بقلم الكاتب والناقد: ناصر العزبي
يبدو وأن النبش فيما يتعلق بـ (الثقافة) وما تعانيه من أزمات ومشكلات أمر ليس بالهين، فعندما بدأت النبش في مقالي السابق وجدته يتشعب ليأخذني إلى كثير من التفريعات، الأمر الذي دفعني في نهاية المقال للإشارة لاستكماله في مقال تال، إلا أن نفس الأمر يتكرر في هذا المقال.
لذا فقد رأيت وأن أشير في البداية أن هذا النبش قد يأخذنا لمقالات تالية لا مقال واحد، وحتى لا أكون متحاملاً في رصد السلبيات وطرق مشكلات وأزمات مزمنة ليس لقيادة (الثقافة) الحالية يد فيها.
ومع وعينا بأن الوزير الجديد لا يمتلك عصا سحرية لحل الأزمات المزمنة أو الناشئة جراء معطيات مستجدة، ولأنني بالفعل متفاءل بقيادة معالي الدكتور أحمد هنو وزير (الثقافة)، سعيت في هذا المقال لطرح بعض التصورات أو الرؤى لبعض المشكلات، وأعرضها فيما يلي:
أولا: هناك قرارات لن تكلف الدولة جنيهاً، بعض منها يهدف إلى التخفيف من الأعباء عن الفنانين، وبعضها الآخر يعمل على تحقيق العدالة أو إتاحة الفرص لمبدعين قد يتغير بظهورهم ملامح المشهد العام.
الأمر فقط لن يتجاوز مجرد توجيهات فورية أو إصدار قرارات بالأمر المباشر، أو على أقصى تقدير تشكيل لجنة للدراسة والتنفيذ:
1- في ظل التقدم التكنولوجي وخاصة ما تحقق على مستوى الثورة المعلوماتية والاتصالات والتواصل الاجتماعي، من المهم أن يتم اعادة النظر في لوائح وبنود الرقابة.
وما يتفق مع التغيرات الاجتماعية والثقافية للمرحلة الجديدة، حيث من الطبيعي تعديلها مع توجيه الرقيب لاختلاف أسلوب الرقابة في الماضي عن الحاضر، مع مراعة أن يكون على درجة كبيرة من الوعي واتساع الأفق.
ولنا في منع فيلم افتتاح مهرجان الجونة مثال، وأمام ما حدث، أدعو قياس الأمر بعد وقبل المنع – بافتراض ما يستوجب المنع – فعرض الفيلم في افتتاح المهرجان يعد بمثابة عرض خاص للفيلم أمام مجموعة من الفانين المعنين بفن السينما والشخصيات العامة؟
اللوائح والقوانين الرقابية
وسنجد أن أثر قرار المنع جاء أكبر بكثير مما لو كان تم عرضه، الأمر الثاني: أن قرار المنع عمل على تفعيل مؤشرات البحث على جوجل بما يتعارض مع الهدف الأساسي من المنع.
لذا فإن الأمر يتطلب بالفعل إعادة النظر في اللوائح والقوانين الرقابية وفقا لمعطيات المرحلة وفضاء التواصل الاجتماعي المتاح أمام الجميع، بما يستوجب تفهم الرقيب لدوره بشكل مختلف عن ذي قبل.
2- اعادة النظر في إجراء التنازل عن المصنف الفني الذي يقوم به المبدعين في الرقابة لعدم وجود ضرورة له، حيث أن هذا التنازل لم يكن إلا فتوى من افتاءات أحد المسئولين السابقين.
والذي سارع لتنفيذها دون تفكير ولا أظنه ناقش آخرين أو رجع لأحد فيها، ليجر المبدعين إلى إجراء لا ضرورة له، خاصة وأن بنود أوراق التعاقد ذاتها تتضمن مضمون هذا التنازل.
إضافة إلى وجود ورقة مستقلة لإقرار تنازل يقر به المتعاقد، وللجهة المتعاقد معها أن تضيف إليه ما تريد، بدلا من شحططتة المبدعين، خاصة وإن كان منهم من غير المقيمين بالعاصمة.
* إلغاء التعامل بالفاتورة الإلكترونية مع المبدعين، خاصة مع التعاقدات مع المؤسسات الرسمية والتي يتم خصم الضريبة فيها من المنبع، الأمر فقط يستلزم توضيح من أحد مستشاري وزير (الثقافة) للمسؤول بوزارة المالية، خاصة وأن خصم ضريبة يتم من المنبع.
* إيقاف التعاملات الورقية بالمسابقات الأدبية التي يتم الإعلان عنها، والاكتفاء بمشاركة المتسابق بإرسال أعماله عبر البريد الإلكتروني بما يتيح فرص المشاركة لجميع الفنانين والكتاب في مصر في المسابقات فلا تكون قاصرة على المقيمين بالعاصمة أو القريبين منها فقط.
ولنا في من يعيش بالمناطق الحدودية مثالاً – أو البعيدة عن العاصمة الكبرى بشكل عام – بما يتكلف من مصاريف سفر ذهباً وعودة خاصة في ظل الغلاء، إضافة إلى مشقة السفر، وأيضا تكلفة تصوير النسخ الورقية.
الأمر الذي قد يتجاوز الألف جنيه أو يصل إلى ألفين من الجنيهات حسب بعد المسافة، بما يقلل من فرص مشاركتهم ويمنع حصولهم على ما قد يستحقه بعضهم لصالح منح الفرص للأقل جودة وإبداعا.
تفعيل طبع الكتاب الإلكتروني
* نفس الأمر يتعلق بجهات أو مؤسسات الطباعة (هيئة الكتاب أو المجلس الأعلى وهيئة قصور (الثقافة) أو غيرها من المؤسسات التي تشترط تقديم نسخ ورقية من النصوص أو الأبحاث المقدمة للنشر.
وإلزام المتسابق تسليمها بنفسه، أليس في ذلك تعسفاً في ظل غلاء المعيشة أولاً، وتجاهلاً للتطور التكنلوجي في الاتصالات، الذي تتعامل به المسابقات الكبرى في الدول معتمدة على الإرسال عبر البريد الإلكتروني.
* تفعيل طبع الكتاب الإلكتروني ومنحه ترخيص ترقيم الإيداع والترقيم الدولي مع عدد محدود من النسخ الورقية يتم وضعها بالمكتبات الكبرى، واتمام التعاقدات عليها مع الكتاب.
مع تدشين حفلات توقيع من المؤسسات الناشرة، ومن اتحاد الكتاب بتكليف من المؤسسة النشرة لنقاد تناقش الكتاب بما يحقق الترويج له.
* عمل حصر للمخرجين والمؤلفين التي تعاملت معهم مؤسسات مسرح الدولة خلال السنوات الخمس الأخيرة، للوقوف على الأسماء المتكررة، بهدف تنظيم وضبط عملية الترشيحات للمشاريع الفنية.
واستصدار قرار يهدف إلى إتاحة الفرصة لضخ دماء جديدة في التأليف والإخراج بما قد يؤثر في تغيير المشهد العام للمسرح الذي بات مألوفاً، مع العمل على وضع فلسفة تتيح ظهور مبدعين جدد بشكل دائم، مع الزم فرق لدول بالإنتاج وفق طبيعة وهوية كل منها.
* إصدار قرارات واضحة وصريحة تهدف للإصلاح، ونبش ملفات الفساد داخل الكيانات المسرحية بمنع تكليفات ترشيحات للفنانين ممن يعملون بذات الإدارات المسرحية، أو تنظيمها بما يمنح فرص لفنانين أخرين أحق منهم.
* البحث عن وجوه جديدة بين القيادات بما قد يأتي بفكر جديد، حيث أن تعينات وزير (الثقافة) حتى الآن لم تخرج عن الأسماء المطروقة، إذ يتم تبديلها بين المناصب.
* إعادة النظر في تراخيص المهرجانات وخاصة الدولية منها، وتشكيل لجنة لبحث خريطة المهرجانات وضرورة وجود أهداف وسمات تميز كل منها عن الأخرى، وبحث ملفات الفساد التي قد تطولها من التربيطات التبادلية الخاصة لبعض القائمين عليها.
ثانياً: قرارات قد يكون لها تكلفة مادية بسيطة مجرد زيادة نسبية على ميزانيات موجودة من الأساس ضمن خطة الموازنة العامة للوزارة، وكل ما هو مطلوب زيادة المخصصات بما يتفق وزيادة الأسعار.
وإن كنا نطمع في أن تكون زيادة مناسبة لصالح جودة المنتج لا مجرد تعويض مادي لفروق الزيادة في الأسعار فقط، إضافة إلى مراعاة زيادة مكافآت وتعاقدات الفنانين.
عمل بروتوكولات استثمارية
* النظر بعين الاعتبار إلى فنون الطفل، بتنظيم المهرجانات الرسمية لها، في المسرح؛ مهرجانًا قومياً وأخر دولياً، وفي السينما مهرجان لسينما الأطفال، وللرسوم المتحركة.
ثالثاً: بعض الأفكار الاستثمارية:
في دولة مثل السعودية بدأت في الاستثمار الرياضي والاستثمار الثقافي والمسرحي والفني وقريبا الانتاج التليفزيوني والسينمائي، والمدهش أن يتم الاعتماد في ذلك على فنانين مصريين.
فلماذا لا يتم عمل بروتوكولات استثمارية على سبيل المثال مع الهيئة العربية للمسرح بالشارقة، وهيئة الترفيه بالسعودية، من خلال بنود صريحة تحافظ على مكانتنا وقيمنا وفكرنا وثقافتنا.
فيكون (موسم الرياض) بالتوازي مع موسم العالمين، ومن خلال المساهمة في بناء المسارح والإنتاج مقابل نسب متفق عليها وفق شروط نضعها، على أن يتم استضافة العروض المنتجة بتلك الفرق في دولهم.
* لماذا لم تفكر أكاديمية الفنون بالقاهرة في عمل بروتكولات مع أي من الدولة العربية لافتتاح أفرع للأكاديمية بتلك الدول، وعلى المستوى المحلي لماذا لم يتم فتح أفرع لها في المحافظات، أو عمل فصول لها بقصور (الثقافة).
* لماذا لم يتم تفعيل بروتوكول مع التليفزيون كالقناة الثقافية أو اإشاء قناة خاصة أو مع الشركة المتحدة لتصوير عروض مسرح الدولة، بما يزيد من عائدات العروض المنتجة، وكذلك التزامها بعمل الدعاية لتلك المسرحيات أثناء تقديمها على المسرح قبل تقديمها بالتلفزيون.
ولأن الأفكار كثيرة، فليكن لنا مقالات أخرى في موضوعات (الثقافة) بين (الشأن الاستثماري للثقافة)، و(تهميش دور الثقافة وتسطيح فعالياتها)، و(العداء بين الدولة والمسرح)، و (ومفهوم ثقافة الهدم).
ولنختتم مقالنا هذا بترديدنا: (أننا لا زلنا نستبشر خيراً في حدوث طفرة في ظل قيادة د. أحمد هنو لوزارة الثقافة).