(خيرية أحمد).. نجمة صنعت نفسها بنفسها وسكنت القلوب، وخذلتها التكريمات (1/2)
كتب: أحمد السماحي
خلال الأيام القادمة وبالتحديد يوم 19 نوفمبر الجاري نحيي الذكرى الثالثة عشر لرحيل الفنانة الكبيرة (خيرية أحمد)، التى رحلت عن حياتنا يوم 19 نوفمبر عام 2011.
وخيرية أحمد حالة إنسانية رائعة جدا، وفنانة صنعت نفسها بنفسها، وحفرت في الصخر، حتى عرفها الشارع المصري والعربي، لم تأت إلى سينما (الأبيض والأسود) من باب الجمال، ولم يساندها منتج شهير، ولم يفرضها مخرج معروف.
ولكن جاءت (خيرية أحمد) من بين المجاميع، من وسط الناس، وسكنت القلوب من باب مصريتها، وخفة ظلة وموهبتها التى اكتسبتها بمرور الأيام والشهور والسنين.
بدأت خيرية أحمد الطريق من أوله، وصعدت السلم درجة بعد أخرى، وفي الطريق صادفتها صعوبات إنسانية كثيرة جدا لا يمكن أن يتصورها أحد، لكن بإرادتها القوية، وإصرارها على العمل إنتزعت لنفسها مكانة بارزة بين نجوم جيلها.
الزوجة الغبية سبب شهرتها
بدأت (خيرية أحمد) ككومبارس من خلال العديد من المشاهد التى ظهرت فيها في سينما (الأبيض والأسود) في بداية الخمسينات، وكانت الإذاعة المصرية سبب نجوميتها.
وذلك عام 1959 ، حيث كانت (خيرية أحمد) على موعد مع الحظ من خلال برنامج (ساعة لقلبك) الذي كانت تبثه الإذاعة، حيث عرفها الجمهور من خلال دور زوجة (محمود/ فؤاد المهندس).
هذه الزوجة الثرثرة الغبية التى كانت كثيرا ما تنادي على زوجها بجملة (محمووووووووووود يا حبيبي، اسخنلك السلطة يا حبيبي)، بسبب هذه الجملة، وتصرفات هذه الزوجة التى لا تطاق! بدأ المنتجين والمخرجين يدقون بابها.
ولقد اعتاد الجمهور على ظهور (خيرية أحمد) في العديد من الأدوار الكوميدية خاصة بعد ارتباطها بالكاتب المبدع والزوج المحب (يوسف عوف) الذي كان يكتب (الإفيه) لتقوله (خيرية).
وحرص على تقديمها في ألوان متنوعة مثل (بنت البلد، أوالموظفة، أو الأرستقراطية) ولكن في إطار الكوميديا الساخرة، وهو الأسلوب الذي اشتهر به يوسف عوف.
العائلة نقطة تحول
ظلت (خيرية أحمد) تجسد الأدوار الكوميدية الخفيفة، حتى جاء المخرج إسماعيل عبدالحافظ، عام 1994 من خلال مسلسل (العائلة) وأعطاها واحدا من أدوار عمرها وهو دور (فاطمة) الزوجة المصرية، التى تتمتع بخفة ظل، وتحب البيت، ويدفعها فقدان ابنها الشهيد إلى الحزن.
هذا الدور الجاد والإنساني جعل كثير من المخرجين، يغيرون وجهة نظرهم فيها، ويساندون إليها الأدوار الجادة، وعندما عرض عليها دور (خيرية) المرأة المفترية في مسلسل (أين قلبي) تأليف مجدي صابر، وإخراج مجدي أبوعميرة، كانت تخشى منه جدا.
حتى أنها بعد أن قدمته كادت أن تظل حبيسة منزلها حتى لا يراها الناس، لأنها كانت خائفة أن تنزل الشارع ويرى وجهها الناس، من كثرة توحش شخصية (خيرية) في المسلسل.
إلا أن العكس ما حدث حيث وجدت ترحيبا من الناس واندهشت من عدم كره الناس لها في تلك الشخصية المنفرة.
أسيوط كانت البداية
ولدت سمية أحمد إبراهيم خضير الشهيرة بـ (خيرية أحمد) في شارع (فاروق) في قلب مدينة أسيوط حيث يسكن أبناء الطبقة المتوسطة من التجار وموظفي الحكومة.
في هذا الشارع المسمى باسم ملك مصر في هذه الفترة، كانت هناك أسرة من مئات الأسر العادية في ذلك الشارع الشهير كبيرها هو (أحمد أفندي إبراهيم خضير) باشكاتب محكمة استئناف أسيوط.
وزوجته ربة بيت بسيطة تعتبر مثل كل الأمهات المصريات في هذه الفترة، أما الأبناء فهم سبعة (نوال، خيرية، سميرة، طلعت، بهجت، نشأت، سامي).
كانت وظيفة الأب الموظف البسيط، تضمن لهذه الأسرة الاستقرار، والهدوء وراحة البال، لكن دوام الحال من المحال، و(خيرية أحمد) في سن العاشرة تقرر نقل الأب إلى محكمة استئناف القاهرة.
وفي القاهرة حلت الأسرة – كما يقول الباحث والناقد الفني أشرف غريب – على منزل العم في منطقة سوق السلاح بالقلعة، وكان طبيعيا ألا يطيب المقام في منزل العم.
يكفي أن تسعة أفراد هبطوا فجأة على أسرة تعيش بالكاد تحت سقف شقة محدودة المساحة تنوء بمن تحتويهم، وكان لابد من مغادرة بيت العم، وبالفعل تركت العائلة القادمة من أسيوط والمكونة من تسعة أفراد البيت، وسكنوا في منطقة جديدة ونائية أسفل جبل الجيوشي على حدود المقطم.
وكانت المنطقة تضم بعض معسكرات الجيش المصري، وفي هذه المنطقة النائية عرفت (خيرية أحمد) وأشقائها اللعب والخروج مع الأولاد الذين يقاربوهم في أعمارهم.
واستغل الأب (أحمد أفندي إبراهيم خضير) مواهبه في كتابة الخط العربي في مجال الإعلان بالتعاون مع (حسني الخطاط) والد الفنانتين (نجاة وسعاد حسني).
وعلى أثر ذلك تركت الأسرة منطقة الجيوشي، وتنقلت بين أكثر من شقة حسب أحوال الأب، من الدرب الأحمر إلى باب الخلق إلى باب اللوق، وفي كل مرة كانت الأم تحزم الأمتعة وتصحب أبناءها السبعة في رحلة عناء جديدة أملا في أن تكون خطوة نحو الإستقرار المنشود.
المياه البيضاء السبب
رغم عدم استقرار الأسرة في مكان واحد، ورغم صعوبة الحياة وتقلباتها، كان الأطفال سعداء بهذه الحياة البسيطة، الشيئ الوحيد الذي كان يعز عليهم ويوجع قلوبهم هو فراق أصدقائهم الذين يلعبون معهم في كل حي أو حارة يغادرونها.
في هذه الأثناء – كما يقول أشرف غريب – حدث مالم يكن يتوقعه أحد، فقد أخذت المياه البيضاء تزحف سريعا على عيني الأب (أحمد أفندي خضير)، وبدأ نور البصر ينسحب بذات السرعة بفعل المياة اللعينة.
ودخل الأب المستشفى لإنقاذ ما يمكن انقاذه، وأعاد له الأطباء الحد الأدني من البصر الذي ضمن له العودة إلى وظيفته في محكمة الاستئناف، أما الاسترزاق من وراء كتابة خطوط لوحات الاعلانات لم يعد ممكنا.
عبده الفلاح
من جديد عادت أحوال الأسرة إلى الاضطراب، ونجحت الأخت الكبرى (نوال) في الحصول على وظيفة في محلات (صيدناوي)، وبدأت (خيرية أحمد) وشقيقتها سميرة يبحثان عن وظيفة، أما الأشقاء الذكور فكانوا أطفالا صغارا.
وأثناء بحث (خيرية أحمد) و(سميرة أحمد) على عمل، قابلتا رجلا بسيطا وحنونا اسمه (عبده الفلاح) كان يعمل (ريجسيرا) ويعمل أيضا في شركة (أفلام محمد فوزي) هو الذي دلهما على مهنة (الكومبارس).
وعلى مكاتب (الريحيسيرات)، وعندما استشعر امكانية اعتراض الأسرة على عمل ابنتهما في السينما، زار الأب (أحمد خضير) في البيت، وأقنعه أن (خيرية وسميرة) سوف تعملان تحت رعايته.
وبالفعل أشاع لدى مكتب (الريجسيرات) أنه قريب لخيرية وسميرة أحمد، فمنحهم الحماية التى كانت ضرورية لفتاتين يترواح عمريهما بين الثالثة عشرة، والخامسة عشرة لا تعرفان أصول هذا العالم الغريب الوافدتين إليه!
في الحلقة القادمة:
نستكمل مسيرة الفنانة خيرية أحمد والمحطات الفنية المهمة في مشوارها، وكيفية تعارفها بزوجها الكاتب الكبير يوسف عوف والشرط الذي اشترطت عليه لكي يتزوجها!