بقلم الشاعر الكبير: إبراهيم رضوان
في (طرة).. كان المخصص لنا من الزيارات الشهرية زيارة واحدة خاصة وأربع زيارات سلكية .. زارنى والدى بعد أن تمكن من استصدار تصريح من وزارة الداخلية.. جائنى يصحبه صديقى (سامى متولى).. عاتبت أبى لأنه لم يرسل لى نقودا من مرتبى الذى يصله من سوهاج والتي كانوا قد نفونى إليها.. وحينما احتد عتابى بكى والدي.. تدخل سامى: خلاص يا إبراهيم.. هابعتلك أنا .
وحينما تمالكت غضبتي أكملت معاتبتىي: يا أبا أنا الوحيد هنا اللى بياكل من أكل المعتقل في (طرة) .. أكل لو رميته للفراخ اللى بتربوها مش هتهوب ناحيته.. كله هنا بيشترى من الكانتين عشان يعرفوا يرموا عضمهم يا أبا .
وحينما حضرت والدتى في زيارة مع والدى.. وبمجرد أن طالعتها بوجهى.. استمرت تحدق في بأسى ثم سقطت فجأة مغشيا عليها.. فشلت محاولاتنا في إفاقتها.. هرع إلينا الدكتور (صفوت عبد الغني) يلحقه بعض الأطباء الآخرين من المعتقلين في (طرة)..
وبعد محاولات مضنية أفاقت.. كانت تلفتت باحثة عن وجهى لتنخرط في بكاء يتخلله ولولة و نحيب.. حينما شاركها والدى البكاء تعجبت (كيف لهذا الجبل أن يهتز ويبكى؟.. عندما أصبح لى أولادا علمت أن للأب في الروح عين ثالثة كامنة مخصصة للبكاء لم أكن أراها من قبل ..
صباح يوم جائنى استدعاء مفاجئ من ومجهول السبب اللواء (عبد العال سلومة) مدير سجن (طرة).. ذهبت إلي مكتبه الفخم ..على الكرسى المقابل لمكتبه فاجأنى صديق طفولتي (محمد أحمد إسماعيل يجلس واضعا ساقا على ساق.. سلمت عليه و عانقته.. تركنا سلومة معا و خرج..
تسائلت: لماذا كان يجلس (عبد العال سلومة) مع صديقي (محمد أحمد إسماعيل) بشكل ودي وكأنهم أصدقاء طفوله؟ .. عرفت أن (محمد) في هذا الوقت كان يشغل منصب مدير عام مطار القاهرة..
كانت جلسة طويلة معي استمتعت بها خصوصا أن (محمد) كان قريبا مني .. كنا لا نفترق.. تحدثنا عن ذكريات الطفولة.. والخطابات الغرامية التي كان يكتبها لنا بأسلوبه الجميل..
(محمود عوض) وفكرة مصطفى أمين
كان يقرأ أكثر منا جميعا هو وصديق آخر اسمه (محمود جعبوب) الذي يذهب يوميا إلى بائع الصحف لكي يقرأ (فكرة) مصطفى أمين التي تنشر يوميا في الأخبار..
نصحناه أن يسافر للقاهره لمقابلة (مصطفي أمين)..كان (محمود جعبوب) وقتها في مدرسة أحمد حسن الزيات الثانويه بطلخا في السنة الثالثه.. كنا نتعجب أنه يقرأ الفكرة مرة واحدة حيث يعايشها مرة واحده.. ويحفظها بالحرف.. ثم يظل يرددها لنا بعد ذلك..
ذهب (محمود جعبوب) إلى (مصطفى أمين) الذي اكتشف أنه أمام شاب صغير يحفظ كل ما كتبه في حياته.. طلب منه (محمود جعبوب) أن يقوم بتعيينه في الأخبار.. أخبره (مصطفى أمين) أننا لا نقوم بتعيين أصحاب الشهادات الوسطى إلا عمالا..
وافق (محمود) علي ذلك و تم عيينه عاملا في الأسانسير.. حصل (محمود) على الثانوية.. بعدها ظل يذاكر حتى حصل على الشهاده الجامعية.. بعدها تم تعيينه صحفيا في (أخبار اليوم) حيث قام بتغيير اسمه من (محمود جعبوب) إلى (محمود عوض).. الذي أصبح بعد ذلك صحفيا كبيرا من أكبر كتاب السياسه في مصر..
بعد عدة ساعات أبلغ (محمد إسماعيل) أحد العساكر أنه يريد الانصراف.. حضر سلومة ليعانقني (محمد) و يخبرني أن (سلومة) من اليوم سيهتم بي وأنني سأتسلم الطعام الطبي والذي هو عبارة عن بيض.. وحليب.. وأرز مخصوص.. لن تكون هناك خبيزة ..أو فول بسوسه.. وسيتم صرف ادوية لي و إشراف طبي..
لن أتحول إلى (بسبس)
حيث أن كل شيء متاح لراحة الحاصل على هذا الطعام الطبي.. رفضت كل ذلك تماما.. تفهم (محمد) موقفي بعد أن أخبرته أنني لن أقبل ذلك تماما حتى لا يظن البعض أنني تحولت إلى (بسبس) لأن البسابس التي تكتب التقارير اليومية عنا..هم الذين يحصلون على الطعام الطبي..
و
شاي البهجهة
دخل القمر في الخن..
زن الميتين ..
وقت واحد.. م العمودالفقري
فجأه اتنعكشوا
رن الجرس.. صحي القطط
كل اللي ناموا تحت أنقاض
الجليد اتكرمشوا
واتهمشوا.. في لحظة واحدة..
قبل ما تبان الحدادي
في سقف بيت باهت أحادي
اللون في كون مرسوم غلط
اللوحة بان فيها الزلط
جنب اللي بان في الزاوية
من دمعة في جفن السوسنة
من شمعه لسه بتنتحب..
جوه الغنا من غير سبب
من موت سحب..
تحت الشعاع السرمدي
ولا قلت ليكي إبعدي
ولا قلت ليكي قربي
الجرح قايد في العروق..
من مشرقي لو تنطقي..
إلى مغربي
دخلت فيران الحزن داخل
مركبي ..
فاتحطمت كل الضلوع اللي
انتنت
صحيت في كل الناس بصرخة مدوية
جربت فيهم كل أنواع اللقاح
والأدوية
صحيوا وشافوا الشمس
زرقه ومش عاديه وانحنت
واما انكسر فيا العمود
الفقري نخ الرخ بعد ما باس
جناحه في الجناح
دخل القمر في السجن..
جن الحزن أشهر في السلاح
الوالي داري مرايته م الخلف السفاح
ولا قلت راح العمر يوم ..
ولا قلت جاي
ولا دوقت شاي البهجه من
براد قديم
غدد الفرح والبسمة ضاعوا
مع الخزين
باكتب عشانك غنوه لاجل ما تفرحي
مع إني في الواقع حزين و
انت مازلتي بتسبحي
داخل فناطيس الأنين اللي
ابتدى يصبح صراخ إنسان
جعان عاري الفخاد والجمجمة
لو حتى رافضاك السما
لازم في يوم ويا الفئران
تتكلمي
مع إنهم شكل الأسود
في دهسهم كتكوت بينهج
من طلوع سلم خدم
فلتستخبي م العدم جوه
العدم
وتلزقي طرف القدم
ويا القدم
كل اللي كان مبني على شط
الضفادع والعرس بإيدين
(هاديس) اللي ظهر جوه الصلاة..
ياحبيبتي لسه بتنهدم
والدم جف عشان نكون زي
الدمى
صامتين ومش داريين بضجة مكلمة
يسارية..أو حتى حقيقتك
مسلمو
الصورة في بطاقتك أكلها
بسرعه دبوس الصدأ
كل اللي قال عنك غريبة
الطبع مش طايقاني طول
عمرك.. صدق
واللي بدأ بالطعن هو
شكوكو دباح المعيز
لما العزيز للقلب ساب الديب لموزك يقطفه
ويعبي في توت الفروع في
مقطفه
واللي انطفوا..
هما نجومك في الزوايا
الأربعة
إزاي تسيبي.. الشعر.. سلعة
ناس حثالة كل سوق
شايلين ملامح ضفدعة
وانت الحبيبة المرضعة..
للكل قبل ما يتخنوا
ويلظلظوا
لابسين عمم دلوقتي بيلفوا
في كل مكان هلامي
بيوعظوا
بقلظ بيفرح لو يشوفهم
بقلظوا
ساعة ما شافوا إيديكي ماسكة في إيدي
فجأه بوزوا
مع إنك انت ضغطي ع
الكف اللي كان عايز
يطبطب لحظة فوق ضهرك
وضهرك مال ولسه بتنعسي
في حضن سماوي الكناريا
من على فروع الشجر
مع كل من قتل القمر
ليلة خروجه المستحية من
سحابة مغيمة
من كل شاربين الخمور في
الجمجمة
من كل وجه دميم ورافض يختشي
أوقات أشوفك بالقميص
الشفتشي
في حضن مجروح الشهادة
لأنه داس السوسنة
وساعات أقولك مش أنا
اللي كتبت فيكي شكوتي
وطفيت معاكي شهوتي..
قبل الدخول للدير في حالة
دروشة
دبابير كتيرة معششة في
الباقي ليا من هدوم
ورياح عتيهة منعكشة
خيمتي اللي بتضللني
وتخبيني من شيخ المناصل
قبل ما يدوس المفاصل
بالصراخ
الطفل شاخ.. من قبل حتى
ما يتولد
والكل عايز لسه ياخد..
طوبة من ورث البلد
وأنا.. وانتي عارفه إني ضد
سلالم الخدم اللعينة والهدد
واني اللي قلت في يوم
بصرخة مدوية
(قلب الوطن مجروح)
وقلت كتير كتير ليلة المدد
ما تشدي حيلك يا بلد،،
من كتاب (مدد.. مدد )
سيرة ذاتية لبلد