بقلم الناقدة: علا السنجري
نجاح المسلسلات التركية لم يعتمد على القصة والسيناريو فقط ،بل اعتمدت على تصوير المناظر الطبيعية وأماكن مختلفة من المدن وتجسيد حياة الأحياء الراقية والبسيطة، مما ساهم في زيادة نسب السياحة لديها تماما كما حدث في حالة مسلسل (برغم القانون).
ربما أخيرا انتبه كتاب الدراما لدينا لذلك، بدأنا نشاهد أحداث تدور في طنطا وتصوير يتم في شوارعها كما في مسلسل (وش وضهر)، ثم مسلسل ( تحت الوصاية ) بين دمياط والاسكندرية ومشاهد الميناء وحلقات السمك وأخيرا مسلسل (برغم القانون)، الذي تدور أحداثه في مدينة بورسعيد.
وذلك بتصوير يظهر جمالها ومدى التطور التي وصلت له ،كما أن مشهد بيت والد (ليلى) والمنظر الخلفي وغية الحمام تجعلك تتمنى مكان مثله.
مسلسل (برغم القانون) نجح بكل عناصره، رغم بعض الأخطاء البسيطة التي من وجهة نظري لم تؤثر عليه ولا على متابعة المشاهدين له، كما أنه لم يقع في فخ المط والتطويل، الأحداث متلاحقة، ففي كل حلقة تكتشف سر جديد عن أكرم وجرائمه التي لم تكن متوقعة.
ربما بوستر مسلسل (برغم القانون) كاد أن يظلمه لوجود تشابه بينه وبين تحت الوصاية، حيث توقع المشاهد أن تكون أحداث حول قضايا الوصاية، لكنه منذ الحلقة الأولى أوضح أننا أمام عمل مختلف مع اختفاء الزوج بلا أثر لتبدأ رحلة (ليلى) لتعرف من هو؟
المسلسل يناقش موضوعات متعددة، ربما أهمها مدى تأثير الطفولة والنشأة في سلوك الإنسان وتحويله إلى مريض نفسي، البطل الرئيسي (أكرم) لديه مشاكل نفسية بسبب تمييز إخوه المعاق عنه وإجباره على تحمله رغم صغر سنه وعدم فهم حالة أخوه الصحية بشكل جيد.
مما يدفعه للتخلص من أخوه وتركه في الشارع، ورغم هذا لم يغير أي شيء في معاملة والديه بل ازدادوا قسوة عليه، يلازمه الشعور بالذنب، يزداد مرضه النفسي بعد ما يتسبب في مقتل والده بالخطأ في سيارة عمه.
الكاتبة (نجلاء الحديني)
ومع الأحداث نكتشف أنه قتل عمه بعد نجاته من الحادث أثناء الغيبوبة، فعل كل ذلك ليسيطر على الشركة، تزوج من ابنة عمه رغم المشاكل التي بينه وبين أخوها، يهرب بعد ما يتسبب لوليد بفقد عينه ويتزوج ليظهر انفصامه النفسي ليعيش حياة بلا أي مشاكل مع (ليلى) ويتقرب من والدها ليصنع عائلة يتمناها.
الكاتبة (نجلاء الحديني) رسمت شخصية (أكرم) السيكوباتية جيدا لتبدو أمام المشاهد متناقضة، تتأرجح بين الخير والشر، بين الضعف والقوة، فلا تتعاطف معها طول الوقت، قدرته على الشر أقوى و تتغلب على تصرفاته حتى مع أولاده، لديه قدرة على التأثير في الآخرين واقناعهم بكلامه المنطقي ووعوده الكاذبة.
يتلذذ بالأذى وإنكار أخطائه وجرائمه، الكذب لديه مرض يبرر به أفعاله والاستمرار في جرائمه.
الشخصية الأخرى التى عانت من النشأة الخاطئة هو (ياسر)، رسمتها الكاتبة بمزيج من الحرص والبخل والخيانة وعدم النخوة لديه مبررات لذلك.
أكثر المشاهد التي أظهرت طبيعته غير السوية حين سلم (ليلى) للشرطة، لكنه مهووس بحرصه يجري وراء زوجته (فاتن) في نفس اللحظة ليغطي شعرها في حين أنه عاري من عدم النخوة.
شخصيته أيضا متناقضة يظهر أقل بكثير مما بداخله من صراع لعقدة نشأته، يتضح ذلك من طريقة معاملة والده له وكلامه السيىء عن والدته، التي يدعي (ياسر) أنها ماتت، ويقف على قبر ليس لها مما يسبب له إنهيار نفسي.
يظهر في مواجهته مع (فاتن) بعد ما عرفت سر والدته، لديه عدم ثقة وسوء ظن في أي امرأة ويظهر ذلك في مشهد اعتدائه على (فاتن) حين شك أنها فرطت في نفسها لخالد لتخرج أختها من السجن، كان غضبه ليس غيره ولكنه غضب لفكرته السيئة عن الحب المرتبط بالخيانة، مما جعله غير قادر على احتواء زوجته.
تأتي شخصية المحامية (سوسن) غير السوية أيضا، لديها هوس بالنجاح والمال بأي طريقة شرعية أو غير شرعية، كما أن لديها عقدة من شخصية (ليلى) السوية ومن تفوقها طوال سنوات الجامعة.
مما يدفعها لتؤذيها وتتحالف مع (أكرم) ضدها وضد (محمود) زوجها الذي تحتال عليه لتأخذ أمواله، ليس لديها مشاعر أمومة تجاه ابنها، بل تمارس ألآعيبها مع طليقها.
جدعنة (محمود شرشر)
أكثر الشخصيات طيبة وجدعنة هو (محمود شرشر)، إلا أنه أيضا يعاني من تربية والده له، الذي رفض دراسته للهندسة وجعله يتولى أعماله، يعيش على أمل أن يهبه ربنا وريث، مما يجعله فريسة سهلة لأكرم يستغل جدعته ويعيش في كذبة لمدة عشر سنوات، وفريسة سهلة لسوسن .
(فاتن) عانت من بخل زوجها المادي والمعنوي، لم يحتويها، سرقت أمواله انتقاما منه، كما عانت بسبب رفض والدتها أن تتزوج ممن أحبت، عاشت محرومة من الحب مما دفعها أن تبحث عن (طارق) وتتواصل معه، حرمانها ليس مبرر لخيانتها وذلها لزوجها، ولا سبب لخيانة اختها في تسليم الطفل لأكرم.
نموذج سيء آخر هو (شعبان الجرابعة)، وهو اسم على مسمى، محامي مشطوب من النقابة يمارس كل ما هو غير قانوني من احتيال وتزوير ليحقق ما يريد ،حريص على المال وهو هدفه الرئيسي.
ليتحقق التوازن بين الخير والشر نجد البطلة (ليلى) التي وجدت نفسها بلا زوج وأولاد بأوراق مزورة وعقد زواج غير مسجل، تتحمل طريقة معاملة (سوسن) لها حتى تجد مصدر دخل، ومحاولات إثبات نسب أطفالها ومواجهة شر (أكرم).
هى شخصية سوية تحاول فعل الصح، رغم أنها انجرفت وراء الانتقام، لكنها عادت لطريقها الصحيح، لم تستطع أن تخون وتتمادى في مشاعرها مع (وليد)، لأنها ما تزال متزوجة حتى لو كان العقد غير مسجل باسم مزور.
والد (ليلى) الشخصية الودودة المسالمة،الذي يفترض أن الجميع مثله، يمرض حين يكتشف صدمة الواقع، كذلك نجد (إياد) المحامي الذي يساعد (ليلي)، ويخبرها حقيقة (سوسن)، وشاركها في مكتب محاماة، يرفض خيانتها ويكشف لها لعبة (أكرم).
شخصية (وليد) كانت بين الخير والشر، الشر في محاولات الانتقام من (أكرم)، الخير في محاولة تصحيح ما فعله (أكرم) وتربية أولاد أخته ومساعدة (ليلى)، على الرغم أنه يسهل خداعه كما حدث من خطيبته.
شخصية (بيرهان) هي من وجهة نظري ضحية لكل من حولها، ورغم ذلك لم تؤذي أحد، فهي ضحية زوجها (أكرم) وعانت من تحكم أخوها بعد هروب (أكرم)، تحاول مع أولادها تربية صحيحة وتتعرض للإدمان على يد (أكرم) وتنقذها (ليلى)، إلا أنها في النهاية تستطيع الصمود.
قدمت الدور (فرح يوسف) بين مشاعر الخوف والاكتئاب ومحاولة التعايش مع ما يفعله (أكرم).
فكرة الخيانة بشكل عميق
ناقش مسلسل (برغم القانون) أيضا فكرة الخيانة بشكل عميق، ليعرف المشاهد أن الخيانة ليست فقط بالجسد ولكن بالإحساس والفكر، كما في حالة (فاتن)، خيانة للاحتيال والحصول على الأموال كما في حالة (شيرين) خطيبة (وليد).
خيانة الامانة في حالة المحاماة مثل (سوسن وشعبان)، وعلى الجانب الآخر نجد ليلى لا تريد أن تخون ولو بالكلام.
السيناريو كتب بعناية ورسم الشخصيات جيدا، الحلقة الأخيرة جاءت كانتصار الخير على الشر، النهاية التقليدية التي ينتظرها الجمهور المشاهد، كنت أتمنى أن يظل الخط الرئيسي هو قضية إثبات النسب من شخص مزور، وإظهار معاناة بعض الأسر في مثل تلك القضايا.
تم كشف الحقائق تباعا وليس دفعة واحدة ليظل المشاهد شغوفا، تتضح الشخصيات تدريجيا ليفهم المشاهد طبيعة تصرفاتها، هناك بعض الحلقات قبل الأخيرة أصابها آفة التطويل، ومشاهد يمكن الاستغناء عنها، مثل محاولات (ليلى) الانتقام من أكرم، لكن مشهد التابوت ربما جاء إثبات أن شر (أكرم) لا يقدر على لحظات مواجهة الموت.
استطاع الإخراج لشادي عبد السلام تحويل الكتابة إلى واقع ملموس تفاعل معه المشاهد من خلال زوايا التصوير الجيدة والإضاءة، إظهار مدينة (بورسعيد) في خلفيات المشاهد كان رائعا، اختيار ممتاز لأماكن التصوير الخارجية والداخلية.
وكذلك مشاهد الفلاش باك وتوضيح الأحداث، أكثر المشاهد التى جذبت انتباهي هى المشاهد الرومانسية والناعمة بين (ليلى وأحمد)، خاصة مشهد عزف فرقة السمسمية تنقلك الكاميرا بين حالة (ليلى) الآن وهي لا تعرف ممن تزوجت، وحالتها عندما كانت مع أحمد وأولادهم.
كما يجب هنا الاشادة بالمونتاج، استطاع كذلك المخرج إدارة الشخصيات بين عالم بورسعيد والقاهرة، بين الخير والشر، بين الصدق والخيانة.
جاء صوت الموسيقى التصويرية لـ (مصطفى الحلواني) أعلى من صوت الحوار، وربما جاءت غير مناسبة لبعض المشاهد، لست متخصصة ولكنها كانت غير محببة لي.
(محمد القس) كان رائعا
الأداء التمثيلي للجميع كان رائعا، بداية من (محمد القس) الذي قدم شخصيتان مختلفتان في المستوى الاجتماعي والمادي، أحمد الدسوقي البسيط بائع قطع الغيار المحب لزوجته وأولاده، وقدم أكرم رجل الأعمال صاحب النفوذ والمال، وعالمه المعقد بين القتل والمؤامرات والخديعة.
تنقل بين الشخصيتين بمنتهي السهولة والإقناع، في بعض المشاهد استطاع أن يكسب تعاطف الجمهور،ليعود ويثير مشاعر الكره لديه.
(وليد فواز) في بداية الحلقات اعتقدت أنه يكمل مسيرة دوره في (صوت وصورة)، وأنه يفضل المنطقة الآمنة في الأداء، لكنه فاجأ الجميع بأداء شخصية نفسية متناقضة.
يظهر ذلك واضحا في مشهده عند عودة والدته، وغضبه وشكه حين واجهته (فاتن) بسر والدته، ليخرج الحزن والغضب المكبوت بداخله في صراع أن الحب والخيانة مرتبطان.
دور يحسب لإيمان العاصي
إيمان العاصي أداء لدور يحسب لها، خاصة محافظتها على الظهور بلا مكياج وبملابس بسيطة تليق بالمستوى الاجتماعي للشخصية.
(إيهاب فهمي) يجيد دائما دور الشرير، وهنا أجاد دور (شعبان الجرابعة) بطريقة ملابسه ونظارته، التي جعلتني أتذكر (عادل أدهم) الذي كان يرتدي مثلها، لديه عقل يعمل بكفاءة عالية في إيجاد ثغرات في القانون ، وتزوير الحقائق والأوراق.
(رحاب الجمل) حاولت في دور (فاتن) أن تغير طبيعتها لتقدم الدور بصوت منخفض في أكثر المشاهد وبلا أداء انفعالي زائد، إلا أنها تعود لطبيعتها في بعض المشاهد العنيفة مع زوجها ياسر.
(جوري بكر) اختلفت كثيرا في هذا العمل عن أدوارها السابقة، قدمت المحامية (سوسن) بملابس وإكسسوار وصوت لتدخل المشاهد إلى عالمها كعقرب يكمن ثم يلدغ بنفسية حقودة.
الفنانة (عايدة رياض) قدمت دور الأم والحماة أيضا بشكل يختلف عما قدمته من قبل، وأيضا الفنان (نبيل علي ماهر) أداء سهل بلا تصنع أو انفعال زائد، لأب يخاف على بناته ويصدمه واقع شرير.
(محمد محمود عبد العزيز) تستطيع القول أنه لم يعد نسخة من والده في شخصية (محمود شرشر) بتفاصيل ملابسه وملامحه بالشارب، وحركات يديه ورفع البنطلون.
كذلك (هاني عادل) في دور (وليد) الذي فقد إحدى عينيه بسبب (أكرم)، الانتقام يجعله مندفعا ومتسرعا دائما، يدافع عن أخته وأولادها ويحاول إبعادهم عن (أكرم). نجد أيضا (عابد عناني) في دور (نبيل) أداء سهل وناعم، يعتمد (عابد) دائما على الأداء الهادئ ليؤكد مصداقية شخصية نبيل، وأيضا (ياسر عزت) قدم دور (بدوي) بتميز وغير معتاد.
ربما لم أستطع تقبل أداء (شادي مقار) ،صوته عالي وانفعالاته زائدة، (لبنى ونس) و(صبري عبد المنعم) فنانين دائما يثبتوا أن الدور ليس بحجمه وإنما بتأثيره.
المسلسل أوضح أن العديد من الأمراض النفسية والجرائم قد تعود لعقد من الطفولة والنشأة، يتحمل الأبناء تبعات تصرفات الآباء، ليصبح الجميع نتاج تربية غير سوية.