بقلم الكاتب الصحفي: محمود حسونة
(نقطة سوداء) واحد من الأعمال التي طفحت بها مجاري الدراما في الآونة الأخيرة، والتي لا تستهدف سوى تغيير قيم ومبادئ المجتمع.
في الحياة خير وشر، مجرمون وأبرياء، جناة وضحايا، متطرفون ومعتدلون، ومثلما يسرح ويمرح فيها (شياطين الإنس)، فيها أيضاً (ملائكة الإنس)، ولكن صناع الدراما لا يستهويهم الخير، ولا يجيدون سوى تصدير الشر إلى الناس، لا تلفتهم النماذج المضيئة ويصرون على إغراقنا في ظلام دامس.
لا يريدون بث الأمل في نفوس مشاهديهم بقدر ما يعنيهم زرع الإحباط واليأس، ولذا فإن من يتابع الدراما سيجد أن 90 في المئة مما تبثه القنوات والمنصات قاتم ومثير للإحباط واليأس، و10 في المئة أو أقل مضيء ومبشر.
الحياة فيها الكثير من قصص النجاح ومن رموز العطاء ومن صناع الأمل، ولكن صناع الدراما عميت قلوبهم ولا يرون سوى المجرمين والبلطجية والفاسدين وتجار المخدرات والقتلة والمتآمرين يلاحقوننا بهم من مسلسل إلى آخر، وكأن الاثارة والتشويق.
والحبكة الدرامية لا تتحقق إلا من خلال كل مظلم وسيء ولو بحثنا عن السبب وراء ذلك فلن نجد أي سبب منطقي سوى أنه سعي وراء الخلطة الأسهل لجذب الجمهور حال أحسنّا النوايا.
أما لو أسأنا النوايا فسيكون تنفيذاً لتوجيهات من يريدون العبث بالوجدان وإفساد العقول، ونشر ثقافة العنف والتطرف والبلطجة والشك والريبة، والعمل على إفقاد الناس ثقتهم في بعضهم البعض، حتى تتغير القناعات وتتبدل القيم وتتلاشى المبادئ.
خلال الشهر الماضي، عرضت القنوات والمنصات العديد من الأعمال الدرامية أبطالها قتلة ومجرمون ونصابون ومحتالون ومتآمرون، منها مسلسل (وتر حساس) بكل ما فيه من تآمر وانتقام يستبيح الأعراض ويشوه الأبرياء وينشر قيم الهدم بين الأقارب والأصدقاء ويروج للجريمة وللعلاقات المحرمة.
موجة دراما الإفساد
نفس الأمر ينطبق على مسلسل (موعد مع الماضي) بطولة (آسر ياسين ومحمود حميدة وشيرين رضا وصبا مبارك وشريف سلامة وركين سعد).
المسلسل الأسوأ بين موجة دراما الإفساد السائدة حالياً مسلسل (نقطة سوداء)، والذي يعد بالفعل (نقطة سوداء) ليس في أحداثه وشخصياته المعقدة المريضة ولكنه نقطة سوداء في تاريخ الدراما المصرية ونقطة سوداء في سجل كل من شارك في صناعته.
حيث نتابع فيه ما لم تتحمله صفحات الحوادث في الصحف والمجلات، وما لا يمكن أن يتقبله عاقل) الأحداث تدور داخل (عائلة السيوفي) في مدينة الإسكندرية، وبدون أي مبالغة كل أفرادها فاسدو النفس والسلوك، أشقاء وأولاد عمومة يتآمرون على بعضهم البعض، جميعهم كذابون محتالون.
ابتداء من عميدهم (مختار السيوفي/ أحمد بدير) الذي يحب زوجة أخيه فريد (رياض الخولي)، ويتآمران عليه وهو في غيبوبة ويجبران بالرشوة والتهديد الأطباء على فصل أجهزة التنفس عنه حتى يموت، وبعد موته يتزوجان سراً، ويغيران في وصيته ويوزعان ثروته وفق مصالحهما وبما لا يتوافق مع الشرع.
(عمر السيوفي/ أحمد فهمي)، والذي يختاره عمه لرئاسة مجلس إدارة شركة السيوفي هو النموذج الذي يتآمر ويكذب عليه الجميع، عمه، ووالدته وشقيقته (صفا/ سماح السعيد)، وأخته غير الشقيقة (منال/ ناهد السباعي) تضطر للتآمر عليه وعلى العائلة كلها نتيجة نبذهم لها، وخطيبته بل وحبيبته، وابن عمه (علي/ أحمد مجدي)، وزوجة ابن عمه (فيروز/ سارة سلامة) التي تحتقر زوجها وتحب عمر.
(علي) يبلغ عن والده مختار زوراً بأنه قاتل (أيمن ومها)، وهو أيضاً الذي يقرر قتل ابنه الرضيع من مها، والجريمتان تلبية لطلب زوجته (فيروز التي لا تحبه ولا تحترمه وتهينه دائماً.
وفي مواجهة عائلة السيوفي عائلة ريان (سماح أنور وأشرف عبدالغفور ونضال الشافعي ومريم الخشت) التي تتآمر عليها وتسعى إلى تدميرها بكل السبل غير المشروعة.
مسلسل الألغاز واللامنطق
(نقطة سوداء) مسلسل الألغاز واللامنطق، عائلة تتبادل الكره والشك وكل منهم يسعى إلى تدمير الآخرين، يدورون في حلقة الحقد والخيانة.. تواجهها عائلة رضعت الحقد عليهم ونكتشف أنها تمثل جزء من ماضي آل السيوفي! ناهيك عن العلاقات المحرمة.
(مختار) يتزوج من زوجة أخيه (سعاد/ وفاء عامر) من دون علم زوجته وكل أولادهما، وزوجة (علي) تحب (عمر)، وشقيقتها تحب (علي) وتتزوج من شقيقه (هيثم) المدمن، (فيروز) تحوم حولها شبهات قتل شقيقها (أيمن) بسبب اغتصابه لها هي وشقيقتهما (فريال/ هدى الأتربي) في طفولتهما.
(أيمن/ أحمد عزمي) اغتصب أيضاً الطفلة (مايا) ابنة (صفا) شقيقة (عمر)، (رضوى/ مريم الخشت) تحمل من دون أن تدري من (أدهم)، حتى مها المقتولة يتبين أنها ارتبطت بكل من (علي وأيمن وصلاح) وغيرهم، (سميرة/ سماح أنور) تعطي لزوجها (أشرف عبدالغفور) أدوية سامة حتى يصبح عاجزاً ولا يقترب منها.
كل ما يثير الاشمئزاز تجده في هذا المسلسل، الذي للأسف ليس فيه سوى جهد تمثيلي لو تم بذله في عمل سوي لصفق لممثليه الجميع.
مسلسل (نقطة سوداء) من تأليف ورشة كتابة تحت إشراف المؤلف (أمين جمال)، ومن إخراج (محمد أسامة)، ولا كلام يقال عن التأليف والإخراج سوى الموجود عاليه.