بقلم الكاتب والأديب: محمد عبد الواحد
أخيرا تحقق للشاب الصغير (إيهاب نافع) حلمه بالالتحاق بكلية الطيران.. كان واحدا من ضمن دفعة قدرها 64 طيارا درسوا سويا حتى التخرج.. و للمصادفة كان (حسنى مبارك) مدرسا بالكلية في هذه الفترة، فتصادف لإيهاب نافع أن يتتلمذ على يديه.
وذكرياته مع حسنى مبارك لاتنتهى.. منها أنه كان يراه يعيش طوال الـ 24 ساعة داخل الكلية لا يغادرها تقريبا.. و منها أنه ذات يوم دعى كل الدفعة إلى السينما، وهناك اشترى لهم جميعا من كافتريا تشتهر بساندويتشات العسل و القشطة.
وعند جلوسهم داخل الكافتيريا لاحظ (مبارك) في الخارج طفلا يرقبهم وهم يأكلون ليسرع خارجا ويشترى له ساندويتشا، وعند عودته الى الداخل لاحظ أن للطفل ثلاثة أشقاء يرقبون شقيقهم في حرمان وهو يلتهم الساندويتش فعاود خروجه واشترى لكل منهم ساندويتش.
إلى جانب الرأفة في (حسنى مبارك) يتذكر (إيهاب نافع) أيضا مواقفا أخرى له تبرز جانب الحزم لديه.. فقد سافر (إيهاب نافع) مع صديق طيار له إلى سويسرا لقضاء إجازة، وهناك تعرف الصديق الى فتاة سويسرية وخطبها رغم تعارض ذلك مع قواعد الكلية ورغم نصح (إيهاب نافع) له، وعند عودتهما و إحاطة (مبارك) بالخبر قام على فوره بفصل الطالب الطيار من الكلية.
من مواقفه الأخرى الدالة على حزمه أن طيارا كان مقربا جدا إلى (حسنى مبارك) وأثناء قيادة طائرته في احدى الطلعات التدريبية حلق بها فوق قريته مستعرضا على ارتفاع منخفض ليرتطم جناح طائرته بشجرة ويتزحزح الجانح عن موضعه بمقدار 12 سنتيمتر مما أخل بتوازن الطائرة أثناء الطيران وارتباك الطيار.
وخشيته العودة والهبوط بها مع اختلال التوازن فأخذ (حسنى مبارك) يرشده بتعليمات متوالية حتى تمكن الطيار من الهبوط بطائرته بأمان في (قاعدة بلبيس الجوية) ليقوم مبارك فور هبوطه بفصله من الكلية الجوية، وتحويله الى الكلية الحربية ليستقيل بعدها ويتحول الى أعمال التجارة والبيزنس.
(إيهاب نافع) و(حسنى مبارك)
ويتذكر (إيهاب نافع) أن (حسنى مبارك) هو من طالب بتدريس اللغة العبرية في الكلية الجوية، وكان لإتقانها لنفسه وطلابه يخصص أوقاتا محددة لا يتلكم معهم خلالها إلا بالعبرية للمزيد من إتقانها.
بعد تخرج (إيهاب نافع) من الكلية الجوية كان من أقرب الطيارين الجدد إلى قلب مبارك حتى انه كان يتخذه دائما في تشكيلاته الجوية كفوماتور (يمين التشكيل) الذى كان يقوده، حيث أن التشكيل غالبا ما يتكون من سبع طائرات ثلاث في اليمين و مثلهم يسارا و القائد في الوسط.
وعن أول مهمة رسمية لإيهاب نافع كطيار فقد كانت طلعة طارئة للتصدى لاختراق طائرات إسرائيلية للأجواء المصرية، وكان من ضمن طيارى التشكيل (حافظ الأسد)، وقد قاموا معا بالتصدى للطائرات الإسرائيلية التي اضطرت للفرار دون القدرة على اللحاق بهم، حيث أن الطائرات الإسرائيلية كانت الأحدث.
ومن ضمن مهماته اللاحقة فقد تمكن (إيهاب نافع) من النقل جويا لـ 8 شحنات من المعدات والسلاح إلى الفدائيين في الجزائر لمقاومة الاحتلال الفرنسي، وقد كانت هذه المساعدات من ضمن أسباب اشتراك فرنسا في العدوان الثلاثى فيما بعد.
بالإضافة إلى تأميم قناة السويس التي شارك في عمليتها (إيهاب نافع) أيضا، حيث كان يقود إحدى المجموعات المكلفة بالتأميم، وكان معهم في انتظار كلمة السر (ديليسبس) التي سينطق بها عبد الناصر في خطبته لبدء العملية.
كذلك أثناء العدوان الثلاثى تم تدمير ممر 36 في مطار ألماظة حيث مقر القيادة بالإضافة الى المستشفى العسكري، فتم تكليف (إيهاب نافع) بالبحث في القاهرة عن البدائل.
بالفعل ظل (إيهاب نافع) يدور بسيارته الجيب العسكرية في أنحاء القاهرة ليستقر في النهاية على اختيار فندق (متربولتن هوتيل) ليكون مقرا جديد للقيادة، أما عن المستشفى المطلوب تهيئتها لاستقبال جرحى الحرب فقد وقع اختياره على المستشفى الفرنساوي التي كانت تحت إدارة فرنسية خالصة، ولعلاج رعايا فرنسا المشتركة في العدوان الثلاثي.
لذا طلب (إيهاب نافع) من القيادة احتلال المستشفى الفرنساوي، وبالفعل اقتحمها، وخير الإدارة والأطباء هناك بالمغادرة أو الاستمرار في العمل بعد أن أعلن لهم انه منذ اللحظة سيكون هذا المستشفى مخصص لعلاج المصريين فقط، وقد استمر هذا الحال الجديد للمستشفى الفرنساوي حتى اليوم.
(إيهاب نافع) والمخابرات
وفي أثناء حرب 56 أيضا كانت بداية العلاقة بين (إيهاب نافع) والمخابرات المصرية.. بالصدفة كان (إيهاب نافع) في استراحة الضباط في مطار العريش يتفقد الطبيعة من حوله بالمنظار، ليقع نظره على صبى في العاشرة ممن عمره يجلس على تبة عالية بالقرب من بوابة المطار.
وقد لاحظ أن الصبى كلما مرت سيارة خارجة وضع حصاة في جيبه الأيمن وكلما دخلت سيارة وضع حصاة في جيبه الأيسر.. فأدرك أنه يحصى قوة المطار لحساب جهة ما.
قفز (إيهاب نافع) الى سيارته وأمسك بالصبى وأحصى ما في جيوبه من حصى، واتصل بالمطار يسأل عن عدد السيارات التي غادرت والتي دخلت المطار، ليتفاجأ أنها بالضبط نفس عدد الحصوات في جيبه الأيمن وجيبه الأيسر.
وبالتحقيق مع الصبى تبين انه يعمل لحساب رجل من عرب سيناء وأرشد الصبى عن مكانه ليتم القبض عليه ليتبين أنه يعمل بالفعل لحساب الموساد الإسرائيلي، وكانت تلك الحادثة أولى خطواته على طريق طويل مع المخابرات، كان من ضمنها بعد ذلك العمل المشترك مع رفعت الجمال (رأفت الهجان).