رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

(وزارة الثقافة) المصرية.. كشف حساب مختصر !

الدكتور أحمد هنو وزير الثقافة

بقلم الكاتب والناقد ناصر العزبي

ماذا بعد.. وهل تكفي لتقييم الأداء؟

حمل تشكيل حكومة الدكتور مصطفى مدبولي توجهات بإحداث تغييرات في السياسات الداخلية والخارجية، لمواجهة الظروف الاستثنائية محليا أو دوليا، ومن بين وزارات الحكومة تبرز (وزارة الثقافة) كمؤسسة يقع على عاتقها وضع استراتيجية محكمة لخلق حالة من الوعى الفكرى داخل المجتمع.

وذلك بما يعمل على بناء الإنسان المصرى بشكل صحيح، وفي اطار هذا التوجه تم إسناد حقيبة (وزارة الثقافة) إلى الدكتور أحمد فؤاد هنو، ترشيح استبشر به المثقفون خيرًا كونه (فنان تشكيلى)، أملين في تكراره لتجربة الفنان فاروق حسني.

اختيار لم يُصحبْ بأي تحفظ من المثقفين، نظرًا لأنه شخصية معروفة داخل الوسط الثقافي – خاصة قطاع الفنون التشكيلية – كونه أستاذًا بكلية الفنون الجميلة وتقلد مناصب عليا في الجامعات المصرية، وصاحب مشاركات فعالة من خلال فعاليات محلية ودولية.

إلا أن هذا الـ (لا تحفظ) صحبه ترقباً أمام تصريحاته – فور توليه (وزارة الثقافة) – بما لديه من رؤية وخطة مستقبلية للثقافة، وكذلك حلولًا غير نمطية، وأنه حريص على مواكبة العصر الحديث من خلال الطفرة التكنولوجية في العالم.

ومواكبة تطورات الثورة التي يشهدها العالم في مجالات التطبيقات الإلكترونية والذكاء الاصطناعي، بما يتيح تحويل الهواتف الذكية إلى منصات ثقافية متنقلة.

بما يجذب الجيل الجديد نحو الحقل الثقافي وما يتناسب مع إمكانات هذا أبناء هذا الجيل التي يطالعونا بها عبر الوسائل التكنولوجية الحديثة، الأمر الذي زاد من استبشارنا خيراً بتولي (هنو)  قيادة (وزارة الثقافة)، بل والتوقع بأن يأتي بأفكار خارج الصندوق.

110 يوما هى الفترة التي تولى فيها (د. هنو) الحقيبة الثقافية، منذ لحظة أداءه اليمين الدستورية يوم الرابع من يوليو 2024، في انتظار الفكر الجديد، ولكن هل تكفي الـ 110 يوما لتقييم الأداء، هل مدة ثلاثة أشهر ونصف وخمسة أيام كافية للحكم ؟

(بالطبع لا) خاصة في حالة وضع التصورات والخطط الاستراتيجية طويلة المدى، إلا أن تلك الفترة – بالتأكيد – كافية للكشف عن بعض الملامح التي يتم القياس عليها للتقييم.

خاصة وأن – د. هنو – قريب من الواقع الثقافي ومُلمٌ به، ولديه رؤى وتصورات سبق وأن صرح بها، وأنه لم يكن بخاف عليه أزمات أو مشكلات (وزراة الثقافة)، إضافة إلى اطلاعه على أمور كثيرة تهم كل من يشارك في الصناعة الثقافية بما يصب في النهاية لصالح المجتمع المصري!

تطلع الجميع لحل الأزمات العالقة وافتتاح المنشآت المغلقة وإنجاز المشروعات القائمة وظهور مشروعات جديدة، وغير ذلك من أمور وحلول غير نمطية تكشف عن الرؤى التي تنهض بالثقافة المصرية.

ويكون منها مصوغات تزيد من قناعتنا بتفاؤلنا به، وتعمل على تثبيته كوزير ثقافة لديه خطة مستقبلية.

ماذا حدث؟

تتعدد قطاعات (وزارة الثقافة)، وبالطبع فإن لكل منها مشكل مزمنة أو ملفات ساخنة

ملف تدوير القيادات

تتعدد قطاعات (وزارة الثقافة)، وبالطبع فإن لكل منها مشكل مزمنة أو ملفات ساخنة قد تكون بحاجة إلى ضخ دماء جديدة تحمل رؤى وتصورات غير تقليدية لحلها.

بما يستوجب اتخاذ القرار بالتعيين لشغل المناصب الشاغرة، وخاصة التي يقوم بها من يشغل أكثر من منصب، أو مكلف بشكل مؤقت إلى جانب عمله، أو تغيير من فشل في ادارته، أو من أعطى ما لديه واكتفى واستقر على نمط ثابت ولن يأتي بجديد.

وذلك؛ بما يتطلب التقييم وإعادة النظر اعتمادا على مبدأ الأحقية للكفاءات وممن لديهم فكر يحقق رؤية الدولة المصرية من أجل بناء الإنسان المصري.

الفنان محمد محمود

ولكن..!؛

في حدود اطلاعي على المشهد – لا أظن أن هذا التغيير قد حدث، كل ما تم فقط لا يتعدى عملية تبديل في الأوراق، ولم تقم القيادة الجديدة للوزارة بالحسم.

وهنا أذكر على سبيل المثال كارثة المركز القومي للموسيقى والمسرح والفنون الشعبية، الذي تقلص تواجده تدريجياً، ويبعد عن أهدافه يوما بعد يوم، حتى وصل نشطه للاحتفال بأعياد الميلاد.

في ذات الوقت الذي اعتذر فيه عن تنظيم ندوة تأبين لكاتب كبير بقيمة الكاتب (عبد الغني داود)، ولنتفاجأ بعدها بأيام قليلة بالإعلان عن الاحتفال بعيد ميلاد الفنان (محمد محمود).

وعند قيامنا بالتحفظ على ذلك وأن هذا ليس دور المركز، فاجأنا بتوالي إعلانه الاحتفال بأعياد ميلاد لآخرين وآخرين قد لا يعرفهم أحد بما يعد مزيد من الاستفزاز، وهو ما كان يستوجب المسائلة أو الرد.

ويذكر أن الرئيس الحالي للمركز أغلقت مجلة المسرح على يده بمجرد توليه رئاسة المركز، وقل أو انعدم تواجده في تغطية الفعاليات التي تستوجب التوثيق، وأيضاً نذكر أن المركز في ظل قيادته قد هبط من إدارة مركزية إلى إدارة عامة، بما يوحي بتقلص أهميته.

ولا يهمنا هنا الدفاع عن كونها إدارة مركزية أو عامة، فمن الوارد تبعيته لجهة مركزية عليا سواء قطاع الإنتاج أو المجلس الأعلى للثقافة أو حتى المركز القومي لدار الوثائق.

ولكن ما يعنينا هو تفعيل الدور المنوط به وفق اللائحة التي وضعت له عند تأسيسه، وليس هناك عداء بيننا وبين الفنان القدير شاغل هذا المنصب.

ولكن ما نلفت النظر إليه هنا هو ضرورة المراعاة عند إسناد قيادة مثل تلك المراكز أن تتفق اهتماماته وطبيعتها كأن يكون من الباحثين أو الكتاب أو الأكاديميين المتخصصين.

(الفاتورة الإلكترونية) من المستجدات التي طفت على سطح الحياة الثقافية مؤخرًا

ملف الفاتورة الإليكترونية:

(الفاتورة الإلكترونية) من المستجدات التي طفت على سطح الحياة الثقافية مؤخرًا، وتضرر منها المثقفين بشكل عام، وتعالت المطالبات عبر المقالات بالمواقع الإليكترونية وعبر مواقع التواصل الاجتماعي.

إذ كيف يتم محاسبة الفنانين كالتجار؟، وكيف يتم معاملة الإبداع معاملة (البضائع والأشياء) من مواد خام وأثاث ومأكولات ومشروبات؟

بل كيف يتم محاسبة من يتقاضون مبالغ صغيرة من محاضرين وشعراء وممثلين بالهيئة العامة لقصور الثقافة بنظام (الفاتورة الإليكترونية)، والبطاقة الضريبية، والحساب البنكية.

وأرى أن مثل هذا أمر لا ينبغي تجاهله، وكان يتعين على معالي الوزير الاهتمام بتشكيل لجنة لبحثه والتدخل لتوضيح الأمر لوزارة المالية سعياً لحله..!

(سينما الشعب) التي استولت على المسارح

ملف المسارح المغلقة وسينما الشعب:

وخاصة مسارح الهيئة العامة لقصور الثقافة، تحت الصيانة أو المتوقفة في انتظار استئناف ترميمها، ومشروع (سينما الشعب) التي استولت على المسارح، ولا يتاح للمسرحين الاستفادة من المسارح إلا وفق جدول ومواعيد محددة.

بالطبع لسنا أعداء للسينما ولسنا رافضين لها، ولكن ماذا إن كان قد تم الإعداد لهذا المشروع ليبدأ بشكل صحيح، ولماذا لم يتم تصويب مساره بعمل قاعات للسينما أو محاولة توظيف قاعات بتجهيزها أو الاستفادة من المساحات الكبيرة بقصور الثقافة لتكون قاعات للسينما؟

خطاب إنذار هدم المسارح

كارثة ملفات الهدم:

الغريب أن عدد فرق الدولة مسارح الدولة محدود، وكذلك مسارحها أو منافذ العرض، ولطالما سمعنا عن طوابير انتظار المخرجين المتقدمين بمشاريع لإخراجها، لم نسمع مرة أن هناك سعي لحل تلك المشكلة، لم نسمع يوماً عن بناء أحد المسارح.

ولكن طالما سمعنا تهديدات بالهدم أو الغلق – وتختلف الأسباب إلا أن الموت أو المصير ثابت – ولطالما تداولت الألسنة أنباء عن مباني ثقافية مهددة بالهدد بالقاهرة أو بالمحافظات، آخرها ما طالعنا أول هذا الشهر من نبأ عن الاستعداد لهدم المسرح العائم بالمنيل (فاطمة رشدي).

وليتبع الفنانين ذلك – ولم يتوقف – بالصياح والمناشدات والجمع للتوقيعات والمطالبة بوقفة سلمية كمحاولات من أجل إيقاف هذا المصير المنتظر لواحد من المسارح التي ليها تاريخ.

ومقر فرقة مسرح الشباب، وأحد المنابر الثقافية للتنوير، وأحد المنافذ الهامة للمبدعين الشباب للتنفيس عن طاقاتهم الإبداعية.

ومن الغريب؛ أننا أمام كل ذلك لم يصدر عن (وزارة الثقافة) أي بيانات لتوضيح الصورة إن كان الأمر إشاعة أو صدقًا، بل لم يصدر تصريحا عن أي من مسئولي الثقافة بما من شأنه فتح المجال للكثير من التكهنات المتشائمة..!

الأمر الذي يجعلنا نرجع للرؤى التي سبق وأن صرح بها (د. هنو) عن تعزيز الاستثمار الثقافي، وإن كان لما يحدث علاقة بها أم لا، خاصة ما يتعلق بـ (الاستغلال الأمثل للأصول الثقافية، المادية من منشآت ومراكز ومقار، ..).

وما يدفني للرد عليه، بأننا لسنا ضد استثمار الثقافة، بل ولطالما تم تناول هذا الأمر الكثيرين من المفكرين والمثقفين، إلا أن هذا الاستثمار لا يأتي بالتحصيل من المبدعين (مع ملاحظة تدني أجورهم أو مكافآتهم).

ولا يأتي بتقليص الميزانيات، ولا بهدم المنشآت والمسارح للاستفادة منها، ولا استغلالها فيما يتعارض مع فلسفة إنشائها والأهداف المنشودة منها، ولا في أشياء بعيده عن بناء الإنسان تتعارض مع توجهات الدولة  الثقافة.

وإنما بوضع استراتيجية وخطط واضحة الأهداف والملامح، تعتمد في الأساس على القناعة بأهمية دورها، والتركيز على التوعية بذلك للمواطنين، ومن قبلهم لمن لا يعي دورها من المعنيين بوضع الأولويات، يبدأ بما يترتب عليه رصد ميزانية تليق بالدور المنوطة به أولاً.

ثم ما يعمل على نجاح الاستثمار فيها بدعم مشاريعها والإنفاق عليها بما يجعلها مصدراً للدخل القومي، وأظن أن لكل من (وزير الثقافة)، و(المجلس الأعلى للثقافة الذي يرأسه)، و(لأعضاء اللجنة الثقافية بمجلس النواب) منوط بالعمل على ذلك.

وإلا من يتبنى إذن الدفاع عن الثقافة وقضاياها، من يعمل على إبراز قيمتها والترويج لها بما يضعها على الطريق الصحيح لتحقق الاستفادة منها بناء الإنسان المصري، وإلى جانب ذلك يتم العمل عل تحقيق عوائد عن الاستثمار من أنشطتها ومشاريعها.

وعلى كل ما سبق أقول: ليس منا من يعمل على تسطيح الفكر وتهميش الدور الثقافي.

مهرجان نقابة المهن التمثيلية للمسرح المصري

وجدير بالذكر؛

وجود وميض طفيف بين كل هذا المشهد القاتم، فنذكر نقابة المهن التمثيلية ونشاطها الأخير والذي يحسب لنقيبها د. أشرف ذكي ومجلس النقابة، بتجميل المشهد بالإعلان عن افتتاح (مسرحاً) لنقابة المهن التمثيلية بالإسكندرية.

وأيضاً تنظيمهم النموذجي لـ (مهرجان نقابة المهن التمثيلية للمسرح المصري)، بما استوجب علينا الإشادة، أيضاً تلقي خبر عودة (مجلة المسرح) إلى الإصدار من بيتها الأساسي بالهيئة العامة للكتاب بدلا من المركز القومي للمسرح.

بما يكشف عن بادرة أمل لبعض مساع لحل إحدى المشكلات التي كنا نطالب الوزارة بحلها بما يحسب لها.

المسرح العائم.. هل المسرح عدو لأي من الشعب أو الدولة؟!

وأخيراً؛

أوضح أنني في مقالي هذا لم أتناول كثير من الأزمات، وأن لنا مقال تالي في هذا الشأن بحثاً عن إجابة سؤال: (هل المسرح عدو لأي من الشعب أو الدولة؟!

ويتناول (مفهوم ثقافة الهدم)، ويطرح بعض (أفكار وتصورات لكيفية الاستثمار في الثقافة)، وذلك على الطريق الصحيح من أجل التأكيد على ريادتنا في ظل صراع الحضارات، والعمل على نشر ثقافتنا وإبراز هويتنا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.