عصبيا.. وأن أؤدبك.. قلت له: تؤدبني كيف يا عم عباس وأنا صديقك؟، قال لي: أنت لست صديقي لأنك صديق للشيخ الغزالي والإخوان الكفرة..
قلت له: وكيف ستؤدبني؟.. قال لي: ( سوف أستغل أي فرصه و أجلدك 82 جلدة علي ظهرك..
و
لعم عباس المغربي بقية
و
يا أمة القمامة..
والجيفة.. والتلاهي
رجعتى بالسلامه .ة
من سهرة فى الملاهى
………………………
رقصتى ويا (دينا)..
وبقيتى خلاص (مدينة)
بالخيبة.. والدمامه.ة
والكدب.. والخيانة
………………………
يا أمة النعاس ..
قمرك فى الضلمة تاه
والواطى اللُوطى داس..
بالجزمة ع الحياة
………………………
رِجِعتي ألف عام ..
وخالفتى فى الإله
اسمك نزل خلاص..
فى صفحة الوفاة
………………………
يا أمة الخلاف ..
والهيصة والزعيق
نايمة من غير لحاف..
ضايعة فوق الطريق
………………………
الليل طويل عليل..
دايس على كل ديل
والديب أكل كتافك..
ومعاه أحفاد (قابيل)
………………………
يا أمة المذلهة..
والنوم والانحدار
طريق الذل خَلى ..
حياتك فى انهيار
………………………
رضيتي بالفتات ..
والسقا الحافي مات
ولا حد فيكى صلى..
فوق سكة السكات
………………………
يا أمة الضغينة..
والخوف من أي شئ
أدمنتى فى المهانة..
بإيقاعك البطئ
………………………
بقيتى نكته بايخهة..
وأرض عجوزة شايخة
غرقت بيكى السفينة..
وانتى فى الموجة دايخة
………………………
يا أمة المساوئ..
والمجلس الدنئ
النيل.. بالكدب حادق..
بينجس الطريق
………………………
يا أمة الضباب..
واللمه ع القتيل
مفتوح للص باب..
يسرق فى ألف نيل
………………………
يا أمة الزبالة..
والهيصة والنحيق
الكرسى للحثاله..
والخنجر للصديق
………………………
يا أمة اليتامى..
والليل والانحدار
لا يمكن بالسلام..
تعودى للديار واو
………………………
يا أمة المنافق..
والشحط والخسيس
ضاعت كل المبادئ..
م الجمعوة.. للخميس
من كتاب (مدد.. مدد)
سيرة ذاتية لبلد