رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

ناصر العزبي يكتب: (الثقافة) بين دورها في نشر الوعي ومرحلة الرعاة والاتجاه الاستثماري للثقافة

الثقافة من وزارات الأمن القومي، تعي أثر قيمة القوى الناعمة المعنية بالهوية الوطنية والثقافية

بقلم الناقد والكاتب / ناصر العزبي

مناقشة ما يتعلق بفلسفة وأنشطة مؤسسات وزارة (الثقافة) يحتاج لمقالات مطولة، خاصة في حال إفراد مقال لكل ملف على حدا، وكان لي مقالين سابقين بشأنها، والحقيقة أن قصر مقالاتي قي ذات الشأن يؤخر تناولي لموضوعات مختلفة أخرى بحاجة للطرح.

لذا اكتفي بهذا المقال الثالث في شأن وزارة (الثقافة)، وأن تضمن عناوينا لموضوعات مختلفة تحتاج لتفنيد، ولربما نتطرق لها فيما بعد على فترت متباعدة.

وبداية؛ أطرح ثلاثة عناوين أظنها تلخص الكثير من مراد هذا المقال:

– هل نبيع ثقافتنا للمستثمرين أم نستثمر فيها للاستفادة من تراثنا الثقافي والحضاري القديم والحديث؟

– هل نقدم التنازلات بتطويع أهداف مهرجاناتنا وفعاليتنا الثقافية وتسطيح قيمتها لمن يسهم في رعايتها؟

– هل يعى القائمين على (الثقافة) أن (الترويج للإبداع الاستهلاكي والمهرجانات الخاصة والجوائز الغير مستحقة” بمثابة جريمة تسطيح للثقافة).

متابعة معالي (د. أحمد هنو) لكل ما ينشر، وترحيبه بالآراء والأفكار التي يتم طرحها

1- عن وزارة (الثقافة) ودورها الممتد:

في ظني أن وزارة (الثقافة) في حقيقتها ليست وزارة للترفيه أو الاحتفالات والفعاليات الإعلامية، وأن دورها ليس مجرد الأنشطة الثقافية فقط، حيث أن نطاق تأثيرها وطبيعتها يتجاوز حدود الوزارة نفسها ليمتد إلى نطاق أوسع لوزارات وهيئات أخرى باعتبارها شريك أو استشاري لها.

ويجب أن تكون هناك قناة اتصال أو بروتوكولات فيما بينها وبين كل منها، وذلك من منطلق الدور المنوط بها كوزارة من وزارات الأمن القومي، تعي أثر قيمة القوى الناعمة المعنية بالهوية الوطنية والثقافية، وأحد المكونات الأساسية للشخصية المصرية.

الأمر الذي يتطلب خروجها من عباءتها التقليدية إلى النطاق العام، لتتصل بكل ما يعني المجتمع عبر وزارات ترتبط بشكل أو بأخر بثقافتنا، مثل وزارات (السياحة والأثار، التربية والتعليم العام والفني، والتعليم العالي والبحث العلمي، والأوقاف، التضامن الاجتماعي، والتخطيط والتنمية الاقتصادية).

كذلك (الأزهر، والكنيسة، والأمن العام، والهيئة الوطنية للإعلام، والهيئة العامة للاستعلامات، وصندوق مكتبات مصر العامة)، بالإضافة إلى المحافظات.

أذكر ذلك في بداية مقالي هذا بهدف إبراز أهمية الدور المنوط به تلك الوزارة بما يستدعي رصد الميزانية المناسبة لها من موازنة الدولة بما يمكنها من تحقيق رسالتها في نشر الوعي الثقافي – بين المواطنين – بما يتضمنه من وعي (قومي ووطني وانتمائي).

وكل ما يدعم تأكيد هويتنا لصمودها أمام إعصار العولمة، بالإضافة لدورها الهام في المناطق الحدودية، حيث أن تحقيق تلك الرسالة بحاجة إلى جهود كبيرة، ونشاط واسع، ومنافذ تفاعلية جديدة تتعامل مع المثقفين والمواطنين بشكل مباشر الأمر الذي يكون له التأثير الأكبر فيهم من تأثير الوسائط الإلكترونية الأكثر توغلاً.

هذا؛ وجدير ذكر متابعة معالي (د. أحمد هنو) لكل ما ينشر، وترحيبه بالآراء والأفكار التي يتم طرحها، بل والتواصل التليفوني لمناقشتها، بما يعمل على التفاؤل ويشجع على وضع التصورات وطرح الأفكار، خاصة وأنه لم يلجأ لمنهج التصريحات الرنانة لامتصاص الرأي العام، أو الاتصال بغية تهدئة المنتقدين لكسبهم.

فمن المؤكد أنه لديه رؤية عمل على تفعيلها، وأعطى توجيهاته بها للمؤسسات التابعة لقيادته، رؤية تتفق والظروف التي تعيشها الدولة والتي تستدعي مراعاة ترشيد الإنفاق، وتوفير الموارد، واجتذاب الرعاة لدعم فعالياتها، والاستثمار الثقافي الذي يدر عائدا مادياً في ذات الوقت.

مجمع اللغة العربية

2- ثقافة الهدم :

وما بمشهد حرق المجمع اللغوي الذي امتدت إليه يد التخلف والجهل ببعيد، وقد حزن الجميع عليه، وأن من قام بحرقه أعداء الوطن، فما بالنا نشاهد في تلك الأيام أفعال تماثلها في الناتج وان جاءت بمسميات مختلفة (هدم، بيع، وقف، نقل..).

وما بمشهد هدم المقابر الأثرية، أو المنابر الثقافية أو بيع رموز مبان الحضارة الحديثة يختلف أثره عن حرق المجمع، (ماسبيرو، مجمع التحرير، البالون، المسرح العائم، المقابر الأثرية، مبان ومسارح قصور الثقافة، الأوبرا، قصر شجرة الدر، ..).

وغيرها من أسماء لمبان أو منشآت إدارية – لا تتوافر لديَّ قائمة بها، وبغض النظر عن تبعيتها لأي وزارة – وأي كان مسمى التفريط في تلك المبان، إلا أنه لا يمكن تصنيفه إلا في إطار مفهوم “ثقافة الهدم”، الهدم للتاريخ وللتراث وللحضارة.

ذلك الذي يكشف عن تهديد لحضارتنا الثقافية القديمة والحديثة (مكون شخصيتنا المصرية) والمصير غير المعروف لها، أو الهدم للحضارة الإنسانية وتغير مسارها، بما قد يقود لبناء إنسان هلامي منتمي للفضاء الرقمي بما يدعم فكرة المواطنة الرقمية الداعمة للعولمة والنافية للانتماء.

أما ما يبعث على الغرابة ولا يخضع لمنطق هو؛ أنه في ذات الوقت الذي تقام فيه أعمال بناء أو إعادة صيانة وترميم يكون هناك الفعل المعاكس بالهدم والنقل وتعطيل وإيقاف الأعمال لمنشآت أو مبان أخرى – البناء والهدم / الفعل وعكسه – تلك الازدواجية في الممارسات تكشف عن عدم وجود استراتيجية بعيدة المدى في التخطيط.

وعن غياب الوعي بدور تلك المباني التي يتم تعطيلها لسنوات، وعدم التقدير الصحيح لقيمة المبان التراثية منها.. وهذا هوما يدفعني للتأكيد على أهمية دور وزارة (الثقافة) الذي يجب أن يمتد لمجموعة الوزارات والهيئات التي أشرنا إليها والتعاون معها للتبصير بشكل مباشر، وقبله بشكل غير مباشر عن طريق كل ما تقدمه مؤسساتها.

بات التوجه للاستثمار الثقافي أمر واقع كما حدث في المتحف الكبير

3- الاستثمار ومأزق العلاقة الطردية مع التسطيح الثقافي:

بات التوجه للاستثمار الثقافي أمر واقع، باستغلال الأصول المادية الثقافية من مبان حضارية ومنشآت آثاريه، للاستفادة منها، وفي ذلك نشير إلى تنظيم الحفلات لنجوم الغناء، والتي يستقبل (قصر عابدين) عدد منها منذ العام الماضي.

كذلك (المتحف المصري الكبير) الذي استضاف مؤخراً حفل للمطرب (مدحت صالح) بعنوان (صوت السينما) آخر أكتوبر الماضي، وحفلتي (ليالي مصر) التي أحيتهما (أنغام) نجمة الطرب المصرية.

أيضاً اتجهت فرق (قطاع الإنتاج الثقافي) التابع لوزارة (الثقافة) للاستعانة بكبار نجوم الطرب بفعالياته، وعلى سبيل المثال المطرب (إيهاب توفيق)، الذي أحيا حفلا فنيا مع فقرات استعراضية لفرقة (رضا للفنون الشعبية) على مسرح البالون الأسبوع قبل الماضي.

وقبله مشاركة المطرب (علي الحجار) في مسرحية (مش روميو وجوليت) على المسرح القومي والذي تستعد فرقته حالياً لتقديم النجم (يحي الفخراني) الفنان القدير في (الملك لير)، وهو اتجاه صائب بشرط أن تتم دراسته جيدا من حيث ما يدره من عائد مقابل ما ينفق على تعاقداته وتنظيمه من ناحية.

وبحيث ألا يتعارض مع نشاط فرق تلك الأماكن أو يعطل مشاريعها، وكذلك الحرص على تقدم قيمة ثقافية ولا تقتصر على الترفيهية فقط.

وفي الإطار المتعلق بالمهرجانات، وتخفيفاً من الأعباء على موازنة الوزارة، ظهر خلال السنوات القليلة الأخيرة الاتجاه لرعاة للمهرجانات الرسمية، وكذلك فتح الباب على مصرعيه للمهرجانات الخاصة والتي غالباً ما تُستغل كمظلة لتحقيق أغراض شخصية.

وأمر المهرجانات – الرسمية منها والخاصة – موضوع يستحق وقفة تأملية طويلة، إلا أنني رأيت أن أطرقه هنا فقط لأشير إليه والتوجيه لإمكانية استثمارها بالشكل الصحيح، حتى لا تكون خطوة على طريق التسطيح الفكري والتهميش لدور الثقافة، بسبب الاختيارات الخاطئة لرئاستها والتكريمات للأقل قيمة على حساب رموز هامة.

كذلك المجاملات في منح الجوائز لعروض على حساب عروض أفضل، وهو ما يبرز أهمية اختيارات الوزارة، كانت البداية لرئاسة المهرجان، ومن ثم اختيار لجانه، هذا من جانب، ومن جهة أخرى أرى ضرورة إعادة النظر في تراخيص المهرجانات وخاصة الدولية منها.

كذلك إعادة النظر في جدولة مواعيدها على مدار العام وفق رؤية واضحة لها، حيث يتم تنفيذ المهرجانات بشكل متلاحق خلال ثلاثة شهور محددة.

المسرح القومي

4- المسرح ليس عدوا للوطن:

المسرح لم يكن يوماً عدوا للشعب أو للوطن، فهو ليس منفذا للخطب الثورية التحريضية تابعا لحزب سياسي، ولا منبرا بمسجد لخطب وعظيه أو لنشاط ديني متشدد، ولا يتبنى فئة مجتمعية بعينها تهدف للنفعية الخاصة، انما المسرح يمثل الوطن ويتبعه، ويحلم له ولشعبه، ويعيد صياغة همومه ومشاكله برؤية أكثر رحابة.

ويقدم أفكار حالمة للوطن وللعالم وللإنسانية، وأنه مع زيادة منافذه تزيد وتتعدد الرؤى التي تصب في صالح الوطن، ناهيك وأنه مكان للإبداع يمارس فيه الفنانون الفن، ويحوي الشباب من المبدعين كمتنفس لطاقاتهم الإبداعية بشكل إيجابي، بل ومتنفس للمواطنين أيضاً على أكثر من مستوى، فمن المستفيد من هدم المسارح أو غلق أبوابها..؟!

نحن نتطلع إلى زيادة مسارح الدولة بمصر، والعمل على فتح المسارح المغلقة بقصور (الثقافة) وتجهيزها بشكل مكتمل بجميع محافظات مصر، وتواصل الوزارة مع المحافظين لتسهيل تحريك العروض الاحترافية واستضافة فرقها بمحافظاتهم، وكذلك بمسارح المصايف بها، بهدف تحقيق العدلة في نشر الخدمة الثقافية وتوسيع قاعدة المستفادين منها لأبناء تلك المحافظات.

نتطلع إلى زيادة مخصصات الإنتاج للفرق لمسرحية بما يسهم في تقديم منتج مسرحي مكتمل بالصورة التي تتيح له الظهور بالشكل اللائق والمنافسة في المهرجانات المسرحية المحلية والدولية.

عودة مشروع (مكتبة الأسرة) أو إنجاز مشروع مماثل له وعلى نفس القدر من الأهمية

أما قبل؛

وحتى لا تكون كلماتنا كالطبل الأجوف، أعيد فيما يلي بعض أفكار سبق وأن أشرت إليها، وذلك حتى يتم دراستها والعمل على تفعيل ما يتفق منها مع الصالح العام لثقافتنا.

استقلال الادارة المركزية لمسرح الأقاليم كهيئة مستقلة تحمل اسم (البيت الفني للمسرح المصري في أقاليم مصر).

استقلال مسرح الطفل عن كل من البيت الفني للمسرح، وقطاع الفنون الشعبية بإنشاء هيئة مستقلة تحمل اسم (البيت الفني لمسرح الطفل)، مع الالتزام بعمل مهرجانين له (قومي مصري، ودولي)، وفي السينما كذلك؛ نحن بحاجة إلى عودة (مهرجان القاهرة لسينما الطفل) بشعبتيه (البشري) و(أفلام الرسوم المتحركة).

عودة مشروع (مكتبة الأسرة) أو إنجاز مشروع مماثل له وعلى نفس القدر من الأهمية.

بث قناة تليفزيونية خاصة بوزارة (الثقافة) لبث عروض الأوبرا ومسارح الدولة والأغاني التراثية المصرية، وحفلات الأنشطة الثقافية من معارض الكتاب، وأنشطة الفنون التشكيلية، ولاستغلالها أيضاً في عمل الدعاية لعروضها الفنية والمسرحية.

العمل على فتح أفرع لأكاديمية الفنون بالدول العربية مما لديها استعداد لذلك، كذلك فتح أفرع أو فصول لها في المحافظات.

إتاحة الفرص بالفرق التابعة لقطاع الإنتاج الثقافي لأصحاب المشاريع من الوجوه الجديدة.

الاستفادة من الثقافة في الترويج السياحي لآثارنا بما يعلي من قيمتها وينشرها، ويدر عائداً في ذات الوقت.

الغاء التعامل بالفاتورة الإلكترونية في محاسبة الفنانين وخاصة صغار الأدباء والفنانين.

ايقاف التعاملات الورقية عند التقدم للمسابقات أو للنشر، والاكتفاء بالتقدم عبر البريد الإليكتروني.

تغيير المعايير الرقابية بما لا يفرغ الأعمال من قيمتها ولا يتعارض مع الحافظ على استقرار الوطن في ذات الوقت.

تلك اقتراحات، نعلم صعوبة تنفيذها جملة واحدة، وانما نأمل في أن تكون ضمن الأولويات، وأن نلمح ما يكشف عن تحرك لحلها، بما يدعم (الثقافة) المصرية ويؤكد لهويتنا ويخلق أجيال جديدة منتمية للوطن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.