كتب : أحمد السماحي
(فيروز) هى الصوت الملائكي، وجارة القمر، وسفيرتنا إلى النجوم، (فيروز)، قصة عشق لاتنتهي، عندما سألوها لماذا لم تترك لبنان وقت الحرب؟! قالت: (لم أترك لبنان لأنني لا أستطيع أن أتصور حياتي خارجه.
وبقائي في لبنان هو قرار ينبع من إيماني بأن مشكلته مشكلتي، وأن وجودي يكتمل بوجوده، حين يكون أكون، يؤلمني كثيرا أنني لم أستطع أن أفعل له شيئا، ولم أستطع أن أقدم له يدا قوية لإنقاذه.
ومغادرة لبنان أمر غير وارد بالنسبة لي، الحرب ألغت لنا عمرا كاملا، عمرا مليئا بالطمأنينة، والحرية، والعلاقات الأنسانية المتينة، ألغت الفرح.
وكنا نعيش في حلم، واليوم خسرناه، لا يكفي أن نجلس ونتذكر الماضي لنستعيد لبنان، أن الذكرى وحدها لا ترضيني، بل تبكيني، لا أريد لوطني أن يصبح ذكرى، ولا حلما ضائعا، بل أريده حلما نعيشه ونحققه).
تعمدت كتابة كلمة (فيروز) كاملة لأنها مناسبة جدا للأحداث الراهنة التى تمر بلبنان الحبيبة، وجعلت كثير من شبابه يحلم بالهجرة.
(فيروز) استطاعت بجمال وعذوبة صوتها، ورقي ما تغنيه، أن تجمع المثقفين من أنحاء العالم العربي حول صوتها، فهي حبيبة المثقفين، والصوت الذي يحبه كل المثقفون، في أقصى اليسار يحبون صوت فيروز.
والمثقفون الذين يقفون بين بين، يحبون صوت (فيروز)، والمثقفون الذين يقفون في اليمين يحبون صوت (فيروز).
لهذا كان طبيعيا أن يترجم كثير من المثقفين في مصر والعالم العربي حبه إلى كلمات تنشرها كثير من الصحف والمجلات الورقية، عندما كان الورق من ذهب، ويحمل سطور من ألماس.
صالح جودت: بأية معجزة
عام 1966 عندما زرات (فيروز) مصر، أقام مجلس إدارة جمعية المؤلفين والملحنين والناشرين، زيارة للجمعية، ويومها وقف الشاعر الكبير (صالح جودت) وألقي قصيدة مهداة لفيروز والأخوين، ومنها:
طلــعــتِ على الـنـيـل أنشودة.. مدللة بالــصــبــا والــحـــيــــاء
وحولكِ كالقوس من صاحبيكِ.. ضــيــاء هلالين من كــبــريـاء
شـقـيـقـيـن يبتكران الــجــديــد.. ولا يــحــرمان الـقـديـم الوفـاء
وشـعرهــمــا كــرقيــق الآذان.. ولــحــنهما كــجــمــيل الدعـاء
بأيّــة مــعــجــزة يا صــبــيــة.. زان لـــهـــاتِــك هذا الــنــقــاء؟
فألهـمتِ منصوركِ الانتصــار.. وصيّرتِ عاصيكِ من الأتقياء.
سيد حجاب: يا بنت النور
في عام 1966 وأثناء وجود (فيروز) في مصر، دعا مدير معهد الموسيقى العربية (أحمد شفيق أبو عوف) الفنانة (فيروز)، وزوجها عاصي الرحباني، وشقيتها هدى، لحفل أقامه خصيصا لهم في المعهد، حضره مجموعة كبيرة من الأدباء والنجوم والمثقفين.
وفي الاستراحة بين فقرات الحفل، اقتربت من (فيروز) المخرجة (عطيات الأبنودي) زوجة الشاعر عبد الرحمن الأبنودي في هذا الوقت، ومعها فتاة أجنبية هى الفنانة التشكيلية (إيفيلين) زوجة الشاعر سيد حجاب.
وسلمت كل منهما على (فيروز) ثم أهدتها عطيات ديوان الأبنودي الأول (الأرض والعيال)، وأهدتها (إيفيلين) ديوان (صياد وجنية) لسيد حجاب، بعد أن أخبرتها بالفرنسية أن سيد حجاب كتب قصيدة عنها في هذا الديوان.
وقالت لها بأسى إنه لو كان موجودا لفرح وأهداكِ الديوان بنفسه، لكن الشاعرين (الأبنودي وحجاب) معتقلان لأسباب سياسية، وكانت قصيدة سيد حجاب تقول:
صوتك ضفايره حرير، يفرش سلالم
في حيطان البير، والبير قرار،أسود
وأنا طالع طالع على سلم حرير
طالع والريح صرخة خوف
لكن منيش سامع غيرصرخة الفجر الوليد
في صوتك الطيب، يا بنت النور.
(سيد حجاب) لطالما حلم وتمني وقال بالنص قبل رحيله أن ما يتمناه هو أن يسمع جارة القمر (فيروز) تغني أشعاره ولو بيتا واحدا، وللاسف الشديد لم تتحقق أمنيته.
نزار قباني: فيروز دولة لها حدودها
الأعجاب والتغني بفيروز لم يقتصر على بعض الشعراء المصريين فقط، فالشاعر السوري الكبير (نزار قباني) كتب العديد من المقالات والكلمات للتغني بجارة القمر، من هذه الكلمات ما كتبه بعد حفلها الذي لا ينسى في (قصر البيكادلي) عام 1978.
حيث كتب قائلا: أمس في مسرح البيكاديللي تسلمت (فيروز) السلطة ثلاث ساعات استطاعت أن تحكمنا وتوحدنا وتهذبنا وتثقفنا وتغسلنا من غبار الجاهلية.
كان الوطن محطما فشالته بحنجرتها، وكان يتيما فأخذته بين ذراعيها، وكان متناثرا فلملمته، آه كم هي عظيمة ومدهشة هذ المرأة !
عظيمة لأنها استطاعت أن تكون دولة لها حدودها، وسيادتها، وقوانينها، ودستورها، ومؤسساتها، وبعثاتها الدبلوماسية.
ومدهشة لأنها حين انكسرت أرجل الدولة شكلت فوق حنجرتها حكومة ظل!، أو حكومة منفي، وقدمت للوطن المكسور عكازين: عكازاً من الشعر الجميل، وعكازاً من الصوت الجميل فمشي عليهما.
كانت (فيروز) تقوم بتلصيق خارطة لبنان المقطعة، كان (عاصي) يحمل زجاجة الصمغ، و(منصور) يجمع فتافيت الورق وعناوين القصائد التي طيرتها رياح الحرب الأهلية.
وكنا نحن في مقاعدنا نبكي كالأطفال ونحن نرى بيروت تخرج إلينا كحورية من شفتي (فيروز).. فيروز إنها رسالة حب من كوكب آخر لقد غرتنا فيروز بالنشوة والوجود، كل الأسماء والتعابير تبقى عاجزة عن وصفها لأنها وحدها مصدر الطيبة فينا.
معين بسيسو: جيلا للحياة
ووصف الشاعر الفلسطيني (معين بسيسو) صوت (فيروز) الملائكي بهذه الكلمات:
أحس في شدوك جيلا للحياة انطلقا
وعالما أقفل عنه النور، ثم انبثقا
يهدر كالشلال مجنون الخطى محترقا
يحمل في أنشودة صاحبته المؤتلقا.
جورج جرداق: صوت يشبه ضي القمر
قال الشاعر الكبير جورج جرداق: فى صوت (فيروز) يلبس الحب غلالة العذرية والبراءة ويأخذ الوطن ملامحه الإنسانية التى لا يقوم ولا يكون إلا بها.. الصوت الذى يشبه ضى القمر الحنون!
أنسي الحاج: دخول النور
الشاعر اللبناني الكبير (أنسي الحاج) قال في صوت (فيروز): (بعض الأصوات سفينة، وبعضها شاطىء، وبعضها منارة، وصوت فيروز هو السفينة والشاطىء والمنارة، وليتني ألمسُ صوتها).
وعقب مشاهدته لمسرحيتها الرائعة (أيام فخر الدين) كتب في ملحق (النهار) عن مسرحية ايام فخر الدين: في أيام فخر الدين، دخلت فيروز تاريخ لبنان دخول النور في الظلام، فشعشعته وجعلته صحواً رائعاً.
ما كان يمكن فخر الدين أن ينال تكريماً أجمل من هذا الصوت، ما كان يمكن تاريخ لبنان أن يسمع أجمل من هذا الصوت، بعد الآن سيقترن اسم فخر الدين بصوت (فيروز) وسيكون مديناً له، كما سيكون مديناً لفيروز.
محمود درويش: أغنية تنسى أن تكبر
الشاعر الفلسطيني الكبير (محمود درويش) قال في (فيروز) كلمات رائعة، حيث كتب قائلا: أغنية فيروز تنسى أن تكبر، ونحن أيضا ننسى أن نتساءل: أما زلنا نحبها كما كنا نحبها، إنها تستحضر لنا ما كان فينا من لسع الورد الأول.
ومن شفافية أولى، ودهشة أولى، ومن شجن أول،، كأن أحدا منا لم يفترق عن أحد، أو مكان أو عاطفة، وكأن أحدا لم يلتق بما ضاع منه فيه، وفي طرقات يمحوها المطر.
ولكن الجمال الحر هو الذي يوجعنا، ونحن نحاول الإطلالة، من غيم الصوت البعيد، على صورتنا الأولى، في أقاليم أخرى، أغنية فيروز تطير الأيام، كما تطير أسراب اليمام، ثم تعيد ترتيبها في إناء بلوري، على ظهر مهر نزق، كم شتنكسر! كم تنكسر دون أن تنكسر.
تغني (فيروز) في منطقة آمنة مسيجة بزهور برية، منطقة بيضاء خالية من المفاهيم، ومن الاختلاف في ساحة صعيرة قد يتحول فيها الأعداء إلى خصوم، وقد يتحول الخصوم إلى جوقة إنشاد واحدة.
فقد بلغ الجمال المجرد مرتبة البحر والهواء، وكأن السلام الإنساني لا يبدأ إلا من حياد الطبيعة، أغنية فيروز هي أحد أسماء هويتنا العاطفية، هى إحدى رسائلنا العاجلة إلى الخلاص.
وإلى الملائكة، ماذا ستكون شاعرية حياتنا لو لم تكن فيروز أغنياتنا، القادرة على تضليل حياتنا، بمزيد من الجلنار؟ هي الأغنية التى لا تنسى دائما أن تكبر، هي التى تجعل الصحراء أصغر، وتجعل القمر أكبر.
نبيل عماري: سمفونية حياة ووطن
أما الكاتب والباحث الأردني الكبير الدكتور (نبيل عماري) فهو أحد عشاق (فيروز) الذي كتب العديد من المقالات عنها، حيث قال في أحد هذه المقالات: (فيروز) التي أسعدتني بطفولتي.
وما زالت تسعدني لسنوات عديدة، كل يوم لها موعد معي أصحو على صوتها الساحر الدافىء، بكلمات رائعة تدخل حنايا القلب والوجدان، دخلت بيوتنا، ومكاتبنا، وسياراتنا، ويومنا، وشرفتنا واحلامنا ومشاعرنا الجياشنة .
أعطتنا طاقة إيجابية صباحية ولربيعنا دفء، وللشتاء موائد فرح وللخريف مواعيد، وللصيف بحر وكرم علالي.
(فيروز) الاسم الذي نبدا فيه نهارنا وننهي به يومنا، الصوت الرائع الذي يعبق بالانسانية والحب والوطنية، يتسلل الى الروح ويحلق بالفكرة ويرقى بالكلمة بكلمات رحابنة ونزارية وطراديه.
وبشعر (جوزيف حرب وميشيل طراد وسعيد عقل)، غنت للفرح والحزن، للضيعة للقهوة على المفرق، لوطن الغيم الأزرق، لبردى وللشام، لبغداد، ولعمان، لدحنون الأردن، وللوطن السليب سنرجع يوماً ليافا، وبيسان.
ولزهور الليالك والبيلسان للقدس (زهرة المدائن) غذت فينا الحنين للوطن، للضيعة، لتراب عنطورة، وقمر مشغرة، وجبل عامل لبيارة في بيسان السليبة، لليمامة، لزهر التفاح، ولندى الصباح.
(فيروز) تسرقنا من النوم لتهدينا شمس محبة تغزل حكاية يومنا الجميل تعرفنا على البنت الشلبية ذات العيون العسلية للحب والاطفال، في (ريما وتكتك يا أم سليمان وطيري يا طيارة، وغنت للأم، والتي لاتزل يداها أرجوحة، ولا نزال في عين الأم أولاد).
رافقتنا (فيروز) لسنوات طويلة بالقمر إلي (ع دارتنا، وأصبحنا نحن والقمر جيران، وشو كانت حلوة الليالي، وطلعتنا على الشمس، وعلى الحرية).
فتحنا أعيننا على صوتها يتسلل من شرفات نافذتنا لينسم علينا الهوى من مفرق ليحمل المغترب على العودة لوطنه مهما كانت ظروفه، فالوطن هو الرحم الثاني بعد الأم مهما نقسو عليه يظل يحبنا ويسكن فينا سلام لك فيروز من مواطن عربي أردني يحبك.
إبراهيم العريس: صوت الراحة الوحيد
كتب الباحث في التاريخ الثقافي والنقد السينمائي (إبراهيم العريس) كلمات عذبة عن عصفورة الشرق فيروز قائلا: (فيروز ليست مغنية عادية.. إنها صوت الراحة الوحيد وسط الشقاء العربي.
وعزاء وسلوى وحب وشجن وسط ضجيج عالم لم يكف عن التقاتل بسبب أو من دون سبب، رافقتنا نغمات صوتها من براءة الصبا، إلى قسوة النضج، تغنت معنا بأحلام المجد العربي، وبكت لمدننا الضائعة وأرواحنا المنكسرة.
وفي كل هذا حافظت على صوتها حارًا ومتدفقًا وعلى غنائها قويًا وعذبًا، كانت أشبه بشريان للحياة لم تعكره الصراعات العربية ولا الهزائم المتوالية، ظل ساميا وشاديا وسط عالم تسوده الفوضى والعشوائية.
هذه هي قيمة صوت (فيروز) الحقيقية، إنها علت بنا وبالأرض التي نعيش عليها حتى تخيلنا أنه يمكن ملامسة النجوم، إنه سحر الغناء الذي لم تقدر عليه ساحرة أخرى مثل فيروز.
مارسيل خليفة: فتشت في صوتها عن أمي
أما المطرب اللبناني الكبير (مارسيل خليفة) فقال عن (فيروز): لولا فيروز لكنتُ يتيم الأم، هذا هو طعم صوت فيروز فتشتُ فيه عن امي، وبعد سنينٍ فتشتُ فيه عن حبيبتي وفتشتُ فيه عن وطني، ليس المكان الذي ولدتُ فيه هو وطني، صوت (فيروز) وطني، فيروز غَنِّي كثيراً لأن البشاعة تملأ الوطن
الكل في حب فيروز مغرم صبابة
نظرا لكثرة ما كتبه الأدباء والمثقفين العرب عن جارة القمر فيروز وحتى لا نطيل على القارئ الحبيب، سنكتفي ببعض الكلمات القليلة من بعض الرموز العربية عن فيروز..
حيث قالت الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي: كلّما صمتت (فيروز) تركتنا للبرد، كأنّها تغنّي لتكسونا.
أما الأديب والروائي الفلسطيني (غسان كنفاني) فقال: (فيروز) ليست مجرد مطربة، بل هى رمز للحب والوطن والجمال.
الشاعر اللبناني (سعيد عقل) قال: صوت فيروز يحمل في طياته الألم والأمل والحنان، وهو يصل إلى أعماق القلوب.
الشاعر اللبناني (إيليا أبو ماضي): فيروز هى نجمة لامعة في سماء الفن العربي، تضيئ دروبنا بأغانيها الخالدة.
ما ذكرناه هنا من كلمات بمناسبة عيد ميلاد قمر لبنان المضيئ (فيروز)، قليل جدا، بالمقارنة بما كُتب، ونشر من بعض الأدباء والشعراء العرب عن فيروز.