بقلم المستشار: محمود عطية*
يضعنا (الاختلاف) أمام متخالفين، وبذلك يبعدهما عن بعضهما البعض، أي يبعد كل منهما عن المختلف معه والمفترض يقربهما الي بعضهما أما إذا كان هناك تباين فان هذا التباين يفرقهما عن بعضهما فيقول المفكر (دريدا) عن فلسفة (الاختلاف) عند المفكرين: (لا شىء حقا كان يخدم المصالحه وكان الاختلاف علي أشده بينهم وليس هذا عداء بينهم).
وهذا مدخلا بسيطا لما أريد أن أتكلم عنه عن فلسفة (الاختلاف)، ولم أذكر اسماء كثيره قرأت عنهم في هذا الأمر حتي لا ينقلب الأمر إلى محاضره فلسفيه لست أهلا لها وليست تخصصي.
ولكن عندما أري أمثله كثيره عن (الاختلاف) فأجدها بعيده جدا عن التوافق، بل أصبحت أقرب إلي العداء، وذلك في السياسة والرياضة والاعلام، وهم من أعمدة قوة الدولة حتي لو كان الخلاف جذريا فلا داعي أن يصل بالمختلفين إلى العداء على الشاشات أو السوشيال ميديا.
أولا: (الاختلاف) في الرأي مع الدولة أو الحكومة عبر الشاشات مجرد رأي وفق كل أعراف الحرية والديمقراطيه والسلمية أصبح جريمه يستحق صاحبها العقاب.
فهكذا تتعامل دول العالم الثالث، أما عندنا وبعيدا عن الإسقاط على أحداث 25 يناير فمن يعترف بها ثوره لا يقبل بشكل من الأشكال.
ومن يصفها بوصف أحداث أو انتفاضه أو صرخة أو أي مرادف آخر بحيث لو تأني قليلا وبحث سوف يجد جميع الكلمات مرادفه لكلمة (ثورة)، ولكن لم يتعود على ثقافة (الاختلاف) برغم أنهم كانوا ينادون بالحرية والديمقراطية.
وفي الحقيقه هم قمة الديكتاتورية، وهنا لا أقيم الحدث لأنه ليس مجاله، ولكنه مثال بالضبط من ضمن المشاهد، وبعد أن كان الناس أخوه متحابين برغم أنهم مختلفين في المنهج أو التوجه السياسي والحزبي وهذا شىء طبيعي بين العقلاء بدون ان يعرفوا المنهج الاكاديمي أو العلمي لفلسفة (الاختلاف).
الفطرة في (الاختلاف)
إنها الفطرة فـ (الاختلاف) جعله الله رحمه ولكن نري عكس ذلك تماما على الفضائيات يوميا، فإن لم تكن معي فأنت خصمي، ولا أقول عدوي كما قالها (دبليو بوش) الابن لأنه لا عنده سياسة ولا فلسفه بل لديه القوة والهيمنة.
ونرى هذا الأمر واضحا في الإعلام منذ بدأ (طوفان الأقصى)، فأفراد ودول بعينها تشيطن المقاومة وعكسهما تماما أفراد ودول تري أن مقاومة المحتل تكفلها القوانين والمواثيق الدولية.
والبعض له مصالح ووجهات نظر، تارة أن المقاومة شيعية، ونجد أن المحور الأساسي للدعم يتبعوا المذهب السني فيشيطن كل منهما الآخر، وأصبح عداء محكم ولم يستخدموا الفترة التي أطلق عليها فلسفة السياسة.
وكما نعلم جميعا فالسياسة أيضا فن الممكن، فمن وجهة نظري بناء على رأي المفكرين أن المفروض أدعم كل من كانت المصلحه الوطنيه والشخصيه معه، وهو نفسه اختلف معه عندما ينهج نهج لا أقبله، وكما يقال عدو عدوي صديقي.
وهذا المثال بذاته عنوان لما قرأته في سيجال علي مواقع التواصل بعد استشهاد السيد (حسن نصرالله) والشهيد (يحيي السنوار) سيجال لا يصدقه عقل من انحطاط فكري وأخلاقي ليس بعيدا عن فلسفة (الاختلاف) بل يدل علي انهيار القيم والأخلاق.
إذاً فمن أين تاتي عبارة (الاختلاف في الراي لا يفسد للود قضية)، وهنا أقف أمام بعض أسباب الاختلاف، فمنها الماديه كجزء من الممولين لدعم هذا الاتجاه وجزء لدعم الاتجاه الآخر.
والبعض محسوب على جهات ودول معينة، والبعض الآخر مضاد لهما، وهذان السببان من أخطر أنواع الاختلاف، لأنه ليس اختلاف رأي بل اختلاف (مدفوع الاجر) فضاعت الفلسفه والقيم والمبادىء.
أما عن (الاختلاف) في الرياضة وخاصه في بلدنا فحدث ولا حرج، والمصيبة أننا لا عندنا رياضه ولا (نيلة)، وخاصه طبعا كرة القدم، وأصبح الاختلاف فيها عداء علي مرأى ومسمع من الجهات المعنيه بلا أدني توجيه لمسئولي هذه الرياضه للوقوف امام هذه الظاهره المدمرة للقيم لعمل حائط سد امام ضرب فلسفة الاختلاف في مقتل.
ولقد أشرت لهذا الأمر مرات عديدة في السابق في مواقع أخرى مقروءة ومشاهدة، ولكن زاد الأمر سوءً أكثر وأكثر كما هو مشاهد في الفضاء الإعلامي.
الاختلاف في الإعلام
أما الاختلاف في المجال الإعلامي فحدث بلا حرج فالاختلاف وفقا للأجر والتوجيه وليس التوجه لاننا نحيا وأحط فترات الإعلام بكل أنواعه، فأولا بين الإعلاميين فليس علي المادة الإعلامية، بل كلا عينه على العمل فقط وما يتقاضاه الآخر من أجر.
إذا هنا لا يسمي اختلاف علي المنهج الإعلامي بل على الإحلال والتجديد، لأن لدينا (سكريبت) ينطق به الجميع فانتقل (الاختلاف) إلى المشاهد، فالغالبية العظمى ضاقت صدرا من الحاليين.
فانتقل الخلاف من الإعلاميين بعضهم البعض إلى خلاف بين القارىء والمشاهد وبين المسؤلين عنه بعنادهم واستمرارهم في فرضهم علي الناس، وهنا يتحمل المسؤلون نسف فكرة (الاختلاف) وتحويله إلى عداء، وهذا هو الأخطر في الأمر.
وعندما يتحول الأمر إلى حقد دفين وغل ممن بيده الأمر في ذلك فهنا أسأل: هل ضاقت الدنيا بمثل ما تستعينوا بهم وتركتم الباقون يحملون في صدورهم غصه منكم ومنهم، لينقلب الأمر إلى عدم اكتراث بالإحساس بالانتماء والندم على أي تصرف دعما لمن كانوا يظنون أنهم أعدل من ذلك .
وهذا الأمر ينطبق على مجالات شتى تحقق فكرة المقدمة التي قصدت أن أنقلها للقارىء الكريم أن يراجع كل منا منهجه ويتعامل بفلسفه (الاختلاف)، ويتقبل كل منا الآخر لأنه منهج الله في خلقه حتى (الاختلاف) في تطبيق التعاليم الدينية.
فالدولة نفسها تخشي من مناقشة (الاختلاف) بلب العقيدة، في حين أن استعراض الخلاف بمنهج كل معتقد عقيده في حدود الفكر والمنطق والعلم فلا أدني مشكلة، ولكن في هذا الأمر بالذات يبدو أن الدولة تعي جيدا انعدام فلسفة (الاختلاف) بين أبناء الوطن الواحد، بل إنها أصبحت فريضة غائبة.
في حين أن كل إنسان حر في اختيار عقيدته ويعبد ربه وفقا لشريعته والجميع يعيش في وطن واحد تحت مظلة الدستور والقانون، ومن يتعدي ذلك فيحاسب حسابا عسيرا وذلك لكي يتحقق ونتعلم فكر فلسفة الاختلاف ونرتقي الي المجتمعات التي تتشدق وتتعالى علينا بذلك، ولهم الحق لأننا تركنا المنهج الفطري واتجهنا إلى المنهج المادي اللاأخلاقي .
*المحامي بالنقض – منسق ائتلاف مصر فوق الجميع