(أمين الدشناوي).. مفتاح قلوب العاشقين نحو محبة النبي
بقلم الكاتب الصحفي: محمد حبوشة
الحديث عن محبة النبي متعة عظيمة! أما الألسنة فتترطب بذكره والصلاة عليه، وأما الآذان فتتشنف بسماع سيرته وهديه وحديثه، وأما العقول فتخضع لما ثبت من الحكم والسنة التي جاء بها عليه الصلاة والسلام، وأما الجوارح والأعضاء فتنتفع وتتمتع بموافقة هديه وفعله وحاله، ولعل جانبا من كل ذلك ألمسه من تجليات إنشاد الشيخ (أمين الدشناوي).
نعم ألمس حالة روحية خاصة عندما أخلو إلى نفسي وأحلق عاليا في الآفاق حين أدخل في رحاب صوت (رياحنة المنشدين) الشيخ (أمين الدشناوي)، فمعه وحده دون سائرين المنشدين يحلو لي التحليق والولوج إلى رحاب حب النبي.
ومع الشيخ (أمين الدشناوي) وحده: تعظم محبة النبي ويستولي في المحبة على كل صورها وأعظم مراتبها، وأعلى درجاتها، فهو الحري بأن تنبعث محبة القلوب والنفوس له في كل لحظة، وفي كل تقلبات حياتنا.
إني أتعلق وأرتبط برسول الله عبر صوت (أمين الدشناوي) من جوانب شتى: في جانب العقل معرفة وعلما، أقرأ وأحفظ سيرته وحديثه وهديه وسنته، والواجب منها والمندوب منها ونحو ذلك، فضلا عن محبة بالقلب تعلو كل محبة دنيوية.
وهى عاطفة مشبوبة، ومشاعر جياشة، ومحبة متدفقة، وميل عاصف تتعلق به النفس والقلب برسول الله على إيقاع صوت (أمين الدشناوي) لما فيه من المعاني الحسية والمعنوية، التي يمكن أن تدركها لحظات تجليه في نور وهدي النبي.
عبر صوت (أمين الدشناوي) لابد أنك تلمس محبة بالجوارح تترجم فيها المحبة إلى الأتباع لسنته وفعله عليه الصلاة والسلام، فلا يمكن أن نقول إن المحبة اتباع فحسب! فأين مشاعر القلب؟، ولا يصلح أن نقول إنها الحب والعاطفة الجياشة، فأين صدق الاتباع؟، وهو أصدق من تغنى من أتباع النبي.
محبة بالقلب والنفس
فالشيخ (أمين الدشناوي) واحد ممن نرتبط بهم في هذه المحبة بالقلب والنفس، وبالعقل والفكر، وبسائر الجوارح والأحوال والأعمال، فتكمل حينئذ المحبة؛ لتكون هى المحبة الصادقة الخالصة الحقيقية العملية الباطنية، كما يأتتينا (الدشناوي) ببحة صوته الشجي التي تتلذذ بها أذآني وكافة جوارحي.
حتما فإن (أمين الدشناوي) يدرك أن محبة محمد – صلى الله عليه وسلم – طريق إلى الجنة، وبوابة إلى حب الله عزوجل، وعبور إلى منازل الجنان، ودليل كبير على إيمان المرء وإخلاصه لله، وذلك بتطبيق محبة الرسول – صلى الله عليه وسلم – في امتثال أوامره واجتناب نواهيه.
وهو ما يترجمه بصوته العذب، حين يلمس وترا حساسا بداخلي، حينذا أدرك أن اتباع سنة محمد – صلى الله عليه وسلم – أكبر دليل وأعظم برهان على صدق محبته والإخلاص في حبه.
ومن كانت محبة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – متربعة في نفسه على بقية الناس، مثل (أمين الدشناوي) فإنه يحظى بثواب من الله عظيم.
إذا نحن أولجنا وأنت أمامنا
كفى بالمطايا طيب ذكرك حاديا
فجزاء محبته – صلى الله عليه وسلم – هى أن محبه سيكون معه – صلى الله عليه وسلم- في الجنة، وسيكون قريبا منه في المنزلة والدرجة، يا لها من منزلة رفيعة، ودرجة عالية، ومكانة عظيمة، إنها ثمرة محبة النبي الكريم، ثمرة محبة الحبيب وطبيب القلوب من تسعد القلوب وترتاح إذا امتلأت بحبه وتسموا النفوس إذا أنست بحبه.
اللهم اجعلنا من أحبابك وأحباب رسولك.. اللهم املأ قلوبنا بمحبتك ومحبة نبيك، اللهم اجعلنا لهديه مهتدين ولسنته مقتدون، وعلى طريقه سائرون، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
(أمين تقي الدين محمد)، أو (أمين الدشناوي)، من مواليد مركز دشنا، شمالي قنا، أحد أشهر مداحي الرسول، طاف محافظات الصعيد، ليتغنى بقصائد أقطاب الصوفية، نظم العديد من حفلات الإنشاد الديني في الوطن العربي، وذاع صيته في مختلف دول العالم، مثل فرنسا والسويد.
تملكه حب النبي صلي الله عليه وسلم وآل بيته والأولياء الصالحين، أصبح ملتزما بموعده اليومي مع عاملي مصنع سكر دشنا، حتى علم والده فمنعه عن الإنشاد لانشغاله به عن استكمال تعليمه، الذي توقف بعد حصوله على شهادة الثانوية، حتى وافق الأب، لرغبة الصبي والمنصحين من المشايخ والأصدقاء.
الشيخ (أحمد أبو الحسن)
تعلم (أمين الدشناوي) المديح والإنشاد لسنوات في إدفو بمحافظة أسوان على يد معلمه وشاعره ومن من ثقله وألهمه في الإنشاد كما يصفه هو دائما الشيخ (أحمد أبوالحسن)، حتى أتقن المقامات الموسيقية والارتجال الإبداعي الذي يطرب مستمعيه، وتأثر بالإمام (محمد أبو الفتوح العربى.
ذاع صيت (أمين الدشناوي) وسافر إلى القاهرة 1977، وفي الثمانينيات سجل شرائط كاسيت ومديح، ريحانة المداحين يؤمن بأن كل شخص يسير وفق وجهته التي خلق من أجلها، (وإنشاد القصائد الصوفية هي ملاذي ووجدت نفسي بها، والمداح يمدح لكي يغذي الروح ونفسية الإنسان).
جذب الإنشاد الديني (أمين الدشناوي)، وهو في عمر الثالثة عشر، واستغرق فيه علي حساب دراسته، مما دفع والده إلى عدم التصريح له بالخروج من المنزل، وكانت أسرته تقدم له الطعام من نافذة الغرفة لفترة طويلة.
يروي (الدشناوى) أنه ظل فترة حبيس المنزل، إلى تقابل والده مع أحد الصالحين الذي نصحه بالتصريح له بممارسة نشاطه وقال له: (أمين ده بتاعنا اتركه من مصلحتك)، وتتلمذ علي يد الشيخ أحمد أبو الحسن في ساحته في قرية (الكلح) التابعة لمركز إدفو في أسوان، ويعتبر الدشناوى الشيخ أحمد أبو الحسن هو من ثقله وألهمه في الإنشاد.
لم يدرس (أمين الدشناوي) المقامات الموسيقية، ولكنها أتقنها من الخبرة والممارسة، وهو يستعير في أحيان كثيرة ألحان أغاني (أم كلثوم) لينشد عليها القصائد الصوفية، وهو يفسر ذلك أنه يأتي بمحض الصدفة من خلال تراكم سماعه لتلك الألحان في الشوارع والمقاهي.
ولا يرى في ذلك انتقاصا من القصائد أو منه، وربما ذلك سبب من أسبابه شيوعه الكبير في الأوساط الشعبية، كون اللحن قريبا علي الأذن، وكان أداء (أمين الدشناوي) التلقائي سببا في ظهور الكثير ممن يقلدونه في الإنشاد والأداء الحركي، وهو يري نفسه صاحب حنجرة خاصة ويرحب في الوقت نفسه بمن يقلدونه!
شيراك أعجب بالدشناوي
في فترة رئاسة (جاك شيراك) للجمهورية الفرنسية، دعت وزارة الثقافة الفرنسية (أمين الدشناوي) لحفل يقام في مسرح (شاك ليه)، وهو أحد أعرق وأضخم مسارح فرنسا ويوازي دار الأوبرا المصرية، بمناسبة عيد إعلان الجمهورية الفرنسية، وحضر الحفل الرئيس الفرنسي ورجال الدولة.
وأنشد (أمين الدشناوي):
(أحجارا إذ مر تسلم عليه بل تؤدى له التحية
دعا للشجرة أتته تسعى تفج الأرض مسرعة قوية
غزالة له اشتكت والضب سلم وذئبا حرس غنم الراعية)
ونقل له معاوني (شيراك) إعجابه به، وتكررت زيارات (أمين الدشناوى) إلى أوروبا حيث أنشد للجاليات الإسلامية في السويد وألمانيا، كما تكررت زياراته إلى فرنسا 4 مرات.
يلفت نظر الحاضرين لحفلات (أمين الدشناوي) قيامه بإخفاء عينيه بيده أثناء الإنشاد الذي قد يمتد إلى 5 ساعات متواصلة، وهو يفسره قائلا: (هناك أشياء كثيرة أراها ولا يراها غيري وأحاول أن أكون في حالة اندماج كامل، وانتظر فضل الله فتأتي الكلمات والألحان دون اتفاق مع أحد..
حتى الذين يعزفون ورائي لا يعرفون ماذا سأنشد وكيف يأتي اللحن، فإذا ما أتي اللحن اندمجت الفرقة معي وكأننا اتفقنا وتدربنا مرات عديدة ويأتي الحفل أن شا الله تعالى عالي المستوى).
بصوته العذب، تتمايل آلاف الأجساد والجوارح من المحبين وعشاقه، بكلماته الرنانة في مديح رسول الله وآل بيته، خلال حفلاته في موالد أولياء الله الصالحين، عليها تختلط وتتشابك مشاعر الحاضرين بالحبيب (محمد) وفيها تصفية القلوب وتهذيب للنفس ودليل القدوة على نهج المصطفى علية الصلاة والسلام.
محبوه وعشاقه بمئات آلاف في مصر وخاصة الصعيد، يزحفون إليه أينما شارك في أحياء ليالي المديح في حب رسول الله وآل بيته، يتدفقون من كل فج عميق من كل المحافظات لسماع صوته.
ينسجم (ريحانة المداحين.. مداح رسول الله)، كما يطلق عليه من قبل العاشقين والمنشدين، لصفاء صوته، خلال المديح حتى تشعر كأنه ذهب في عالم آخر تجديده اليسرى لا تترك وجه وعينيه غامضتين كتفيه تتمايل وتتحرك على كلمات المديح.
الإنشاد الديني.. حمل ثقيل
والحاضرين أمامهم يمارسون طقوسهم في التمايل يمينا ويسارا مرددين كلمات وذكر لله سبحانه وتعالي، على هذا الحال ساعتين متواصلتين تفصلهم ساعة للراحة، تعقبها جولة أخرى من المديح حتى النزول إلى صلاة الفجر وبعدها تتفرق الأجساد وتظل حركاتهم تذكرهم في ليلية هيئ لها الجسد والروح.
يرى أن الإنشاد الديني هو حمل ثقيل لا يقدر عليه إلا صاحب قلب قوي وجسد حصين، والمديح في حب رسول الله والطرق الصوفية يمثلان وسطية الإسلام، وينبذان العنف والتطرف وينشران السماحة والمحبة بتعانق الأرواح بين كل الطبقات.
ومع انتشار صوته وتعلق آلاف المواطنين وانتشارهم على مستوى الجمهورية، دعاه فضيلة الشيخ متولي الشعراوي، ولب دعوته لسماع أنشودة دينية، كما دعاه الرئيس السابق محمد أنور السادات بالتعاون مع القوات المسلحة في إعداد حفلات مديح في حب آل بيت الرسول.
بقي القول أن (أمين الدشناوي) يرى: (أن الصوفى كثير الصلاة… صادقا… كثير الصلاة على سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم. أدواته مجاهدة نفسه شارعا فى التقرب من الله سبحانه وتعالى.
يصغر نفسه ويكبر ذنوبه يخاف خوفا شديدا منها، عاملا عابدا زاهدا، عمله كله اتقان ينجح به وبتقواه ، بطاعته لربه يصل الى كل أمانيه، والصوفى الحق يقتدى ويهتدى بسنة الحبيب رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حركاته وسكناته وعلى الصوفى أن يحب مشايخه وأحبابه من المريدين ويكون مستقيما استقامة عالية.
فسيدى (أحمد بن حنبل) كان لا يخلع سرواله فى الحمام خوفا وحياء من ربه سبحانه وتعالى.. انظر كيف يكون الحياء فالصوفى هو القدوة لمن حوله اعتدالا ومواظبة واستقامة هكذا يجب أن يكون عليه الصوفى المسلم).
وفي النهاية لابد لي من تحية تقدير واحترام لريحانة المنشدين (أمين الدشناوي)، تلك الذي يفوح شذاه في الأرجاء والبلدان ليؤلب العشاق على التنسم من عبيره الفواح النقي.الذي يحيل الروح أن تصفو وتسمو لتتخلص من كثير الآلام.
عود الريحان الذى نبت فى دشنا وتفتح فى إدفو على يد مشايخه الإمام العربي ومعلمه الشيخ الحاج أحمد أبو الحسن أستاذه وكاتب قصائده الرائعة التى تفيض بالمعانى الصوفية، فاح شذاه فى كل مصر فى مدنها وقراها ونجوعها، محبيه وعشاقه من كل الطبقات.