بقلم الكاتب والأديب: محمد عبد الواحد
الجوانب الخفية في حياة (إيهاب نافع) تفوق المعلن.. بحر هادئ ساكن السطح سماوى الزرقة.. في خفاء أعماقه البعيدة تتحرك قوافل من مخلوقات متنوعة.
من ضمن أسراره تعامله مع (رفعت الجمال/ رأفت الهجان).. يذكر (إيهاب نافع) أنه قد تم زرع الهجان داخل إسرائيل في مايو 1955.. وكان من ضمن التعليمات المشددة اليه أن لا يتصل بالمخابرات تحت أي ظرف لمدة ثلاث سنوات، وهى الفترة التي يطلق عليها (فترة بناء الساتر).
لكن (رأفت) لم يطق الانتظار على تسريب معلومات خطيرة تمر تحت انفه وبين يديه وكلها تمس وجود وطنه.. بالطبع يتصل (رأفت) مرات عدة و يسرب إلى القيادات المصرية التجهيزات المخطط لها لخصوص العدوان الثلاثى عام 1956.
استمر (إيهاب نافع) في التواصل مع الهجان و التعامل تعاملا مباشرا معه حتى آواخر عام 1957.. لتنقطع الصلة وتعود بعد ذلك مرة أخرى في 30/4/1967.
وعن الفترة التي دارت فيها رحى حرب 1956 يقول (إيهاب نافع): أن عدد الطائرات المشاركة من مصر و سوريا و السعودية مجتمعة كانت 54 طائرة فقط بينما كان عدد الطائرات المعادية 123 طائرة.. رغم ذلك استطعنا إسقاط 5 طائرات لهم بينما اسقطوا لنا 12 طائرة.
ومن بين هذه الطائرات الاثنا عشر كانت طائرة الطيار مقاتل (أحمد فرغل).. وكان من دفعة (إيهاب نافع).. وكان إيهاب يشاركه الطلعة التي تم إسقاط طائرته فيها.. وقد تابعه إيهاب وهو يقفز بالبراشوت بعد إصابة الطائرة و تهاويها.
وقد لمح (إيهاب نافع) أحد الطيارين المعادين يحاول رمى (فرغل) بالرصاص أثناء هبوطه في الهواء بالبراشوت لينقض (إيهاب) بطائرته و يستخدم مدفع ميج 17 فيصيب الطائرة المعادية و يسقطها، وقد سقط (فرغل) بالبراشوت في الأسر لفترة تم تحريره بعدها عند أول تبادل للأسرى في مارس 1957 بعد فترة تعذيب في معتقلات إسرائيل.
(إيهاب نافع) وحرب 56
ومن ذكريات (إيهاب نافع) حول حرب 56 أنه تلقى من الفريق (صدقي) قائد القوات الجوية أمرا بالتوجه إلى مطار ألماظة.. حيث تعود هناك طائرة نجت من القصف وأن يطير بها إلى جدة و إيداعها هناك خشية قصفها.
و كان مطار ألماظة يعانى من استمرار القصف رغم ذلك استطاع (إيهاب نافع) مصطحبا معه 4 من الفنيين الطيران بالطائرة. و كان عليه التوجه أولا إلى مطار الأقصر لتعبئتها بالبنزين ثم الطيران بها مرة أخرى إلى جدة.
لكنه عند الاقتراب من مطار الأقصر فوجئ بمجموعة من طائرات العدو تحيط به وبدأوا في قصفه بشراسة.. وقد استطاع الإفلات منهم لكن النور الأحمر قد أضاء أمامه معلنا أن البنزين على وشك الانتهاء و أن عودته الى الماظه مستحيلة.
في نفس الوقت كان مطار الأقصر أيضا قد بدأ في التعرض للقصف حتى رأى ممراته وقد تحولت إلى خطوط من نار ودخان متصاعد فلم يكن أمامه إلا الهبوط في أرض زراعية في قرية (ماقوسة) بالصعيد رغم خطورة مثل هذا الهبوط فقد حققه.
وعند هبوطه أسرع بالخروج من الكابينة صائحا على الفلاحين للإسراع بتغطية الطائرة بالزروع وأغصان الشجر لأنه كان متأكدا أن الطائرات المعادية خلال دقائق ستمسح المنطقة بحثا عن الطائرة وعنه.
وقد تحقق ما توقع.. لكنهم غادروا دون أي شك في كومة الزرع المرتفعة وسط الحقل.. وقد قام عمدة البلدة باستضافة (إيهاب نافع) والفنين لعدة أيام.. واستمرت الطائرة في هذا الحقل تحت كومات من أعواد الذرة لشهور حتى تم استعادتها بعد انتهاء الحرب.
وبالعودة إلى علاقة (إيهاب نافع) برأفت الهجان بعد انقطاعها منذ آواخر 1957.. فقد قابله مرة أخرى بالصدفة في 30/4/1967 في قبرص ليبدا معه مرحلة جديدة من التعاون في توصيل المعلومات.
فتحركات (إيهاب نافع) بين عواصم العالم لا تثير شكوكا.. خاصه أنه في هذا التوقيت كان قد بلغ أوج شهرته كفنان وكونه زوجا لواحدة من أكبر فنانات مصر.. و يشاع أن حتى زواجه من (ماجدة الصباحى) كان بإيعاز من المخابرات.
وذلك بترتيب لقاء له معها في السفارة الروسية ليقابلها للمرة الأولى حتى ترتبط به من إجل إقحامه عن طريقها الى عالم السينما والنجومية.. مما يحيطه بهالة تغطى تحركاته فيما بعد تحت أضواء فلاشات الكاميرات والصحافة بما هو أجدر بالثقة وعدم الشك في أي تحركات له في الخفاء.
(إيهاب نافع) و(رأفت الهجان)
لذلك كان (إيهاب نافع) هو أهم قنوات نقل المعلومات من (الهجان) إلى القيادة المصرية.. وبالفعل قد نقل إليهم (الهجان) خطة حرب 1967 – تماما كما نقل إليهم قبيل حرب 1973.. التخطيط الهندسى الكامل لخط برليف.
وقد كافأه السادات على ذلك حينما قابله سرا عام 1975 بأن منحه خط التنقيب عن الغاز والبترول في الصحراء الغربية مقابل 150 ألف دولار فقط بدلا من مليون دولار كان يفترض ان يدفعها كتامين في عملية التنقيب.. وقد اعتزل (الهجان) في نفس العام عمله بالمخابرات واستقر في المانيا ليعيش بها.
ويؤكد (إيهاب نافع) أن رأفت الهجان قد نقل بدقة شديدة تاريخ الهجوم في 67 بالساعة وبطريقة الهجوم – وقد تزوج (إيهاب نافع) فيما بعد من أرملة الهجان كزيجة سابعة له حينما سرت شائعات حول وجود علاقة بينهما لظهورهما سويا بشكل متكرر. واستمر زواجهما 7 سنوات طلقها في نهايتها لأنه أقرضها 260 اأف دولار.. وحينما طالبها برد جزء من المبلغ رفضت وعللت ذلك أنها يحق لها كزوجة له أخذ نصيب من ماله.
ويؤكد (إيهاب نافع) أن (الهجان) كان قد أرسل خطة الحرب قبل وقوعها بفترة كافية للاستعداد والتجهيز وأنه حدد لهم الساعة الثامنة صباحا موعدا لبدء الهجوم بالطائرات.. وقد أكد نفس المعلومة ستة عملاء آخرين كان قد تم زرعهم في إسرائيل.
وضعت كل هذه المعلومات أمام (جمال عبد الناصر) الذى عرضها بدوره على اجتماع القادة في وزارة الدفاع آواخر مايو 1967.. وكان الأمريكان قبلها بأيام قد أكدو لعبد الناصر أن إسرائيل لن تبدا بضرب مصر.
وحينما أثار عبد الناصر هذا الموضوع رد الفريق (صدقى محمود) قائد القوات الجوية أن مصر لو بدأت بالضربة فسيكون الانتصار حليفها يشكل شبه مؤكد.. وحينما أكد عبد الناصر أنه اعطى وعدا لأمريكا وروسيا بأنه لن يبدأ بالضرب، رد صدقى بأن إسرائيل لو بدأت هي بالضرب فستخسر مصر 99% من قواتها الجوية.
مذكرا الرئيس بأنه طوال الـ 11 سنة الماضية قد كرر طلبه بتخصيص مبالغ لإنشاء دشم للطائرات لأنها مكشوفة بالكامل لأى هجوم ليرد عليه (عبد الناصر) غاضبا في المؤتمر بأنه عليه أن يغادر الاجتماع لفوره لعمل دشم لطائراته مما يعنى طرد الفريق صدقى بشكل غير مباشر.
لتبدأ الضربة الجوية يوم 5 يونيو بفارق 3 دقائق عن الموعد الذى حدده (رأفت الهجان).. ولتغرق مصر في مهانة النكسة التاريخية.. وليدفع ضريبتها كل مصري من عزته و كبرياءه.