كتب: محمد حبوشة
لم يكتف (قابيل/ راشد) القاتل بفعل جرائمه البشعة، في حق (هابيل/ فيصل) بالمسلسل السعودي (بيت العنكبوت)، بل ترك أخاه وزوجته وولده (مبارك) معرضا للهوام والوحوش البشرية، وعلى الرغم أنه عض أصابع الندامة، وندم ندما شديدا في مشهد وداعه لأخيه، إلا أنه سرعان ما انخرط في حياته ناسيا كل شيئ.
أهم ما يميز التراجيديا في مسلسل (بيت العنكبوت) نهاياتها التي تكون بالموت لـ (فيصل) الطيب، أو الدمار والفوضى لأسرته، إلا أن بطله (راشد) دائما ما يتحمل مسؤولية أخطائه، ويعرف عيبه الذي قاده إلى هذه النهاية، ومع ذلك يعاند المنطق الدرامي بجحود غيرمعقول!، وهذه كانت نقطة الضعف في المسلسل فلا منطقية لهذا الفعل الشائن بطريقة غير مبررة.
يقاتل (راشد) من أجل قضيته – التي يراها عادلة – متحملا المعاناة التي أصبحت عليها حياته، مما يحقق بعضا من التطهير النفسي على طريقته الخاصة، حيث يرتاح برؤية البطل الذي يقاوم ويقاتل رغم المعاناة متحملا مسؤولياته الخاصة بأنانية مفرطة، غير عابئ بأمه ووالده (مبارك/ جبران الجبران) الذي أوصاه على أخيه الصغير.
وفي إعادة لفكرة البطل المريض نفسيا بهدف جذب المشاهد من خلال التأثير العاطفي ظهر بطل مسلسل (بيت العنكبوت)، الممثل الشاب (تركي الكدريدس/ راشد)، في مبالغة مستفزة في تقديم شخصية المريض نفسيا الذي لايرحم ضعف أخيه (فايز الجريس/ فيصل).
ورغم محاولة الأم (غادة الملا/ فاطمة) والمخرج (بهاء خداج) لمسة إنسانية في تفاعلها مع الأخوين (فيصل، وراشد)، إلا أن الأداء الحركي لشخصية (راشد) الابن العنيد كان متناقضا جدًا في أغلب الأحيان من خلال ملامح الوجه والحوار.
ولعل خيانة الأخ لأخيه والزوج لزوجته، فإن شخصية (راشد) تجسد التناقض مع غرائزه بصورة فجة دفعت بعض المشاهدين لنقد بعض المشاهد الدرامية بقوة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.
تلك المشاهد التي لو لم تقدم فهي بلا شك لن تقلل من قيمة المسلسل أو تؤثر على خط سيره الدرامي، مما يدفع بالاعتقاد بأن تلك مشاهد قد زجت في المسلسلات لجذب الجمهور لا أكثر.
الإبداع بما يكفي لجذب المشاهد
ومع الثابت في الدراما الخليجية يأتي المتغير الذي يرتكز جله في إبداع الصورة وطرق الإخراج، فرغم نمطية الأفكار، إلا قصة (محمد حنش) علاوة على التصوير والإخراج الدرامي يحوي كمية من الإبداع بما يكفي لجذب المشاهد، وبما يعكس قوة الدعم المادي الذي تدفع ببعض بـ (بيت العنكبوت) إلى مستوى الإبهار.
إن تحقيق عملية الإبداع في الإخراج الدرامي تتلخص في استخدام التقنيات الحديثة بطرق صحيحة أو الدمج بين تقنيات الإخراج والتفكير الإبداعي في آن واحد من أجل إبراز المشاهد الدرامية، وهو ما يمكن أن تشاهده فعلا في (بيت العنكبوت).
يجمع مسلسل (بيت العنكبوت) بين الدراما والتاريخ، وهو نسخة من المسلسل العراقي الشهير (خان الذهب)، الذي حصد مشاهدات عالية داخل العراق والوطن العربي، وهو ما دفع المخرج (بهاء خداج)، بالتعاون مع المؤلف (محمد حنش)، إلى اقتباس العمل الجديد من المسلسل العراقي بجزئيه الأول والثاني.
ويتناول مسلسل (بيت العنكبوت) الذي ينتمي لفئة المسلسلات الطويلة عدد من القضايا الاجتماعية الهامة التي تدور داخل كل أسرة ويحاول الأبطال التغلب على تلك الأزمات والمشاكل خلال الأحداث على أن تشهد تصاعد يعمل على جذب الجمهور ومتابعي المسلسل.
وتدور أحداث (بيت العنكبوت) حول قصة الشقيقان (راشد وفيصل) اللذان يعملان مع والدهما في تجارة الذهب، لكن طمع (راشد) في المال والسلطة يزرع بذور عداوة بينه وبين (فيصل)، وتحرص زوجة (راشد) التي جسدتها (لبني عبد العزيز الخالدي/ نورا) على تغذية نارالفتنة بين الأخوين بمهارة وقدرة فائقة في الأداء.
وعلى الرغم من أن (لبنى عبدالعزيز) كشفت في تصريح لها، أن (المسلسل يزخر بالمواقف الإنسانية، ما صعب مهمتنا)، قائلة: (الصعوبات وجدناها في مشاعر المسلسل وليس في التصوير أو التمثيل، إلا أنها بالغت في أدائها كأفعى تنفث سمومها حتى النهاية.
إذ لم يكن من السهل عليها إظهار هذه المشاعر بشكل منطقي وواقعي، بحيث إن المشاهد يستطيع أن يصدق أن هذا الأمر واقعي.
وأستطيع القول: لم تنجح (لبنى عبد العزيز) في البعد عن المبالغة في الأداء، وأيضا المبالغة في التصنع في بعض المشاهد، كنا نبحث دائما طوال الأحداث الساخنة عن الواقعية والمنطقية التي تجعل المشاهد وهو يرى هذا العمل، كأنه جزء لا يتجزأ من هؤلاء الأشخاص ومن هذه القصة.
يسود الهدوء والمحبة بيت العائلة، أو على الأقل هكذا تبدو الصورة من بعيد، لكن عندما يعطي الأب وعدا بأن العمارة التي يملكها ستكون من نصيب أول حفيد للعائلة وهو ابن فيصل، يبدأ التخطيط، ويتحول الصراع إلى عدوانية وانتقام.
براعة (بن جريس والكريدس)
وضمن هذه الظروف، تعود (رحمة/ أصايل محمد) وهي الحب القديم لفيصل للظهور في حياته مجددا، فتتغير مسارات حياة الشخصيات، وهنا تقجر الأسئلة حول ما هي مصائرهم؟ ومن هم الضحايا؟
برع (فايز بن جريس) في دور الأخ الأصغر (فيصل)، أثبت بدلالة واضحة على أن هذا البيت بات هشا بعدما دب الخلاف بينه وبين شقيقه (راشد)، هذين الشقيقين اللذين يعتبران من أعمدة المنزل بعد الأب، وهو مادفعه إلى استخدام لغة جسد معبرة إلى حد كبير، ورغم الانفعال الزائد أحيانا، إلا أنه نجح في تجسيد الشقيق الطيب البرئ.
أما (تركي الكريديس) الذي لعب دور الشقسق الأكبر (راشد) بحرفية وثبات إنفعالي يحسد عليه في إظهار الجشع والطمع اللذين يملآن قلبه وعقله طوال الأحداث التي تتسم بالخشونة واجترار الشر في أبهى فصوله.
غاص (تركي الكريديس) في أعماق شخصية (راشد)، الذي يصفه بالرجل الذي لم يولد أحد بشره، حيث يقول: (خصلة سيئة في بني آدم، ولعلها متفاوتة بين الناس، وقد كتب لراشد الحظ الأوفر منها، فملأ الجشع قلبه وعينه وعقله).
فلم يكن يعنيه فقط سوى الحصول على المزيد من المال (كمن يقول أنا ومن بعدي الطوفان)، ولعل عنوان المسلسل يختصر الوصف الكامل للحكاية، لأن أوهن البيوت هو بيت العنكبوت.
فالإنسان قد يشعر بتأنيب الضمير إذا قهر الناس أو تجبر عليهم، فما بالك بمن يقهر شقيقه، الذي يسعى إلى التقرب منه وردم الهوة بينهما؟، يستمر هذا الشخص في مسيرة الانتقام والاستغلال والتجبّر والتسلّط، حتى يمكت وصف علاقة (راشد) بأخيه هي أسوأ علاقة يمكن أن نراها على الإطلاق.
(لبنى عبد العزيز) جعلت من ظروف (نورا) تخرج أسوأ ما فيها بأداء احترافي، إنها امرأة لديها كبرياء عال وطموح، تخطط وتتعامل مع تحدياتها والصعوبات بطريقة شرسة وعنيفة، ولا ترضى بالحلول الوسط، وهى تبدو إنسانة طبيعية، لأن الإنسان مجبول من الخير والشر.
لكن خشيتها على استمرار زواجها من عدمه واستقرارها ماديا واجتماعيا أخرج أسوأ ما فيها)، وترى (لبنى عبد العزيز) أن (للشخصية دوافع حاولت أن تجلب تعاطف الناس معها، نظرا لأنها تقتنع بمبرراتها، وهى تمثل الكثير من النساء اللواتي يشعرن بعدم الأمان لكونهن غير قادرات على الإنجاب).
(أصايل محمد) حساسية مرهفة
الممثلة الشابة الواعدة (أصايل محمد) جسدت دور (رحمة) بعذوبة شديدة، عندما اعتمدت تكنيك الهدوء في أدائها، ومن هنا تبدو شخصية (رحمة) هى نقلة نوعية في حياتتها الفنية، حيث جربت فيها مشاهد صعبة، ولم تكن توقتع أن أتمكن من أدائها بهذا الإتقان.
لعبت (أصايل محمد) شخصية (رحمة) ببساطة وحساسية مرهفة، لكن المشاكل والصدمات تأتيها مجتمعة، إلا أنها تحاول أن تبقى إيجابية طوال الوقت، ومن ثم فهى لم تفقد براءة وعفوية الأداء الذي جعلها من وجهة نظري الأفضل من بين أبطال المسلسل رغم سوداويته وقتامته.
ولقد أجاد كل من (هيلدا ياسين، ومحمد شامان، وفاطمة الشريف، وغادة الملا، وفتون جار الله، وميرال مصطفى، والعنود عبدالكريم، وهشام العشيوان، وسعد الكلثم)، في أدوارهم المساندة لأبطال المسلسل.
وفي النهاية يبدو لي مسلسل (بيت العنكبوت) عمل قريب من المجتمع الشعبي البسيط، الذي تدور أحداثة في (سوق الذهب) بالرياض، وهو عمل مبني على انقلابات غير متوقعة داخل خطوطه الدرامية.
لذا أشيد بعمل المخرج (بهاء خداج) الذي أثبت كفاءة عالية في إدارته للممثلين، وقدمهم بشكل مختلف عن أعمالهم السابقة، وفي هذا اعتمد على تقنيات متطورة وسلط الضوء على أبسط التفاصيل.
نجح (بيت العنكبوت) في أن يحقق شعبية كبيرة منذ عرض الحلقات الأولى له، ويرجع ذلك لعدة أسباب، أهمها: قوة القصة، ومدى تشابك الأحداث في صورة درامية خاصة وأنها تتعلق بصراع بين أفراد الأسرة والطمع، فضلا عن التجسيد الجيد للشخصيات وهذا جعل القصة أكثر تأثيرا في نفوس الجمهور.
بالإضافة إلى ذلك فإن المسلسل استهدف فئة كبيرة من الجمهور، وبالتالي زادت عدد المشاهدين من جميع الأعمار، وهو ما عكسه مؤشرات المشاهدات في السعودية حيث ظل (ترند) طوال الحلقات الثلاثين التي تنتهي الأحد القادم.