بقلم الفنان التشكيلي الكبير: حسين نوح
لن أتوقف عن المطالبة بأن يكون الفن دائماً من أعمدة الثقافة مشاركاً داعماً لتنمية الوعي وتكريس قيم الانتماء والولاء، مثل فيلم (مقص عم قنديل)، فقد عاصرت وشاركت منذ نعومة أظافري حين ساعدتني ظروفي على الاختلاط بمعظم مبدعي مصر ومثقفيها منذ آواخر الستينيات.
ومراحل ازدهار المسرح المصري بمبدعيه من مخرجين أمثال (عبد الرحيم الزرقاني وفتوح نشاطي وكمال ياسين إلى جلال الشرقاوي وسمير العصفوري وحسين كمال ثم عصام السيد).
ومعظم أبطال تلك المرحلة تذكرت أعمالاً عظيمة منها (المخططين) ليوسف إدريس و(الزوبعة) لمحمود دياب، و(انت الي قتلت الوحش، وبلدي يا بلدي).
أعمال تناقش الشأن المصري بوعي، أجد أننا الان ومع ما يحدث حولنا والدولة تحاول فهل قدم الإبداع والفن والإعلام، ما يساعد المواطن وبكل طوائفه وتباينات معارفه على ما يحض ويشجع للفهم وتقوية اللحمة الوطنية.
فقد حضرت وشاهدت فنوناً كانت داعمة لكل مرحلة من مراحل الأزمات والحروب فقد كانت الفنون دائماً وحتى في السينما العالمية على تماس بظروف المجتمع داعمة لتنمية وعيه.
تذكرت ذلك حين شاهدت بالصدفة فيلم تم إنتاجه سنة 1985 مرحلة ما أطلق عليها الانفتاح، انه فيلم (مقص عم قنديل) للكبير (فريد شوقي والنجم صلاح السعدني وآثار الحكيم وشوقي شامخ) من إخراج (عدلي يوسف) شقيق للفنان الكبير حسن يوسف ومن تأليف حمدي عباس.
وقد يسأل البعض لماذا هذا الفيلم ولم أكتب عن (في بيتنا رجل، أغنيه على الممر، الرصاصة لاتزال في جيبي، أو الممر)، وكثير من فنون أو أفلام تعرضت وبذكاء لتكريس قيم لمراحل قد تكون لنضال أو أزمات أو مشاكل اجتماعيه تؤثر في المواطن، وقد تكون سبباً لتغيير كما حدث في فيلم (جعلوني مجرماً، وكلمة شرف، أريد حلاً).
قنديل (فريد شوقي) ابن الحارة
لقد اخترت فيلماً لم ينل حظه من الشهرة ولا الجوائز ولا يعرف كثيرون حتى اسم مخرجه، لكنه قدم عرض وجهة نظر لمرحلة مرت بها مصر ولها منصفين ومعترضين رافضين، ولكن أشارككم وجهة نظري في كيفية تعرض الفن الواعي لتقديم قيمة مضافة للمشاهد قد تفيد العقل الجمعي وتنير للبعض بصيرته.
(مقص عم قنديل) الرجل الأصيل قنديل (فريد شوقي) ابن الحارة والمنتمي لها كحلاق دون ترخيص والقائم بخدمة اهلها وتقديم خدماته الطبية من ختان وعلاج بالطرق البدائية بكاسات الهواء والكي بالنار واللبخة للروماتيزم ولديه الابن صلاح العاطل (صلاح السعدني) والابنه (هدي) (آثار الحكيم).
ويعمل ويجتهد لرضاهم وتعليمهم وخدمة الحارة، وينجح (قنديل) عن طريق احد أصدقاءة أن يساعد (صلاح) للعمل حاملاً للحقائب في احد الأوتيلات الخمس نجوم ويلتحق الابن بالفندق ونعرف أنه على علاقة جسدية بجارته عديلة (فريدةسيف النصر) يلتقي بها ليلاًخلسة والحارةنيام يلتقي صلاح بزميله في الفندق.
ويعمل معه في تجارة العملة، فتلك هي مرحله الطموح فتزداد تجارة العمله مع رواد الفندق ويزداد جشع صلاح الجاهل والطامع ويقنع (عديلة) بالهروب معه ويلحقها بالعمل في إحدى الكباريهات ويتحول لسكير بلا أي حراسة عقلية ويعود لمنزلة ليلاً سكران فيطرده عم قنديل.
ويحدث الحدث الكبيرالأكبر حين يموت (عم جابر) أحد مرضى عم (قنديل) بعد الكى بالنار ويحكم علي (قنديل) بالسجن خمس سنوات سجن للمزاولة دون ترخيص، وهنا يعود (صلاح) للمنزل فقد زادت أمواله وساعدته تجارة العملة وتوسع عمله واستولى علي محل الحلاقة وغير نشاطه إلى بوتيك.
وحين أرادت (هدى) أن ترفع قضية على أخيها فقد تصرف في الصالون دون توكيل يرفض الأب الوقوف أمام ابنه في المحكمة، ويخرج من السجن بعد نصف المده ليجد ابنه الفاسد الذي كان رافضاً لزيارته طوال فترة سجنه ويجد أن الحارة كلها ضد صلاح الذي يتم القبض علية ولم تفلح توسلات الأب لانقاذه.
الكاتب الواعي (حمدي عباس)
فكرة تتسع لتشمل الوطن وهذا ما يحاول أن يقدمه الكاتب الواعي (حمدي عباس) عن (قنديل) لا أعرف أين هو الآن؟!
ينتصر الجشع والهطل احياناً لكن تنتصر قيم الحق والعقل والفضيلة دائماً مع اسم الفيلم (مقص عم قنديل).
الفيلم يقدم قيمة مضافة وهى أن المجتمع بمن داخله من أفراد، فالأب الطيب والقنديل المشع طيبة يفتقد للحراسة العقلية التي تجعله يمارس مهنة الطب دون ترخيص ويموت احد مرضاه، ويدفع هو الثمن بدخوله السجن.
ثم يقدم الابن ليستعرض لنا حالة الجشع المادي والطموح الذي لاينتمي إلى حراسة عقلية أيضاً، ولكن فقط رغبة في الثراء بلا قدرات، فنعرف أن خلل الأفراد يتسع ويتسبب في خلل مجتمعي، فالمجتمع أفراده ضلع في مثلث لايستقيم المثلث إلا بوجود أضلاعه الثلاث.
هنا يؤكد الكاتب أن الخلل أصاب أسرة (قنديل) في رجالها الأب الجاهل والابن المنقوص الجشع، وهنا النتيجة والحارة تغوص في فقر وجهل ويتوسع ذلك إلى المجتمع الأوسع وهو الوطن فيشعر البعض انها مرحلة ظهور انفتاح السداح مداح، هنا قامت الفنون بدورها وعرضت الخلل الشخصي ليكون أمام المشاهد بسلبياته.
الفيلم يستحق المشاهده فقد قدم موضوعاً من واقع المجتمع وكان المخرج موفقاً في اختيار الأبطال وكانت مفردات العمل من تصوير وحركة كاميرا والديكور في خدمة الدراما بجوار أداء الكبير فريد شوقي والنجم صلاح السعدني والمبدعه أثار الحكيم. ودعمت الأحداث وغلفتها بموسيقي مناسبة لموطن الاحداث للمبدع (محمد على سليمان)، ومعه ولأول مره الصوت الرائع (أنغام) وظهورها لأول في السينما.
أتمنى أن اشاهد اعمالاً تقدم قيمة للمشاهد بجوار الكوميديا والمطاردات وتكسير العربات وتكريس العنف، فنحن نعيش في زمن العنف الدولي على سطح المشهد وتحاصرنا الحروب من كل الجهات.. حفظ الله مصر تنطلق وتستحق.