بقلم الكاتب الصحفي: محمد حبوشة
ودع الوسط الفني المصري فجر أمس الأربعاء الفنان الكبير والقدير هادئ الملامح الرجل الشيك (مصطفى فهمي)، الذي وافته المنية عن عمر يناهز82 عاما بعد تدهور حالته الصحية بشكل مفاجئ، بعد أن واجه تحديات صحية صعبة على مدار الأشهر الأخيرة، ما ترك محبيه ومتابعيه في حالة من الحزن والأسى.
تفاصل سبب وفاة (مصطفى فهمي) تشير إلى أنه: بعد أن ساءت حالته الصحية، حيث تم نقله إلى المستشفى بعد تدهور سريع في وضعه الصحي، ورغم محاولات الأطباء لإنقاذه، إلا أن المنية وافته في المستشفى، وقد أكدت مصادر أن الحالة الصحية للفنان تدهورت بشكل مفاجئ، مما أدى إلى وفاته.
كان (مصطفى فهمي) قد خضع لعملية جراحية دقيقة في المخ بأحد مستشفيات الشيخ زايد في أغسطس الماضي، وذلك بسبب جلطة في المخ تسببت في ظهور ورم استدعى التدخل الجراحي العاجل.
ورغم نجاح العملية، إلا أن حالته الصحية لم تعد كما كانت، إذ عانى من ثقل في اللسان وصعوبة في الحركة، قبل أن تتفاقم الأعراض مجددا ويخضع لها الجسد المنهك مما أدى إلى وفاته.
ونحن نودع الفنان الكبير (مصطفى فهمي) لابد لنا أن نتوقف بالتأمل والتحليل لموهبته الفطرية ومسيرته الكبيرة التي تمتع بها، فنقول: إذا كانت الموهبة تولد مع الإنسان الموهوب فمعنى ذلك أنها وراثية، فهل الموهوب لديه جين معين ليس لدى غير الموهوب، أم أن الجين موجود لدى الاثنين ولكنه نشيط لدى الأول وخامل لدى الثاني؟
هذا السؤال طرأ على ذهني وأنا أطالع أخبار رحيل الفنان الكبير (مصطفي فهمي)، إلى مثواه بعد أن أشعل السوشيال ميديا حزنا على رحيله الذي لاقى صدمة كبيرة عند الأوساط الفنية والصحفية والإعلامية.
موهبة كطيف هادر
ومن هنا: نسأل نحن سؤالا بديهيا: هل كان (مصطفى فهمي) موهوبا بالفطرة؟، الحقيقة أنه على مدار رحتله التي مرت كطيف هادر رغم أدائه الهاديء ببريقه الرومانسي الناعم في السينما والتلفزيون، هو ما يثبت أن موهبة التمثيل، أو القدرة على التمثيل، أو ملكة التمثيل فطرة أعطيت له بوافر من عطاء الله.
ولعله جدير بالملاحظة أن الناس جميعا ـ وأقول جميعا ـ يقدرون على التمثيل، والناس جميعا يقدرون على أداء شتى أنواع التمثيل كالمأساة والملهاة وغيرهما، وخير دليل على صدق هذا الواقع أن (مصطفى فهمي) بدأ حياته الفنية مصورا سينمائيا، ولعبت المصادفة دورا مهما في اتجاهه للتمثيل.
وهو مايشير إلى حقيقة أن الواقع يشهد أن الناس جميعا يمثلون، فمن من الناس لا يكذب، أليس الكذب تمثيلا، ومن الناس لا ينافق، أليس النفاق تمثيلا، هذا الذي يرى المسئول فينحني له ويمدح ويتملق حتى إذا انصرف المسئول أخذ يكيل له الشتائم، فماذا يكون فعله الأول غير التمثيل.
وبتأمل بسيط سنجد أن الأداء التمثيلي عند (مصطفى فهمي) – رحمه الله – كان يعتمد على التكوين الجسماني وفق بناء جسمه كممثل وقدرته على التكيف وما يمتلكه من مرو نة مطاوعة.
لذا يمكن لجسده كممثل أن يفوق في سحره شعر الكلمة المنطوقة، فجسد الممثل يمكن أن يصور أفكارا مواقف ذهنية ولمحات من الطبيعة بطريقة ملموسة، كما تجلى ذلك في أدائه لأدوار مختلفة على مستوى الشكل والمضمون على شاشتي السينما والتلفزيون.
بمعنى أن (مصطفى فهمي) كان يسطيع أن يلم بالأشياء والتفاصيل الطبيعية عن بعض سواء في الهيئة، الإحساس، التفكير، المشاعر الداخلية جميعها تمثل تطوراته، التي يقوم بترجمة ذلك داخله لتخرج طاقة تمثيلية تؤكد صدق موهبته في تجسيد الشخصيات.
كان (مصطفي فهمي) الممثل في معظم أساليب الأداء عموما يجرد نفسه من شخصيته أنه يقدم كل ما هو أكثر سموا وأكثر بؤسا، وذلك من خلال إيقاعات الحركة، الوضع، الايماءة الرمزية وذلك بحسب نظيرات (كريستوفر ايفز).
مصطفي فهمى كان ممثلا واعيا لحقيقة ما يقوم به في أثناء تجسيد الشخصيات التي يلعبا على الشاشة، فالممثل عند (برخت) لايدخل في حالة غيبوبة، وبدلا من أن (يتقمص) دوره عليه أن يوضحه، فهو ذلك الممثل (الذي يلتزم البعد الفاصل بينه وبين الشخصية، ويعبرعن موقف من المواقف تعبيرا تاما ولايعرب عن حقيقتها النفسية).
سحر الحضور المؤثر
ومن خلال متابعتي لمسيرة (مصطفى فهمي) أستطيع القول: إن الأداء التمثيلي عنده بمثابة مفهوم قابل للمناقشة والجدل، لأنه يتضمن عملية الادراك والوعي للبحث عن أنماط أدائية جديدة يكون فيها الأداء التمثيلي الجديد مرتبط بمرجعيات وأساليب أخرى بطريقة متناغمة تحقق مبادىء التوازن والإيقاع الفني.
سحر الحضور أو ما يسميه البعض بالظل أو الحضور المؤثر لدى (مصطفى فهمي) يشير إلى أنه توافق على المستوى التوهج والتوافق والإيقاع وعمق الموقف ودلالة المعنى وتشابك عناصرالجمال، فكلها كانت تمتزج في معزوفة درامية تمتع بها (فهمي)، فهو من يجيد مهارة الانتقال الهارموني بين الأداءات المتناقضة والمتضادة.
لقد استطاع (مصطفى فهمي) توصيل قيمة كل عمل قام به للمشاهد على الرغم مما كان الدور معقدا ومركبا، ربما ذلك لأنه يعيش الشخصية في حالتين متناقضتين داخل الشخصية الواحدة التي يقوم بأدائها، ومن ثم يأتي أداء على النحو الأكمل الذي يدفع المشاهد إلى التعاطف معه أو كراهيته للشخصية، وهذا يشير إلى نجاحه في الحالتين.
ولد (مصطفى فهمي) لأسرة أرستقراطية ذات أصول شركسية كانت تمارس العمل السياسي، فقد كان حيث كان جده (محمد باشا فهمي) رئيساً لمجلس الشورى، ووالده محمود باشا فهمي كان سكرتيرا لمجلس الشورى، كما أن جدته هى أمينة (هانم المانسترلي) صاحبة استراحة المانسترلي، وهو الشقيق الأصغر للفنان الكبير والقدير (حسين فهمي).
درس في المعهد العالي للسينما في القاهرة وحصل على بكالوريوس من معهد السينما قسم تصوير، بدأ مشواره الفنى كمساعد تصوير في فيلم (أميرة حبي أنا) عام 1974 مع مدير التصوير عبد الحليم نصر ثم اشترك بالتمثيل في فيلم (أين عقلي)
بدأ (مصطفى فهمي) مسيرته التمثيلية فعليا بالصدفة من خلال مشاركته في بطولة (أين عقلي) بنفس العام، ثم شارك عام 1976 أيضا بأربعة أعمال (قمر الزمان، لمن تشرق الشمس، وجها لوجه، نبتدي منين الحكاية)، لتتوالى بعدها أعماله ما بين السينما والتلفزيون والتي من أبرزها (قصة الأمس، حياة الجوهري، أيام في الحلال).
رغم أن بدايتة (مصطفى فهمي) كانت سينمائية، لكنه ازدهر أكثر في الدراما التلفزيونية، ليقدم أول دور تلفزيوني في (أيام العذاب عام 1979)، وقد أزدهر أكثر ولعب أدوار أقوي في مسلسل (دموع في عيون وقحة)، ثم قدم أول بطولة سينمائية له في (قمر الزمان)، وبعدها (نبتدي منين الحكاية، عذراء ولكن، هكذا الأيام).
صاحب موهبة كبيرة
لا شك أن (مصطفى فهمي) صاحب موهبة كبيرة لكنه لم يستطع الصمود أمام باقي الفنانين الكبار أمامه، أو لم يجد الأعمال التي قد تجعل منه بطل مطلق بالعمل، مما جعله يختار أن يصبح مطل مشترك مع نجوم كبار.
وذلك مثل عمله في (الندم مع فريد شوقي، والملاعين، وسأعود بلا دموع مع محمود المليجي ورشدي أباظة، أيوب مع عمر الشريف، الخادمة أمام نادية الجندي، أيام في الحلال أمام محمود يس ونبيلة عبيد).
شارك (مصطفى فهمي) في عدة أعمال سينمائية وتلفزيونية، من أهمها خلال سنوات السبعينات حيث شارك في: أفلام (قمر الزمان، لمن تشرق الشمس، وجها لوجه، نبتدي منين الحكاية، هكذا الأيام، عذراء.. ولكن..
إمرأة في دمي، إمرأة قتلها الحب، البنت اللي قالت لا، المليونيرة النشالة، بنت غير كل البنات، الندم، كلهم في النار، قصر في الهواء، الشباك، احترس نحن المجانين، ابتسامة واحدة تكفي، الملاعين ومسلسل (أيام العذاب).
خلال سنوات الثمانينات شارك في الكثير من الأعمال وهى مسلسلات (الفندق، دموع في عيون وقحة)، وأفلام (سأعود بلا دموع، العاشقة، الفقراء أولادي، و أيضا مسلسلي (الثأر قبل الحب أحيانا، محمد رسول الله – الجزء الثاني)، وفيلم (الرحمة يا ناس) فيلم (آدم يعود للجنة)، مسلسل (سر الغريبة)..
وأفلام (رحلة الشقاء والحب، دعوة للزواج، فيلم (أيوب)، مسلسل (دعوة للحب)، السهرة التلفزيونية (زائر الليل) فيلم (الخادمة) مسلسلي (حلم الليل والنهار، دوامة الحياة، فيلم (الحب في غرفة الإنعاش) مسلسل (إليكم مع التحية)، فيلم (أيام في الحلال)، مسلسلات (برديس، الضابط والمجرم، الحب وأشياء أخرى..
فيلم (الشرابية)، مسلسل (نار ودخان)، فيلمي (الأوهام، ابتسامة في نهر الدموع)، مسلسل (محاكمة الجيل) وفيلم (دقات على بابي).
خلال سنوات التسعينات شارك (مصطفى فهمي) في العديد من الأعمال وهى مسلسلات (ماما نور، الوديعة، وكان لقاء)، وأفلام (خادمة ولكن، فرسان آخر زمن، لصوص خمس نجوم، مسلسلات (بريق في السحاب، حياة الجوهري، الحفار)، فيلم (نوبة حراسة)، مسلسلات (أسرار خاصة، حارة المحروسة، القلب يخطيء أحيانا، والسهرة التلفزيونية (ليلة القتل الأبيض).
خلال سنوات الألفية الجديدة، شارك في العديد من الأعمال وهى فيلمي (الوردة الحمراء، اللحظات التي اختفت، مسلسلات (ألو رابع مرة، يحيا العدل، رحلة العمر، اختطاف، مشوار إمرأة، أحلام البنات، سوق الزلط، حبيب الروح، فيلم (عمليات خاصة)، مسلسلات قصة الأمس، جدار القلب، الوديعة والذئاب، الدنيا لونها بمبي دموع في نهر الحب، قضية معالي الوزيرة) وآخر أعماله التلفزيونية هى (بابلو) عام 2022.
وقد تألق (مصطفى فهمي) في عيد الأضحي 2024، من خلال مشاركة في فيلم (أهل الكهف) من بطولة خالد النبوي، محمود حميدة، غادة عادل، ومحمد ممدوح، محمد فراج، وبيومي فؤاد وفتحي عبد الوهاب، أحمد عيد، هاجر أحمد، عبد الرحمن أبو زهرة، صبري فواز، عمرو عبد الجليل وعدد آخر من الفنانين)، ومن تأليف أيمن بهجت قمر وإخراج عمرو عرفة.
رحيل مر على عشاقه ومحبيه
رحم الله الفنان الكبير والقدير الراحل (مصطفى فهمي) الذي لم يكن مجرد ممثل، بل كان مدرسة في فن التمثيل، ترك أثره على العديد من الفنانين الشباب، الذين أشاروا إلى تأثيره في مسيرتهم الفنية، أسلوبه الفريد وأدائه العميق جعلاه محط إعجاب الجمهور والنقاد على حد سواء.
بالإضافة إلى مسيرته الفنية، عرف فهمي بشخصيته الودودة ومحبته للحياة، لذا كان يحظى باحترام كبير من زملائه في الوسط الفني، وأثبت أنه ليس فقط فناناً موهوباً، بل أيضاً إنساناً يحمل قيماً نبيلة.
ومن هنا تلقى الوسط الفني والصحفي خبر وفاته بصدمة كبيرة، حيث نعاه العديد من الشخصيات العامة والفنية معبرين عن خالص تعازيهم لأسرة الراحل ومحبيه، ومؤكدين أن فقدان (مصطفى فهمي) هو خسارة لا تعوض للفن المصري، وذكراه ستبقى خالدة في قلوب محبيه.
وبهذه الخسارة، نسجت سيرة حياة فنان ترك بصمته في تاريخ السينما المصرية، وكتب اسمه بأحرف من نور في سجلات الفن العربي، فلن تنسى إسهاماته الفنية، وستبقى أعماله خالدة تتردد أصداؤها في ذاكرة الأجيال القادمة.
ولم يقتصر تأثير رحيل (مصطفى فهمي) على جمهوره فحسب، بل عبر العديد من الفنانين والنقاد عن حزنهم الشديد لفقدان قامة فنية مثل فهمي، وتوافدت رسائل التعزية عبر مواقع التواصل الاجتماعي من نجوم ومحبين قدموا كلمات تقدير وإشادة بمسيرته وعطاءه للفن المصري.
وفي النهاية لابد لي طلب الرحم والغفران من المولى عز وجل للفنان الكبير والقدير (مصطفى فهمي)، أحد أبرز نجوم الدراما والسينما المصرية، الذي تميز بملامحه الوسيمة وأدائه المتميز الذي خطف قلوب الملايين من المشاهدين العرب، ولعل رحيله قد سبب وجعا عربيا وليس مصريا فحسب، لأن الراحل كان يتمتع بأخلاق رفيعة أكسبته حب الكثيرين من زملائه وعشاق فنه.