بقلم الكاتب الصحفي: أحمد الغريب
جاء قرار السلطات الإسرائيلية بمنع عرض الفيلم الوثائقي (ملفات بيبي) – The Bibi Files داخل إسرائيل ليخلق معه حالة من الجدل الواسع والتفاعل بين الإسرائيليين، ذلك على ضوء ما تضمنه من مواد مصورة تُعرض لأول مرة من داخل غرف التحقيق مع رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) الذي يقود حرب الإبادة على قطاع غزة، وأفراد عائلته في قضايا الفساد التي تلاحقهم.
هذا الحظر لم يمنع الإسرائيليين من مشاهدة الفيلم الذي يلخّص شخصية (نتنياهو) الفاسدة، إذ لقي الفيلم بحسب ما أوردته وسائل الإعلام الإسرائيلية طيلة الأيام الماضية رواجاً واسعاً في مجموعات (تليجرام) و(واتساب)، وانتشرت مقاطع منه كالهشيم على شبكات التواصل الاجتماعي، مع المطالبة بمشاهدة ما يقوم به (نتنياهو) من (فساد).
التحايل على قرار الحظر
الإعلام الإسرائيلي تطرق من جانبه عن قرب لشرح الأسباب التى وقفت من وراء منع عرض فيلم (ملفات بيبي) في إسرائيل في الوقت الحالي واصفاً إياها بالغامضة، مع تأكيدها على إنه حتى وإن كانت مشاهدته لن تهز الرأي العام الإسرائيلي لكنه سيزيد من قناعة الإسرائيليين بفساد (نتنياهو).
مع التشديد كذلك على أن عدم قدرة الفيلم على تحريك الرأي العام الإسرائيلي قد يرجع إلى خطورة القضايا الأمنية التي يشتبه في تورّط (نتنياهو) فيها خلال الحرب على غزة، والتي لا يمكن مقارنة ضررها بضرر ملفات الفساد التي يتطرّق لها الفيلم.
مع الآخذ فى الاعتبار كذلك أن مقاطع الفيديو التي توثّق للتحقيقات مع (نتنياهو)، تكشف عن صورة حقيقية لزعيم ضلّ طريقه ويتصرّف انطلاقاً من مصالح شخصية، وهو ما يفسّر حجم التشابكات بين الأزمات القانونية والسياسية والأمنية التي يخلقها (نتنياهو) هروباً من فكرة إدانته في المحاكم.
مع وصف اهتمام الإسرائيليين بمشاهدة فيلم (ملفات بيبي) بعملية (المطاردة)، فهو يحظى باهتمام كبير من الإسرائيليين الذين يجدون طرقاً للتحايل على الحظر، مثل استخدام VPN الذي يستطيع تغيير مكان المستخدم، أو من خلال الروابط التي يتم تسريبها وإزالتها بسرعة على (تليجرام).
وتظهر روابط جديدة طوال الوقت في مجموعات إسرائيلية على وسائل التواصل الاجتماعي.
انتهاك القانون الإسرائيلي
(ملفات بيبي)، هو فيلم وثائقي أمريكي تم إنتاجه مطلع عام 2024 من إخراج (ألكسيس بلوم) وإنتاج (أليكس جيبني)، ويعتمد على لقطات من التحقيقات مع (نتنياهو) في قضايا الفساد المعروفة في الإعلام الإسرائيلي بملفات 1000 و2000 و4000.
إلى جانب مقابلات مع شخصيات إسرائيلية رئيسية مثل رئيس الوزراء السابق (إيهود أولمرت) ورئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) السابق (عامي أيالون) والصحفي (رفيف دروكر).
وتم إلتقاط التسجيلات بين عامي 2016 و2018 كجزء من جمع الأدلة لتحديد ما إذا كان ينبغي تقديم لائحة اتهام ضد رئيس الحكومة الإسرائيلية بتهم الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة.
وفي عام 2023، تم تسريب التسجيلات إلى المنتج (جيبني)، وتظهر مقابلات مكثفة مع (نتنياهو) وزوجته (سارة) وابنه (يائير) وأصدقاء (نتنياهو) ورفاقه، بالإضافة إلى موظفي المنزل.
في البداية عُرِض (ملفات بيبي) كفيلم قيد التنفيذ في مهرجان تورنتو السينمائي الدولي لعام 2024، وكان العرض الأول العالمي الرسمي له في مهرجان نيويورك للأفلام الوثائقية Doc NYC في 14 نوفمبر 2024 واختير أحد الأفلام الوثائقية المتميزة لهذا العام.
على أن يجري عرضه لاحقاً على منصة الأفلام Jolt في الولايات المتحدة في 11 ديسمبر 2024، وعُرِض الفيلم للمعاينة لمدة يومين بمبادرة من حركة UnXeptable، وهي حركة احتجاجية إسرائيلية مناهضة لنتنياهو، ويُعرَض مجاناً على المنصة لأولئك الذين يسجّلون أنفسهم مسبقاً، مع حظر المستخدمين الإسرائيليين.
وكانت محكمة إسرائيلية في القدس المحتلة قد رفضت في سبتمبر الماضي دعوى قضائية من (بنيامين نتنياهو) لسحب الفيلم من قائمة عروض مهرجان (تورونتو) السينمائي الدولي، وادعى الفريق القانوني لرئيس الوزراء أن الصحفي الاستقصائي (رافيف دروكر) الذي يظهر في الفيلم.
وهو أحد منتجيه، انتهك القانون الإسرائيلي بتسريب الفيديو، لكن من دون تقديم أي دليل يثبت أنّه وراء التسريب، وفي حديثه بعد العرض الأول، أكّد المنتج أنه لن يحدد هوية الشخص الذي أعطاه المقاطع المسجلة، مضيفاً: (جاءني مصدر وقال إنه يملك بعض مقاطع الفيديو التي قد تساعدني على إنتاج فيلم).
حرب غزة ومصلحة (نتنياهو)
لقطات الفيديو المسربة من جلسات التحقيقات وتحتوي على آلاف الساعات من المقابلات، تم إجراؤها منذ أكثر من 8 سنوات، إلا أنها لم تتم مشاهدتها في أي مكان بما في ذلك في إسرائيل بسبب قانون الخصوصية في البلاد، توضح أن (نتنياهو) حافظ على هدوئه خلال معظم الجلسات.
وعادة ما كان ينفي الاتهامات الموجهة إليه بادعاء أنه لا يتذكر، وفي المقابل، يهاجم ابنه (يائير) الشرطة الإسرائيلية خلال جلسات التحقيق، ويتهمها بأنها تتصرف كجهاز الأمن في ألمانيا الشرقية الشيوعية وبمحاولة تنفيذ انقلاب سياسي ضد والده.
يتضمن فيلم (ملفات بيبي) الذي تبلغ مدته نحو ساعتين مقتطفات عدة من جلسات التحقيق مع زوجة (نتنياهو) التي توبخ فيها المحققين لانشغالهم في (التفاهات) خاصة عندما يسألونها عن هدايا (آرون ميلشان) وعن زجاجات الشمبانيا الـ 12 التي تلقّتها كهدية منه في حفلة عيد ميلاده.
فترد: (لماذا تستجوبون الناس حول الهدايا التي يتلقونها من الأصدقاء؟ تريدون إسقاط رئيس الوزراء؟)، وحينما يجيبونها (لقد أنهينا هذا الجزء من التحقيق)، تقول لهم: (لا، لم ننتهِ بعد)، وفي جلسة أخرى، تشرح للمحققين ما تقوم به لمصلحة إسرائيل، وتقول إنها (تسير على السجاد الأحمر في جميع أنحاء العالم).
كما هاجم فيلم (ذا بيبي فايلز) رئيس الوزراء الإسرائيلي لتخليه عن الأسرى المحتجزين في قطاع غزة، منذ بدء الحرب التي حصدت أكثر من 44 ألف شهيد حتى الآن.
وقال أحد المتحدثين في العمل: (إن الحرب الدائمة في مصلحته، وهذا يعني أنه كلما طالت فترة بقاء إسرائيل في حالة حرب، قل احتمال ملاحقة (نتنياهو) قضائياً).
المخرجة الأمريكية (ألكسيس بلوم)، قالت في تصريحات سابقة لها فى سبتمبر الماضي إن (شخصية (نتنياهو) تم التعبير عنها بقوة في التسجيلات، وتابعت (أود أن أقول إن الفرق بين هذا الفيلم وتقرير إخباري أو شيء قد تشاهده على قناة PBS حول الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني هو أنه نظرة إنسانية للغاية للأشخاص الذين يتصدرون العناوين الرئيسية)، ويربط الفيلم بين حاضر (نتنياهو) وماضيه.
كذلك وبحسب المنتج (أليكس جيبني)، يكشف الفيلم شيئا (شكسبيريا) عن الرجل، بمعنى أن فساد شخصيته البطيء وحاجته الماسة للبقاء في السلطة قادته إلى القيام بأشياء فظيعة نرى الآن دليلا عليها.
وهم الديموقراطية الزائفة
صحيفة (الجارديان)، البريطانية، أكدت من جانبها أن الفيلم، يعرض قضية حساسة ومدانة، ويطرح حجة ربما يكون المراقبون عن كثب على دراية بها بالفعل، وهى أن (نتانياهو) يطيل أمد الحرب المدمرة في غزة، والتي أدت إلى أكثر من 44 ألف شهيد، لتجنب السجن المحتمل الناجم عن اتهامات الفساد.
وبمعنى آخر فإن الأزمة الإنسانية التي تنتهك القانون الدولي تحوم حول الحفاظ على الذات، وفقا للصحيفة.
كما لفتت (الجارديان)، إلى أنه تم بالفعل تسريب معلومات من مقاطع فيديو الاستجواب ونشرها في وسائل إعلام إسرائيلية، لكن مقاطع الفيديو لن تُعرض أبدا على الجمهور (على الأقل قانونيا) في إسرائيل.
ووفقا المنتج (أليكس جيبني)، يمنح القانون الإسرائيلي الخصوصية للأشخاص الذين تم تصويرهم في إجراءات رسمية، مما يجعل نشر اللقطات غير قانوني، وقال (إنه قانون خاص بالنسبة لإسرائيل ولكن لا يؤثر على بقية العالم).
إجمالاً تكشف حالة الجدل التى تبعت انتشار الفيلم بعد قرار منعه فى إسرائيل عن وهم طالما حاولت الحكومات المتعاقبة فى تل أبيب تسويقه وهو وهم الديموقراطية والحرية التى تميز إسرائيل عن جيرانها العرب والادعاء كذباً وزيفاً.
إنها جزء لا يتجزأ من الديموقراطيات الغربية والمغالطة بالقول إنها تمنح مواطنيها كامل الحرية فى حياة ينعمون فيها بالحريات وهو وهم وكذب أسقطه القرار حتى ولم يسقط (نتنياهو) وحكومته الإجرامية حتى الآن.. وللحديث بقية..!