رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

حسن يوسف.. رحيل فاكهة السينما المصرية، صاحب الحضور القوي في أدواره الكوميدية والتراجيدية

بقلم الكاتب الصحفي : محمد حبوشة

رحل صباح اليوم الفنان الكبير والقدير (حسن يوسف).. وهو فنان من طراز خاص، امتلك صكوك النجاح والبقاء فترة طويلة على عرش النجومية، لذا فقد ارتدى في مشواره الفني الصعب عشرات الشخصيات بإبداع وإتقان واحتراف، ودخل قلوب المشاهدين بخفة دمه وشقاوته في فترة زمنية قياسية لصبح فنانا خارج المنافسة.

كان الراحل – رحمه الله – موهوبا، وموهبته لا يختلف عليها اثنان، اسمه على أي عمل فني بطاقة ضمان لجودته ونجاحه جماهيريا، فالعيون تتسابق على رؤيته، والمشاعر تهتز مع انفعالاته، والنجاح يصاحب خطواته، والتميز يرافق اختياراته، فهو حالة فنية قائمة بذاتها، وهو ممثل يعمل بالفطرة والتلقائية، يكسر الخط الإيهامي بين الواقع والتمثيل، فمعه لا تشعر إن كان فعلا يمثل مشهدا في عمل فني أو يحكى لك موقفا حدث له في حياته.

إنه الولد الشقي (حسن يوسف) الذي كان قد بلغ في 14 أبريل التسعين من عمره (14 أبريل 1934)، وكان من أبرز صفاته أنه لا يعرف الحقد أو الغيرة أو الحسد، نقي مثل قطرات ندي الصباح البهى، خجول رغم ابتسامته، خفيف الظل، يتمتع بموهبة القبول الإلهي، وهو في نفس الوقت حالة إنسانية فريدة مليئة بالأحاسيس والمشاعر الجميلة لكل من حوله،

لا يختلف على نجومية (حسن يوسف) كثير ممن تعاملوا معه سواء في الوسط الفني أو بعيدا عنه، ومع ذلك فكل نجاح يحققه يشعر بالرهبة لأنه يؤمن بأن الحفاظ على القمة أصعب من تسلقها، ولأنه فنان من جيل أثرى السينما المصرية، كان في شبابه “الدنجوان” الذي تعشقه البنات، والذي تمنى كل شاب أن يكون مثله في خفة دمه وأناقته.

لقب (حسن يوسف) بـ (الولد الشقي) في فترة الستينات والسبعينات والثمانينات، نظرا لتأكيد النقاد أنه أفضل من جسد هذا الدور في السينما مع الفنان الراحل (أحمد رمزي) ولقب أيضا بـ (جاك ليمون العرب) لاعتماده على كوميديا الموقف في العديد من أدواره في المسرح والسينما.

شاب في مقتبل العمر

ولد في السيدة زينب

ولد (حسن يوسف) في حي السيدة زينب بالقاهرة، وتلقى تعليمه الابتدائي ثم التحق بمدرسة (محمد علي الإعدادية)، ثم بالمدرسة الخديوية الثانوية بنفس الحي، وبعد أن أنهى دراسة الثانوية العامة التحق بالمعهد العالي للتربية الرياضية لإرضاء والده الذي كان يرى أن الفن ليس له أمان ولا مستقبل ولا دخل ثابت.

ولذا كان ينصحه دائما بالتخرج في الجامعة والعمل في وظيفة حكومية لها راتب ثابت، وفي الوقت نفسه التحق سرا بالمعهد العالي للفنون المسرحية لإرضاء نفسه وإشباع هوايته والسعي لتحقيق طموحه، وكانت مواعيد المحاضرات مختلفة في المعهدين، فكان يذهب صباحا إلى معهد التربية الرياضية، وعند الساعة الرابعة والنصف مساء يقوم بـ (الزوغان) من المعهد كي يلتحق بأول محاضرة في معهد الفنون المسرحية.

وكان يدرس لـ (حسن يوسف) في المعهد الأستاذ (أحمد بدوي) فن الأداء، وأساتذة التمثيل وإخراج المشاهد الفنانون الراحلون (حمدي غيث ونبيل الألفي وعبد الرحيم الزرقاني)، وكان من الأساتذة الزائرين (جورج أبيض وفتوح نشاطي)، كما كان من زملائه في المعهد الفنان (حسن مصطفى)، والفنان (صلاح قابيل) والمخرج التلفزيوني (فايق إسماعيل).

ولم تكن الدفعة في تلك الفترة تزيد على اثني عشر طالبا وطالبة، وفي أحد الأيام شاهده أحد الأساتذة وهو (يزوغ) من معهد التربية الرياضية فأحاله للتحقيق وصدر قرار بفصله، لكنه أعفاه من دفع الغرامة لأن ( حسن يوسف) كان قد أعد الحفل السنوي الترفيهي للمعهد، وقدم إحدى مسرحيات نجيب الريحاني المشهورة، وقام ببطولتها وإخراجها.

ثم اتجه (حسن يوسف) فيما بعد إلى كلية التجارة بعد مقابلة مع الفنان الراحل فؤاد المهندس المشرف على فريق التمثيل في الكلية، ومنذ السنة الثانية بدأ أساتذة (حسن يوسف) في المعهد العالي للفنون المسرحية يرشحونه ليمثل معهم بعض الأدوار في فرقة المسرح القومي، حيث لم يكن في المسرح القومي في تلك الفترة ممثلون شباب، فقدمه عبد الرحيم الزرقاني في مسرحية (بداية ونهاية) في دور صبي قهوجي.

وقدمه (حمدي غيث) في مسرحية (توت عنخ آمون) في دور توت وهو شاب صغير، كما قدمه نبيل الألفي في مسرحيتين هما (دموع إبليس) التي جسد فيها دور إبليس الصغير، و(ثورة الموتى) الذي قدم فيها دور شاب صغير يتحدث عن مأساة الحرب، وكيف خطفت آماله وطموحه.

شقاوة أفلام زمان

اكتشفه عبد البديع العربي

كان (حسن يوسف) يهوى التمثيل منذ وجوده في فريق المدرسة المسرحي، وبحكم أنه ولد في أحلى مكان حيويه يحبه المصريين، ويجمع في شوارعه مجموعه من الفنانين، فقد اكتشفه الفنان القدير (عبد البديع العربي)، الذي كان يسكن بجواره في حي السيدة زينب،.

وعند رؤيته وهو يمثل في (حوش البيت) مع أصدقائه أعجب بأدائه البسيط والتلقائي، ضمه لفريق التمثيل بمدرسة الخديوي إسماعيل، وكان يعشق كرة القدم ويلعب جناح يمين لفريق المدرسة، وكان حلمه أن يصبح لاعب كرة، ولكن القدر يغير مسيرة أي إنسان.

وبدأ (حسن يوسف) حياته بالفعل لاعبا لكرة القدم في نادي الزمالك ووصل لفريق تحت 21 سنة، حيث ربطت أسرته بحكم الجيرة بعلاقات قوية مع الكابتن (حنفي بسطان) أحد أبرز نجوم الكرة المصرية في الأربعينات والخمسينات، ومنه تعلم (حسن يوسف) كرة القدم، حتى إنه تقدم لاختبارات الناشئين بنادي الزمالك واجتازها بنجاح، وكان من الممكن أن يصبح أحد نجوم جيل الستينات في فريق الكرة بالنادي لولا التحاقه بمعهد التمثيل ودخوله لعالم الفن.

عُين (حسن يوسف) فور تخرجه مشرفا مسرحيا في المسرح المدرسي لمنطقة بنها التعليمية، لكنه رفض استلام العمل، وحين شارك بأحد أدوار البطولة في مسرحية (زواج الحلاق)، بالاشتراك مع حسين رياض، فردوس حسن، عمر الحريري، سناء جميل، فتحت له أبواب التمثيل، حيث بعدها تبنى الفنان الكبير (حسين رياض) موهبته، وقدمه للمسرح القومي.

ثم شاء القدر أن النجم الراحل (حسين رياض) في هذه الفترة كان يصور فيلمه (أنا حرة) مع لبنى عبد العزيز وشكري سرحان وزوزو نبيل وكمال ياسين، وإخراج صلاح أبو سيف، وإنتاج رمسيس نجيب، وكانوا يعانون من المشكلة نفسها، وهى العثور على ممثل في مقتبل العمر.

وكانوا قد صوروا معظم مشاهد الفيلم، وبقيت مشاهد (محيي) الشاب المراهق الصغير، شقيق لبنى عبد العزيز، الذي يعانى من ديكتاتورية وتسلط والده وحرمانه من موهبته في عزف الموسيقى.، وبالفعل تم إسناده لـ (حسن يوسف).

ثم جاءت مرحلة التعيين في المسرح القومي، وكان في العادة يعين اثنان فقط من خريجي معهد التمثيل، ولأن (حسن يوسف) قد تخرج كأول الدفعة فكان المفروض أن يكون حقه مضمونا في التعيين، إلا أنه وجد العكس، وتصادف وقتها أن سأله الفنان (حسين رياض) في أثناء وقوفه على باب المسرح: (هل قدمت طلبا للتعيين أم لا؟)، فأجابه: (لا)، فطلب منه أن يكتب طلبا، فكتبه، وأخذ الطلب ودخل المسرح.

وفجأة رأى (حسين رياض) خارجا من المسرح مسرعا وخلفه مدير المسرح القومي في تلك الفترة (أحمد حمروش)، وهو يقول له: (يا أستاذ حسين ما يصحش كده)، فرد رياض: (وكمان ما يصحش اللي بيحصل، وبأقولك إيه، أنا كمان هاقدم استقالتي، فأنا لا يمكن أن أكون عضوا في مجلس بهذا الشك).

في بداية أفلام الألوان

تعينه بالمسرح القومي

وكانت الحكاية أنهم يريدون تعيين ابن شقيق (نبيل الألفي) وابن شقيق (حمدي غيث) بدلا من (حسن يوسف)، مما جعل حسين رياض يثور ويقول له إنه لم يرهما من قبل، وفجأة جاء الساعي يستدعيه للقاء (أحمد حمروش)، وعندما دخل الغرفة وجدت مجلس المسرح منعقدا وفيه (فتوح نشاطي وحسين رياض وحمدي غيث ونبيل الألفي).

فقال لي أحمد حمروش: (كويس كده، الأستاذ حسين عاوز يستقيل لأننا هنعين شخص آخر مكانك؟)، فقال له: (يجب ألا يستقيل الأستاذ حسين، وفي الوقت نفسه من حقي أن يتم تعييني)، فنحن سوف نسافر غدا إلى الشام، ثم نعود لنسافر إلى المغرب، ولي ثلاث مسرحيات من الخمس التي سوف تعرضها الفرقة)، فقال له حمروش: (خلاص خدنا قرار تعيينك، ألف مبروك يا حسن)، وتم تعيينه هو ومحمود الألفي.

في السينما صعد نجم (حسن يوسف) سريعا وفي السنوات الثلاث الأولى أصبح نجما معروفا، وقدم في فترة الستينيات فقط أكثر من أربعين فيلما، لعب في أغلبها دور البطولة، وعمل مع أغلب نجوم السينما في تلك الفترة، مثل رشدي أباظة، عماد حمدي، عبد الحليم حافظ، شادية، شكري سرحان، لبنى عبد العزيز، أحمد مظهر، فريد شوقي).

وبعد نجاح فيلمه الأول (أنا حرة) قدم عددا آخر من الأفلام التي حققت له الشهرة، وشهدت فترة الستينات والسبعينات من القرن الماضي تقديمه عشرات الأفلام الناجحة التي أصبحت علامات لا تنسي في تاريخ السينما المصرية، لعل أبرزها، فيلم (سوق السلاح) عام 1960، قصة جليل البنداري، وسيناريو وحوار عبد الحي أديب، وإخراج كمال عطية، وبطولة (فريد شوقي ومحمود المليجي وهدى سلطان).

و الذي جسد فيه (حسن يوسف) دور (صلاح) الذي يقتل على يد عصابة مخدرات فتقرر شقيقته (بهية) الانتقام له، وتستغل حب سيد أحد أعضاء العصابة لتحقيق انتقامها، ولكن رئيس العصابة (شكورة) يقف لهما بالمرصاد.

وبتقديمه فيلم (في بيتنا رجل) عام 1961م، عن قصة إحسان عبد القدوس وإخراج (هنري بركات)، الذي جسد فيه دور الطالب الجامعي (محيي زاهر) الذي ينتمي إلى أسرة متوسطة بعيدة عن الاشتغال بالسياسة، وقف (حسن يوسف) ندا بين الكبار، بطلي الفيلم عمر الشريف الذي قام بدور (إبراهيم حمدي) الشاب الثائر، ورشدي أباظة الذي جسد شخصية (عبد الحميد).

وأيضا فيلم (مافيش تفاهم) الذي قدمه في العام نفسه أمام السندريلا الراحلة (سعاد حسني ونبيلة عبيد وزينات صدقي)، وفي فيلم (كلهم أولادي)، الذي قدمه عام 1962م، سيناريو وحوار كمال إسماعيل، وإخراج أحمد ضياء الدين.

وقف (حسن يوسف) منافسا في الأداء لكل من (شكري سرحان وصلاح ذو الفقار)، حيث جسد فيه دور الابن الفاسد (مدحت)، الذي يأمل أن يكون مهندسا، لكنه لم ينجح في الدراسة، على عكس شقيقه الكبير (أمين) الذي يستعد لفتح مكتب، وشقيقه (سالم) ضابط الشرطة.

مشهد من فيلم (خان الخليلى)

الخطايا.. بداية النجوميبة

ويعتبر فيلم (الخطايا)، الذي قدمه (حسن يوسف) في العام نفسه مع نخبة من ألمع نجوم مصر؛ في مقدمتهم (عبد الحليم حافظ، ونادية لطفي، وعماد حمدي، ومديحة يسري، وفاخر فاخر)، وإخراج حسن الإمام، نقطة إنطلاق قويه نحو النجاح السينمائي، حيث استطاع (حسن يوسف) فيه أن يثبت وجوده ويلفت الأنظار إليه في دور (أحمد) شقيق العندليب عبد الحليم حافظ، بخفة ظله وحضوره القوي.

وأن يؤثر في الناس، حيث جاء أداؤه سلسا بسيطا تلقائيا خفيفا على القلوب من فرط جمال تعليقاته ودعاباته ومداعباته لشخوص الفيلم، وهو الدور الذي يعتز به (حسن يوسف) نفسه إلى أقصى الحدود، مؤكدا أنه علامة بارزة في حياته الفنية وسبب تعرف الجمهور عليه بشكل أفضل.

بعد ذلك حدثت نقلة نوعية في مسيرة (حسن يوسف)؛ حيث أثبت أنه نجم غير عادي، وفنان قادر على التجديد، وذلك من خلال دوره المغاير والمختلف في فيلم (شفيقة القبطية)، الذي قدمه في العام نفسه، أمام (هند رستم، وحسين رياض، وأمينة رزق، وزوزو ماضي، وزيزي البدراوي، وفؤاد المهندس)، وقصة وسيناريو وحوار جليل البنداري ومحمد مصطفي سامي، وإخراج حسن الإمام.

وقدم فيلم (زقاق المدق) الذي قدمه عام 1963م، أمام (شادية، وصلاح قابيل، ويوسف شعبان، وسامية جمال)، وهو سيناريو وحوار سعد الدين وهبة، وإخراج حسن الإمام، ثم يلعب في العام نفسه دور (عصام) الشاب المستهتر الذي يقع في حب ليلى ابنة خالته.

لكنها سرعان ما تكتشف خيانته لها وأنه لا يختلف عن أبيها كثيرا فتتركه وتفقد ثقتها في الرجال، وذلك من خلال فيلم (الباب المفتوح)، الذي قدمه أمام سيدة الشاشة العربية الفنانة الراحلة (فاتن حمامة، وصالح سليم، ومحمود مرسي، وشويكار)، وسيناريو وحوار يوسف عيسي، وإخراج هنري بركات.

كما قدم (حسن يوسف) عدة أفلام خلال الثلاث سنوات التالية مع (لبلبة) التي أصبحت زوجته آنذاك،  إلى أن وصل لعام 1966م، حيث لعب دور البطولة  لمجموعة متميزة من الأفلام لعل أبرزها، (تفاحة آدم، الحياة حلوة، إجازة صيف، خان الخليلي) وكذلك فيلم (شاطئ المرح) مع النجمة المطربة نجاة الصغيرة.

إضافة إلى أفلام (شقة الطلبة)، و(اللقاء الثاني) في عام 1967م، و(الزواج على الطريقة الحديثة، 7 أيام في الجنة، السيرك، شهر عسل بدون إزعاج، نساء بلا غد) في عام 1968م، ومنذ ذلك العام، وعلى مدى 3 سنوات تقريبا، بدأ المخرجون في إعطاء (حسن يوسف) أدوارا مكررة.

فإذا بهم يطلبونه للدور نفسه في كل مرة، لدرجة أغاظته، لأنهم يتناولونه فنيا من الزاوية نفسها دون أي تحرك لاكتشاف أي زوايا أو طاقات فنية أخرى فيه، فقرر في عام 1970م أن يخرج لنفسه فيلما ذا لون جديد كليا بالنسبة له، وكان حسن قد ربط بينه وبين الإخراج علاقة قوية نشأت منذ اليوم الأول لدراسته في المعهد العالي للفنون المسرحية.

فقد وقع في حب الإخراج، كما يقولون، من أول نظرة، والعلاقة كما يقول (حسن يوسف) بين الممثل والمخرج كالعلاقة بين العازف والمايسترو، دائما ما يتمني كل عازف أن يكون مايسترو، وذلك لا يتحقق إلا بالدراسة النظرية والعملية.

وبعد تجربة الإخراج عاد من جديد إلى شاشة السينما عبر عدة أفلام منها (رحلة لذيذة (1971)، آدم والنساء  (1971)، العالم سنة 2000 (1972)، شباب في محنة  (1972)، رحلة حب (1972)، شياطين البحر (1972)، نساء الليل  (1973)، الشياطين والكورة  (1973)، المخادعون  (1973)، صوت الحب  (1973)، الشياطين في إجازة  (1973)، عجايب يا زمن  (1974)، وكان الحب  (1974)، نساء ضائعات  (1975)..

مراهقة من الأرياف (1976)، ابنتى والذئب  (1977)، كفانى يا قلب  (1977) ، ليلة لا تنسى  (1978) ، قصة الحى الغربي  (1979)، الطيور المهاجرة  (1979)، القطط السمان  (1981)، الاختلاط ممنوع  (1986)، عصفور له أنياب (1987).

(سبع أيام فى الجنة) مع نجاة وأمين الهنيدي

اعتزال الفن في 1990

لكن (حسن يوسف) اعتزل 1990، وبعدها اكتفى بالمشاركة في بعض مسلسلات الدراما التلفزيونية، وأغلبها أعمال دينية وبعد ذلك بدأت رحلته مع الدراما التليفزيونية من خلال مسلسل ديني اجتماعي اسمه (ضد الخير)، إخراج محمود رحمي، كما أنتج برنامج (موسوعة السلوكيات الإنسانية في الإسلام).

وهى موسوعة تربط الأخلاق بالإسلام وتؤكد أن الإسلام منبع الأخلاق الحميدة والجميلة التي يجب أن يتحلى بها المسلم في جميع جوانب حياته، سواء في العبادات أو السلوكيات أو المعاملات، وقام بإعداده عدد من علماء الإسلام في الأمة العربية، وعرض في معظم الدول العربية ولم يعرض في مصر أيضًا.

كما قدم مسلسلات (قطار المستغفرين، الأسرة عقيدة وخلق، غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم، الفتوحات الإسلامية، الحكم بعد المشاهدة)، وبعدهم مسلسل (إمام الدعاة – 2003)، ومسلسل (العارف بالله عبد الحليم محمود – 2008)، مسلسل (عودة الحب).

 إلى أن شارك (حسن يوسف) في بطولة مسلسل (زهرة وأزواجها الخامسة)، بطولة (غادة عبد الرازق)، وتعرض لهجوم شديد لهذا المسلسل، حيث يرى الكثيرون أن بعض الأعمال التي قدمها وقتها لا تتناسب مع لحيته التي أطلقها بعد اعتزاله، لكن بعض المشاهدين رأوا أنه أبدع في تجسيد الدور، لان كثير من زي لحية يتزوجون أكثر من واحدة بحجة الدين.

وهنا نستطيع أن ندرك جيدا كيف يوظف (حسن يوسف) كل مكونات العمل الفني لخدمة العمل ونجاحه، فهو يحمل دائما من خلالها مضمونا ورسالة سامية، وهو بحق فنان قدير يحمل رسالته الفنية ويقدمها على أكمل وجه وفي أحسن صورة فنية، لكونه ممثلا ومخرجا ومنتجا سينمائيا مصريا، قدم للفن عشرات الأفلام والمسرحيات والمسلسلات، وفي فترة زمنية قياسية أصبح فنانا خارج المنافسة.

والحقيقة أنه كلما تعمقنا أكثر في حياة (حسن يوسف) وجدنا أن طريقه لم يكن أبدا سهلا، فقد مهد هو طريقه بعرقه وجهده، وتحمل الكثير من أجل أن يصل إلى ما وصل له، حيث أصبح أحد النجوم الكبار في السينما المصرية، وتعددت في أفلامه نجمات السينما الشهيرات (فاتن حمامة وهند رستم وشادية وسعاد حسني ونادية لطفي وسميرة أحمد ونجاة الصغيرة).

وكأن نبوءة الفنان الراحل (حسين رياض) له بأنه سوف يكون أنور وجدي السينما الجديد قد تحققت، بعد أن أصبح فنانا متميزا، وضع بصمات واضحة في السينما المصرية بخفة ظله وما يتمتع به من حضور، ثم انتقل إلى الشاشة الصغيرة بعد مشواره السينمائي فوضع بصمات جديدة بعد سنوات النضج الفني.

فهو يعتبر واحدا من الكبار في منظومة الفن المصري، خاصة في أداء الأدوار الدينية والتاريخية التي يجيدها بإتقان وتفرد جعلته يحوز على رضا المشاهدين في معظم أعماله، وقد استطاع أن يدخل قلوب الناس ببساطته في الأداء، بحيث أصبح الناس لا يشعرون أنه يمثل.

مع السندريلا سعاد حسني
مع عمر الشريف(في بيتنا رجل)
العارف بالله عبد الحليم محمود
إمام الدعاة الشيخ الشعراوي
مغ غادة عبد الرازق في “زهرة وأزواجها الخمسة”

قبول لدي الجمهور

صحيح أن (حسن يوسف) اشتهر بشخصية (الولد الطائش، أوالشقي) في السينما، ونال قبولاً كبيرًا لدى جمهور الفن السابع، وتمتد أعماله على مدى سنوات تجاوزت الـ 70 عاما، وقد كان هو نفسه فنانا وإنسانا مثيرا لكثير من القضايا الجدلية الفنية والإنسانية والدينية، وحتى السياسية.

ولا شك في أن مذكراته الشخصية التي نشر بعضا منها في جريدتي (الشرق الأوسط واليوم السابع) أثارت الكثير من الجدل حولها لما تحتويه من حقائق ومواقف وأسراربفضل ما سمح به الفنان الكبير بتفقده من خزائن أسراره التي تركز على تاريخ طويل له فى عالم الفن والسينما والمسرح والتليفزيون، تمثيل وإنتاج وإخراج، ورحلة تألق طويلة تزيد على نصف قرن من العطاء الفنى المتنوع.

ولعل أبرز ما جاء في تلك المذكرات الكاشفة لشخصيته كفنان وإنسان أنه يقول: (بصراحة كثيرة هى الأشياء التي لا تعجبني، فمثلا أكره استهتار البعض من جيل الشباب وغرورهم، فأندهش حينما يكون شاب لا يزال في مقتبل خطواته الفنية ويتحدث مع الأسف بغرور، وأكره كذلك عدم احترام البعض منهم لمواعيده أثناء التصوير على عكس أيامنا قديما فكنا كنجوم كبار وقتها أول أشخاص نتواجد في الاستوديو..

فتلك هى النجومية الحقيقة وليست نجومية زائفة تزول بعد عمل واحد أو عملين على الأكثر، لذا فهو يؤمن بأن حب الناس هو كل رصيده، يعرف ما يريده لنفسه وما يؤجله أو يعتذر عنه في اختياراته، مع كل نجاح يحققه يشعر بالرهبة لأنه يؤمن بأن الحفاظ على القمة أصعب من تسلقها).

والحقيقة أن الزمن لم يقسو على (حسن يوسف) بقدر ما قسا عليه في العشر سنوات الأخيرة، فقد دفع ثمن هجومه على (الإخوان المسلمين) في وسائل الإعلام، حيث عاش في حالة من الرعب هو وأسرته بعد أن تلقى رسائل تهديد بالإيذاء والقتل على الهاتف.

وجاء نص الرسالة كالتالي: (حسن يوسف، احذر نفسك وبيتك وكفياك أذية في الناس، هذه المرة تحذير، عندك أولاد وبنت، عارفين خط سيرك أنت وهم، أسهل من الأذى مفيش، اقفل عليك بيتك وملكش دعوة بحد وبطل.. ودي آخر فرصة، عارفين كل حاجة بتعملها).

ما جعله يقوم باتخاذ الإجراءات القانونية تجاه هذه التهديدات، كما أطلقت أيضا جماعة الإخوان المسلمين فتوى بإهدار دمه، ويعقب (حسن يوسف) على ذلك قائلاً: (هذه الفتوى تدل على عدم فهمهم للدين، لأنه لا يحق لأي شخص أن يهدر دم شخص آخر، بل يتم إصدار الأمر من ولي الأمر، كما يجب أن يصدق عليه مفتي أمير المؤمنين، ولذا أقول للإخوان الذين أهدروا دمي: أنتم أهل دين، وقبل ما تتسرعوا ارجعوا للدين والعلماء لأن هذه الفتاوى ستضحك الناس عليكم).

كما تعرّض (حسن يوسف) أيضا لحملة هجوم شرسة شنها عليه عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي وبعض الشخصيات العامة وبعض شباب (25 يناير) عقب زيارته للرئيس الأسبق (محمد حسني مبارك) بمستشفى المعادي العسكري، وأطلقوا عليه لقب (فلول).

إلا أن (حسن يوسف) يؤكد أن زيارته للرئيس الأسبق (حسني مبارك) موقف إنساني لا دخل لأي شخص به، فهو زار رجلا مريضا حكم مصر ثلاثين عامًا ونعم في عصره بالكثير من الخيرات التي عمت على مصر، كما أنه لا يستطيع أي شخص أن ينكر أن (مبارك) بطل من أبطال حرب أكتوبر المجيدة، فهو لم يطالب بعودة (مبارك* للحكم مرة أخرى حتى يشن عليه كل هذا الهجوم.

ونحن بدورنا في بوابة (شهريار النجوم)، نثمن كافة مواقف (حسن يوسف) الفنية والإنسانية والسياسية التي تؤكد حبه وانتمائه لتراب هذا الوطن .. رحمه الله رحمة واسعة  لنجم نعتبره فاكهة الفن المصري بأدواره الكوميدية والتراجيدية فائقة الجودة، ونرجو من المولى عز وجل أن يغفر له بقدر ما أمتعنا بفنه الراقي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.