أنور القوادري) يكتب عن أبوه المنتج السوري الكبير (تحسين القوادري)
بقلم المخرج السوري الكبير: أنور القوادري
في يوم خريفي بدمشق الموافق 9 نوفمبر 2002 كان يوما من أقسى الأيام التي مرت في حياتي لأني فقدت في هذا اليوم الحزين، والدي الحبيب المنتج السينمائي الكبير (تحسين القوادري) المعروف بـ (أبو أنور).
وتمر سنوات الفراق الطويلة لنتذكر طفولة هذا الطفل (تحسين القوادري) ابن شام الياسمين الذي اضطرّ أن يترك المدرسة وعمره 11 سنة ليعمل مساعدا عند العارض السينمائي (محمد الزعيم العكاوي) ليعيل أسرته المكونة من والدته وأخيه وأخته الأطفال.
ومن هنا بدأ تعلق (تحسين القوادري) بحب السينما وإدمانه على مشاهدة الأفلام السينمائية المصرية والعالمية وخصوصاً أفلام محمد عبد الوهاب.
وتدور عجلة الزمن ويدخل (تحسين القوادري) عالم تسويق وتوزيع الأفلام في سوريا ليتعرف على نجم النجوم آنذاك (أنور وجدي)، وليصبح موزع أفلامه في سوريا (سمّيت بإسمه بناءاً على طلب أنور وجدي شخصيا عند ولادتي و تتويجاً لتعاونهما بالعمل معاً وللصداقة المتينة التى ربطتهما .
طموحات (تحسين القوادري)
كانت طموحات (تحسين القوادري) كبيرة جداً، وخاصة أنه دخل عالم السينما عن طريق أنور وجدي الذي تبناه وعرفه على كبار المنتجين والمخرجين والنجوم في مصر (هوليوود الشرق).
تلقى (تحسين القوادري) صدمة كبيرة بوفاة (أنور وجدي) المبكرة وحزن عليه حزناً يفوق الوصف وقرر أن يستمر بتوزيع الأفلام في سوريا وأصبح إسماً يشار إليه في عالم التوزيع والتسويق السينمائي في العالم العربي.
قرر خوض تجربة الإنتاج السينمائي مع كاتب السيناريو والمخرج المصري الكبير (سيد بدير) وأنتج فيلمه الأول (أنا وأمي) بطولة تحية كاريوكا ورشدي أباظة (قامت بينهما صداقة وتعاون قوية نتج عنها أفلام أنتجت لاحقاً في لبنان) أيام عهد الفتوة السينمائية إنتاجا وتوزيعا.
لم تتوقف طموحات (تحسين القوادري) الإنتاجية عند ضفاف النيل، ولكنها انتقلت إلى ضفاف بردى، حيث أنتج وأسس أول فيلماً سينمائياً بالألوان تحت عنوان (عقد اللولو) سنة 1964، مع رفاق دربه المنتج السينمائي الكبير، نادر الأتاسي وشركاءه (سيريا) فيلم (محمد وفوزي الرواس وسعيد النابلسي) بطولة صباح، فهد بلان.
أفلام القطاع الخاص
حيث قدم بهذا الفيلم للسينما العربية الفنان الكبير والقدير (دريد لحام) وشريكه (نهاد قلعي) ليصبحان من أكبر نجوم العالم العربي آنذاك.
من هذا الفيلم انطلقت إنتاجات الأفلام السورية التي حجزت مكانتها في دور العرض بجميع أنحاء الوطن العربي والتي عرفت بأفلام القطاع الخاص لأول مرة في ذلك الزمان.
استغل (تحسين القوادري) متانة علاقاته مع السينمائيين والنجوم المصريين وأنتج أفلام مشتركة قام بها إلى جانب أهم نجوم الشاشة الفضية مثل: (شادية، نادية لطفي، مريم فخر الدين، كمال الشناوي) وغيرهم من النجوم الكبار، بالإضافة لكبار المخرجين: (عاطف سالم، حلمي رفلة، سيف الدين شوكت).
هذه المرحلة المهمة من الإنتاج السينمائي المشترك بين سوريا ومصر وبعض الدول العربية، عرفت لاحقاً بالدراما التلفزيونية بإنتاجات (البان أراب).
كما أنه أنتج أول فيلم مشترك بين (سوريا ولبنان وتركيا)؛ والمعروف بـ (غرام في إستانبول)، نجح نجاحاً ساحقاً، وأصبح من الأفلام الكلاسيكية وفتح الطريق لدخول الدراما التركية المشتركة إلى عالمنا العربي قبل ذلك بعدة عقود.
في ثمانينات القرن الماضي أسس (تحسين القوادري) لجنة صناعة السينما والتلفزيون في سوريا، وأصبح رئيسا لها لتصبح كيانا مهما جداً يحمي ويسوق إنتاج كل منتجين السينما والتلفزيون.
تألق الدراما السورية
وفي عهده ازدهرت وتألقت الدراما السورية تحديداً، ووصلت لذروة نجاحاتها في أنحاء الوطن العربي.
أصبحت لجنة صناعة السينما والتلفزيون سنداً أساسياً ليس لكل مبدعي الدراما السوريون فقط، بل لكل الفنانون العرب الذين حصدوا جوائز وتقديرات من المهرجانات السينمائية والتلفزيونية قاطبة في المنطقة العربية.
وهنا تجدر الإشارة بأن اللجنة تبنت أفلاماً ومسلسلات أحدثت نقلة فنية، نوعية وجماهيرية.. ولقد وقفت معي شخصياً حين قدمتني للمنتج السوري (بشير غية) الذي أنتج لي فيلمي السينمائي المصري الكبير (جمال عبد الناصر) الذي أنتج عام 1998، من تأليفي وإخراجي.
وهو فيلم يوثق الفيلم حياة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر وما حفلت بها فترة حكمه من أحداث كبيرة، وهو من الأفلام الطويلة، الفيلم بطولة (خالد الصاوي وهشام سليم وطلعت زين وعمرو عبد الجليل وعبلة كامل).
لقد ترك لنا (تحسين القوادري) أفلاماً وتراثاً فنياً زاخراً نفخر ونعتز به، وكم أشعر بالسعادة اللامتناهية أنني عندما أقابل بعضا من رفاقه، والمسؤولين في المهرجانات، المحطات التلفزيونية والمؤسسات الخاصة والعامة، الجميع يذكرونه بالخير ويترحمون عليه، طيب الله ثراه.