كتب: أحمد السماحي
فوجئنا خلال الموسم الشتوي الحالي، بانتقال ما كان يعرض على منصة (نتفليكس) إلى الفضائيات المصرية، والعربية، حيث عرض موخرا ـ ومازال بعضها يعرض ـ مجموعة من المسلسلات العامرة بالتفاهات، والقيم المهدرة، والزعيق، والمدعين، والتى فيها (سم قاتل)، ورسائل مغلفة بالسلبية والبغض والكراهية!
كنا في السنوات الأخيرة تعودنا أن يكون الموسم الشتوي، هو موسم عرض المسلسلات الإجتماعية الدافئة التى تجمع شمل الأسر المصرية حولها، ورغم أن بعضها كان يحمل حبكة درامية ضعيفة، أو قصص مستهلكة، أو به كثير من المط والتطويل، لكنها في النهاية كانت تحمل في جوهرها قليلا من الروح المصرية!
وذلك فضلا عن كثير من التوهج خاصة في أداء نجومنا حيث إننا نملك كتيبة ضخمة من المبدعين الرائعين في مجال التمثيل، والحقيقة أن هؤلاء المبدعين موجودين أيضا وبقوة في الإخراج، والديكور، والتصوير، والموسيقى التصويرية، وبعضهم أهم وأقوى من نجوم الزمن الماضي!
كان الموسم الدرامي الشتوي هو الموسم المفضل بالنسبة لكثير من الأسر المصرية، خاصة وأن معظم الأسر الآن تلتزم البيوت، بعد غلاء وارتفاع الأسعار، ولا يوجد أمامها غير الفضائيات والإنترنت لتسلية نفسها.
وطوال السنوات الماضية كنا نستمتع كثيرا بمعظم ما يقدم لنا، من مسلسلات درامية شتوية، باستثناء دراما منصة (نتفليكس) التى تعتمد على الأفكار التي تحتوي (سم قاتل)، على جناح العنف غير المبرر، والبلطجة والشذوذ والشر المطلق الذي يهدر في أرض معبدة بالأشواك الجارحة.
3 مسلسلات تحمل (سم قاتل)
يبدو لافتا للانتباه أنه خلال الموسم الشتوي الحالي، أن هناك نوع من الجنوح أو الانتقال نحو نوعية المسلسلات التي تعرض على منصة (نتفليكس) إلى الفضائيات المصرية، والعربية، حيث عرض موخرا ـ ومازال بعضها يعرض ـ مجموعة من المسلسلات التي تحمل في طياتها (سم قاتل)، ورسائل سلبية للغاية!
وهذه المسلسلات هى (وتر حساس، نقطة سودة، موعد مع الماضي) فقصص هذه المسلسلات تحديدا أسوأ ما قدم خلال السنوات القليلة الماضية، رغم الأداء التمثيلي الرائع لنجومها، والصورة المبهرة، وتميز عنصر الإخراج!
ولكن وعلى رأي المثل الشعبي: (إيه تعمل الماشطة في الوش العكر!)، بمعنى ماذا سيفعل الأداء التمثيلي الرائع لنجومنا، والصورة الخلابة، والإخراج المتميز، في قصص مليئة بالقتل والعنف، والخيانة، وشرب الخمور طالما أنها تحمل في باطنها (سم قاتل).
قصص غريبة ومريبة لا تشبهنا، ولا النجوم الذين يتحركون على الشاشة أمامنا وينطقون بكلمات يشبهوننا أيضا.. قصص تخلو من الصدق والمنطق، وتضرب المجتمع المصري في أعز وأجمل ما فيه من عادات وتقاليد وقيم راسخة.
هل نساؤنا المطحونات في الشارع المصري، ويكدحون حتى يستطيعون توفير المستلزمات الضرورية، جنبا إلى جنب مع أزواجهن، تشبه نساء (وتر حساس) بأزيائهن العالمية، ومكياجهن الصارخ، وشفايفهن المصنوعة، وشربهن المستمر للخمر، وعالمهن المخملي!.
هل رجالنا يعيشون حياة مليئة بالرفاهية، والحقد، والمؤامرات، والدسائس، والخيانة، ودفن أولادهم أحياء، وتحرشهم بشقيقاتهم، مثل رجال مسلسل (نقطة سودة)؟!
أبطال من ورق
الجواب: لأ!، فهذه مسلسلات أبطالها من ورق! – (شغل سيما يعني!) – ليس حقيقيا، وحتى لو كانت شريحة من هؤلاء الأبطال موجودة بالفعل في المجتمع المصري، فهي شريحة قليلة جدا لا تعيش همومنا ولا أحزاننا ولا أوجاعنا ولا أفراحنا ولا تحمل كل هذا القدر من (سم قاتل) يفتك بنا ويقض مضاجعنا.
شريحة يمكن أن نشاهدها في مسلسل واحد، حتى نشاهد هذا العالم السحري، كأننا نشاهد (فترينة) شيك مليئة بالملابس الغالية، في أحد (المولات)!، لكن أن تكون كل المسلسلات المعروضة حاليا هى هذه الشريحة، فهذه دعوة صريحة من صناع هذه الأعمال لصنع فتنة في المجتمع، وتدمير شبابه.
وللكاتب والمخرج المسرحي أثول فوغارد (Athol Fugard) الذي يعتبر واحدا من أبرز المؤلفين المسرحيين في جنوب أفريقيا له مقولة شهيرة يقول فيها: (الدراما ليست مجرد تسلية، بل هى أداة قوية لتشكيل الوعي، وتحفيز التفكير، وتحقيق التغيير الاجتماعي).
ونحن في (شهريار النجوم) على يقين كامل بوطنية ومصرية نجومنا وحبهم لبلدهم، لكنهم للأسف هم لايقرأون الحلقات التى تعرض عليهم كاملة قبل التصوير، ولكن يقرأون وهم يصورون، أو يقرأون ثلاث أو أربع حلقات قبل بداية التصوير!
وواحدة من نجماتنا الكبار صرحت لي: (أن هذا هو الحال حاليا!، فموضة قراءة النجوم للمسلسل كاملا، ومناقشته مع مؤلفه، ومخرجه، على (ترابيزة) البروفات كان زماااااااان في الماضي، أما الآن فلو وصلك خمس حلقات كاملة فأنت من المحظوظين!).
وبالتالي كانت نتيجة عدم قراءة نجومنا للمسلسل كاملا إنهم وقعوا في فخ الأعمال المسروقة من الغرب، والتى تضرب المجتمع المصري بقوة، وتهز صورته أمام العالم العربي، والعالم الغربي بـ (سم قاتل) يسري حثيثا في قلب الدراما العربية.
بيان دولة الكويت
لهذا احترمت جدا ما فعلته دولة (الكويت) مؤخرا، حيث أصدرت وزارة الإعلام الكويتية قرارا بإيقاف كل من شارك في أي عمل فني يسيء للمجتمع الكويتي عن المشاركة في أي أعمال فنية أو مسرحية يتم تصويرها أو عرضها داخل الكويت.
وشدد الوكيل المساعد للصحافة والنشر والمطبوعات في الكويت (لافي السبيعي) في البيان الذي نشرته الصفحة الرسمية للوزارة عبر حسابها على منصة (إكس)، حرص الوزارة على تطبيق القوانين والنظم واللوائح بالتساوي بين الجميع دون تمييز.
لافتا إلى أن دورها يكمن في الحفاظ على قيم وتقاليد المجتمع وإبراز صورته الحقيقية وتمسكه بالقيم والأخلاق.
كما أهاب (السبيعي) بصناع الأعمال داخل وخارج الكويت الحرص على عدم المساس بقيم وثوابت المجتمع الكويتي، وألا تتضمن أعمالهم بأي شكل من الأشكال الإساءة للكويت وأهلها، وأن يتمتعوا بالحس الوطني الذي يدفعهم لتقديم رسالة راقية تحمل قيمة فنية ترتقي بالإنسانية.
ويبدو لي أن هذا البيان جاء ردا على ما أورده الكاتب الصحفي (محمد حبوشة) هنا عبر بوابتنا (شهريار النجوم)، في مقال له في أبريل الماضي بعنوان (هبة مشاري حمادة.. تغرد خارج السرب على جناح الحماقة والجهل والغباء)، حيث تناول ما في أعمالها – خاصة (زوجة واجدة لا تكفي) – من (سم قاتل) ينضح بنفسيتها المريضة.
لقد أنهى (حبوشة) مقاله الذي يتهمها فيه بالإساءة للمجتمع الكويتي، بقوله: (هبة مشاري حمادة) تحتاج إلى من يتصدى لأعمالها الدرامية التي تتمتع بالحمق والجهل والغباء، ومن قبل كل ذلك السطو على إبداع الآخرين ونسبه إلى نفسها.. ظني أن هناك قوة تدفعها لغرض في نفس يعقوب، فهل من عقل مستنير يوقف ترهات (هبة مشاري حمادة)؟
الخصم والحكم وغياب النقد
هذا البيان كنت أتمنى إصداره في مصر، وتفعيله كما فعلت بالفعل دولة الكويت مع فريق عمل مسلسل (زوجة واحدة لا تكفي) بحكم أن مصر هى هوليوود الشرق، وصاحبة التاريخ الفني العريق، لكن ماذا نقول؟ ولمن نرجع؟، ومفاتيح الدراما الآن مع جهة واحدة هى المتحكمة وهى الخصم والحكم في نفس الوقت!
كما أن غياب النقد الفني المتعمد من جانب المسئولين عن الجرائد القومية والخاصة، عن متابعة الدراما التليفزيونية، تحديدا أثر بالسلب على جودة ما يقدم من (سم قاتل)، فالحركة النقدية في كل بلاد العالم – كما يقول مبدعنا الكبير يوسف إدريس – تقف موقف الغرابيل والمناخل من الإنتاج والمنتجين.
وهو موقف حيوي وخطير، فلولا الغرابيل والمناخل في المطاحين لأكل الناس الخبز مختلطا بالطوب والزلط، ولأصيب الناس بالتسمم، وعاش آخرون في حالة غيبوبة!).
نداء لنجومنا
يا جماعة الخير يا نجومنا: أرجوكم لا تدخلوا أي عمل فني، إلا ومعكم حلقات المسلسل كاملة، لا تكتفي عزيزتي النجمة بالمكالمة التى تأتيك من منتج العمل بأنك ستكونين زوجة خائنة! لكن خيانتها مبررة!
ولا تكتفي عزيزي النجم بأنك رجل أعمال منحرف، والعمل يكتب حاليا بس أنت وافق يا نجم!، والكتابة هتعجبك!
الدراما أصدقائي النجوم لها تأثير نفسي واجتماعي عميق على الفرد والمجتمع على حد سواء، ولها تأثير على إثارة المشاعر والانفعالات لدى الجمهور، فالدراما تعكس تجارب الحياة وتحكي قصصًا تستهوي وتؤثر في الجمهور بكل شرائحه.
ورسالة الدراما الهادفة المليئة بالحب والمصنوعة بهدف نبيل، مليئ بالطاقة الإيجابية لها نفس رسالة الخطيب أو الداعية أو الشيخ على المنبر، لا تحمل كل هذا الكم من (سم قاتل) يعصف بنا ويكدرعيشنا ويصدع جدران بيوتنا التي ينبغي أن تسكنها الطمأنينة والهدوء النفسي والاجتماعي بتحريض فني صحيح.
ويوم السبت الماضي 21 ديسمبر قال الرئيس عبدالفتاح السيسي، خلال زيارة تفقدية إلى مقر أكاديمية الشرطة: (إن الله سبحانه وتعالى لا يعز من يهدم، وهو درس يجب أن يفهمه المصريون) والدراما المصرية الآن تهدم كل ما نشأنا عليه من قيم ومبادئ.. باختصار لأنها بها (سم قاتل) بدأ يسري في العروق مهددا بموت القيم الأخلاقية.
نعم هناك (سم قاتل) يعكر صفو الدراما المصرية، ولهذا ندق ناقوس الخطر، ونحذر صناع المحتوى الدرامي من هذا الطوفان الذي يجتاح بيوتنا التي كانت يوما محصنة بأعمال تحض على الفضيلة والأخلاق الطيبة التي تحمي المجتمع، لا أن تهدده بالانهيارإلى الحد الحاصل حاليا.