رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

(صحفيون وقتلة).. (الإعلام).. والحرب الإسرائيلية!

أحمد الغريب

بقلم الكاتب الصحفي: أحمد الغريب

حرب الإبادة في قطاع غزة ولبنان لا تكاد تصل إلى الجمهور الإسرائيلي، ليس لأن إسرائيل أغلقت أبواب القطاع والجنوب اللبناني أمام وسائل (الإعلام) وأحكمت سيف الرقابة العسكرية فحسب.

بل لأن الأغلبية الساحقة من الصحفيين الإسرائيليين أغلقت على نفسها باب النقد أيضا، واختارت الاصطفاف مع المستويين السياسي والعسكري في معركة رئيس الحكومة الإسرائيلية التى ترفع شعار (ننتصر معا) على غزة ولبنان وعلى الحقيقة.

خاصة أن مجريات الأحداث تكشف معها أن إسرائيل لم تعد في حاجة أصلا إلى تفعيل سيف الرقابة العسكرية، ولا حتى إلى تحريك وازع الرقابة الذاتية داخل الصحفيين.

(ليتال شيمش) حملت فى ظهرها مسدسا أثناء تقديمها نشرة الأخبار

جنود الإعلام

فمن صحفي القناة الـ 12 (داني كوشمرو) الذي ظهر في الاستوديو حاملا بندقية ومن ثم مشاركا فى تفجير منزل بجنوب لبنان قبل أيام، إلى مذيعة القناة الـ 14 (ليتال شيمش) التي حملت فى ظهرها مسدسا أثناء تقديمها نشرة الأخبار.

أصبح صحفيون إسرائيليون بمثابة بندقية تقاتل مع الجيش، وأقصى مسافة يقتربون بها من الحقيقة هي نزولهم ضيوف شرف على ظهر دبابة تجوب قطاع غزة، أو فى الجنوب اللبنانى وتعيد سرد ما تكرره آلة الدعاية  و(الإعلام) الإسرائيلية.

وليس صدفة ألا يسقط هؤلاء في الحرب، لأنهم خارج المعركة أصلا، تكفي بالنسبة لهم جملة تقال لرفع العتب وتسويق كم الأكاذيب المتدفقة، كما فعلت (يونيت ليفي) من القناة الـ 12 عندما خاطبت جمهورها قائلة: (هذا هو المكان المناسب لنقول لمشاهدينا إننا في وضع غير مسبوق، (دولة إسرائيل) لم تُنكب أبدا بحدث بهذه الأبعاد، لذا نقول: هنا، نحن أيضا لم نعرف حدثا بمثل هذه الأبعاد، نعتذر سلفا إن لم يستجب أمر ما لمقاييس معاييركم).

لذلك لم يجد (صحفي إسرائيلي) حرجا وهو يصيح وسط الدمار مبتهجا وفي حالة هستيرية (اختفت غزة)، ولم يكن صعبا على زميل آخر الانضمام إلى قوة إسرائيلية وهو يخاطب مشاهديه منفعلا (إننا نحضر الآن عملية قصف يا رفاق)”.

وهو ما يؤكد معه أن كثير من المنتسبين إلى صناعة (الإعلام) في إسرائيل قرروا الانضمام إلى معركة الدعاية باسم الدفاع عن (الدولة)، فـ (الحديث عن الموضوعية أصبح بلا معنى)، على حد تعبير صانع محتوى ومدير شركة خدمات إعلامية يدعى (ناعام شلو) في لقاء مع صحيفة (هآرتس): (أنا أقول كل يوم للزبائن: لو حدث في دولتكم أمر كهذا لما كان ردكم أقل قوة).

عدد من هؤلاء الصحفيين لم يختر الاصطفاف مع الجيش الإسرائيلي فحسب، بل مع رئيس الوزراء (بنيامين نتنياهو) أيضا، حتى وهو يعرف أن الأمر لا يتعلق بمعركة وجودية تواجهها إسرائيل فحسب، وإنما بمعركة مصيرية يواجهها رئيس الحكومة في سعيه لإطالة أمد الحرب ليطيل أمد الإفلات من الملاحقات القانونية.

كذلك لم يكن عبثا أن يعين (نتنياهو) في الأسبوع الأول من الحرب – وفي خطوة غير معتادة – همزة وصل بين مكتبه وبين المراسلين العسكريين الإسرائيليين، فقد اختار للمنصب (إلى فلدستاين) المتحدث السابق باسم وزير الأمن الداخلي (إيتمار بن غفير) رغم وجود منصب الناطق باسم الجيش.

في حين جرت العادة أن تكون وسائل (الإعلام) على تماس مباشر مع وزير الدفاع وقائد الأركان (هرتسي هاليفى) لا مع رئيس الحكومة (نتنياهو).

الإعداد لتفجير منزل بجنوب لبنان بمشاركة داني كوشمارو

المشاركة فى الحرب

وفي خرق فادح لأخلاقيات الصحافة، كانت مشاركة (الصحفي الإسرائيلي) في القناة 12 الإسرائيلية (داني كوشمارو) قوات الاحتلال الإسرائيلي في تفجير منزل جنوبي لبنان، بعد أن كان قد غادر استوديوهات القناة ليشارك جيش الاحتلال في اقتحام قرية في جنوب لبنان، ويوثق تفجير مبنى يطل على قريتين في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

حيث ظهر (داني كوشمارو)، برفقة جنود إسرائيليين، وهو يرتدي سترة واقية من الرصاص وخوذة، وقال له أحدهم، وهو يشير إلى جهاز بيده خاص بتفجير المباني: (تبقى لنا مهمة واحدة أخيرة.. يوجد هنا مبنى، ذلك الرمادي).

وأضاف الجندي أن المبنى له إطلالة على بلدتي (دوفيف وميرون.. ومن هنا يطلقون النار، ورد (كوشمارو)، على الجندي بالقول: “من هذا المكان، من هذا المكان)، وقال له الجندي وهو يمسك بالجهاز الخاص بتفجير المباني: (ستقوم بالضغط هنا، ولن يتم إطلاق النار مجدداً من هناك).

وبعد أن أمسك (كوشمارو)، بالجهاز، بدأ العدّ العكسي من 4 إلى 1، وقام بالضغط على فتحة التفجير، مما أدى الى تفجير المبنى وتصاعد الدخان منه، وزعم (كوشمارو)، أن البيت الذي تم تفجيره في جنوب لبنان، يحتوي على مخزن للأسلحة وله إطلالة على إسرائيل، وقال: “تم تدميره، تهديد آخر تم تحييده ضد دولة إسرائيل.

وبدا منح الجندي زرّ التفجير، بمثابة مكافأة قدمتها قوات الاحتلال لصحفي يرافقها، وينخرط في أنشطتها التدميرية، ويتبنى المزاعم، ومن ثم جاءت تلك الجولة، لتدحض فكرة الحيادية التي يدعّي (الإعلام) الاسرائيلي بأنه يمارسها، ويثبت مرة أخرى بأن الإعلام الإسرائيلي، هو ذراع في المعركة العسكرية.

ولمن لا يعرف المراسل (داني كوشمارو) يشار إلى إنه يلعب أدوارًا متعددة، فتارة يظهر كمحاور في القناة، ومرات أخرى يظهر إلى جانب قوات الاحتلال في قطاع غزة الذي يتعرض لعدوان إسرائيلي منذ السابع من أكتوبر 2023، ورافق دبابات الاحتلال الإسرائيلي إلى قطاع غزة في 13 نوفمبر 2023.

كما ظهر داخل مدرسة في قطاع غزة دمّرها الاحتلال الإسرائيلي بالقصف، وحينها زعم وجود غرفة بجانب المدرسة لتصنيع الصواريخ، وظهر فى مرة أخرى حاملًا بيده قطعة سلاح بلاستيكية ادّعى أنها لتدريب الأطفال في غزة، وأخذها معه إلى استديو القناة وعرضها على المشاهدين، وذلك ضمن خطاب يبرر قصف الاحتلال الإسرائيلي للمدارس.

وأثار تصرّف (داني كوشمارو)، استنكاراً على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث وصفه الكثيرون بأنه انتهاك لأخلاقيات العمل الصحفي. وقد صدم التصرّف حتى الصحفيين الإسرائيليين أنفسهم.

إذ وصف مراسل صحيفة (هآرتس) في نيويورك، (إيتان نيتشين)، التقرير بـ (المقزز) وقال: (إنه جاء في وقت يواجه فيه الصحافيون الفلسطينيون واللبنانيون أعداداً غير مسبوقة من عمليات القتل والاعتقال، أما النائب عن حزب (حداش) اليساري، (عوفر كاسيف)، فقد أشار إلى المفارقة في أن التقرير التالي في نشرة القناة 12 ركّز على (إرهابيي حماس المتنكرين في زي صحافيين)

جدعون ليفي خارج السرب

التغريد خارج السرب

أما وسائل (الإعلام) النادرة التي تغرد – قليلا فحسب – خارج السرب يُسلط عليها سيف التهديد بحجب الإعلانات عنها مثلا، كما هو الحال مع (هآرتس) رغم أن الصحيفة تصطف إجمالا في خندق معركة (ننتصر معا)، وما ينشر فيها في باب النقد متروك لمقالات الرأي حيث يكتب معلقون مثل (جدعون ليفي).

فحجم الدمار في غزة أو جنوب لبنان غائب تماما عن الشاشات وصفحات الجرائد الإسرائيلية حيث لا تظهر إلا عمليات الجيش ونجاحاته المزعومة والمعقمة دائما من دم الأبرياء، لا صور للدمار المروع، ولا للجثث الملقاة في الشوارع التي ينهشها الطير، ولا للمستشفيات التي انقلبت مقابر.

والمثير فى الأمر هو ما أعلنته وزارتا الداخلية والثقافة الإسرائيليتين، نهاية الأسبوع الماضي تعليق علاقاتهما مع صحيفة (هآرتس) على خلفية وصفها الفلسطينيين بأنهم (مقاتلون من أجل الحرية)، وهو ما كشفته صحيفة “إسرائيل اليوم”، بتأكيدها على إن وزارة الداخلية الإسرائيلية أصدرت أمرا بوقف التعاون مع (هآرتس)، بعد تصريح أدلى به صاحب الصحيفة (آموس شوكن)، قال فيه إن الفلسطينيين (مُقاتلون من أجل الحرية).

ودفعت الداخلية الإسرائيلية (شوكن) للاعتذار عن هذا الوصف، وأشارت صحيفة (إسرائيل اليوم) إلى أن (شوكن) أعلن اعتذاره خلال مؤتمر صحفي في العاصمة البريطانية لندن، وقال “لقد أعدت النظر فيما قلته، ولتجنب الشك، (حماس) ليست مقاتلة من أجل الحرية، لقد كان يوم 7 أكتوبر حدثا صادما.

وأضاف: استخدام الإرهاب غير شرعي، لقد كنت مخطئا عندما لم أقل ذلك.. كما هو الحال دائما في إسرائيل، كلامي يمثل موقفي الشخصي وليس موقف الصحيفة، كما ذكرت قناة (آي 24) الإسرائيلية، أن (شوكن) هاجم الحكومة وقال إنها (تقود نظام فصل عنصري وحشي بحق السكان الفلسطينيين، بينما تحارب المقاتلين من أجل الحرية الذين تصفهم إسرائيل بالإرهابيين).

وأشار إلى أن (ما يحدث في غزة هو نكبة ثانية)، ودعا إلى فرض عقوبات على إسرائيل وقال: (هذا هو السبيل الوحيد لإقامة الدولة الفلسطينية)، وأعلنت القناة ومن قبلها صحيفة إسرائيل اليوم أن وزارة الداخلية الإسرائيلية أوقفت تعاملها مع (هآرتس).

بدورها، أعلنت وزارة الثقافة أنها بعد تصريحات (شوكن) في لندن، (ستوقف بصورة فورية كافة إعلاناتها وتعاونها مع الصحيفة).

وقبل أيام قالت صحيفة (هآرتس) في افتتاحيتها: (ليس مستغربا أن تنشأ شكوك خطيرة بأن إسرائيل تمارس التطهير العرقي شمال غزة)، وأضافت: منذ 3 أسابيع ونصف الأسبوع، تحاصر القوات الإسرائيلية شمال قطاع غزة.

آموس شوكن مالك صحيفة هآرتس

وصمة العار الأخلاقية

وأكدت الصحيفة ذات الطابع اليساري: (إسرائيل منعت دخول المساعدات الإنسانية بشكل شبه كامل إلى شمال القطاع، منع دخول المساعدات يعني تجويع مئات الآلاف من الفلسطينيين، والمعلومات الواردة من المنطقة المحاصرة جزئية فقط، لأن إسرائيل منعت الصحفيين من دخول غزة منذ بداية الحرب).

وتابعت (إذا لم تتوقف هذه العملية على الفور، فإن مئات الآلاف من الأشخاص سوف يصبحون لاجئين، وسوف تُدمر مجتمعات بأكملها، وستظل وصمة العار الأخلاقية والقانونية لهذه الجريمة عالقة في أرواح كل إسرائيلي وتلاحقه).

أخير تبقى الإشارة إلى إنه فى الوقت الذي تمجّد فيه وسائل الإعلام الإسرائيلية الجيش، يقتل بدوره هذا الجيش الصحفيين في غزة ولبنان. فمنذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة استشهد 180 صحفياً وصحفية.

كما خلّف العدوان 42 ألفاً و924 شهيداً و100 ألف و833 مصاباً، بالإضافة إلى آلاف المفقودين، ودمار هائل في الأبنية السكنية والبنى التحتية، ومجاعة قاتلة، لا سيما في الشمال، أودت بحياة أطفال ومسنين.

هذا بالإضافة إلى العدوان على لبنان، الذي خلّف حتى اليوم ألفين و653 شهيداً و12 ألفاً و360 جريحاً، في غارات جوية وغزو بري، في تجاهل لقرار مجلس الأمن الدولي بإنهاء العدوان فوراً، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.. وللحديث بقية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.