محمود حسونة يكتب: ليلة (إيلي صعب) ومهرجان القاهرة.. بين الإبهار والوفاء
بقلم الكاتب الصحفي: محمود حسونة
حدثان فنيان كبيران أقيما في القاهرة والرياض في يوم واحد، بل وفي ساعة واحدة، الأول هو مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الخامسة والأربعين، والثاني هو عرض أزياء للمصمم اللبناني العالمي (إيلي صعب) بمناسبة مرور 45 عاماً على عمله في مجال تصميم الأزياء.
وحمل عنوان عرض (إيلي صعب): The 1001 Seasons of Elie Saab والحدثان قد يكونان الأهم فنياً خلال العام الحالي، ولذا أثار تزامن إقامتهما في الساعة واليوم (13 نوفمبر) الكثير من الجدل.
حيث اعتبر البعض أن اختيار هيئة الترفيه السعودية تنظيم ليلة (إيلي صعب) في نفس توقيت اقامة المهرجان هو محاولة لسرقة الأضواء من (القاهرة) السينمائي، في حين اعتبر البعض هذه الرؤية تحمل الكثير من المبالغة والهدف الأوحد وراء إثارتها هو خلق فتنة بين الدولتين والشعبين المصري والسعودي.
بعيداً عن هذه الرؤية أو تلك، فإن لكل من الحدثين ملامحه التي تميزه، وليس من السهل أن يسرق حدث الأضواء من آخر إلا لو كان هشاً بلا ملامح، فليلة (إيلي صعب) أبهرت من تابعها، وهو ابهار تجيده هيئة الترفيه في فعالياتها المختلفة وعندما يتعلق الأمر بمصمم عالمي مثل (إيلي صعب) فمن الطبيعي أن يكون الإبهار مضاعفاً.
أما مهرجان القاهرة السينمائي فلم يكن أبداً هدفه الإبهار، ولكن هدفه تقديم مضمون متميز، مضمون يعبر عن وجع منطقتنا التي تتألم منذ أكثر من 13 شهراً، تغفو وتصحو على أخبار الإبادة الجماعية التي يرتكبها جيش الاحتلال الاسرائيلي في حق أهل غزة.
الإبهار في ليلة (إيلي صعب)
قتل وتدمير وتخريب وتطهير عرقي من دون مراعاة لقيم إنسانية ولا احترام لقانون دولي ولا استجابة لنداءات رسمية وشعبية من مختلف أنحاء العالم للتوقف، ولم يكتف بمحو معالم مدن ومخيمات وقرى القطاع المنكوب، ليستدير على الضفة ليعتقل من لا يتمكن من قتله.
ومن شدة إعجابه بحصاده الدموي التخريبي قرر تطبيق نفس سيناريو غزة على لبنان، يغتال ويقتل ويبيد من دون أي تمييز بين مقاتل ومدني، بين شاب وكهل، بين رجل وامرأة، بين طفل ورجل، الكل هدف لآلته العسكرية.
عوامل الإبهار في ليلة (إيلي صعب) كثيرة، يتصدرها اسم (إيلي صعب) في ذاته، فهو العربي الذي غزا العالم وتنافست نجمات السينما والغناء العالمي على ارتداء ملابسه.
ولأنه أول حدث أزياء عالمي تشهده المملكة العربية السعودية في إطار انفتاحها على قيم العولمة، فلا بد أن تنظمه بما يجعله الحدث غير المسبوق عالمياً ولا عربياً، فليس الهدف منه فقط تكريم (إيلي صعب) بمناسبة مرور ٤٥ عاماً على عمله في مجال الأزياء.
ولكن الهدف الأكبر هو توجيه رسالة إلى العالم بأن المملكة تغيرت، وأن صورتها القديمة ينبغي محوها من الذاكرة العالمية، ولا ترى وسيلة لتحقيق ذلك سوى الإبهار، الإبهار في التنظيم وبالإضاءة وبالأسماء.
وطالما أن الحدث باسم (إيلي صعب) فلا بد من استغلاله بما يحقق المبتغى، ومن يمكنه أن يأتي بأشهر نجمات العالم إلى السعودية، بل وإلى المنطقة العربية سوى اسم وأزياء (إيلي صعب) اللائي يتباهين بارتدائها.
ومع اسم (إيلي صعب) التقدير الواجب لكل منهن على حسب قدرها وقيمتها، وتقديمها بالصورة والشكل الذي ترتضيه وليس مهماً أن يرتضيه غيرها.
جاءت (جنيفر لوبيز) بشروطها وأطلت بصورتها وهيئتها التي كسرت المألوف عربياً، وأثارت الكثير من الغضب والقليل من الإعجاب، وجاءت (كاميلا كابيلو) بشروطها أيضاً، ولكن الجدل بشأنها كان أقل كثيراً من الجدل الذي أثارته لوبيز.
وجاءت (هالي بيري) لترد الجميل للمصمم الذي ارتدت من تصميمه يوم نالت جائزة الأوسكار، وبجانب الأوسكار نالت جائزة أخرى وهى (أفضل فستان)، ومن العرب غنت (نانسي) بصورتها المعهودة وعمرو دياب باللوك الجديد المثير للكثير من التساؤلات.
وخصوصاً أنه ظل طوال رحلته الغنائية غير مهتم بالتغيير في شكله وبعد أن تجاوز الستين أصبح مشغولاً بالشكل أكثر من الغناء ومعدلاً في اللوك من وقت لآخر، وفي هذه الليلة قدم (حبيبي يا نور العين) بتوزيع جديد.
(سيلين ديون) كانت ممتعة
كل ما في ليلة (إيلي صعب) كان مبهراً، ولكن (سيلين ديون) كانت ممتعة، ولعل مجرد وجود هذه النجمة العالمية في ذاته حدث مهم ناهيك عن صوتها الذي لا يشبه غيره من الأصوات وهو ما منحها تفرداً على الساحة العالمية.
(سيلين) لم تكن مفاجأة للعالم العربي فقط ولكنها كانت مفاجاة للعالم كله، ولذا فقد تجاهلت الصحافة العالمية الحدث بكل ما فيه من إبهار وبكل من فيه من نجوم، وركزت على أول ظهور لسيلين ديون وهى تغني وتتحرك وترقص على المسرح بعد غياب منذ العام 2008 بفعل المرض اللعين الذي أصابها، وهو نادر وغريب ويسمى متلازمة الشخص المتيبس.
من حق الرياض التباهي بتنظيم عرض أزياء عالمي لإيلي صعب والوصول به إلى أقصى درجات الإبهار واستغلاله لتوصيل رسائل خفية إلى العالم الخارجي، ولكن كان من حق لبنان على (إيلي صعب) أن يؤجل هذا العرض حتى تنتهي الحرب الغاشمة على بلاده التي يعبر دوماً عن اعتزازه بالانتماء إليها.
والمنتمي يحس بأوجاع المنتَمَى إليه، وإلا فإن الدم المسكوب على أرض لبنان أمر لم يلفت مصمم الأزياء العالمي (إيلي صعب) أو لعله لم ينتبه إليه!!!!
في المقابل فإن مهرجان القاهرة السينمائي لم يكن مبهراً في الشكل، ولكنه كان عميقاً في التعبير عن الوجع الفلسطيني واللبناني، مواصلاً بذلك موقفه الذي اتخذه العام الماضي عندما ألغى انعقاده بسبب الحرب على غزة والتي كانت حينئذ في بدايتها. اليوم يعبر عن تضامنه مع أهل غزة وفلسطين ولبنان بلغة السينما، ومن دون جعجعة وضجيج شكلي، استقبلت ضيوف الافتتاح الدبكة الفلسطينية على أنغام (دمي فلسطيني).
وقام المهرجان بتجهيز خريطة فلسطين كأيقونة لمن يريدها أن تزين ملابسه، وكان أول من ارتداها الفنان (حسين فهمي) رئيس المهرجان وزوجته، وفي كلمته أكد (فهمي) أن القضية الفلسطينية هى قضية مصر.. قضية العدل والكرامة، معلناً تضامنه مع أهلنا في فلسطين وغزة.
ومضيفاً: (بالطبع لا ننسى إخوتنا فى لبنان الذى يعاني منذ سنوات، فى اختبار صعب، لذا نتضامن مع شعبه)/ وفي نهاية حفل الافتتاح تم عرض الفيلم الفلسطيني (أحلام عابرة) للمخرج رشيد مشهراوي.
المهرجان لم يكتف بإعلان التضامن في الافتتاح، فقط ولكن كان لبنان وفلسطين حاضرين في جميع أيام المهرجان، سواء من خلال الأفلام التي مثلت البلدين في المسابقات المختلفة أو من خلال المسابقة التي استحدثها باسم (غزة من المسافة صفر)، أو من خلال الندوات التي أقيمت.
وعبر العديد من الفنانين خلالها عن وجعهم وألمهم وغضبهم مما يحدث في فلسطين ولبنان.