بقلم الكاتب والأديب: محمد عبد الواحد
الدراما هى رحلة التحول من بداية ما إلى نهاية عكسها تقريبا.. وقد كانت حياة (إيهاب نافع) كذلك.. أما عن النهاية.. فعلينا أن نطل على (إيهاب نافع) في آخر أيامه.. شيخا عجوزا مريضا معزولا في غرفة بشقة تحت سطوة زوجته الثالثة عشر.
وقد جردته من كل أملاكه بتوكيلات رسميه.. ومنعت عنه تماما حتى زيارة أولاده له.. معلنة في الصحف عن مطالبتها بعلاج الفنان على نفقة الدولة بدعوى أنه غير قادرعلى نفقات علاجه.
كانت تعامله بقسوة بينما هو شبه فاقد للتركيز والوعى حتى اضطرت زوجته الثانية الفنانة (ماجدة الصباحي) للتدخل بقوة وتحريره من عزلته ونقله إلى مستشفى القوات الجوية.
ليرقد هناك شبه فاقد للوعى عدا لحظات قليلة كان يستفيق فيها على صوت ابنته (غادة نافع) تقرأ بجانبه القرآن فيقبل يديها ويعود إلى إغفاءته حتى رحل عن عمر 71 عاما في 30/12/2006، وهو نفس الصباح الحزين الذى تم فيه إعدام صدام حسين.
وأما عن البداية.. فقد كانت عام 1935، في منطقة جاردن سيتى..حيث ولد(إيهاب نافع) في فيللا فسيحة بجوار السفارة البريطانية والأمريكية.. والده (د. محمد نافع) أشهر طبيب عيون في مصر.
تعلم في (تورنتو) بسويسرا.. ذاعت شهرته حتى أصبح الطبيب الخاص للملك فاروق ولعدد كبير من الملوك و الرؤساء و المشاهير، مما فتح أبواب الطبقة الأرستقراطية ونعومة حياتهم على مصراعيها أمام (إيهاب نافع) منذ نعومة أظافره.
خاصة وأن والدته هى الأخرى (براسيوز ذوالفقار) من عائلة ذوالفقار الشهيرة تركية الأصل.. والتي تنتمى اليها عائلة ذوالفقار الفنية.
إيهاب تافع في السعودية
كان (د. نافع) يسافر 3 أشهر من كل عام لرعاية العائلة الحاكمة في السعودية.. وقد رافقه (إيهاب نافع) عام 1949 – في الرابعة عشر من عمره – ليمضى هذه الفترة بكاملها في صحبة الملك عبد العزيز الذى كان يحبه.
حتى انه حينما سمع منه إعجابه بالخيل أهداه في نهاية رحلته ثلاثة من الخيل الملكى ليعود بهم إلى مصر.. وقد أودعهم (إيهاب نافع) اصطبلات نادى الجزيرة متعهدا بدفع كامل نفقات رعايتهم هناك.
بالمناسبة فقد استمرت هذه الأحصنة هناك لفترة طويلة وكانت تخسر السباقات مما دفع (إيهاب نافع) لبيعها لتتصل والدته بيوسف بك وهبى فاشتراها بمبلغ 60 جنيها وهو مبلغ زهيد بالنسبة لقيمتها.
الغريب أنه في اليوم التالى لشرائها دخلت الأحصنة سباقا فحصد ثلاثتهم ثلاثة مراكز متقدمة جنى من ورائها يوسف وهبى مبلغ 200 جنيها في يوم واحد، إلى جانب هذه الأحصنة أهداه الملك عبد العزيز عقدا من اللؤلؤ هدية لوالدته.
ثم منحه الملك كيسا ثقيلا من الحرير الأبيض قائلا له (هذا لك).. وحينما فتحه وجده مملوءا بجنيهات ذهبية احتفظ بسرها لنفسه.
كان (إيهاب نافع) معتادا التواجد في حضرة الملوك والتنعم برفاهياتهم، وحتى الغريب من تصرفاتهم.. ولا ينسى يوما عودة أبيه غاضبا من سهرة بوكر مع الملك فاروق حينما استولى على المال الموجود على المائدة بحجة أن معه 4 ملوك.
وحينما راجعه الدكتور نافع: لكنهم في يدك ثلاثة ملوك يا مولاى، أجابه وهو يكوم المال لنفسه – وأنا الملك الرابع!
و رغم غضبه إلا أنه تفاجا بعد أيام بمنشور في الوقائع المصرية نصه: (أنعم مولانا الملك فاروق الأول على الدكتور (محمد نافع) برتبة الباكوية).
وفى رحلة علاج الوالد إلى باريس رافقه (إيهاب نافع) وقد اصطحب معه في الخفاء كيس الجنيهات الذهبية.. بجوار فندق جورج الخامس الذى نزلا به كان مقاما معرضا للسيارات.
ولعشق (إيهاب نافع) المعروف للسيارات فقد تمسك هناك بشراء سيارة كاديلاك سوداء حديثة موديل 1946 بزجاج كهربائى وقيادة أوتوماتيك بدواستين فقط.. كانت السيارة مبهرة باهظة الثمن (1250 جنيه استرلينى).
أسرع إيهاب عائدا إلى الفندق وباع من جنيهاته الذهبية ليعود بالمبلغ إلى صاحب المعرض المذهول لحداثة سن هذا المشترى.. وحينما عاد بها الى الفندق وسؤاله أبوه عنها أخبره في سعادة أنه صاحب السيارة، ليسأله غاضبا عن مصدر النقود.. وأنها بالتأكيد والدته من أرسلت له المبلغ.
سيارة فورد حديثة
واشتد غضب الوالد لأن والدته كانت منذ فترة قصيرة قد اشترت لإيهاب سيارة فورد حديثة.. وحينما أخبره (إيهاب نافع) بقصة الجنيهات الذهبية أمره بإعادة السيارة فورا إلى المعرض واسترداد نقوده.
أظهر (إيهاب نافع) موافقته.. وباع من الجنيهات الذهبية ما يغطى تذكرة الباخرة إلى مصر وتكاليف شحن السيارة.. وترك لوالده خطابا يخبره بوجهته.. منطلقا بالسيارة من باريس إلى ميناء مارسيليا.
وفي مصر فاجأته الجمارك بطلبها ب220 جنيها لم يكن معه منها سوى 18 جنيها فقط.. اتصل (إيهاب نافع) بوالدته لتنقذه بتخليص السيارة فأخبرت والده بالموقف ليقسم عليها بالطلاق إذا ما منحته جنيها واحدا.
ولكى تتخلص الأم من المأزق حادثت أخيها (أحمد مراد ذوالفقار باشا)، فقام بدفع الجمارك من جيبه الخاص كهدية لإيهاب الذى انطلق بها إلى القاهرة في سعادة غامرة.
بعد وصوله للقاهرة ذهب (إيهاب نافع) إلى قصر عابدين ليقوم بالسلام على الملك فاروق، وأثناء المقابلة حكى له عن رحلته إلى باريس وعن السيارة الكاديلاك وإمكاناتها التي لم يملكها شخص في مصر إلى الآن.
ليصيح فاروق فجأة: عربية كاديلاك بتاع (إيهاب نافع) يجى حالا.. يتحط على ترلة ويجى هنا.
بعد 4 ساعات كان الملك فاروق يتجول بالسيارة الكاديلاك في الحوش الملكى، وقد أبدى بها إعجابا شديدا لدرجة أنه بمجرد هبوطه منها أمر بشراء 6 منها ثلاثة بسقف مكشوف و ثلاثة ليموزين.
وأن يكون لون الست سيارات (أسود وأحمر) وهو اللون الملكى المعروف.. وضع فاروق مفاتيح السيارة الكاديلاك في جيبه، ومن جيبه الآخر أخرج لإيهاب مفاتيح سيارته الفورد الحديثة ليعود بها إلى بيته.
لما توصل ست سيارات بتاعتنا ابقى تعالى ولد (إيهاب نافع) خد الكاديلاك بتاعك ورجع الفورد.
كان فاروق يغيظ (إيهاب نافع) كل مساء حينما كان يقف بسيارته الكاديلاك تحت شرفة بيته ويطلق كلاكسها المميز لتهبط إليه جارة إيهاب (طاطا زكى)، والتي كان الملك يرغب في الزواج بها بعد الملكة (فريدة) لولا عدم موافقة البلاط الملكى.. وحينما يطل إيهاب من البلكونة يرفع له فاروق وجهه ضاحكا.
عربية حلوة ولد إيهاب
وللصلة الاجتماعية الوثيقة بين أسرته والملك فاروق ظل (إيهاب نافع) طوال عمره يحمد الله على موت والده قبل قيام الثورة، لانهم كانوا سيحاسبونه ضمن من حاسبوهم وأذلوهم من الدائرة المقربة للملك.
كانت وصية أبيه له قبل موته بسرطان البروستاتا أن يلتحق بكلية الطب.. ولكن إيهاب في هذه الفترة قد تعلق قلبه بحبه للطيران.. و تنفيذا للوصية التحق بكلية الطب لكنه كان يتعمد ترك ورقة الإجابة فارغة ليرسب.. وحينما طلب سحب أوراقه طالبوه بتوقيع والدته فرفضت ليقوم بتزوير توقيعها وسحب الأوراق و تقديمها إلى الكلية الحربية.
ولأنه كان رياضيا متميزا في فريق السلة وكرة الماء كان قائد فرقته يصر على رفض انتقاله للكلية الجوية ليستمر معه في الكلية الحربية، مما اضطر (إيهاب نافع) للجوء إلى خالد محى الدين وحسين الشافعى كواسطة.
تم على أثرها انتقاله للكلية الجوية ليبدأ أولى تدريباته بها في بلبيس.. وليظهر فيها تفوقا استمر معه حتى التخرج.. ليبدأ مرحلة جديدة من حياة مليئة بالتقلبات.