*بقلم الكاتبة الخليجية: زينب علي البحراني
لا يكونُ النجمُ نجمًا إلا إذا اتّسَمَت شخصيَّتهُ بمُميزات وخصائص بعضها أكثر عُمقًا وثباتًا من جمال الشكل، وبعضُها أكثر إخلاصًا من شَبَكة العلاقات العامَّة أو التسويق الإعلامي بمُختلف صوره، فكل النجوم الذين احتفظوا بنجوميَّتهم على مدى عشرات الأعوام استحقوها عن جدارة مثل النجمة السورية (إغراء).
ومن لم يستحقوا مكانهم في سماء النجوميَّة سُرعانَ ما أمسَى تاريخهم القصير مُجرَّد برقٍ خطفَ الأبصار قبل أن يغرُبَ مُسرعًا ومُفسحًا المكان لنجمٍ حقيقيٍ قادِم؟
ومن نجمات السينما العربيَّة اللواتي مازالت بصمتهن على الشاشة السُّورية الكبيرة غير قابلة للنسيان بسبب مواهبهن التي تجاوزَت ما يراهُ المُشاهدين على الشاشة النجمة (نهاد علاءالدين) المعروفة بلقبها الفني (إغراء) الذي أطلقه عليها المخرج زهير بكير.
أديبة.. وكاتبة سيناريو
بدأ افتتان (نهاد علاء الدين) التي سميت (إغراء) بالأدب والفن منذ سن السادسة، فكانت تطلب من أشقائها الأكبر سنًا اصطحابها إلى السينما لمُشاهدة فلم ممتع بديلاً عن الألعاب والشوكولا، وخلال مرحلة تعليمها الابتدائي كانت تجمع مصروفها لتشتري كُتُبًا بعضها أكثر تعقيدًا من قُدرة مرحلتها العُمريَّة على الاستيعاب.
لكنها كانت تبذل جُهدها لفهمها واستيعابها، ومع تراكُم ذاك المخزون الأدبي والثقافي تبلوَرَت تلك الشخصيَّة الكامِنة وراء الصورة الجميلة للمُمثلة (إغراء) التي وصفها النُّقاد بكونها (صاحبة اجرأ مشهد في تاريخ السينما السوريَّة).
حيث يتجلَّى عُمق غير محدود للثقافة، يُبهِر السامعين حديثها العربيُّ الفصيح خلال لقاءاتها الإعلاميَّة، وتجذب العقل قُدرتها الفائقة على تنسيق أفكارها والتعبير عنها بأناقةٍ مُنقطعة النظير، ليكتشف الباحث في سيرتها الإبداعيَّة أنها لم تكُن مُمثلةً وحسب.
بل أديبة صدرَ لها كتابان أحدهما بعنوان: (ذبحتني بيروت)، والآخر (بالحُبِّ أُروّضُ الرجال)، وكتبَت قصَّة وسيناريو وحوار 26 فيلمًا من أصل 70 فلمًا أدَّت أدوار البطولة فيها، كما شارَكت في إنتاج وإخراج خمسة أفلام.
وحينَ سُئلَت (إغراء) خلال لقاءٍ إعلامي عن سبب نجاح الأفلام التي كتبَت سيناريوهاتها أجابَت: (خِلال ذاك الوقت كانت لجنة رقابة النصوص السينمائيَّة من خيرة الأدباء والمُفكرينَ والمُثقفين، وكُنتُ أكتب نصوصي بوعيٍ ودراية وتعمُّق بما يدور حولي في المُجتمع من أحداثٍ ومُشكلاتٍ وهموم..
لذا لم يحدُث أن رُفضَ لي نصًا أو طُلبَ تعديله، كُنتُ أكتُب بطريقة السهل المُمتنِع لتستوعب أكبر شريحة من الناس قصص تلك الأفلام، والجميع يتفق على أن قصصي كانت سابقة أوانها).
حكاية مُذكرات الصبّوحة!
في فترةٍ ما كانت (إغراء) تعبّر عن أفكارها عبر وسائط الإعلام المقروء، فكانت تكتب على صفحات ثلاث مجلاّتٍ فنيَّة مشهورة في لُبنان: (الشبكة)، (نادين)، ومجلة (الكاميرا).
ولم تكُن تعلم وقتها أن الفنانة اللبنانية (صباح) حريصة على قراءة الزوايا التي تكتبها بانتظام، وكانت تشعُر أنها تُعبّر عن مشاعرها، أنها هى التي كتبتها بطريقةٍ ما، أنها ستقول مثل هذا الكلام في مثل هذا الموقف.
فسألَت صاحب مجلَّة (الكاميرا) عمّا إذا كانت (إغراء) تأتي إلى لبنان أحيانًا؛ فأجابها بأنها تأتي كثيرًا، فما كان منها إلا أن طلبت منهُ دعوتها حين تأتي ليتغديا في منزل الصبّوحة.. بادر هو بالاتصال وإخبارها بشأن الدعوة، فطار عقلها وردّت على الفور: أنا قادمةٌ غدًا!
ما أن رأتها صباح حتى قالت بحماسة: (من وين بتجيبي هالكلام؟ بتشقلبيه، بتقيميه، بتحطّيه، من وين بتخترعيه؟)، ثم عرضَت عليها طلبها بعد الغداء قائلة: (فكّرتُ أن أحسن من قد يكتُب لي مُذكراتي هى أنتِ، لأنكِ امرأةٌ مثلي، تشعرين بمشاعري، ويعجبني أسلوبك).
وافقَت (إغراء) بكُل سرور، وتم الاتفاق على اللقاء بينهما كل بضعة أيَّام لتدوين ما تتطلبه المُذكرات، بعد لقاءاتٍ قليلة نشرَت عنها مقالةً من أربع صفحات تحت عنوان: (صباح.. امرأة لكل الفصول)، قرأتها وسُرَّت بها أيما سرور، وتضاعَفَت حماستها لتدوين مذكراتها.
لكن التواصُل انقطعَ بينهما فجأة؛ وحينَ سألَت (إغراء) عن أخبارها علِمت أن سبب هذا الانقطاع هو انشغال الصَّبوحة بزواجها حديثًا من الفنان (فادي لبنان)، ومرَّت الأيَّام لتنسحب فكرة تدوين المُذكرات نحو عالم النسيان.
من الذي قدَّم التنازُلات؟
ثقتها العالية بنفسها كإنسانة وفنَّانة وكامرأة أيضًا إلى جانب سُرعة بديهتها وقدراتها اللغويَّة تُمكنها دائمًا من تحويل كُل تُهمة تُرجم بها إلى ميزةٍ تستحق الثناء والتقدير.
فعندما سألها الإعلامي عطيَّة عوَض خلال لقائه بها عبر شاشة برنامج (إنسان) عمَّا إن كانت قد اضطُرَّت لتقديم بعض التنازُلات لتحظى بفُرص النجوميَّة التي نالتها في تلكَ المرحلة؟
أجابَت: (من أوَّل فِيلمين سوريين قدّمتهما على التوالي صعدتُ كالصاروخ، صرتُ مطلوبةً بجنون في شُباك التذاكر وصار المُنتجون هم الذينَ يُقدمونَ لي التنازُلات لا أنا التي أُقدمها لهم، ويقبلون كُل شروطي لأنني أنا نجمة الشباك التي تجلب لهم النقود).
وعندما سُئِلَت عن ارتباط أفلامها بوصف (الإغراء) أجابت أن: (الإغراء هو الجمال الخارِق إضافة للكاريزما التي هى سِحر الجمال، فهناكَ جمالٌ باردٌ وجمالٌ متوهجٌ بسِحر الجاذبيَّة.. لنفترض أنكَ ذاهبٌ لشراء قالب من الحلوى؛ فترى أكثرها مُزينًا بالكريما والمُكسَّرات فيُغريك).
وعمَّا إن كانت نادمة عن بعض الأعمال السينمائيَّة التي قدَّمتها فقد قالت: (كلُّ ما قدّمتُهُ من أعمال سينمائيَّة كان صحيحًا بالنسبة للزمن الذي أُنجِزَ فيه، وأنا لستُ مُضطرَّةً على الإطلاق للتقدُّم بعريضة لأيٍّ كان ألتمسُ فيها حُكمًا بالبراءة الشخصيَّة وشهادة حُسن سلوك..
أنا صاحبة مشروع سينمائي كبير، كافحتُ وقاتلتُ وناضلتُ من أجلهِ سنوات، وكانت المُحصِّلة جوائز عديدة، أفلام ناجِحة، إضافةً إلى محبَّة الجماهير).
تجدر الإشارة إلى أن البدايات الأولى للفنانة (نهاد علاء الدين) في طفولتها كانت في مصر، حيثُ شاركَت في كل من فيلم: (عودة الحياة) مع الفنان أحمد رمزي والفنانة مها صبري، وفيلم: (الحب الأخير) مع (الفنان أحمد مظهر والفنانة هند رُستم) عام 1959م.
وشاركها ملك الجيتار الفنان (عُمر خورشيد) بطولة فيلمين سوريين، أحدهما (أموت مرتين وأحبك) عام 1976م، والآخر (وداعًا للأمس) 1977م.