بقلم الكاتب الصحفي: محمود حسونة
عندما تحاول البحث عن توصيف دقيق للعام الذي سينتهي بعد أيام لن تجد سوى توصيفه بعام الفوضى بعد أن انتقلت عدوى (الفوضى) من السياسة إلى الفن أملا في مفعول أكبر لها باعتبار الفن هو الوسيلة الأقوى تأثيرا في الرأي العام والأقدر على تغيير قناعات الناس.
سادت (الفوضى) في عالم الفن سواء على مستوى الإنتاج الذي نشاهده عبر شاشات بمختلف أنواعها، أو على مستوى سلوكيات فنانين كبار فاجأونا بأفعال صغيرة.
قبل أن يرحل المخرج (يوسف شاهين) عن عالمنا حذر من (الفوضى) التي يسببها الفساد السياسي وما يخلفه من فوضى اجتماعية من خلال آخر أفلامه (هيّ فوضى)، والذي لم تمر على عرضه 4 سنوات حتى عمت الفوضى أرجاء العالم العربي من خلال ما أسموه (الربيع العربي).
والذي لم يكن سوى توظيف مدروس لحالة الغضب في دول عربية نتيجة فساد جزئي للسلطة في بعضها وفساد كلي في دول أخرى، ويبدو أن فيلم (يوسف شاهين) كان استغلالاً لحالة الجدل التي صاحبت وأعقبت تصريح كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية في عهد جورج بوش الابن عن (الفوضى الخلاقة) التي توعدت بها منطقتنا.
والتي تم تنفيذها بشكل لم يتوقعه أعتى المحللين، ولم تكن سوى (الفوضى) الهدامة للدولة وللجيوش الوطنية حتى يسهل الاستيلاء على القرار في الدول المستهدفة.
فوضى (كونداليزا رايس) لم تُسقط فقط أنظمة حكم، ولكنها أسقطت دولاً وشعوباً وأفرزت فتناً بين أبناء الشعب الواحد، وهى نهج من أمريكا وحلفاء لها في الاقليم والعالم لم يتوقف عند ما حدث في 2011 فقط، ولكنه لا يزال سارياً حتى الآن.
وما يحدث في سوريا اليوم خير شاهد على نجاحهم في إسقاط نظام ديكتاتوري لاستبداله بنظام يشهد له تاريخه بالتطرف والعنف والتمييز بين الطوائف.
فوضى (كونداليزا رايس) التي التقط خيطها (يوسف شاهين)، تمددت وانتشرت وخلفت فوضى اجتماعية وفوضى فنية، وفوضى أخلاقية انعكست على قطاعات الحياة المختلفة، وكان عام 2024 الذي يلملم أوراقه ليودعنا هو عام (الفوضى) بامتياز.
فوضى خلقتها دولة الاحتلال
فوضى خلقتها دولة الاحتلال الاسرائيلي بحروبها على غزة والضفة ولبنان وضرباتها لسوريا، واستباحتها للقانون الدولي من دون رقيب، وفوضى سياسية في مناطق مختلفة حوّل العالم، وفوضى اقتصادية التهمت بشراً واغتالت أحلاماً وركّعت دولاً.
وامتد نهج (الفوضى) إلى الفن ليغير من ملامحه ويحوله إلى أداة هدم بعد توجيهه لتغيير القناعات والعبث بالقيم وخلخلة المعتقدات وإعادة تشكيل الوجدان الإنساني بما يسهل التحكم فيه وإدارته وفق مصالحهم.
الابتذال في الفن ليس جديداً، وهناك أعمال مبتذلة يعود تاريخها إلى عقود خلت، ولكنها كانت محدودة مقارنة بالأعمال الهادفة، وفي العام المنتهي 2024 تبدل الحال وأصبح الهادف محدوداً والمبتذل متسيداً الشاشات والمنصات.
والدراما أصبحت بلطجة تواجه بلطجة، وعنف يولد عنفاً، سفك دماء بأساليب متشابهة، علاقات مشبوهة وإتجار في الممنوعات وتهريب آثار وسرقة وخطف وارتكاب لكل الموبقات.
ففي رمضان الماضي شاهدنا نماذج لأعمال ما كنا نتمنى أن يكون لها مكان على شاشاتنا، شاهدنا (العتاولة، كوبرا، بيت الرفاعي، حق عرب، صيد العقارب، نعمة الأفوكاتو)، وتوهمنا أنها موجة من الانفلات الدرامي فرضتها ظروف المنافسة وستنتهي.
ولكن خلال الفترة الأخيرة شاهدنا ما تجاوزها كثيراً في الابتذال، شاهدنا دراما تستهدف هدم كيان الأسرة والعائلة وتبث سموماً بين أبنائها وتثير شكوك الأشقاء وأبناء العمومة والأصدقاء في بعضهم وتبذر بذور الكراهية والحقد بينهم ، مثل (وتر حساس، نقطة سوداء، موعد مع الماضي).
وهذه ليست سوى نماذج لهذا النمط الدرامي الفاسد الذي تعددت مصادره وكثر هواة صناعته وكأنهم مجندون لدى جهة تستهدف اغتيال القيم والمبادئ وتحويلنا إلى نماذج مشوهة نفسياً مهتزة أخلاقياً ضائعة عقائدياً.
فوضى السينما عام 2024
أما بالنسبة للسينما فقد كانت 2024 أيضاً سنة الفوضى بعد أن تربع على عرش الإيرادات العربية فيلم البلطجة والعنف (أولاد رزق 3) وعلى نفس النهج سارت العديد من الأفلام مثل (شقو، الاسكندراني، عصابة الماكس)، وفي المقابل سقط بلغة الإيرادات الفيلم المتميز (أهل الكهف).
ولعل من أهم ظواهر هذا العام الايجابية فيلم (الحريفة) بجزأيه الأول الذي بدأ عرضه في يناير، والثاني الذي بدأ عرضه بداية هذا الشهر، حيث أنه فيلم شبابي جداً يبث الأمل في نفوس الأجيال الطالعة ويؤكد لهم أن لكل مجتهد نصيب.
(الفوضى) لم تضرب الفن في الأعمال التي تم تصديرها للناس درامياً وسينمائياً فقط ولكنها ضربت الفنانين سلوكياً، حيث شاهدنا بعضهم يأتون سلوكيات لا تتناسب مع نجوميتهم ولا تحترم مواهبهم.
تابعنا فصولاً فوضوية من حياة المطربة (شيرين)، عنف وضرب وطلاق ومآسي تنال من مكانتها وتخصم من رصيدها ولا تتوافق مع حجم موهبتها، وبقيت في الذاكرة خناقة المطرب (محمد فؤاد) مع طبيب مستشفى عين شمس التخصصي وجملته له (إنت مش عارف إنت بتكلم مين).
وصفعة (عمرو دياب)، لأحد معجبيه خلال غنائه في حفل زفاف وهو الأمر الذي تمت إدانته فيه قضائياً بعد إدانته جماهيرياً، وخصوصاً أنه تصرف لا يليق بمكانته مهما كانت استفزازات المعجب.
ناهيك عن قضايا المخدرات لسعد الصغير وعصام صاصا ومجدي شطة، وسلاح (حمو بيكا) وغيرهم، وها نحن نتابع اتهام (شاليمار الشربتلي) زوجة المخرج (خالد يوسف) لصديقهما المخرج (عمر زهران) بسرقة مجوهرات من شقتها.
وهي القضية التي تثير الكثير من الجدل المستمر لما بعد حكم الاستئناف 8 يناير المقبل في ظل تعاطف الكثيرين مع المتهم رغم الأدلة التي استندت إليها المحاكمة في حكمها بمعاقبته بالسجن عامين.
وخلال هذا العام سمعنا عن كثير من المهرجانات الفنية التي تحولت إلى فوضى أو سبوبة للبعض، فما أن ينتهي مهرجان حتى ينعقد آخر، تكريمات وجوائز لكل من هب ودب وكأنها مدفوعة القيمة من كل من يحسون بانعدام موهبتهم ويلجأون لشراء جائزة من مهرجان وهمي لعلها تثبت مكانتهم فنياً!