بقلم الكاتب الصحفي: محمد شمروخ
هناك انتشار كبير على شبكة الإنترنت لمقاطع الفيديو القصيرة المقتطعة من برامج المسابقات الغنائية، خاصةً التى يغنى فيها الأطفال، وتجد الترقب واللهفة والانتظار على نار، لرأى هيئة التحكيم والتى ستجيز الصوت أو ترفضه وفقل فيلم (من أجل زيكو).
وتجد كذلك أهل الطفل المتسابق أو المتسابقة، يقفون وأيديهم على قلوبهم وما تلبث أن تنطلق وجوههم بالفرحة وهم يتقافزون مع قبول اللحنة لطفلهم، ببنما يسود الوجوم والحزن الصامت إذا ما حدث العكس!.
ولنترك المسابقات جانباً ونذهب إلى فيلم (من أجل زيكو)، والذي تناول قصة أسرة فقيرة وضعت كل أحلامها في مسابقة (أذكى طفل في مصر) حيث فوجئوا باشتراك ابنهم الطفل (زيكو) فيها.
وراحوا يبذلون كل ما في وسعهم للحاق بموعد المسابقة عبر رحلة سفر شاقة اضطر بسببها والده أن يستخدم سيارة نقل الموتى التى يعمل عليها كسائق، دون إذن مالكهما والذي أبلغ بسرقتها ثم تحولت إثر ذلك، رحلة السفر إلى رحلة هروب إلى ما يشبه المستحيل.
لكنها لم تكن رحلة هروب من جريمة سرقة، بل بدت كرحلة هروب من حياة الضنك التى تعيشها الأسرة مثل الملايين من سكان مصر المحروسة.
حقاً نجح فيلم (من أجل زيكو) في تجسيد حياة الفقر وجاء معبراً تعبيراً حقيقيا عما تعانيه الفئات المطحونة، بصورة سادتها الموضوعية وبدون ذلك الإطار الدعائي الفج والمفتعل، حيث لمسنا حقيقةً، معاناة هذه الأسرة وفهمنا كل شئ عنها، دون حاجة لوضع لمسات مقززة كان يضعها آخرون في أفلامهم بحجة الواقعية!
لقد كان فيلم (من أجل زيكو) واقعياً باقتدار يستحق التحية، بل حتى في لجوئه إلى لقطات فانتازية غريبة في رحلة السفر، لم تخرجنا من واقعية الفيلم!.
أداء الممثلين كان ممتازاً، وكاد المخرج ينقل لأنوفنا رائحة أجساد الأبطال الثلاثة (الأب – الأم – زيكو) في المشاهد الأخيرة بعد سفر طويل أنهك الجميع.
زيكو ابن الأسرة الفقيرة
لكن مع إشادتى بالفيلم كأداء وقصة وسيناريو وتصوير وإخراج، إلا أننى هنا لا أرنو إلى ذلك ولكن ما أقصده يخرج من القصد المباشر الذي يبدو من الفيلم بنجاح الطفل زيكو ابن الأسرة الفقيرة، في تحقيق أحلامها وبدون أن ينجح في المسابقة التى غنى فيها، فأبهرت أغنيته جمهور الحاضرين وذاع صيته بها.
حتى صار (زيكو) نجم الترند بأغنية (الغزالة رايقة) إذ أن مجالات النجاح مفتوحة وليس شرطاً أن تقتصر على التفوق في التعليم وتحقيق حلم الثراء الذي قد يأتى بدون أن يحتسب له أحد، فتتحول أسرة (زيكو) لتعيش عيشة كريمة في أرقى الأحياء السكنية تاركة (الدويقة)، حيث عانت الفقر والإحباط والعشوائية والمخدرات واحتمالات التعرض لشتى أنواع الجرائم.
(لاحظ أن الدويقة ملاصقة لمقلب القمامة الرئيسي في القاهرة والمعروف بعزبة الزبالين حتى وقت قريب)
فقصدى هنا يتجاوز تلك النهاية السعيدة والتى أراها مفتعلة وساذجة، لكنها مع ذلك -وياللعجب – تتسق مع واقع أكثر عجباً، يمكن أن تنتقل فيه أسرة من عداد المطحونين إلى أرقى الطبقات، بسبب نجاح أغنية.
فمع سذاجة النهاية، إلا أنها بالفعل ممكنة الحدوث، بل ويشهدها الواقع في ظل أسباب وقوع التحولات بطرق عجيبة من القاع إلى القمة أو العكس في كل شئ.
انتظر.. أنا لم أنس مقدمة المقال بحديثي عن مسابقات الغناء، حيث يستدير الحكام على مقاعدهم ليتوقف رهن هذه الاستدارة، مستقبل أسرة حضرت ركضا وراء تحقيق حلم كحلم أسرة (زيكو) وإن لم تواجه ما واجهته الأخيرة من متاعب في رحلتها في الفيلم!
إنه حلم الثروة المفاجئة، يداعب الجميع ومن بين سبل تحقيق هذا الحلم، انتظار فرصة في أغنية يصبح بعدها الطفل الموهوب الدجاجة التى تبيض ذهباً.
وراء وهم الفرصة
ولا لوم على من يحلمون، لكن اللوم هنا على من يتاجرون بالأحلام.. لا.. بل قصر النجاح المحقق للثروة المفاجئة فقط على موهبة الغناء المنتظرة للاكتشاف على يد لجنة تحكيم أو انتظار فرصة مثل فرصة زيكو!
والنتيجة:
هى الركض وراء وهم الفرصة السانحة هناك، دون تعب أو كد حقيقي في استكمال التعليم، ليحقق الطفل أحلامه في النجاح ليكون مهندساً أو طبيباً أو عالماً.
مرة أخرى.. لا.. بل وألف لا.. فحتى النجاح نفسه ليس مقصوراً على أصحاب هذه المهن وحدهم.
لكنه نجاح مرتبط بالسعى الجاد في كل مجال لا يكاد يلتفت إليه أحد يحلم بالثروة.
(هذا إن سلمنا بالوهم الأكبر والخديعة الكبرى، يربط النجاح بالثروة ارتباطاً عضوياً).
نسينا الجد واستسلمتا لأحلام (زيكو) الذي لم يبذل والداه أى جهد حقيقي للارتقاء بمستواه التعليمي واكتشاف مواهبه في الاستيعاب والفهم وسرعة البديهة، ربما لضيق أفق الأسرة المستسلمة لواقعها كما استسلمت لحلمها، وربما بسبب الضنك الذي يعانونه في حياتهم الدويقية.
نسينا كل ذلك، تماماً كما نسينا هذين الطفلين الآخرين المشتركين في المسابقة، فمن منا ذكرهما وهما يتركان المسابقة وقد خفتت عنهما الأضواء وتجاهلهما الجميع، حتى اهاليهما، وأيضاً نسينا ذلك الطفل الثالث الذي جاء (زيكو) بديلاً عنه بالخطأ والذي حالت ظروفه أيضاً دون أن بحضر مع أبويه!.
مع أننا رأينا وسمعنا إجابات التلميذين، لكننا لم ننبهر بعبقريتهما كما انبهرنا بالغزالة الرايقة.
هذه ليست نهاية حلم ولا حتى مجرد نهاية فيلم، بل هى نهاية الأمل في مجتمع أهمل العباقرة الحقيقيين ونسيهم من أجل أغنية صارت الترند لفترة ما حتى رقص عليها الناس في الأفراح والتكاتك والميكروباصات.
ثم نسيناها لنستعد لغيرها دون أن نلتفت للعباقرة الحقيقيين الماكثين في الفصول الدراسية، لا يحلمون بأحلام أسرة زيكو ولا انتظروا استدارة ثلاثة كراسي لتبت في مستقبل حياتهم وحياة أهاليهم وحياة مجتمعهم بالكامل!