كتب: محمد حبوشة
نجاح درامي على الطريقة السعودية، هذا ما أظهره، مسلسل (خريف القلب) كنوع من الدراما الاجتماعبة التي تقوم برصد حي لغرائب الأقدار، ومفارقات الحياة في حياة طفلتين تم تبديلهما بعد الولادة، عبر دراما إنسانية مشحونة بالمشاعر والمفاجآت المشوقة، فضلا تمتعه بقد من دفء المشاعر الإنسانية الراقية.
وعلى الرغم من أن (خريف القلب) يعد أول مسلسل سعودي مقتبس من الدراما التركية، وهو مأخوذ عن المسلسل التركي (حطام) الذي عرض (مدبلجا) بالعربية تحت عنوان (عشق ودموع) وحقق نجاحا واسعا في 2014، إلا أنه نجح في سعودة القصة وقياسها على الواقع المعاش حاليا.
يحكي المسلسل قصة طفلتين تقوم ممرضة بتبديلهما عن طريق الخطأ، إذ تعطي الطفلة التي ولدتها (نهلة/ إلهام علي) من الطبقة الفقيرة، إلى زوجين من الطبقة الغنية، بينما تحنو ابنة الزوجين الثريين (شوق/ ميرال مصطفى) إلى أم فقيرة تتعلق بابنتها التي ربتها، لكن تمردت عليها فور عثورها على أبوها وأمها الثريين عبر مفارقات مذهلة.
ومن خلال مشاهدتي للحلقات التي أذيعت حتى الآن، إلا أنني أري أن (خريف القلب) يجمع بين الدراما وقدر كبير من التشويق بسبب حبكته المثيرة، إذ يحكي عن عائلة شديدة الثراء وأخرى تعاني الفقر.
وتنجب الأم من العائلتين أنثى باليوم نفسه والمستشفى نفسها، وبسبب خطأ إحدى الممرضات تتبدل الفتاتان، وتنشأ كل واحدة مع أسرة لا تنتمي إليها دون أن يدرك أحد حقيقة ما جرى.
المفارقة في (خريف القلب)
تبدو لي المفارقة الكبيرة في (خريف القلب) أنه بعد 17 عاما ونتيجة حادث سير تتعرض له إحدى الفتاتين، ولحاجتها للتبرع بالدم، تكتشف إحدى الأسرة كل شيء ومن ثم تتبدل أحوال الجميع، خاصة حين تنجح الابنة الثرية (شوق/ ميرال مصطفى) بالوصول لأمها الحقيقية.
فيما تكتشف البنت الفقيرة (أمل/ جود السفياني) أن أهلها من ذوي الأموال والممتلكات مما يجعلها على استعداد تام للتنكر من الأم التي ربتها والتخلى عن ماضيها لتلحق بأحلامها الكبرى بعد أن عاشت عمرا بأكمله ناقمة على حالها.
وعلى عكس الأعمال الدرامية السابقة التي جرى اقتباسها من فورمات المسلسلات التركية خلال السنوات الأخيرة، وطغى على غالبيتها الطابع الرومانسي، وجاءت متخمة بالعلاقات العاطفية أو الخيانات الزوجية.
قرر صناع الدراما السعودية دخول هذا السباق واختاروا مسلسل (خريف القلب) اعتمادا على حبكة اجتماعية تركز على العلاقات الأسرية وعالم المراهقين وتأثير التعرّض إلى منصات التواصل وما يترتب على ذلك من مقارنات وصراعات داخلية.
وتبدو المصداقية والمعايشة في مسلسل (خريف القلب)، أنه وقع الاختيار على الكاتب والروائي السوداني (علاء حمزة)، لكتابة سيناريو وحوار العمل ومنحه طابعا وروحا سعوديين، فظهرت العديد من البطلات محجبات وانعكاسا للتقاليد السعودية، كذلك استعرضت القصة بعض التحديات التي يواجهها السعوديون بعالم العمل.
نجحت (إلهام علي) في تجسيد الانفعالات المختلفة بين القلق والحنان والحزن والانكسار، وغيرها من المشاعر المتناقضة في شخصية الأم (نهلة) المغلوبة على أمرها بفعل زوجها الهارب وأخته (جواهر/هند محمد) المتعنتة في تصرفاتها بصلافة بعد أن خلعته أخيها.
ويبدو هنالك أداء قويا للمبدعة (لبنى عبد العزيز الخالدي) في دور الأم اللاهية المنشغلة بالجمعية النسائية أكثر من اهتمامها بأسرتها التي تتكون من الزوج والابن والابنة، حتى أفسدت تلك الأجواء العائلية بفرط من نرجسيتها وغرورها.
كذلك برع (عبد المحسن النمر) في أداء دور (راشد) الأب الحنون المتعلق بشدة بابنتيه، مما وضعه في صراع إنساني وعاطفي عميق، حيث يجد نفسه ممزقًا بين أبوته البيولوجية لابنته (أمل) التي نشأت محرومة من حنانه طوال حياتها، وبين أبوته بالتربية لابنته (شوق).
ويظهر هذا الصراع من خلال محاولاته المستمرة للتعبير عن حبه لكلتيهما وإغداق مشاعره عليهما بشكل متساو، وممن لفتوا الانتباه لأدائهم كذلك الشابة (جود السفياني) في دور (أمل) الابنة ذات التطلعات، والتي لا تتوانى عن الأنانية والتلاعب بمشاعر من حولها أو كسر قلوبهم من أجل مصلحتها فقط لا غير.
الدراما الاجتماعية النفسية
(خريف القلب) ينتمي إلى فئة الدراما الاجتماعية ذات الطابع النفسي التي تميل إلى استثارة انفعالات وعواطف الجمهور من خلال أحداث كبرى تهز الوجدان، من هول المفاجآت المذهلة التي تشعل أجواء الأحداث التراجيدية بقدرمن الإثارة والتشويق.
كما يعتبر مسلسل (خريف القلب) من أبرز أعمال الدرامية السعودية التي تم عرضت مؤخرا، ما جعل المتابعين في حالة ترقب لما يقدمه من أحداث مثيرة، حيث يتميز هذا المسلسل بتصويره الجيد وبطاقمه المتميز الذي يجمع بين نجوم بارزين في سماء الدراما الخليجية.
فلايبدو للوهلة الأولى مجرد مسلسل عادي، بل يعكس الواقع الاجتماعي والنفسي من خلال الأحداث التي تسلط الضوء على قضايا متعددة تهم المجتمع، يتعاون مخرج المسلسل (فكرت قاضي)، مع كاتب السيناريو (علاء حمزة)، ليقدما تجربة درامية مميزة تلامس القلوب وتجذب الأنظار.
يتسم مسلسل (خريف القلب) بجودة الأداء التمثيلي لطاقمه، الذي استطاع أن يتجاوب مع القصة المعقدة بأسلوب احترافي، وينجح المسلسل في طرح قضايا اجتماعية حقيقية تعكس تحديات الحياة اليومية التي تواجه الشخصيات.
وربما ساهم في ذلك أن القصة تدور في إطار من الإثارة والمشاعر المتلاطمة، مما يمنح المتلقين تجربة درامية غنية ومؤثرة، وبفضل الحبكة الدرامية الفريدة والانفعالات القوية، يحظى (خريف القلب) بشعبية كبيرة ونقد داخل الوسط الفني، مما يجعله من المسلسلات الخليجية اللامعة لهذا العام.
يظهر مسلسل (خريف القلب) بوضوح قوة الدراما السعودية الخليجية وقدرتها على معالجة الموضوعات الاجتماعية العميقة، من خلال سرد قصصي قوي، إنه يمتلك القدرة على التأثير في الجمهور، مما يجعله حدثا فنيا يستحق المشاهدة في ظل زخم مسلسلات (شاهد) التي تتنوع في الأكشن والإثارة والجريمة.
ويجتمع في (خريف القلب) الأداء العذب مع النص الدرامي الجيد، ليخرج المنتج النهائي بشكل يلبي توقعات المشاهدين ويثير حماسهم للمتابعة، ومع استمرار الحلقات، يظل الجمهور متشوقا لمعرفة المزيد حول هذه الشخصيات وقصصهم المعقدة عبر أحداث سريعة تخلو من الحشو والملل الذي يصيب غالبية مسلسلات هذا الموسم.
يذكر أن (خريف القلب) من بطولة عبد المحسن النمر، وإلهام علي، فيصل الدوخي، لبنى عبدالعزيز، ومشاركة القديرين إبراهيم الحربي وهند محمد، مروى محمد، وظهور خاص للفنانة أروى وآخرين.
رياح الانفتاح والتغير
وفي النهاية يبدو لي أن رياح الانفتاح والتغير التي تشهدها المملكة العربية السعودية من خلال رؤية ولي العهد الأمير (محمد بن سلمان) انعكست خلال السنتين الآخيرتين على صناعة الدراما التي أصبحت تسابق الزمن بتطلعاتها المستقبلية، بناء على القرارات التي تدعو لإثراء المحتوى الفني ضمن رؤية (المملكة 2030).
إذ استطاعت أن تقتحم أعقد المشكلات على جناح (دراما الجرأة الاجتماعية) التي تميزت بها الدراما السورية في العقدين الآخيرين من الألفية الثانية، وهى نفسها التي كانت قد حققت الدراما انتشارا محليا كبيرا لكنه لم يكن ملموسا عربيا إلى الحد المطلوب مع ظهور الفضائيات السعودية في بداية تسعينيات القرن الماضي.
ولاشك أن السعودية تمر بلحظة تاريخية ونقطة تحول هائلة، تشهدها على كافة الصعد والمجالات، منها إنتاج المحتوى والصناعات الثقافية والإبداعية، التي تشمل المحتوى التلفزيوني والرقمي والسينمائي، وكل الفنون التي تظهر عبر وسائل الإعلام والسوشيال ميديا وإنتاجاتها.
وقد بدأت مساعي حكام المملكة العربية السعودية بـ (رؤية 2030)، أن تتحقق وهى خطة ما بعد النفط، والاتجاه نحو التنوع الاقتصادي والمعرفي، وعدم التركيز فقط على عائدات النفط، بالمزيد من الإنتاجات في كافة الميادين، وهى في هذا تواكب لحظة بلحظة التطورات التكنولوجية والمعرفية في العالم.
ما جعلتها جزءا من منظومة تواكب ما يحدث في عالم الثورة التكنولوجية والذكاء الاصطناعي، فمثل هؤلاء القادة قادرون على تغيير واقع شعوبهم، وإحداث نقلة نوعية في بلادهم.
وعليه فإن الدراما السعودية تعيش طفرة نوعية وباتت أكثر جرأة في تناولها لمشاكل المجتمع في سبيل تسليط الضوء عليها وعلاجها، إنطلاقا من أن دور الدراما الأول هو تسليط الضوء على المشكلة التي يعاني منها المجتمع وليس البحث عن حلول لها لأن هذا الأمر من اختصاص المسؤولين.
ومن ثم بات للدراما السعودية صوتا مسموعا أقوى بكثير من السابق، حيث سلطت الضوء بشكل جرئي على مشاكل المرأة السعودية المغلوبة على أمرها، وكانت الدراما السعودية شهدت طفرة كبيرة من خلال بعض المسلسلات التي خرجت من عباءة الكوميديا والتي كانت ذات الغلبة في الساحة الفنية مثل مسلسل (خريف القلب).