(برلنتي عبد الحميد).. نجمة الإغراء الموظف دراميا بدون ابتذال !
بقلم الباحث والناقد السينمائي : محمود قاسم
خلال مشوار الفنانة (برلنتي عبد الحميد) بدت بأشكال متباينة، لكن السينما المصرية كانت لا تبخل على مشاهديها بإظهار مفاتنها، حتى في الأفلام الدينية.
ورغم أنها في فيلم (بيت الله الحرام) كانت ابنة لملك الحبشة (أبرهة) التي تعيش في اليمن، حيث القصور الفخمة، ثم في الصحراء، حيث الحياة المحافظة، فإن الفيلم أظهرها لنا عارية الكتفين، تكشف عن ديكواتيه بسيط، غير مغر.
ولم تلجأ (برلنتي عبد الحميد) في هذا الفيلم أن تتكلم كثيراً، وقد حدث تحول هام في حياتها، باعتبارها أحبت فارساً من أبناء قريش، والذي حاول أن يتصدى لأبينها، فقامت بارتداء المسوح الطيبة.
وهى التي لم توافق أباها أبداً في أفعاله الشريرة خاصة هدم الكعبة ولم تترك الشخصية التي جسدتها (برلنتي عبد الحميد) أثراً في أذهان الناس حين توقفت عن الإغراء!، وكأنه قدرها في هذه السينما التي تحول النظر إلى نجومها بمنظور واحد، كما حدث في هذه السنوات مع هند رستم.
وقامت (برلنتي عبد الحميد) بأدوار الفتاة الطيبة في (قلوب العذارى)، وفي فيلم (أحلام البنات) كانت واحدة من ثلاث صديقات تطمح في الزواج من رجل ثري، ولم يتحقق حلمها، لكنها لم تلجأ إلى ابتذال نفسها من أجل الحصول على زوج.
برلنتي عبدالحميد و(سلطان)
حتى في أفلام أخرى، فإن الشخصية التي جسدتها (برلنتي عبد الحميد) لم تكن مبتذلة بالمرة، مثل شخصيتها في فيلم (سلطان) لنيازي مصطفى عام 1958.
فهي في هذا الفيلم المرأة الجبلية التي تحب قاطع الطريق، والسفاح (سلطان)، الذي هرب إلى الجبل، وراح يمارس جرائمه من هناك، يتاجر في المخدرات، ويقتل خصومه.
وقد بدت المرأة هنا جزءاً من ميراث (سيد الجبل) السابق الذي جسده (محمود فرج)، فهو دائماً محاط بالنساء، ومنهن هذه المرأة ، يفتتن به، ويمتلك هو أجسادهن، ويحاولن إرضاءه .
ولعل وجود هؤلاء النساء سبب الصراع بين السيد، وبين سلطان، (وباخد حقي بايدي يا معلم)، ثم تكون المواجهة التي تحسم لسلطان، ويقوم بإلقاء جثمان خصمه من فوق الجبل، ويرث النساء.
ومنهن المرأة التي تجسدها (برلنتي عبد الحميد)، فتصير أكثر قرباً إليه، ثم تصبح حبيبته، وأمينة أسراره، وراعية خططه، ولم تكن بحاجة إلى الإغراء.
ولكنها امرأة تعمل ضمن عصابة، لا تلبث أن تتقلب على حبيبها، عندما هجر جسدها الجبلي، إلى امرأة (متعلمة) تعمل صحفية ، نجحت في أن تجعله يتخلى عن الجلباب، والطربوش ، وملابس الجبل، ليكون رجلاً مدنياً عصرياً.
هنا تتحول المرأة التي تقف إلى صف الخارج عن القانون، إلى خارجة عنه، شريرة بالنسبة له، طيبة بالنسبة للمشاهد، حين تذهب إلى قسم الشرطة، لتقوم بالإبلاغ عن سلطان.
ويحولها الفيلم إلى شهيدة واجب، وهى ترتدي الملاءة في إحدى الصيدليات، وما أن تخرج منها، حتى تندفع سيارة تابعة لعشيقها وتأتي عليها ..
ومثل هذا الدور ليس في حاجة إلى امرأة مثيرة، ورغم جمال المرأة وفتنتها التي نعرفها، وبقربها العاطفي من (سلطان)، فإن هذا الأخير قد ترك المرأة إلى الفتاة الأرستقراطية التي سعت بدورها إلى إيقاع سلطان بين يديّ الشرطة ..
الإغراء في (سر طاقية الإخفاء)
وإذا كان (نيازي مصطفى) لم يلجأ إلى إبراز مفاتن (برلنتي عبد الحميد) في هذا الفيلم، باعتبار أنه ليس هناك ضرورة إلى ذلك، فإنه قد فعل العكس تماماً في فيلم (سر طاقية الإخفاء).
ودورها هذا متشابه كثيراً لما حدث في (سلطان) ، فهي امرأة شريرة، تتعاطف مع (أمين) الذي يسعى إلى الاستيلاء على البنوك والأموال، والمجوهرات من خلال حصوله على طاقية الإخفاء.
وهذه المرأة مليئة بالرغبة في امتلاك المال، والجاه، وهى تستخدم الجسد كوسيلة مؤكدة لإغراء الرجال، والإيقاع بهم، سواء أمين، أو عصفور ..
وما أكثر هذه المواقف الإغرائية في الفيلم، وقد لا يكون ذلك مائلاً بوضوح في الشريط، باعتباره مجموعة من الحركات والصور المتحركة.
لكن الكراس الإعلاني للفيلم الذي توزعه الشركة المنتجة، يذكرنا ويكشف لنا أهم هذه المشاهد والحركات، فالمرأة هنا راقصة استعراضية في كباريه، تغني، وترقص (الهولا هوب).
ولأن المرأة ذات طموح عال، فإن تأثيرها على (أمين)، يبدو قوياً، فهي في أحد المشاهد تجلس فوق مقعد من قماش، وترفع ساقيها، ويبدو (أمين) وقد انحنى نحوها، وبدا أثر إغراءها عليه واضحاً.
بينما كشفت الشخصية عن المزيد من مفاتنها خاصة الوركين، وفي مشهد آخر، تبدو في وضع إغراء وهى ترفع يديها إلى أعلى وتكشف أجزاء أخرى من الفتنة، وإلى خلفها يجلس أمين ..
أما الإغراء الذي مارسته مع (عصفور) من أجل سرقة طاقية الإخفاء، فقد تبدي من خلال قيامها بإغرائه، ودفعه إلى شرب الخمر، حتى صار مخموراً .
وهي لابد أن تجرد عصفور من كل ملابسه، ويظل فقط بسرواله ، وأن تفعل ذلك في حدود المسموح به أيضاً، ترقد إلى جانبه، حتى يتمكن (أمين) من أخذ الطاقية من سترة عصفور.
وهناك مشهد آخر متكرر مشابه ، حيث ترتدي (برلنتي عبد الحميد) ثوباً عاري الصدر وتبدو منطقة الصدر من أعلى، وفي اللقطتين تبدو الفتاة كأنها هي التي تمارس العشق مع الشاب، أو تغتصبه، بينما هو مندهش، ومستسلم لها ..
ويبدي الإغراء هنا واضحاً، باعتبار أن المرأة تتخلى عن ملابسها وتكشف عن فتنتها من أجل الحصول على شيء، فالثمن هنا لا يهم لأنها ستحصل على ما هو أغلى من أي ثمن.
ويتمثل ذلك في الطاقية، ولذا فإن الإغراء رغم أنه صناعي، لكن بشكل عام يعكس أن الإغراء في السينما المصرية ملتصق بما يمكن تسميته بالجنس الصناعي، أو الافتعالي، أو البرجماتي ..
ومثلما حدث في (سلطان)، فإن الرجل الشرير هنا ، سرعان ما يتخلى عن هذا النوع من النساء عندما يريد الزواج، ويفضل امرأة أكثر التزاماً، وشرفاً.
وهى ابنة عمه الصحفية التي يحبها عصفور إلى أن يتزوجها، لذا فإن (أمين) يقوم بطعن المرأة، بعد أن يذهب للزواج من ابنة خالته ومثلما وشت العاشقة بسلطان، فإن المرأة هنا تشي بأمين، وتبلغ أمره إلى الشرطة، ثم تدفع الثمن ..
(نداء العشاق)، و(صراع في الجبل)
في فيلم (نداء العشاق)، كما في (صراع في الجبل) راحت الشخصية التي تجسدها (برلنتي عبد الحميد) تحاول الإيقاع بين أخوين!.
في الفيلم الأول الذي أخرجه يوسف شاهين كانت هى المرأة الفاتنة التي تعمل في محلج قطن، فيحبها الأخ، وتحب هي الأخ الآخر، وتهرب معه، فيطاردهما الأخ الأصغر ويسعى إلى قتل أخيه بأي ثمن.
أما في (صراع في الجبل)، فكانت هى المرأة الجبلية التي دسها رجل للإيقاع بين شقيقين، يتعاونان معاً في أعمال المنجم، وسعت من خلال أنوثتها إلى إسقاط هالة القدسية والإخاء بين الاثنين.
فنجحت في ذلك بشكل واضح، وعملت على إيجاد الفرقة بين الأخوين، ثم بدأت في التعاطف معهما، فساعدتهما مرة أخرى في أن يلتئم شملهما ..
(فضيحة في الزمالك)
في فيلم (فضيحة في الزمالك) لنيازي مصطفى، بدت (برلنتي عبد الحميد) في أجواء أقرب إلى الفيلمين السابقين، فهي لم توقع بين أخوين، وإنما أوقعت أختها في شرك، دفعتها إلى أن تكون في دائرة الاتهام بالقتل.
والمرأة هنا زوجة لموظف محدود الدخل، والأخت متزوجة من رجل ثري، يجعلها تعيش في رغد اجتماعي، وأمام هذا التباين، فإن الشخصية التي تجسدها (برلنتي عبدالحميد) تلجأ إلى الخيانة!
فهي تخون زوجها الشاب الوسيم (عمر الشريف) مع رجل عجوز، ثري، تذهب إليه في شقته، وتطمع فيما يمنحه لها من مال، ويأخذ هو من جسدها، هذا الرجل هو صديق لزوجها، وهو لا يتوانى عن جذبها إليه .
وفي شقته تبدو بالغة الفتنة، لكنها في إحدى زيارتها له تفاجئ به وقد أصيب بأزمة قلبية، ويموت !.
لاتتعرى في أغلب المشاهد
ولسنا بصد تحليل الفيلم، أو شرح قصته، ولكن من المهم أن نشير إلى نوع الإغراء الذي مثلته (برلنتي عبد الحميد)، فهي لاتتعرى في أغلب المشاهد، ولكنها تتعرى معنوياً، حين تبدو ضعيفة أمام المال، والحياة الراغدة .
وهى تبدو عمياء أمام ما يحدث للرجل، وتهرب وتترك أختها لتقع في دائرة الاتهام، حين تنسى في المنزل حلي الأخت، وتشير كل الدلائل أنها القاتلة، فتساق إلى المحكمة.
ومن بعد ذلك تشير أصابع الاتهام نحو الزوج نفسه، وعندما تتكشف الحقائق، يطارد الرجل امرأته في شوارع الزمالك، وتصعد إلى إحدى العمارات، ثم ترمي بنفسها أمام عينيه.
وفي هذا الفيلم بدا الإغراء من خلال ارتداء الشخصية المايوه الذي يبدو بالغ الفتنة على صاحبة مثل هذا الجسد، كما نرى القمصان الشفافة التي تبرز مفاتنها، وتتداولها.
ويقول الناقد (كمال رمزي) في حديثه عن هذا الفيلم: أن كفاءتها كممثلة تظهر بجلاء في العديد من المواقف، فتكاد تطغي على العرى والفتنة.
فمثلاً عندما ينفرد بها (محمود المليجي) في كابينة على الشاطئ، ويقتحم زوجها المكان، تقف مذعورة مع عشيقها خلف الباب، وتكاد تشعرك بنظرة زائغة أن قلبها سيتوقف حالاً.
وعندما يخرج تزيح كف عشيقها الموضوعة على كتفها برقة، وكأنها تقنعك بأن جبلاً قد انزاح من فوق كتفها، ويطلب الرجل بدناءة قبلة تحت الحساب، فتقول له: (خدها بسرعة)! كمن تريد أن تتخلص منه دون تجاوب.