كتب: أحمد السماحي
أحيينا أمس الذكرى الـ 43 لرحيل أحد عباقرة الموسيقى المصرية، المعجون بالفن (منير مراد)، الذي عاني من يهوديته حتى رحيله، رغم أنه أسلم وأطلق على نفسه لقب (محمد) وتزوج فى فترة من الفنانة (سهير البابلي).
رغم أن يوم وسنة رحيل (منير مراد) معلومة للجميع، وهى يوم 17 أكتوبر 1981، لكن يوم ميلاده والسنة غير معلومين، وإن كان (منير مراد) قد ذكر في أحد البرامج الإذاعية أنه من مواليد عام 1924، وبهذا تكون مئويته هذا العام، ورغم هذا لم يحتفي به أحد!
حتى مهرجان الموسيقى العربية الذي يقام منذ 32 عاما، لم يفكر مرة أن يهدي دورته إلى (منير مراد)، أو تقام ندوة عن أعماله الكثيرة المتنوعة التى قدمها في مجال الغناء، والسينما المصرية، والمثير والغريب أن يوم رحيله يصادف إقامة أيام وليالي المهرجان!.
وفي بداية هذا العام وعندما ذكرت مئويته لأحد الأصدقاء المسئولين عن مهرجانات السينما المصرية الكثيرة في مصر!، قال بكل جهل: (ماذا قدم منير مراد للسينما؟! ده راجل بتاع مزيكا!، كمان تاريخ ميلاده غير مؤكد أنه عام 1924).
فقلت لرئيس المهرجان: (ببساطة شديدة من يرجع إلى أفلام ليلى مراد الغنائية التى قدمتها في الأربعينات، سيجد اسم (منير مراد) الحقيقي وهو (موريس مراد) مكتوب عليها كمساعد مخرج، أو عامل كلاكيت)، وفي الصور الموجودة معنا ننشر بعضها في هذا الموضوع وسنجد أن عمره بالفعل في العشرينات.
وأضفت لرئيس المهرجان: (يا سيدي إفرض أنه من مواليد عام 1920، أو حتى 1922 لكن لم يحتفي أحد بمئويته من قبل، وفرصة أن نعطي لهذا العبقري المصري حقه، حتى تتعرف عليه الأجيال الشابة).
لكن رئيس المهرجان ظل على جهله، فقلت بيني وبين نفسي : (خليه ينعم في جهله) وتركته ومشيت!
(منير مراد) وأسرة فنية
هذا الأسبوع في باب (مظاليم الفن) لن نتحدث عن مولده، لأنه معروف كيف نشأ (منير مراد) لأسرة يهودية مصرية، وأب من أساطين الطرب في القرن التاسع عشر.
وهو (زكي أفندي مردخاي)، جميل الصوت، وسيم الوجه، شديد الأناقة، المحب للحياة إلى درجة الجنون، الذي غني فأبدع، وأصبح اسمه (زكي مراد) وأطرب أجدادنا القدامى، وكانت أسطواناته في كل بيت.
وكانت أم (منير مراد) ربة منزل تتمتع بصوت عذب جميل وهى (جميلة إبراهيم) والدها متعهد حفلات اسمه (إبراهيم رشتو) نظم حفلات للشيخ (سيد درويش، وسلامة حجازي، وعبداللطيف البنا، وصالح عبدالحي) وغيرهم.
300 لحن أو أكثر وليس 3000
لن نعدد أغنيات (منير مراد)، التى يقال أنها 3000 لحن، لكنها ليست بالتأكيد 3000 كما ذكر هو مع الإعلامية الكبيرة (أمينة صبري) في برنامجها الشهير (حديث الذكريات)، وتناقل العدد كل الجرائد والمواقع الإلكترونية!
ولكنها بالتأكيد تعدت الـ 300 لحن، يمكن أن تقل بعض الشيئ، أو ترتفع قليلا جدا عن هذا العدد، لكنها بالتأكيد ليست 3000 لحن!.
ولن نكتب عن (منير مراد) بالشكل التقليدي، لأن من يتحدث عن العظيم (منير مراد) لابد أن يكون لديه مس من الجنون ليواكب جنونه الفني، لهذا سنذكر مشواره من خلال نقط بسيطة، توضح دوره الهام في مجال الموسيقى والغناء والسينما، ونقول:
** محدش شاف (منير مراد)، الذي وقع في عشق الفن منذ طفولته، فعمل في كل المهن الفنية داخل (بلاتوهات) السينما المصرية، وشاهده الفنان (أحمد سالم) مدير (ستوديو مصر) وأعجب بذكائه وخفة ظله، بعد أن لحن له (مانشيتات الصحف) فاقترح عليه أن يلحن ويغني ويمثل.
وقدمه (أحمد سالم) للمخرج (كمال سليم) ليعمل معه فعمل، في البداية عامل كلاكيت، ثم ملاحظ سيناريو، مرورا بمساعد مخرج، وصولا لملحن أغنيات الفيلم.
** محدش شاف (منير مراد)، الذي رقص ومثل، وغنى، ولحن، وجعل الجمهور وكثير من زملائه في حالة من الأنبهار عند رؤيته يغني أو يلحن، أو يقلد.
(منير مراد) وشقيقته (ليلى) والسينما
** محدش شاف (منير مراد)، شقيق سندريلا السينما الغنائية (ليلى مراد) التى لم تأت حتى الآن من ملأت فراغ أفلامها الغنائية الإستعراضية، ولا حصلت على أجرها، والذي كان – وما زال – أغلى أجر في تاريخ السينما المصرية.
وبلغ 15 ألف جنيه في الثلاثينات والأربعينات، عندما كان الدورلار بـ 20 قرش، أي أن الجنيه المصري كان سعره 5 دولارات، وإرتفع أجر ليلى مراد في آخر أفلامها إلى 20 ألف جنيه.
** محدش شاف (منير مراد)، الذي ظهر كومبارس في ثلاثة أفلام، اثنين منهما مع شقيقته (ليلى مراد) وهى: (ليلى بنت الأغنياء) و(قلبي دليلي)، والفيلم الثالث هو (ابن عنتر) ولعب فيه دورا صغيرا.
وفي عام 1953 قام ببطولة فيلم (أنا وحبيبي) مع (شادية)، وكان من تأليفه، وفي عام 1955 قام ببطولة فيلم (نهارك سعيد)، وفي نفس العام قدم (موعد مع إبليس) وكان آخر ظهور سينمائي له عام 1964 حيث ظهر كضيف شرف في فيلم (بنت الحتة).
** محدش شاف (منير مراد)، ملك الأغنية المرحة، الذي قدم للسينما المصرية، أهم الأسكتشات والثنائيات الغنائية، فضلا عن الأغنيات، والتى كانت تجمع ما بين خفة الظل، وطرافة الكلمة، وعذوبة وخفة وبساطة الجملة اللحنية، وجاذبيتها، وإجادة المزج بين الموسيقى الشرقية والغربية، فضلا عن الخفة والمرح والسرعة والرشاقة.
(منير مراد) وشادية وشريفة فاضل
** محدش شاف (منير مراد)، الذي أسس لشادية مملكتها الغنائية من خلال تعاونه المبكر معها، حيث رسم لها شخصيتها الفنية التى جعلت منها معبودة الجماهير في الخمسينات والستينات.
ولحن لها (خمسة في ستة، واحد، اتنين، سيد الحبايب، إن راح منك يا عين، سونة يا سنسن، فارس أحلامي، يا سارق من عيني النوم، يا دبلة الخطوبة، على عش الحب)، وغيرها الكثير.
كما أسس أيضا لشريفة فاضل مملكتها الغنائية وأعطاها أشهر ما غنته، والعلامات البارزة والقوية في مشوارها مثل (فلاح كان فايت بيغني من جنب السور، وحياتك يا شيخ مسعود، لما راح الصبر منه، حارة السقايين، دور، دور لف الدنيا بحالها، الليل موال العشاق)، وغيرها الكثير.
منير مراد ونجوم الطرب
** محدش شاف (منير مراد)، الذي لحن لكل أساطير الغناء باستثناء (أم كلثوم، محمد عبدالوهاب، فريد الأطرش، محمد فوزي)، لكن باقي نجوم الغناء وضع لهم ألحان كانت علامات بارزة في مشوارهم.
بداية من (ليلى مراد) التى لحن لها حوالي 15 أغنية منها (يا طبيب القلب، أنا زي ما أنا، يا رايح على صحراء سيناء) وغيرها.
كما كون ثنائيا ناجحا مع (عبدالحليم حافظ) من خلال أغنيات كثيرة نذكر منها (أول مرة تحب يا قلبي، مشغول وحياتك مشغول، بحلم بيك، تعالى أقولك، إحنا كنا فين، ضحك ولعب، دقوا الشماسي، بأمر الحب، بكره وبعده) وغيرها.
ولحن لصباح (علمني الحب، مش فاكرة شفتك فين، عطشانة) وغيرها، ولوردة لحن (من يوميها، ورحالة)، ولفايزة أحمد (شغلوني عيونك، بغير عليه) ولهدى سلطان (كدة مرة واحدة).
ولم يقتصر تعاونه عند جيل معين فلحن أيضا لمحمد رشدي (كعب الغزال)، محمد قنديل (زعلوا الأحباب)، محرم فؤاد (شفت الحب)، عادل مأمون (أبعد عن الحب)، محمد العزبي (آخر حلاوة)، عايدة الشاعر (أنا أحبك)، ليلى نظمي (م الثانوية للكلية).
وصولا لهاني شاكر الذي تعاون معه في (قسمة ونصيب، وتصادف الأيام)، ومحمد ثروت (غنوة للناس كلها)، وعفاف راضي (أبعد يا حب).
وغيرهم من المطربيين فضلا عن كل نجوم التمثيل، مثل (ثريا حلمي، محمود شكوكو، إسماعيل ياسين، نعيمة عاكف، سعاد حسني، فؤاد المهندس، شويكار، نيللي، صفاء أبوالسعود، أمين الهنيدي) وغيرهم.
** محدش شاف (منير مراد)، الذي وضعته ألحانه على خريطة أساطين النغم في مصر، وهم كثيرين جدا في عصره، بداية من (الشيخ زكريا أحمد، ومحمد عبدالوهاب، ورياض السنباطي..
ومحمد فوزي، وأحمد صدقي، ومحمود الشريف، مرورا بـ محمد الموجي، وكمال الطويل، وبليغ حمدي و ورؤوف ذهني، محمد سلطان، وصولا لعبدالعظيم محمد، وحلمي بكر، وخالد الأمير) وغيرهم.
كوبليه آخير
رحم الله عبقري مصر منير مراد الذي أسعدنا كثيرا – ومازال – نتمنى أن تقيم دار الأوبرا المصرية خلال الفترة القادمة، وبعد انتهاء مولد (مهرجان الموسيقى العربية)، ليلة لهذا الفنان الذي وقع عليه ظلما شديدا ومازال!، أو نلفت نظر المستشار (تركي آل شيخ) لإقامة ليلة لعبقري الموسيقى المصري في موسم الرياض.
