
بقلم الكاتب الصحفي: محمود حسونة
(مطعم الحبايب)، الذي عرضته مؤخراً منصة شاهد، عمل بسيط خال من الفذلكات، ولذا نال إعجاب الكثير ممن شاهدوه بصرف النظر عما فيه من أخطاء بعضها جوهري مثل عدم الإشارة إلى الأصل الأجنبي المأخوذ عنه، وبعضها بسيط وكان يمكن تداركه مثل ارتفاع صوت الموسيقى على الحوار.
نجاح العمل الدرامي لا يتوقف فقط على مدى أهمية القضية التي يناقشها ولا على أسماء أبطاله ولا عدد حلقاته، ولكن يمكن أن تكون بساطة القضية المطروحة سبباً للنجاح وقد يكون التآلف الواضح للمشاهد بين الممثلين ومختلف صناع العمل وقد يكون السيناريو أو الإخراج أو الصورة.
فالنجاح له أسباب متعددة، ليس بالضرورة توافرها جميعها ولكن توافر بعضها أحياناً يكفي، المهم أن يحس المشاهد بشيء من الصدق، صدق صناع العمل معه وتصديقهم بما يطرحونه خلاله، وصدقهم مع بعضهم ومع أنفسهم، وهذا هو ما تحقق في (مطعم الحبايب).
مسلسل (مطعم الحبايب) بسيط جداً ولكن فيه صدق كبير جداً، ومن شدة صدق العاملين فيه تحس وأنت تشاهده وكأنك تشاهد بعض أبطاله لأول مرة، تعرفهم وبينك وبينهم (عشرة فنية) طويلة، ولكنك تشعر بأنك لا تعرفهم (فنياً) حتى لو كانت وجوههم مألوفة لك، وعلى رأس هؤلاء أحمد مالك بطل المسلسل.
والذي لم يطل فيه بـ (لوك جديد)، إنما بمضمون إبداعي جديد، خرج عن المألوف وقدم شخصية الشيف (صبحي) بأسلوب جديد في الأداء والتعبير، أسلوب يؤكد نضوجه فنياً وجدارته بأداء أدوار البطولة المطلقة وتصدر التتر أو الأفيش وتحمل مسؤولية عمل فني أمام الجمهور الذي ينسب العمل الفني لبطله سالباً من المخرج والمؤلف حقهما.



(بيومي فؤاد).. نمط أدائي مختلف
أيضاً أطل علينا (بيومي فؤاد) في هذا المسلسل بنمط أدائي مختلف، والذي اعتدناه جاهزاً لأداء جميع الأدوار بنمط واحد، ولكنه في (مطعم الحبايب)، خرج عن المعتاد وقدم شخصية الشيف (أبو المجد) صاحب الشهرة الذائعة من وراء تقديمه لبرنامج طبخ تليفزيوني.
يقرر وقف البرنامج وفتح مطعم جدته وديدة الذي ظل مهجوراً 40 عاماً، وداخل هذا المطعم تدور الأحداث وتتولد قصة الحب الرئيسية بين (وديدة) ابنة الشيف (أبو المجد) والتي تجسدها بأداء سلس (هدى المفتي).
وفيه يتم زفاف الشيف غالية، وتقدمها بخفة دم وأداء كوميدي رفيع الفنانة (انتصار)، من معلم اللغة العربية الأستاذ (سليمان) بهيبته ووقاره، ورغم صغر حجم الدور فقد ترك من خلاله الفنان (محمود البزاوي) بصمته الرومانسية الإبداعية.
(حمزة العيلي) في شخصية الشيف (حسن هيلتون) يؤكد تألقه وقدرته على التنوع وتجسيد أنماط بشرية مختلفة باحترافية عالية، وقدم (إسلام إبراهيم) شخصية (بشندي) ليتنقل خلالها بين الكوميديا والتراجيديا بحرفية.
ولا يمكن نسيان الكبار (إنعام سالوسة وسامي مغاوري وعايدة رياض وعبير صبري وسوسن بدر بصوتها فقط، وأحمد خالد صالح الذي كنا نتمنى زيادة مساحته ولو قليلاً).
مسلسل (مطعم الحبايب) منح فرصة البطولة المطلقة لكل من (أحمد مالك وهدى المفتي) ليثبتا أنهما بها جديريْن، ومنح باقي أبطاله فرصة ترك بصمة مهمة بصرف النظر عن حجم دور كل منهم، ومنح جمهور مشاهديه طاقة إيجابية.
وكل ذلك رغم أنه حدوتة بسيطة جداً، إنما غير مستهلكة في الدراما المصرية والعربية، أتاح للجمهور فرصة التعرف على كواليس عالم المطاعم، وهموم العاملين فيها بتحقيق التميز من خلال وصفات معينة، وخلَط بين الواقع والأسطورة، وقدم ذلك في قالب رومانسي يشيع المتعة والرضا عند المشاهد.
حالة الإبداع عند الفنانين وانقلاب كثيرهم عن صورته النمطية يعكس قدرات مخرج يجيد توجيه ممثليه واستخراج أفضل ما لديهم من مواهب يقف وراءه مخرج يجيد استخدام أدواته لتقديم عمل ينال استحسان الناس، وهو ما يحسب للمخرج (عصام عبدالحميد) الذي كتب اسمه من خلال هذا المسلسل بجوار المبدعين الحقيقيين في الدراما المصرية.

الفكرة جديدة على الدراما العربية
التأليف والسيناريو والحوار لورشة (سرد) التي تشرف عليها (مريم نعوم) عن فكرة مصطفى سليمان، الذي شارك في كتابة السيناريو والحوار مع كل من (سارة لطفي وبولا ثابت).
الفكرة جديدة على الدراما المصرية والعربية، تتمحور حول عالم المطاعم والطبخ والذي أصبح جاذباً للكثير من المستثمرين، وأصبح مصدراً رئيسياً لإطعام الناس بعد تخلي كثير من السيدات عن الطبخ واستسهال الشراء.
ورغم أن المسلسل تعرض لما يدور في هذا العالم من صراعات بين أصحاب المطاعم وسرقة الوصفات، إلا أنه ركز على الحكاية العاطفية واتخذ من عالم المطاعم مجرد إطار لتأكيد أن الإخلاص في العمل يخلف حباً ومودة بين العاملين ويحولهم إلى أسرة.
بل وأن من يتخذ مهنة مجبراً فإن أجواء الحب فيها تحوله إلى عاشق لها مثلما حدث مع (وديدة)، كما أن وصفات الطعام الكلاسيكية ستظل الأكثر رسوخاً في الوجدان الجمعي مهما كثرت البدع في هذا المجال.
مسلسل (مطعم الحبايب) لن نقول أنه مسروق من فيلم الرسوم المتحركة (فأر المطبخ)، ولكن على الأقل مستوحى منه، وكان ينبغي على صناعه والذين تتقدمهم (مريم نعوم) صاحبة الأعمال المتميزة أن يشيروا إلى أنهم اقتبسوه من أصل أجنبي.
ومن المآخذ الأخرى على المسلسل ارتفاع صوت الموسيقى على الحوار في العديد من المشاهد مما جعلها غير مسموعة ولا مفهومة عند المشاهدين.