رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

إبراهيم رضوان يكتب: (فاروق حسان).. رحلة الى خارج الزمن !

حصلت على تذكرة درجة ثالثة وركبت القطار المتجه إلى سوهاج

بقلم الشاعر الكبير: إبراهيم رضوان

 بعد لقائى العاصف مع وزير التعليم (محمد حافظ غانم) و نائبه عدت إلى طلخا في أسى بخطاب نقلى الى سوهاج كي ألتقي (فاروق حسان) في المحطة.. استلمت مرتبي المتوقف.. أخبرني  الأستاذ (إبراهيم موسى) وكأنه يحاول إلقاء عبء ثقيل عن كتفيه أن هناك أوامر وزارية بأن أنفذ النقل الى سوهاج  فورا..

أعددت حقيبتي الجلديه ذات القماش الدمور.. دس والدي لى فيها عددا من علب السلمون والحلاوة الطحينية والمربي وكل ما استطاعت يداه من صنوف الطعام الجاف ..

ألقى بى القطار مرة أخرى إلى  القاهرة.. وضعت الحقيبة عند بعض طلبه الجامعة من أبناء طلخا الذين يسكنون في شارع النعام في حي المطريه على ما أظن.. جلست علي كافيتريا (أسترا) قرب ميدان التحرير في انتظار (فؤاد حجازي) و شاعر ٱخر  اتضح لي فيما بعد انه يعمل مع مباحث أمن الدولة..

جاء لي من يقنعني أن (فؤاد حجازي) في انتظارى فى البر الثاني ويتعجل ذهابى اليه.. أسرعت الى المكان الذي حدده .. كان في انتظاري شخصان بعضلات.. سحباني فجأة من ذراعى وياقة قميصى  الى زقاق وهما ينهالان على بلكمات وركلات متتالية كانت من القسوة أنى كدت افقد معها الوعي..

تنبهت أن أحدهما يسب الآخر بفحش لأنه لم يسحب منى بطاقتي الشخصية.. أدركت أنها رسالة للإسراع في تنفيذ النقل.. غافلتهم وجريت أعدو في سرعة.. دلفت إلى  عمارة و أنا مندفع في الجرى إلى أن  وصلت إلي الأسانسير الذي كان مكتظا  بعدد كبير من الأشخاص يحملون التورتات والجاتوهات احتفالا بليلة راس السنة..

كان البلوفر(الجيكار).. الذي ارتديه ممزقا.. والدم يملأ وجهي.. صعدت وهبطت عدة مرات بعدها خرجت منصرفا إلى الشارع.. وصلت إلى الشقه التي بها حقيبتي..

كانت الشقة يسكنها طالبان من طلخا.. صاحبها صول بالقوات المسلحة سمح لأصدقائي الطلبة (أحمد وعابدين) بالسكن فيها وفتاة ليل صديقة لصاحب الشقه اسمها (فلة).. التي بدت منزعجه جدا من إصابتي.. كنت أتعامل معها بشفقة هائلة لأنني أعلم حقيقة  الظروف التي دفعتها إلى هذا الطريق..

وصلت محطة قطار سوهاج فجرا

القطار المتجه إلى سوهاج

في الفجر حملت حقيبتي واتجهت إلى المحطة.. حصلت على تذكرة درجة ثالثة وركبت القطار المتجه إلى سوهاج.. وصلتها فجرا.. في شوارع المدينة سألت عن مديرية التربية والتعليم..

على مقهى بجانب المديرية جلست حتى 8 صباحا موعد افتتح المديرية التي دخلتها باحثا عن صديقي كاتب القصة (فاروق حسان) الذي كان ينشر معي في مجلة (الشباب العربي) التي تصدر عن (منظمة الشباب).. وكان يقتل كل أبطال قصصه في نهاية الأحداث..

استقبلني (فاروق حسان) بترحاب شديد.. أحسست أن رجلا ثالثا يجلس معنا بكل مكان نذهب إليه.. كان يرافقنا كظل صامت.. قال لي (فاروق حسان) فجأة أمامه: على فكره يا ابراهيم.. الاستاذ ده ظابط في أمن الدولة بسوهاج، وكان مستنيك من أول امبارح.. حلفني ما أقولكش انه ظابط.. بس لو أنا نفذت كلامه يبقى أنا بخونك وأبقى مباحث زيهم..

 تضايق الضابط ومد يده الى يصافحنى في ضيق.. سلمت لـ (فاروق حسان)  الأوراق الخاصة بي والخطاب الموجه الى وكيل الوزارة.. بعد الظهر اتجهنا إلي شقه (فاروق حسانأ الذي اعد لي طعام الغذاء، حيث شوربة العدس واللحم الضاني..

بعد أن استرحنا رافقنى إلى مفتش اللغة العربية ليبلغه إنني المدرس المنفي من  الدقهلية إلى سوهاج.. وأن أسرتي مقيمه في قريه صغيره جدا في أحضان الجبل اسمها نزله الدويك تابعه المركز طما..

وكانت المفاجأة سعيدة للرجل.. فهذه القرية مغضوب عليها ولا يجد من يعمل بها غيري.. لذلك وافق على الفور على طلب نقلى إليها..  تسائل الرجل فجأة متعجبا بعد أن أفاق من فرحته بالضالة التي عثر عليها كيف أن أسرتي مقيمة في (نزلة الدويك) رغم أني من الدقهلية.

تذكر الرجل أنه في آخر مرة زار (نزلة الدويك) بحكم وظيفته أوصوه أهلها أن يسلم لهم علي الملك فاروق.. فهم هناك خارج الزمان.. وخارج الأحداث.. ولا تصلهم الأخبار..

(فاروق حسان) أقام لي ندوة بجوار كوبري سوهاج

ندوة في سوهاج

في نفس الليلة اتفق البعض مع (فاروق حسان) علي ندوة يحضرها كل أدباء سوهاج وأجوارها تقام في كافتيريا كبيرة عند كوبري سوهاج.. كان حضور الأهالي مهولا واستقبالهم لأشعاري مفاجأة لي..

وجدت مئات من الشباب ينتظرني لحضور الندوة رغم وجود أمن الدولة الذي تعجب من الجرأة التي أتمتع بها و يتمتع بها (فاروق حسان).. عدنا بعد الندوة إلى شقة (فاروق حسان) الذى كنت أتعجب  من شجاعته.. هذا الرجل عظيم..

في الصباح أوصلني (فاروق حسان) إلى المحطة.. ركبت القطار المتجه إلى طما.. في طما أخبرت بعض الأهالي أنني أريد الذهاب الى (نزلة الدويك).. كان كل من أسأله يضحك.. فى النهاية أخبروني أن على أولا الوصول إلى قرية (أم دومة) أولا وهى قرية الشاعر محمد (أبو دومة)..

وأن الأتوبيس الذي سيذهب اليها لن يحضر إلا في اليوم الثاني.. جلست على المقهى في انتظار الأتوبيس في اليوم التالى.. كانت ليلة من اصعب الليالي التي عشتها في حياتي، رغم أن كل من رٱني أجلس علي المقهي بحقيبتي كان يحضر لتحيتي ولا ينسي أن يعرض علي استضافتي عنده.. وعندما أرفض يحاسب علي مشروب لي.

أخيرا وصل الأتوبيس الذي أوصلني إلى (أم دومة).. هناك دخلت إلى مكتب بريد بحكم أن السعاة فيها  يذهبون بالبوستة الى كل المناطق المحيطة وهم أدرى بشعابها..أخبرت الموظفين أنني أريد الذهاب إلى (نزلة الدويك) لاستلام عملي كمدرس..

ضحكوا جميعا في وقت واحد وهم يتفحصوننى بنظراتهم في  بتعجب وكأنني هبطت عليهم من كوكب آخر.. في النهاية أخبروني أن (نزلة الدويك) هذه وراء الشمس.. هى قابعة في  بطن الجبل.. وأن أهلها لهم لغة خاصة لا يفهمها غيرهم..

ولأنى لا أستطيع أن أصل إليها إلا من خلال حمار يمتلك صحة جيدة حتي يتحمل  عناء المشوار حيث أنه سيظل يظل سائرا بي 18 ساعه كامله..

أحضروا لي رجلا طاعنا في السن يصحب حمارا حزين جدا.. ظل الحمار بعينيه الواسعتين يجفل بهما في ضيق وينظر لي بعتاب خفي.. طلب مني الرجل 3 جنيهات ثمنا للرحله..

وحينما سألته عن سبب هذا الثمن الباهظ أخبرني أن الحمار سيموت بمجرد توصيلي.. وأنه سيعود سائرا على الأقدام.. فهذه ليست المرة الأولى التي يذهب فيها إلى هذه الرحلة.. أدركت حينها ما خفى في نظرات الحمار ..

و

الدنيا هى المشنقة

النكسة بانت للجميع

والسكة.. صبحت ضيقة

المجتمع.. أصبح صريع

ومفيش فى روحنا شقشقة

………………………..

خرج الكلام.. جوه الخلا

زى الشموع المشرقة

والمخبرين جريوا على

(الدنيا هى المشنقة)

………………………..

يا كتابى.. يا أغلى كتاب

عندى فى آلاف الكتب

عايش برغم الاكتئاب

رغم الكلام اللى انكتب

………………………..

دواوين جبال.. وكلام كتير

وانت اللى عايش فى الكيان

ولا ألف شاعر يا (كبير)

يقدر يكون زيك ديوان

………………………..

طاردوك فى كل مكان يا نور

طاردونى بكلابهم معاك

شهدوا عليك وعلىّ زور

حاولوا يدوسوا شموع ضياك

 ………………………..

إنت عليت.. فى كل بيت

وصبحت ميت مليون هلال

ولا حد عنك قال نسيت

والكل قال.. يشبه ( بلال )

………………………..

يا (الدنيا هى المشنقة)

يا كلمة خالدة للأبد

كانت دروبنا مُغرقه

فى كل أركان البلد

………………………..

جلدونا جوه المعتقل

وخدونا فى كل السجون

والله كان عندى أمل

نهدم فى بيته لو يخون

………………………..

يا شِعر.. يا أعظم خلاص

من كل مخبر مفترى

الكلمة دى.. هى الأساس

وسلاحنا ضد العسكري

………………………..

قومى يا مصر.. وطبطبي

على ضهر شاعر هينتي فيه

على أى خاين إضربى

واللى يصون.. إجرى عليه

………………………..

إزاى تحاكمى اللى كَتَب

عنك قصيدة معرفة

شوفى خلاصك فى الكُتب

فى الله.. ونور المصطفى

………………………..

يا مصر يا قنديل تِعب

من ضلمة عايزه تدوس عليه

إزاى هاكون أشعار أدب

والدنيا (عاهرة) معاها بيه

………………………..

يا ديوان ما زال جوه القلوب

محفوظ تملِّى م الجميع

إزاى فى حبك يوم أتوب

يا أحلى أيام الربيع

………………………..

وتفوت سنين.. وتموت سنين

وانت اللى باقى فى الزمن

يا دمعة فى عيون الحزين

يا شمعة فى عيون الوطن

………………………..

أقراك ألاقى نفسى فيك

يا تاريخ لقلبى بدون حدود

هانعيش كتير.. الله عليك

رغم الرياح.. رغم الرعود

من (كتاب.. مدد مدد)

سيرة ذاتيه لبلد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.