كتب: محمد حبوشة
يبدو واضحا أن (إسرائيل) والدول الكبرى (أمريكا وغالبية الدول الأروبية)، اتفقوا جميعا على تصفية القضية الفلسطينية بإبادة كاملة للشعب الفلسطيني، أو تهجيره إلى الأردن أو أي وطن آخر بديل، ومن ثم يحكمون سيطرتهم على (غرة والضفة) تمهيدا لتنفيذ مخطط أن تصبح أول دولة دينية في التاريخ طبقا للمفاهيم التلمودية والتوراتية، كما تروج إعلامهم.
ويبدو واضحا أن سياسية (إسرائيل) الحالية ترتكز بشكل كبير جدا على المفاهيم التلمودية والتوراتية لأحداث آخر الزمان، وبناء على ذلك تكثر المفردات الدينية في خطاب (نتنياهو) أكثر من السابق، إذا ما تابعنا الإعلام العبري والأمريكي وبعض الدول الأوربية.
وكذلك بات جميع وزراء حكومة (إسرائيل) يعتمدون مفردات دينية واقتباسات توراتية، هذا عدا عن خطابات وزراء وحاخامات الصهيونية الدينية، كما أن عديدا من الوزراء وأعضاء الكنيست العلمانيين والليبراليين أصحبوا يتحدثون بلغة دينية توراتية.
ويعتمدون مفردات تلمودية، وهو ما يشير إلى هيمنة هذه المفاهيم على سلوك ونهج وقرارات الحكومة الإسرائيلية من منطلق المفهوم الديني التلمودي لأحداث ومآلات آخر الزمان.
وعزا المحامي المختص في قضايا القدس والأقصى (خالد زبارقة) ما وصلت إليه الساحة السياسية الإسرائيلية من تعزيز المنطلقات الدينية والمفاهيم التوراتية في الخطاب الإسرائيلي العام إلى تعزز القناعات لدى الإسرائيليين بالوصول إلى (مرحلة الحسم).
وعلى هذا الأساس فهم يروجون منذ بداية الحرب على غزة الاقتباسات الدينية والتوراتية لتبرير استمرار الحرب.
وأشار إلى أن كبار الحاخامات، وتحديدا في (الصهيونية الدينية)، يؤمنون أنه على الرغم من الأوضاع الصعبة التي يعيش بها اليهود في فلسطين، وغرقهم في القضايا المصيرية، فإن هذا سيؤدي بهم إلى الخلاص، ويؤمنون أنه ستأتي معجزة لتنقذهم من حالة الضياع التي يعيشونها بهذه المرحلة.
ولفت إلى أن مجموعة الحاخامات التي تقود (إسرائيل) في هذه المرحلة، ترى بالحرب على غزة فرصة للقضاء على الفلسطينيين، ويرون أن هذه المرحلة المناسبة للقفز نحو الأمام بالقضايا المصيرية، بكل ما يتعلق بهوية إسرائيل بوصفها دولة يهودية توراتية، والمفهوم الديني التلمودي لـ (جبل الهيكل) والأقصى والقدس.
تداعيات سلبية على إسرائيل
لكن (زبارقة) يعتقد أن التطرف الديني الذي تشهده الخارطة السياسية الإسرائيلية ستكون له تداعيات سلبية على إسرائيل أكثر منه على الفلسطينيين، قائلا: (إن اقتحام الأقصى ومسيرة الإعلام واعتداءات المستوطنين على الأماكن المقدسة، وحرب الإبادة وجرائم الحرب لا تحرك فقط مشاعر العرب، بل تثير مشاعر الغضب ضد إسرائيل حول العالم).
ومن هنا أتساءل: ما فائدة أن تثير حرب الإبادة مشاعر الغضب تجاه إسرائيل إذا كانت لا تلقي بالا لذلك؟!
فمن خلال حوارا مع الحاخام الصهيوني (مانيس فريدمان) فى مجلة (أوكونومست) الأمريكية حول الطريقة المثلى لتعامل اليهود بفلسطين المحتلة مع جيرانهم من العرب، أتت إجابة (فريدمان) صريحة: (إنني لا أومن بالأخلاقيات الغربية، بمعنى أن عليك ألا تقتل المدنيين أو الأطفال، وألا تدمر الأماكن المقدسة..
وألا تقاتل في المناسبات الدينية، وألا تقصف المقابر، وألا تطلق النار قبل أن يطلقها عليك الآخرون.. إن الطريقة الوحيدة لخوض حرب أخلاقية هى الطريقة اليهودية: دمِّر أماكنهم المقدسة، واقتل رجالهم ونساءهم وأطفالهم ومواشيهم).
وقد علل (فريدمان) ذلك بأنه الرادع الوحيد والحقيقي للتخلُّص من ثبات الفلسطينيين ومقاومتهم المستمرة، وأن تلك هي قيم التوارة التي ستجعل الإسرائيليين (النور الذي يشع للأمم التي تعاني الهزيمة بسبب هذه الأخلاقيات (الغربية) المدمرة التي اخترعها الإنسان).
إذن هذا الحاخام وغيره قادة (إسرائيل)، وكذلك الدول المساندة لهم، يرون أن (الأخلاقيات الغربية) لا تصلح لتنفيدها في المجتمع الإسرائيلي حاليا، وبالتالي بهذا السفور الشديد، قدم (فريدمان) عقيدته في التعامل الأمثل مع الفلسطينيين الذين ينغصون هناء الفردوس الإسرائيلي على حد قوله.
وهو في هذا لا يتبع وجهة نظر شخصية ولا يتحدث من وحي أفكاره، وإنما يعتبر الأمر واجبا دينيا وتعليما توراتيا مقدسا لا ينبغي العدول عنه، كاشفا لنا بكل وضوح عن الموقف اليهودي من فلسطين وشعبها، والأساس النظري لكل أعمال الإبادة والإرهاب التي مارستها الصهيونية أثناء وجودها بفلسطين المحتلة.
لأجل هذا، نحتاج إلى العودة قليلا إلى الوراء، لنرى جذور هذا الخطاب الإبادي وتلك النزعة الإجرامية التي تُشرعن للصهيوني أعمال القتل والإبادة والتهجير والتطهير العِرقي باسم الإله، فما هذه الجذور؟ وكيف بنت الصهيونية خطابها عليها؟ وإلام أفضى هذا البناء؟
في كتابه (الجريمة المقدسة)، ذكر الدكتور(عصام سخنيني)، أستاذ التاريخ السابق في جامعة البترا الأردنية، أن خطاب الإبادة الصهيوني استخدم التوراة وأسفارها لشرعنة جرائمه وممارسته في فلسطين.
الأطماع الاستعمارية في فلسطين
ورغم التعارض الصارخ بين الصهيونية بوصفها حركة علمانية والتوراة بوصفها نصا دينيا، فقد استغلت الأولى الشريعة اليهودية حتى تتحقق لها أطماع (إسرائيل) الاستعمارية في فلسطين.
يرى (سخنيني) أن فعل الإبادة الصهيوني اتخذ من الرموز والأساطير الكتابية – أو التوراتية – (مرجعية له يستوحي منها ما فعل الأسلاف لتطبيقه على الواقع الراهن).
وهو ما يؤكده تصريح الأستاذ بجامعة حيفا (بيت هلحمي)، إذ يرى أن (إسرائيل) تتعامل مع كتابها المقدس بوصفه مرجعا تاريخيا يجب تكرار أحداثه التاريخية، ووفق هذه الرواية فإن إبراهام – أو نبي الله إبراهيم – كان أول من عهد إليه (يهوه) – الإله التوراتي – بأرض فلسطين التاريخية.
واختص بهذا العهد من ذريته إسحاق، ثم يعقوب – أو (إسرائيل) – لتكون هذه الأرض من بعده ملكا لبني إسرائيل بحق إلهي مقدس.
وبالنظر إلى النص التوراتي، بوصفه مرجعا تاريخيا للحركة الصهيونية، سنجد أن (سفر التثنية) يشرح بوضوح الإستراتيجية الحربية الواجب اتباعها عند دخول البلدان.
حيث يقول: (حين تقترب من مدينة لكي تحاربها استدعها للصلح، فإن أجابتك إلى الصلح وفُتحت لك، فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويستعبد لك، وإن لم تسالمك، بل عملت معك حربا، فحاصرها..
وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف، وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة، كل غنيمتها، فتغنمها لنفسك، وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الرب).
انطلاقا من هذا التأصيل الكتابي، يرى الدكتور (رشاد الشامي)، الباحث المخضرم في الشؤون العبرية، أن هذه القوانين الكتابية (هى التي يتسلمها القادة الإسرائيليون كمصدر وحي، وكشريعة مقدسة لاستئناف البعث الإسرائيلي في فلسطين، على أساس أن كل جريمة تصبح شرعية وقانونية من أجل تحقيق وعد الرب).
وبمزيد من التأمل في هذا التأصيل الكتابي، سنجد في سفر يشوع بأن (يشوع) عند اقتحامه أرض كنعان – فلسطين التاريخية – مع جيشه من بني (إسرائيل)، لم يبقوا عرقا ينبض بالحياة في كل المدن التي اقتحموها.
التحريم معناه الإبادة
فبعد أن أخذوا (أريحا) حرموا كل ما في المدينة من رجل وامرأة، من طفل وشيخ، حتى البقر والغنم والحمير، بحد السيف.. وأحرقوا المدينة بالنار مع كل ما بها، والتحريم هنا معناه الإبادة، وكذلك فعلوا بـ (عاي) التي يحكي النص أن (يشوع) أحرقها (وجعلها تلا أبديا خرابا).
بعيدا عن التلفيق المذكور بالنص الكتابي وادعائه على نبي الله (يشوع بن نون) هذه المجازر، فإنه بموجب هذا السفر وغيره، يرى (سخنيني) أن شخصية (يشوع) التوراتية، بما نسب إليها من جرائم إبادة واستئصال للآخر، تبدو الشخصية التوراتية الأبرز لقادة المشروع الصهيوني ومحل إعجابهم الأول.
حتى إن رئيس الوزراء (إسرائيل) الأول (ديفيد بن جوريون) صرح يوما أنه (لا بد من وجود استمرارية من يشوع بن نون إلى جيش الدفاع الإسرائيلي).
لم تقتصر تلك العقيدة الاستئصالية المدعومة بالأساطير الدينية على القرارات السياسية والعسكرية فحسب، بل امتدت عبر عقود الاحتلال إلى صلب المؤسسة التعليمية ذاتها.
حتى إن أستاذ علم النفس بجامعة تل أبيب (جورج تمارين) أجرى دراسة استقصائية على نحو ألف طالب وطالبة من المدارس الثانوية في (إسرائيل)، لرصد تأثير أفعال الإبادة المنسوبة إلى (يشوع) في تفكيرهم.
فوجد أن نحو 80% من الطلاب وافقوا على صحة ما هو منسوب إلى (يشوع) في أريحا ومكيدة، بينما رأى 38% منهم أن على الجيش الإسرائيلي تكرار الإبادة نفسها بالقرى العربية التي يدخلها.
إلى جانب رمزية أرض كنعان وفلسطين التاريخية، يرى (سخنيني) أن ثمة رمزية أخرى أكثر شيوعا في الفكر الإبادي الصهيوني، وهى أسطورة (عماليق) التي تتردد كثيرا على ألسنة الصهاينة وأقلامهم، وتقدم نموذجا لما ينبغي التعامل به مع العرب الفلسطينيين.
ولننظر إلى الرسالة التي وجهها أحد كبار حاخامات الكيان الصهيوني الرسمية إلى قادة الاحتلال، والتي كتب فيها: (لا تهتموا بسكان غزة المدنيين وقت الحرب، عليكم الاعتداء عليهم بكل قسوة، لا تأخذكم بهم رأفة أو شفقة، عليكم فقط حماية مواطنينا وجنودنا).
وفي هذا السياق، يبدو أن الخطاب اليهودي الصهيوني على الصعيدين السياسي والديني كشف نوايا الاحتلال الحقيقية البعيدة كل البعد عن فكرة إقرار السلام في المنطقة التي طالما دعت إليها الأمم المتحدة والهيئات التابعة لها وحتى دول العالم أجمع منذ عشرات السنوات.
فلا يمكن فصل هذا الخطاب عن الأيديولوجية الصهيونية التي تأسس عليها الكيان ولا ينبغي إرجاع سببه إلى عملية (طوفان الأقصى) وتقييده بحدود السابع من أكتوبر كما يصور دائما قادة (إسرائيل) والإعلام الغربي المتواطئ معهم، في تبرير همجي لا يخلو من السذاجة لعمليات الإبادة الجماعية التي يشهدها القطاع.
ارتكاز الفكر الصهيوني
إن ارتكاز الفكر الصهيوني في كثير من عناصره على الموروث الديني اليهودي، وقولبة نصوصه التوراتية بهدف تعبئة واستقطاب يهود العالم، أبرز خطورة تأثير الفتاوى الدينية داخل الكيان الصهيوني، على الصعيدين الشعبي والسياسي.
فقد قال حاخامات الاحتلال في إحدى فتاواهم: (إن الطريق الصحيح أمامنا اليوم هو مواصلة الحرب بكل قوتنا دون توقف، والسعي لإبادة الفلسطينيين وزيادة الضغط عليهم قدر الإمكان، للوصول إلى نقطة فرض السيطرة، وحينها سيتم إطلاق سراح جميع الأسرى).
الأمر الذي أصبح مؤكدا الآن أن أمريكا صدقت على تصفية القضية الفلسطينية بنهاية شهر نوفمبر القادم قبل بدء فعاليات الانتخابات الرئاسية، وهو ماترجمه (كريس هيدجز)، كاتب صحفي ومراسل عسكري أمريكي عبر فيديو وجهه بصورة مباشرة إلى الفلسطنيين دعما لـ (إسرائيل)، قائلا:
الهروب للحفاظ على حياتكم.. إهربو من رفح كما هربتم من غزة، كما هربتم من جباليا، كما هربتم من دير البلح، كما هربتم من بيت حانون، كما هربتم من خان يونس.. إهربوا أو سنقتلكم.. سنسقط قنابل GB9-39 على مخيماتكم ونشعلها.. سنقصقكم بالمدفعية وقذائف الدبابات.. سنقتلكم بالقناصة.
سندمر خيامكم مخيمات اللاجئين.. مدنكم وبلداتكم.. منازلكم.. مدراسكم.. مستفياتكم ومحطات تنقية المياه.. سنمطر عليكم الموت من السماء.. إهربوا للحفاظ على حياتكم مرة تلو الأخرى.. احزمو مابقي لديكم من أمتعة.. بطانيات.. بعض الأواني.. بعض الملابس.. مدى كبر سنكم.. أو مدى صغر سنكم!
مخلوقات أدنى من البشر
إهربوا.. إهربوا.. إهربوا، وبينما تهربون برعب إلى جزء من غزة سنجعلكم تستديرون وتركضون إلى جزء آخر منها محاصرين في متاهة من الموت.. ذهابا وإيابا.. وهبوطا جنبا إلى جنب ست مرات.. سبع مرات.. ثماني مرات.. نتلاعب بكم كالفئران في الأفخاخ ثم نطردكم.. حتى لا تمكنوا من العودة أبدا أو نقتلكم.
فليندد العالم بإبادتنا الجماعية.. لماذا يهمنا ذلك.. مليارات المساعدات العسكرية تتدفق دون توقف من حليفنا الأمريكي.. الطائرات المقاتلة.. قذائف المدفعية.. الدبابات القنابل.. إمداد لاينتهي لقتل الأطفال بالآلاف.. نقتل النساء والمسنين بالآلاف.. يموت المرضى والمصابون بدون دواء ولا مستشفيات.
نسمم المياه.. نقطع الطعام.. نجعلكم تجوعون.. نحن من صنعنا هذا الجحيم.. نحن الأسياد.. القانون واجب.. قواعد السلوك لا وجود لها بالنسبة إلينا.. لكن أولا نتلاعب بكم.. نرعبكم.. نستمتع بخوفكم.. نسخر من محاولتكم البائسة للبقاء على قيد الحياة.
أنتم لستم بشرا.. أنتم مخلوقات أدنى من البشر.. نغزي شغفنا بالسيطرة.. انظروا إلى منشوراتنا على وسائل التواصل الاجتماعي.. لقد أصبحت منتشرة بشكل كبير.. منشور يظر الجنود وهم يبتسمون في منزل فلسطيني مع مالكي المنزل وهم مربطون ومعصوبي الأعين في الخلف.
ننهب سجادات مستحضرات تجميل.. دراجات نارية.. مجوهرات.. ساعات.. نقودا.. ذهبا.. تحفا.. نسخر من بؤسكم.. نهتف لموتكم.. نحتفل بدينا.. بأمتنا.. بهويتنا.. بتفوقنا بمحو وجودكم.. الانحطاط هو معيار الأخلاق الوحشية.. هى مسيرة البطولة.. الإبادة الجماعية هى الخلاص.
وهكذا يتضح لنا مما سبق أن (إسرائيل) ماضية في سيناريو تصفية القضية الفلسطينية، وإقامة دولتهم على كامل التراب الفلسطيني، بدعم من أمريكا ودول أوروبا المساندة للكيان الصهيوني، وبالطبع تساند هذا الكيان في إقامة (دولة إسرائيل الكبرى)، بينما العرب يغطون في نوم عميق!