بقلم الإعلامي: علي عبد الرحمن
عندما دخل البث التليفزيوني مصر مع مطلع الستينات كانت لدينا القناة الأولي لأهل مصر، والثانيه للأجانب المقيمين بها وأصحاب الثقافات الأجنبيه والفنون الرفيعه، ثم جاءت القناة الثالثه كقناه قوميه ثم اختفت، وظل إرسالنا قاصر علي هاتين القناتين مايقرب من 25 عاما من (المشد) الإعلامي.
شكلت فيها ثقافات الشباب والأسر وقدمت المشهد الدرامي والديني والثقافي والمتنوع، ودعمت قوى مصر الناعمة في منطقتنا في تلك الفترة، ثم جاء عصر القنوات المحليه بهدف معلن وهو الالتحام بالجماهير وتنمية المجتمعات المحليه وإمداد الإعلام القومي بما يدور في هذه الأقاليم.
وسبب آخر استراتيجي وهو شغل ترددات خالية وإلا شغلتها دول مجاورة، وبعدها بدأ سباق الفضائيات ومدن (الإنتاج) والأقمار الصناعيه وكانت مصر يومها سباقه في هذه المجالات.
وعندما بدأ التنافس الدولي والإقليمي في مجال الفضائيات وظهرت الشبكات العربية المموله جيدا، وذات (المشهد) الضخم المتخصص غنائيا وسينمائيا وإخباريا ووثائقيا ودراميا ومتنوعا، تراجعت معايير الريادة المصرية أمام هذه الشبكات.
وتلي ذلك تفوق مدن (الإنتاج) المتخصصة عربيا، وظهرت الأقمار العربيه أيضا، ثم جاءت مرحلة الغزو الكرتوني المدبلج والتي أفرزت نشئا مثل الريبوتات تحدثا وفكرا، وأعقب ذلك عصر المسلسلات المدبلجه والأفلام والتي أثرت كثيرا على ثقافات مجتمعنا وسلوك شبابه وعادات المشاهدة فيه.
واختلط (المشهد) بين إنتاج وافد وشبكات منافسة، وإعلام داخلي متخبط، وإنتاج لاينافس، ومحتوى غير مرضي عنه، وظهرت قنوات خاصة أفردت حينها قدرا من التعبير والتغيير في لغة الخطاب الإعلامي والمحتوى ونسب المشاهدة.
وبعدها تعالت أصوات الخبراء بضرورة إعادة ترتيب أو تنظيم أو هيكلة المشهد الإعلامي المصري مابين القنوات والمحتوي والإنتاج والمنافسة وعودة الريادة.
ضبط المشهد في قنواته وشبكاته
وتم عقد لقاءات ومناقشات وأوراق عمل تدخل فيها كل مختص أو خبير وتدخلت فيها كل جهات الحسم، وأفردت هذه الفترة مجلسا وهيئات ونقابات لم تضف للمشهد شيئا، بل أضافت عبئا على أعباء المشهد المتراكمة.
وبدلا من ضبط المشهد في عدد قنواته وشبكاته الفضائية والقومية والمحلية والخاصة بلا محتوي تنافسي وتعدد جهات إنتاجه بلا إنتاج جيد، وتعدد جهات تنظيمه بلا أدني تدخل أو تنظيم.
وظل المارثون الإعلامي حولنا يتقدم بثا وإنتاجا وتأثيرا وصناعة للأحداث، وظللنا نحن في أماكننا، القنوات يتزايد عددها ويتزايد تشابهها و(المشهد) متكرر والمحتوى سطحي والمنافسة ليست لصالحنا حتي هرب المشاهد إلي إنتاج إقليمي آخر إخباريا ودراميا ورياضيا ووثائقيا ومتنوعا.
ثم يئس أولو الأمر من إصلاح المشهد وتركوا آثاره تموت واقفة بالتآكل مع الزمن مثل ماسبيرو وقنواته، ومثل جهات الإنتاج الرسمية، وحتي القنوات الخاصة والمستقلة تم تركها لقدرها إن صارعت واستمرت أو تضاءلت واختفت.
وضاعت كل اوراق العمل للخبراء والمختصين، ودخل المشهد كثيرون من أهل الاختصاص، وبدا جليا تدني المحتوي وتشابه (الإنتاج) وقلة المشاهدة وضعف التأثير وصعوبة المنافسة والخروج من سباق الريادة والتنافس.
ولغرابة الأمر أن قرار الحل جاء مغايرا لكل توصيات الخبراء وأهل الاختصاص والتي كانت إعادة تنظيم المشهد من حيث ضغط عدد قنواته العاملة بلا هدف تشابها وتكرارا، وإرساء قيم التخصص والهوية لكل برنامج أو قناة أو شبكة، وتحديد الرسائل الوطنيه وجهات بثها.
وتوحيد الجهود والخبرات والمعدات في كل قطاع بشكل مهني مدروس، كأن تكون هناك جهة قوية للإنتاج الدرامي وأخرى للإخباري والوثائقي وثالثه للبرامجي ورابعة للرياضي تدعم (المشهد) الإعلامي
ووقتا للمحليات وأطراف الوطن، ووقتا للتنمية والتكنولوجيا والاستثمار ووقتا للأطفال والشباب والأسرة، ووقتا للدين والثقافة والهوية، وخططا لكل ذلك بأهداف محددة وآليات تنفيذ واضحة وطرق متابعة عصرية ونظام تقييم وتصحيح مسار علمي.
الحل البديل مزيد من القنوات
ولم يحدث أي شئ من هذا مطلقا، وكان الحل البديل مزيد من القنوات ومزيد من القطاعات ومزيد من التشابه والتكرار، ومزيد من الضعف والسطحية للمحتوى، ومزيد من غياب الرسائل، والهدف ومزيد من عدم التخصص وضياع الهويو.
ومزيد من الإنفاق والإسراف ومزيد من غياب صناعة الأحداث الإعلامية التنافسية المحلية والإقليمية والدولية في صناعة (المشهد) الإعلامي، ومزيد من تقدم من حولنا على بساط الريادة، ومزيد من جودة وتنوع إنتاج من حولنا ومزيد من نمو مشاهديهم، ومزيد من إقصاء أهل الخبرة وصناع المحتوي ومزيد من إعطاء الأمر لغير أهله.
مما أفرز مزيدا من الترهل وضعف المحتوى وقلة تنافسيته وفقدان نسب مشاهدة عالية ذهب لمحتوى من حولنا خاصة في مجال الأخبار والوثائقيات والمنوعات، إضافة إلى الدراما الوافدة والمدبلجة ارتبك (المشهد) الإعلامي
وأصبح ينطبق علينا شعار (ما كثر وألهي خير مما قل ودل)، ولما كانت أيامنا هذه ينتشر فيها أقاويل جديده عن إعادة ضبط المشهد وإعادة تنظيمه وإعادته لأهله ووضع هويات لكل قطاع إنتاجي وسعي لعودة (المشهد) الإعلامي الرائد والمحتوي التنافسي والرسائل الوطنيه والالتحام الجماهيري.
وتنوع المشاركين في صناعة المحتوي والظهور الإعلامي وتغيير الثوابت من الوجوه وإرسال المصداقية المفقودة ومشاركة الإعلام في تنفيذ سياسات الوطن العليا، وجعله إعلاما هادفا لا سطحيا وتنوع إنتاجه ليغطي كل الشرائح المجتمعية.
وإعادة إطلاق شبكات أو قنوات محدد العدد والهوية والهدف والمحتوي والشعار، وتعاون وتكامل جهات التخطيط و(الإنتاج) والبث والتوزيع ورجع الصدي، في إعلام ذو رسالة يرضي شعبه ووطنه.
أرجو لله وللوطن وللمهنة أن يجلس متخذو القرار سويا على ورقة عمل مهنية شاملة ليراجعوا حاجتنا لكل هذه النوافذ والقطاعات ويراجعوا محتواها وجدواه، ويراجعوا نوعية رسائله وتأثيرها ويراجعوا من غاب من محتوي هام للغاية.
ويراجعوا حاجة المجتمع حاليا من محتوى داعم للتفاؤل في غد أفضل ويراجعوا مايقدمه منافسونا ويراجعوا ما نسترد به ريادتنا وقوانا الناعمة، ويراجعوا مايتم إنفاقه وعلى ماذا ولماذا؟
ويراجعوا القائمين علي أمر إعلامنا وعندها يحددو ا ملامح إعلام الغد ومحتواه والقائم عليه ويقرروا إطلاق براند جديد لإعلام مصر المعاصر، والذي يمكنه أن يرضي الوطن وأهله.
ويمكنه إطلاق براند جديد لمصر يلائم قفزات مجتمع التنمية والتطوير وصورة أماكن مصر العصرية الجميلة، وتطور قدرات شبابها وجاهزية مصر لعصر التحول الرقمي وعهد الجمهورية الجديدة.
ويمكنه أن يقدم مصر المعاصرة للعالم بشكل عصري مهني واع، لأن مصر بما علي أرضها من بشر ومعالم وثقافة وإنجاز وخطط وطوحات تستحق إعلاما يلائم قدرها وقيمتها الكبيرة.
حمي الله مصر وأصلح إعلامها وأرضى شعبها وإعادة ريادتها.. وتحيا دوما مصر.. آمين.