بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد
مع عودة (ترامب) إلى البيت الأبيض يمسك العالم بأنفاسه منتظرا ما سيفعله هذا الرجل في الحروب التي تملأ العالم شرقا وغربا، خاصة أن هناك حربين قد يدفعا العالم كله إلى الاشتعال والدخول الى حرب عالمية ثالثة لا تبقى و لا تذر.
وهما حرب روسيا و أوكرانيا، وحرب إسرائيل في غزة التي امتدت إلى لبنان ثم اتسعت لتشمل إيران بشكل مباشر بعد أن كانت غير مباشرة طوال الوقت.
والحقيقة أن العالم يمسك أنفاسه انتظارا، ليس بسبب تصريح (ترامب) الشهير بأنه سيوقف كل الحروب بمجرد عودته الى السلطة، ولكن بسبب أن لا أحد يستطيع التكهن بما سيفعله هذا الرجل، فمن الصعب توقع خطوته التالية .
لقد صرح (ترامب) أثناء حملته الانتخابية أنه سيتصل بالرئيس الروسى فلاديمير بوتين، وسيتفق معه على إنهاء حرب روسيا وأوكرانيا فورا، والحقيقة أن هناك صلات جيدة تربط بين الرجلين حتى قيل أن (ترامب) أثناء فترة رئاسته كان يتصل ببوتين دون حضور مساعديه معه.
بل يصرفهم أحيانا ليبقى على انفراد أثناء الإتصال – و هو أمر غير معتاد في اتصالات الرؤساء الأمريكيين – وأن (ترامب) أبقى على اتصالاته الخاصة ببوتين حتى بعد خروجه من البيت الأبيض.
ويقال أنه اتصل به حوالى 7 مرات، وأنه أرسل إلى بوتين أثناء محنة الكورونا عام 2020 أجهزة اختبار لاستخدامه الشخصى، وأن بوتين طلب منه عدم نشر ذلك.
ومن الواضح أن تصريح (ترامب) بإنهاء الحرب أخاف أوكرانيا من أن يفرط في أراضيها إرضاء للدب الروسى الذى يفخر بصداقته، كما أخاف أوروبا التي تخشى عودة روسيا إلى قوتها السابقة قبل تفككها.
وهذا الخوف لا ينتاب الجميع بسبب علاقة ترامب ببوتين فقط، بل نابع من معرفة كبار المساعدين المحيطين بترامب أنه متهور ومندفع لدرجة انهم لا ينفذون أوامره أحيانا.
كانوا يخفون وثائق مهمة عنه
فقد كشف الكاتب الصحفى المخضرم (بوب ودورد) في كتابه (الخوف: ترامب في البيت الأبيض)، الذى صدر عام 2018 ليحكى أسرار رئاسة (ترامب) بصورة نقدية لاذعة استنادا على مئات المقابلات والتحقيقات مع أعضاء إدارته أن مساعدين سابقين وحاليين لترامب، كانوا يخفون وثائق مهمة عنه لمنعه من التوقيع عليها أو عملوا بخلاف أوامره.
ومن بين أبرز الأمثلة على ذلك أنه طلب من وزير الدفاع اغتيال الرئيس السوري بشار الأسد عام 2017، ونقل الكاتب عن (ترامب قوله): دعنا نقتله، لنذهب إلى هناك ونقتله حيث هو، دعنا نقتل عددا كبيرا منهم).
فرد وزير الدفاع على (ترامب) بالموافقة على طلبه، لكن بعد انتهاء المقابلة مع (ترامب) أكد الوزير لأحد مساعديه إنه لن ينفذ شيئا مما طلبه (ترامب) لأن إلمامه بالقضايا الخارجية يعادل معرفة طالب في الصف الخامس أو السادس الابتدائي على حد تعبير الوزير الذى جاء في الكتاب.
كما يروى (ودورد) أن المستشار الاقتصادي لترامب وسكرتير البيت الأبيض أخفيا بعض الاوراق عن (ترامب) لمنعه من التوقيع عليها لمنعه من الموافقة على انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية، والانسحاب من اتفاقية التجارة مع كوريا الجنوبية.
وبرغم نفى (ترامب) لكل ما جاء في كتاب (الغضب) جملة وتفصيلا وهجومه على مؤلفه، إلا أن ذلك لم يقلل من قيمة الكتاب أو قامة (ودورد)، فهو مازال يوصف بأنه واحد من أكثر الصحفيين المحترمين في التاريخ الأمريكي.
فهذا الرجل الذى اكتسب شهرته من التحقيقات الواسعة والمعمقة التي كشفت فضيحة (ووترجيت)، وأدت إلى استقالة الرئيس الأمريكى (نيكسون) مازال قادرا على إثارة الدهشة بكمية المعلومات التي ينشرها من كواليس السلطة في الولايات المتحدة، و بكتاباته التي تتضمن أدق الأسرار وما يجرى من محادثات، بعضها قد يكون سريا ومحاطا بكثير من الغموض.
(ودورد) وكتابه الجديد (الحرب)
ولم يقف الأمر عند (ودورد) فقط، فقد صدرت كتب أخرى عن فترة حكم (ترامب)، أبرزها كتاب (نار وغضب) للكاتب الصحفى (مايكل وولف) الذى انتقد السنة الأولى لحكمه، ووجه له كثير من الانتقادات الحادة والاتهامات، نقلا عن مساعد سابق للرئيس هو (ستيف بانون).
الذى قال أن (ترامب) غير قادر على العمل في منصبه لافتقاده الخبرة، كما وصفه بالجبان وعدم الاستقرار، كما اتهم ابن (ترامب) بإقامة اتصلات مع أشخاص على علاقة بأعلى السلطات في روسيا، وهو ما يعتبر خيانة عظمى، كما يوضح الكتاب كمية الخلافات الموجودة داخل البيت الأبيض والتي تسبب بها (ترامب) منذ توليه الحكم.
ولقد حاول (ترامب) منع الكتاب، ولكنه لم يفلح بل صار أحد أكثر الكتب مبيعا على منصة أمازون.
ولم يقتصر الأمر على هذين الكتابين فقط، فهناك أيضا كتاب (المعتوه: مشاهدة من داخل بيت ترامب الأبيض) للمستشارة (بالبيت أوماروزا نيومان)، التي استندت فيه إلى مجموعة تسجيلات لمحادثات صوتية سرية للرئيس (ترامب) ومساعديه.
وتقول في الكتاب أن إدارة (ترامب) تعاني من الفوضى والخلل الوظيفي، وأن البيت الأبيض في حالة فوضى بقيادة (ترامب)، وأنه رجل يائس في عمله والأسوأ أنه غير قادر على فهم مدى عمق يأسه.
ومؤخرا أصدر (ودورد) في أكتوبر الماضى كتابه الجديد (الحرب)، والذى يتناول حربين هما حرب روسيا وأوكرانيا، وحرب إسرائيل على غزة.
وفي الكتاب وضع كثيرا من المحادثات التي تمت بين الرئيس الأمريكى (بايدن) ورئيس وزراء الكيات الصهيوني (نتنياهو)، وخلال صفحات الكتاب تم الكشف عن عادة استخدام بايدن للألفاظ الخارجة في وصف نتنياهو.
وبرغم شهرة (ودورد) الكبيرة و مصداقيته التي يتغنى بها الجميع إلا أنه في كتابه (الحرب) سقط في فخ الدعاية الصهيونية، التي أشاعت أن هجوم المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر تضمن قطع رؤوس أطفال واغتصاب نساء.
بل إنه يصف في الفصول التي تناولت الهجوم (بداية من الفصل 45) مشاهد عن إغتصاب إسرائيليات يصعب تصديقها، وثبت كذبها فيما بعد، بما فيها ادعاءات بعض الناجين من الحفل الموسيقى عن احداث لم تقع بإيعاز من الآلة الإعلامية الصهيونية.
وفي الكتاب يكشف (ودورد) عن كثير من أسرار المحادثات التي أجرتها الولايات المتحدة مع دول الجوار، والتي قادها وزير الخارجية ومستشار الأمن القومى الأمريكيان الى جانب مبعوثى الرئيس بايدن.
لكنه لا ينسى أن يغمز (ترامب) فهو يقارن بينه وبين (بايدن)، فيقول عن (بايدن) أنه رجل دولة حازم وهادئ حتى في أصعب اللحظات، أما (ترامب) فيرسم عنه صورة مخيفة كرجل متهور وأنانى و لديه ميول فاشية، و يرى أنه غير لائق لقيادة بلد كبير كالولايات المتحدة.
تلك هى صورة ترامب من الداخل الأمريكي، وأعتقد أنها صورة صادقة لأنها عن قرب وتستند لوقائع وتحقيقات ، فلماذا يتفاءل البعض بوجوده؟