(خيرية أحمد) التى برعت في الكوميديا، ورحلت، ولم تحظ بالتكريم إلا من دولة تونس (2/2)
كتب: أحمد السماحي
كانت الفنانة الراحلة (خيرية أحمد) التى نحيي هذه الأيام الذكرى الثالثة عشر لرحيلها، تنتمي إلى مدرسة (الأداء الهزلي) في التمثيل، هذه المدرسة التى تعتمد كثيرا على الارتجال، وعلى شخصية الممثل، حيث الحضور الضاحك أو الهزلي في الفيلم يعتمد على قدرة الممثل وأدائه لا على قوة الحبكة الدرامية، أو خصوصية الرؤية الإخراجية.
ومن أشهر نجوم الكوميديا الذين ينتمون إلى نفس مدرسة (خيرية أحمد) كلا من (علي الكسار، إسماعيل ياسين، شرفنطح، رياض القصبجي، عزيز عثمان، وداد حمدي، عبدالمنعم مدبولي، فؤاد المهندس، عادل إمام، سعيد صالح، نبيلة السيد) وغيرهم.
في الحلقة الماضية تعرفنا على مولد ونشأة (خيرية أحمد) في أسيوط، وسر نزولها إلى القاهرة مع عائلتها، وكيفية عملها ككومبارس في السينما بعد أن دفعتها الظروف الصعبة لضرورة مواجهة الحياة، بعد وفاة والدها، ولديها سبعة أخوات، وكان عمرها في ذلك الوقت 14 عاما.
وبالفعل بدأت (خيرية أحمد) تعمل في السينما ككومبارس وكان أول أجر تتقاضاه 75 قرشا، واستطاعت بهذا المبلغ الضئيل الذي كان بالنسبة لها مبلغ كبير أن تنفق على أخواتها السبعة وترعاهم مع والدتها.
إلا أن الخوف من أن يعرف أهلها في الصعيد كان يرعبها لأن الاشتغال في الفن في نهاية الأربعينات وبداية الخمسينات في ذلك الحين كان البعض ينظر له على أنه عار، وخطيئة لا تغتفر، لهذا قامت (خيرية أحمد) بتغيير إسمها من (سمية) إلى (خيرية).
وظلت (خيرية أحمد) تعافر من أجل لقمة العيش التى كانت بالكاد تنفق بها هى وشقيقتها (سميرة أحمد) التى عملت معها ككومبارس، على أخواتهما من أكل وكساء وتعليم، حيث أصرت (خيرية) على أن تعلم أشقائها الصبيان، ولم تسمح لهم أن يتركوا الدراسة ويتجهوا للعمل.
ساعة لقلبك.. ومحمود
بعد أن عملت (خيرية أحمد) فترة كبيرة ككومبارس، انتقلت إلى الأدوار الناطقة في السينما، فكانت تقول جملة هنا في هذا الفيلم، وجملة هناك، وظلت على هذا الحال، حتى قدمت الإذاعة في نهاية الخمسينات برنامج (ساعة لقلبك).
وكان هذا البرنامج سبب شهرتها ومعرفة الناس لها، فكان الجمهور ينتظر البرنامج بشوق ولهفة وحب يوم الجمعة بعد صلاة الجمعة، وتخلوا الشوارع من المارة بسبب الإستماع لهذا البرنامج.
وخفة ظل (محمود/ فؤاد المهندس) وزوجته الثرثارة الغبية (خيرية أحمد) وهى تردد (محموووووود أسخنلك السلطة يا حبيبي)، وجملتها البديعة: (محمود أنت ميت يا حبيبي).
وعندما مل وزهق منها وحاول يكهربها قالت جملتها الشهيرة: (بس كدا هنستهلك كهربا كتير يا حبيبي)، هذه الجمل التى كانت تتردد على ألسنة الناس في الشارع والتى تعتبر (ترندات) في وقتنا الحالي فتحت لخيرية أحمد أدوار البطولة الثانية في السينما.
(خيرية أحمد) و(إسماعيل ياسين)
بعد أن لمعت (خيرية أحمد) في دور الزوجة الغبية في (ساعة لقلبك) قدمت مع الفنان الكوميدي الكبير إسماعيل ياسين دورها في فيلم (حماتى ملاك) تأليف وإخراج (عيسى كرامة)، حيث لعبت دور الشغالة (برقوقة) التى تحب شخص إسمه (خميس/ إسماعيل ياسين) يعمل (حانوتي).
ويطلب منها أن تأتي له باخبار الموتي لكي يقوم بعمله، وبالفعل أتت له بخبر موت سيدها، ولكن كان خبر غير صحيح، وسيدها قام بذلك لكي ينتقم من حماته.
وحقق الفيلم نجاحا كبيرا، جعل (إسماعيل ياسين) يضم (خيرية أحمد) لفرقتة المسرحية، وتقول (خيرية أحمد) عن هذه المحطة في حياتها: (أذكر أنني كنت منطوية كعادتي، وفي حالي، وأدخل حجرتي، واشتغل، واخرج أروح!
لكن (إسماعيل ياسين) كان أول ما يدخل المسرح يحاول أن يضحكني، ويتعمد ذلك، خاصة بعد أن علم ظروفي، وعندما نبدأ العمل على المسرح كان يرتجل كلام يضحكني، وعندما أضحك وأخرج عن النص في المسرح يقول لي وهو يضحك: (بوظتي الدنيا).
وقد عملت معه مسرحيات كثيرة، وكان موسم المسرح يعتبر بمثابة شهر رمضان، حيث كنا نقدم كل يوم رواية، وأنا البطلة في كل الأدوار حتى تكون مسرح التليفزيون، واشتغت فيه، ولم أجد فرقا كبيرا لأنهم صنفونا، وكانت الأجور قليلة، وأعلى أجر للنجم 400 جنيها.
(خيرية أحمد) و(يوسف عوف)
عن ظروف تعارفها بزوجها الكاتب الساخر الرائع (يوسف عوف) ذكرت لي الراحلة (خيرية أحمد) في حوار نشر في ملحق (T.V) بمجلة (الأهرام العربي): كانت حلقات برنامج (ساعة لقلبك) سبب تعارفنا.
وكنت أخاف منه جدا، لدرجة الرعب، لأنه كان خفيف الظل، ومرح جدا، وأنا كنت متربية تربية جامدة ومنغلقة على نفسي، وعندما يقول لي نكتة، لا أضحك، ولم أكن أحب الهزار!
ولكنه كان رجلا اجتماعيا، ويأخذ الأمور ببساطة، وربما جذبه لي أنني كنت منغلقة على نفسي، ولذلك كان (يزودها معا) ويقترب مني.
أذكر ونحن مع فرقة (ساعة لقلبك) في الإسكندرية طلب (يوسف عوف) إنه يعزمني على العشاء، فوافقت وأثناء انتظار العشاء قمنا لنرقص، فشعرت أنه يضمني إليه أكثر من اللازم، فضربته في صدره وعدت إلى القاهرة.
وكانت هذه الشرارة الأولى بيننا، ووقعت في حبه، واستمر هذا الحب ما يقارب 4 سنوات ولم يعلم أحد بعلاقتنا، وعندما طلبني للزواج أبلغته أنني لا أستطيع الارتباط به قبل مرور عامين، حتى يتخرج أخواتي الصبيان من الجامعة.
فطلب مني أن (يشيل معي المسئولية) ورفضت لأنني لا أحب أن ينفق أحد على أخواتي، ولكن ما قاله لي جعله (يكبر في عيني).
وصبر علي (يوسف عوف)، وفي أحد الأيام كنت مسافر مع فرقة (إسماعيل ياسين) إلى سوريا، وقبل سفري قال لي: (فكري في موضوعنا وأنت هناك، ولما تعودي نتحدث).
وعندما عدت تزوجنا، وكان على مدى زواجنا إنسانا جميلا يخاف علي، ولا يتحمل أن يضايقني أحد، وكان سندي في شغلي، لذلك شعرت أن (ظهري انقسم) بعد وفاته لأنه كان يتحمل مسئوليتي كاملة.
(خيرية أحمد) والسينما
بعيدا عن أدوارها الكثيرة ككومبارس قدمت (خيرية أحمد) حوالي 60 فيلما سينمائيا بدأتها عام 1958 بفيلم (ساحر النساء) تأليف عباس كامل، إخراج فطين عبدالوهاب، بطولة فريد شوقي، وهند رستم، ولعبت فيه دور سكرتيرة تقول بعض الكلمات البسيطة.
وفي نفس العام قدمت فيلم (الطريق المسدود) تأليف إحسان عبدالقدوس، إخراج صلاح أبوسيف، وبطولة فاتن حمامة، وشكري سرحان، وأحمد مظهر، ولعبت فيه دور شقيقة فاتن حمامة التى تجيد ملاغاة الرجال.
وتوالت أفلامها السينمائية منها: (عريس مراتي، الفانوس السحري، موعد مع الماضي، الرباط المقدس، إمرأة وشيطان، فطومة، هـ 3، ملك البترول، جمعية قتل الزوجات، من غير ميعاد، خذني بعاري.
وجزيرة العشاق، السيرك، أكاذيب حواء، صباح الخير يا زوجتي العزيزة، غرام في الطريق الزراعي، الحياة نغم، كباريه الحياة، بمبة كشر، احترسي من الرجال يا ماما، صائد النساء، شبان هذه الأيام.
وأخواته البنات، أميرة حبي أنا، عالم عيال عيال، ابتسامة واحدة تكفي، المليونيرة النشالة، اللي ضحك على الشياطين، المشاغبين في الجيش، إمرأة مطلقة، اللي رقصوا على السلم) وغيرها.
ورغم هذا الرصيد لكنها لم تكن راضية عن نفسها في السينما، حيث لم تحصل على حقها بأعمال جيدة، ولم تجد من يظهرها ويستغل إمكاناتها الفنية.
وقالت لي: السينما لم تعطني حقي ولم أحاول يوما أن أسعى إليها، وقدر الإمكان كنت أجتهد في أدواري التى جسدتها في السينما، ويكفي أن الناس تحب هذه الأفلام، ولكن عندما أنظر لأفلامي الآن أجد أنني كان يمكن أن أقدمها بشكل أفضل.
(خيرية أحمد) والتليفزيون
إذا كانت السينما قصرت في حق (خيرية أحمد)، فالمتابع الجيد للإذاعة والتليفزيون، يجد أن (خيرية أحمد) قدمت من خلالهما العديد من الأعمال التى لا تنسى يكفي أن في حياتها حلقات مثل البرنامج الكوميدي الساخر (مش معقول)، تأليف زوجها الكاتب يوسف عوف، فضلا عن العديد من الدراما الإذاعية.
أما في التليفزيون فقدمت من خلاله أدوار لا تنسى، وكانت بمثابة الحصان الجامح الذي يجيد سباقات المسافات الطويلة، فرغم أن الجمهور أعتاد أن يرى (خيرية أحمد) في أدوار كوميدية خاصة بعد ارتباطها بزوجها الكاتب المبدع يوسف عوف.
حتى جاء المخرج (أحمد توفيق) وبدأ يدفعها في أدوار فجر من خلالها طاقاتها التمثيلية، وكذلك فعل المخرج إسماعيل عبدالحافظ، الذي قدمها في رائعته (العائلة)، وتنوعت أدوار خيرية أحمد في التليفزيون بين الكوميديا والتراجيديا وأجادت في الاثنين.
فقدمت في التليفزيون مسلسلات (عابر سبيل، الهويس، ساكن قصادي، أين قلبي، صباح الخير يا جاري العزيز، أحلام اليقظة، عفاريت السيالة، العميل 1001، ضحكات عصرية، علي يا ويكا.
والحقيقة والسراب، حدائق الشيطان، سلطا الغرام، فريسكا، أولاد الليل، قلب ميت، رمانة الميزان) وغيرها.
(خيرية أحمد).. الرحيل
تعرضت الفنانة (خيرية أحمد) لأزمة صحية زادت عليها أثناء تأديتها لدورها في مسلسل (في أيد أمينة) حيث كانت تشعر بألم في بطنها، رغم عمل تحاليل وأشعة، لم يظهرا شيئا.
حتى عملت منظارا فكانت المفاجأة بوجود خراج في القولون ساكن منذ عامين، وبدأ يعلن عن وجوده فأجرت عملية جراحية عاجلة، وبعدها توفت.
وعلى مدى مشوارها لم تحظ (خيرية أحمد) بأي نوع من التكريم سوى مرة واحدة عندما تم تكريمها في تونس عن دورها في مسلسل (العائلة)، كما كرمها (مهرجان القاهرة للإعلام العربي) عام 2008، أي قبل رحيلها في شهر نوفمبر 2011.
رحم الله الفنانة الكبيرة (خيرية أحمد) التى قدمت إبداع لا يمكن لأحد أن ينكره أو ينساه.