بقلم الكاتب الصحفي: بهاء الدين يوسف
مرة جديدة أجد نفسي مضطرا للعودة للكتابة عن مسلسل (وتر حساس)، لكنني هذه المرة لن أتوقف عند النقد الفني للعمل الدرامي الذي حظي بحملة ترويجية غير مسبوقة لا اعرف اسبابها ولا مبرراتها.
هذه المرة أريد أن أعود لمطالبة قادة الشركة المتحدة بتحويل مسلسل (وتر حساس) وصناعه والمشاركين فيه للتحقيق، وقبلهم أعضاء لجان القراءة والمشاهدة في الشركة الذين يفترض أن يكونوا عين الشركة وضميرها في الحكم على صلاحية أي عمل يعرض عليهم.
لكن يبدو أن لا أحد يقرأ السيناريوهات التي تعرض ولا أحد يشاهد الأعمال الدرامية بعد تصويرها وقبل الموافقة على إذاعتها، ولو كان هناك من يقرأ ويشاهد لما ظهر مثل (وتر حساس) للنور بكل ما يقدمه من اساءة بالغة للمجتمع المصري بكل فئاته وطبقاته الاجتماعية.
وأكاد أجزم أنه لو اجتمع كل الدول التي لا تحب مصر لإنتاج عمل درامي واحد يسيء للمجتمع ويشوه أفراده لما تمكنوا من انتاج مسلسل مثل (وتر حساس)، ويكفي أن تلقي نظرة عامة على العمل لتعرف أنه لم يترك شخصية من شخوصه الدرامية دون أن يشوهها.
يتجاهل أي قيمة إيجابية
ربما يجادل البعض بأن ما قدمه مسلسل (وتر حساس) موجود في المجتمع، وحتى مع افتراض صحة هذا الزعم، فهل دور الدراما جمع كل مساوئ أي مجتمع وإبرازها في عمل واحد يتجاهل أي قيمة إيجابية في ذلك المجتمع؟!
هل تنتج المتحدة أعمالا درامية من أجل الإساءة للمجتمع المصري أمام المشاهدين من الأقطار الشقيقة والصديقة وربما غيرها من الدول والأشخاص المتربصين لمصر والذين يتحينون الفرص للنيل منها والتركيز على إظهار عوراتها؟!
ما الذي يمكن أن يريده أي كاره لمصر أكثر مما قدمه (وتر حساس)؟! فمجتمع الأغنياء حافل بالمؤامرات والخيانة وارتكاب مختلف أنواع المعاصي من شرب الخمور للزنا للعلاقات المشبوهة والمحرمة بل وحتى دق الوشوم في أماكن ظاهرة دون اعتبار لتحريمها دينيا.
ومجتمع الفقراء حافل بالرجال والنساء الجاهزين لبيع أي شيء وكل شيء من أجل الفلوس ولكسب ود الأغنياء، فلا مشكلة في أن تبيع البنت شرفها، ولا أن يبارك شقيقها (مشيها البطال) طالما تجلب له المال.
كذلك لا مشكلة لدى الطبيب الفقير أن يتورط في مؤامرات حقيرة ليوهم زوج زميلته الطبيبة الثرية أنها تخونه معه، طالما أنه يتلقى مقابل لتصرفه غير الأخلاقي.
مع التنويه بالمفارقة التي قدمها صناع العمل أن الأطباء الأثرياء وحدهم من يملكون الشرف والنزاهة ويحترمون قسم (أبقراط) في حين أن نظرائهم الفقراء مستعدون للدوس على أي شرف وأي قيمة طالما يحقق لهم ذلك التقاط (فتات المال) الذي يلقيه لهم الأغنياء.
هذا المعنى يمكن أن يكون عفويا مثلما يمكن أن يكون تحريضا على حق الفقراء في دخول كليات القمة مثل الطب والهندسة وغيرها، طالما أنهم يمثلون بعد تخرجهم نقطة ضعف للمهنة بسعيهم المستعر للثراء على حساب قيم المهنة التي يعملون بها، وهى وجهة نظر كانت تستحق وقفة من نقابة الأطباء.
لم يقدم شخصية إيجابية
المثير في مسلسل (وتر حساس) أنه لم يقدم شخصية إيجابية واحدة تقريبا طوال حلقاته، وحتى الشخصيات التي سعى صناعه لإضفاء الإيجابية عليها خرجت مشوهة، مثل المحامي (جمال) الذي يعمل في مكتب (نور الدين) والد (كاميليا).
فالرجل لا يكل ولا يمل من التجسس على (كاميليا) لصالح (سلمى) ثم لصالح والدها (نور الدين) بعد ذلك، كما ينقل المعلومات والأخبار أولا بأول، وهو المفروض أن المسلسل يقدمه كرجل صالح.
حتى (نور الدين) الذي يقدمه العمل باعتباره نموذجا للمحامي النزيه والشخص المحترم، يستخدم نفوذه للضغط على موكل ليسحب شكوى كان قد قدمها ضد ابنته في نقابة المحامين.
المؤسف أكثر من كل ما سبق أن المسلسل لم يكتف بتشويه كل طبقات المجتمع وإظهار مساوئها فقط، وإنما حاول تمرير مجموعة من القيم السلبية للأجيال الجديدة (بالمرة).
فهو قدم (سلمى) مثلا باعتبارها سيدة محترمة وطبيبة نبيلة تواجه ظلم المجتمع لها بكل شجاعة وتصميم، متجاهلا حقيقة أنها خطفت زوج ابنة خالتها وصديقتها من أولاده، وكذبها في أكثر من مناسبة على ابنتها، وتآمرها على زوجها السابق ووالد ابنتها في أكثر من مناسبة أيضا.
المشاكل الموجودة في العمل من كتابة لإخراج لتمثيل بارد، تفاصيل خاضعة للنقاش واختلاف الآراء، لكن عندما يكون الناتج هو الإساءة للمجتمع وأفراده فهنا يجب أن يتوقف الاختلاف ويحل مكانه الحساب.