بقلم لكاتب الصحفي: محمود حسونة
(برغم القانون)، مسلسل غني بالدراما والأحداث المتلاحقة والتطورات المفاجئة، ولكن بل منطق.
النجاح الجماهيري للأعمال الدرامية لايستلزم منطق أحداثها وواقعية شخصياتها أحياناً، فكثير من الأفلام السينمائية والأعمال الدرامية تحقق نجاحاً كبيراً رغم خلوها من أي منطق.
بل إن الأفلام التي حققت إيرادات خيالية كانت بعيدة كل البعد عن المنطق وأفلام (مارفل) وما بها من شخصيات خارقة وأعمال حرب النجوم وغزو الكواكب هي التي تصدرت الإيرادات العالمية، ولذا فليست غريبة حالة النجاح الجماهيري التي تصاحبها حالة من الجدل على السوشيال ميديا بشأن مسسلسل (برغم القانون) المعروض حالياً.
(برغم القانون) مسلسل قاتم سوداوي كئيب، ولكنه في ذات الوقت سريع الإيقاع مكثف الأحداث ولا تخلو أي حلقة من حلقاته من تطورات جديدة كثيرها صادم يستحوذ على وجدان المشاهد ويجبره على التفاعل معه.
وهذا هو سر النجاح الجماهيري الذي يحظى به والذي ينقل بطلته (إيمان العاصي) ويضعها لأول مرة في مصاف النجوم بعد أن قدمت الكثير من الأعمال في أدوار الشخصية النسائية التابعة للبطل والتي تدور في فلكه، وتكون مجرد برواز من بين مجموعة براويز حوله.
كما أن مسلسل (برغم القانون) قدم للجمهور المصري بطلاً جديداً لم يكن معروفاً قبل عرض هذا المسلسل، وهو الممثل السوري الحاصل على الجنسية السعودية (محمد القس).
(القس) ممثل معروف خليجياً وسورياً، وشارك من قبل في تجارب مصرية مثل مشاركته (سمية الخشاب) في رمضان الماضي بمسلسل (غالية بميت راجل)، ومن قبله شارك (غادة عبد الرازق) في مسلسل (ثلث الثلاثة)، ومع النجم (ماجد الكدواني) في (موضوع عائلي)، وربما لم تحقق له كل تلك الأعمال الشهرة التي ينشدها، ولم يكن سبب عدم تحقيقه الشهرة فيها نتيجة قصور في أدائه أو ضعف فيه.
(القس) أمام (إيمان العاصي)
ولكن مساحة الدور التي لا يمكن أن تشهر فناناً، ولكن (موضوع عائلي) كان هو البوابة التي دخل منها إلى الدراما المصرية، ولولاه ما نال فرصة البطولة أمام (إيمان العاصي) في (برغم القانون)، والتي استطاع من خلالها أن يتخذ لنفسه مكاناً متميزاً على خريطة الفن المصري.
وهو ما كان يسعى إليه منذ عمله بالتمثيل قبل عشرين عاماً، فالفن المصري رغم كل ما يتعرض له من تحديات سيظل هو الحلم لكل فنان غير مصري يحلم بتحقيق الشهرة على المستوى العربي.
(إيمان العاصي) تألقت في هذا الدور واستغلت الفرصة جيداً لتنقل نفسها من مكان لآخر متقدم ومختلف على خريطة النجومية، رغم أنها في الحلقات الأولى كانت باهتة ونمطية الأداء.
ولكن مع تطور الأحداث أمسكت بجوهر شخصية (ليلى) الزوجة المخدوعة والأم التائهة التي عشقت وتزوجت نصاباً محتالاً، لتنقل الأحداث حياتها من محطة الاستقرار العاطفي والأسري إلى محطة المعاناة واليأس والخوف والإحباط وخيبة الأمل والملاحقة القانونية على جرائم لم ترتكبها.
أما (محمد القس)، فقد أبدع في تجسيد الزوج الشرير والمجرم الذي أذاق كل أهله وأبناءه وزوجتيه وصديقه وأقاربه من بئر إجرامه العميق، كراهية الناس له في أدائه لشخصية المزور النصاب المجرم أكرم هي شهادة تألقه وحجزه لنفسه مكاناً مهماً على خريطة الفن المصري.
ومن المتألقين الفنان الكبير (نبيل علي ماهر) العاجز عن حماية ابنته من زوجها المزور النصاب، (هاني عادل ومحمد محمود عبدالعزيز وفرح يوسف) قدموا المطلوب من دون زيادة ولا نقصان.
المؤلفة (نجلاء الحديني) قدمت عملاً ثرياً درامياً، أحداثه متلاحقة وتطوراته متسارعة ولكنها بلا منطق.
والمخرج (شادي عبد السلام) تعامل مع الثراء الدرامي في النص بحرفية عالية قطعت أنفاس المشاهدين وهم يلاحقون مستجداته من دون أن يخيب أملهم في الحفاظ على سرعة الإيقاع حتى النهاية أو على الأقل حتى ما تم عرضه حتى اليوم، خصوصاً أن المتبقي عرضه قليل من كثير.
اللامنطق في الأحداث
اللامنطق في الأحداث كثير، نستعرض هنا بعضاً مما بدا نافراً:
** البطلة (ليلى) هي محامية، تعرف القانون جيداً وكانت متفوقة على زملائها خلال الدراسة الجامعية وهى شخصية واعية، طيبة القلب ولكنها ساذجة، ورغم ذلك قدمتها المؤلفة غبية.
تتزوج من نصاب انتحل شخصية رجل متوفي بعقد زواج مزور، وتنجب منه أولاداً يستخرج لهم شهادات ميلاد مزورة من دون أن تكتشف حقيقته ولا حتى تحتفظ بعقد الزواج، بل تترك له كل ما يخصها بشكل أعمى، وهى التي تعي أن (القانون لا يحمي المغفلين).
** عاشت هذه الزوجة المخدوعة مع هذا النصاب عشر سنوات وهى له عاشقة وتراه النموذج المثالي للزوج.. ألم يتصرف خلال كل هذه المدة تصرفاً يثير شكوكها؟!
** في زمن الكاميرات التي تصاحب الإنسان أينما كان، لا توجد لدى الزوجة ولا الأولاد ولا والد الزوجة صور فردية أو عائلية مع الزوج النصاب ولا صور من حفل الزفاف باستثناء مقطع فيديو صغير اكتشفته شقيقتها على هاتفها.
وهذا المقطع الوحيد الذي سمحت به المؤلفة لاستغلاله درامياً، وهو ما يعني أن مقولة (المخرج عايز كده) تنطبق أيضاً على المؤلف أو بمعنى أصح عليهما سوياً.
** الزوج المزور عامل ابنه وابنته من (ليلى) بمنتهى الحب على مدار عشر سنوات، وبعد أن هرب واكتُشِف أمره أنكر نسبهما وتسبب في فصلهما من المدرسة وتشويههما نفسياً من دون أن يهتز له رمش.. منتهى التناقض!
** المجرمون في الحياة كثر، ولكن للإجرام حدود، وأكرم مجرم تجاوز كل الحدود وتجاوز مساحات الشر في النفس البشرية الأمارة بالسوء، أخفى شقيقه وقتل والده وعمه وأصاب ابن عمه بعاهة مستديمة وسرق أمواله وحاول أن يجنن زوجته الأولى بوضع المخدرات وحبوب الهلاوس في الأكل والشرب.
وسرق أموالها وتزوج (ليلى) باسم آخر وعقد زواج مزور أخفاه عنها وزور شهادات ميلاد أولاده ولم يكتف بل واصل مؤامراته عليها، وخدع صديق العمر وزميل الجامعة، وارتكب في عمله كل المخالفات، وحتى الحلقة 26 لم يترك خلفه أي مستند يمكن كشفه به.. أليس ذلك بكثير؟!
** شخصية الضابط المفصول من عمله والتي يؤديها (هاني عادل)، تحس في محاولاته لمقاومة شر ابن عمه (أكرم )أنه ساذج وعديم الخبرة، وكأنه لم يعمل ضابط شرطة.
وأخيرا: كثير من الأحداث لا يتقبلها العقل ولا تتوافق مع المنطق، والملاحظات السابقة مجرد نماذج.