خطأ إدارة (مهرجان الموسيقى العربية) وراء اعتذارات المطربين اللبنانيين !
كتب: أحمد السماحي
خلال الأيام القليلة الماضية، اعتذر المطرب (عاصي الحلاني)، عن المشاركة في الدورة الـ 32 لـ (مهرجان الموسيقى العربية) الذي سيقام في الفترة من (11 إلى 24 أكتوبر الجاري).
وفي سياق متصل، أعلن أيضا زميله المطرب اللبناني (وائل جسار) عن انسحابه هو الآخر من (مهرجان الموسيقى العربية)، وذلك بسبب العدوان الإسرائيلي على بلادهما لبنان.
وقبلهما اعتذر الموسيقار العبقري (زياد الرحباني) عن حضور حفل تكريمه يوم الافتتاح بسبب ظروفه الصحية!، وفي الوقت الذي اعتذر هؤلاء النجوم، قررت المطربة اللبنانية (عبير نعمة) الاستمرار في المشاركة في (مهرجان الموسقى العربية).
وستحيي حفلها يوم 16 أكتوبر الجاري، إلا أنها أعلنت أنها ستتبرع بأجرها لصالح الأسر اللبنانية المتضررة جراء الأحداث الجارية.
أي الفريقين أصح؟
السؤال الذي نطرحه أي الفريقين أصح؟! المطرب الذي يعاني من حالة اكتئاب شديدة وهو يرى القتلى والجرحى في بلده يسقطون ويستشهدون يوميا، ويجد الدمار يحيط ببلده من كل صوب، وناحية، ولا يستطيع الوقوف على خشبة المسرح ليغني؟، أم المطرب الذي يواصل سيره ويقدم حفلاته، ويتبرع بأجره لصالح بلده وأبناء بلده؟!
الحقيقة أن كلا الفريقين صح جدا، المطرب الذي لا يستطيع الغناء بسبب رهافة مشاعره، وصدقها ونبلها، وعدم استطاعته تقديم حفلات غنائية في ظل ما يحدث في بلاده.
والمطرب القوي المناضل الذي يستطيع التغلب على مشاعر الحزن والاكتئاب، ويقف على المسرح ينشد ويغني أروع أغنياته، مستندا لمقولة الشاعر الكبير (أبو الطيب المتنبي) التى يقول فيها: (لا تحسبوا رقصي بينكم طرباً، فالطير يرقص مذبوحاً من شدة الألمِ!).
خطأ إدارة مهرجان الموسيقى
بعيدا عن روعة تصرف الفريقين، فالخطأ الكبير يقع على إدارة الدورة الـ 32 لـ (مهرجان الموسيقى العربية)، التى لم تستطع استيعاب الأحداث الراهنة الدامية في لبنان، وغزة، من جراء العدوان الإسرائيلي الغاشم.
والتى كان يفترض ببعض من التفكير، والوعي والتدبير، تغيير الخريطة المرسوم معظمها من العام الماضي، عندما كان يقود دفة (مهرجان الموسيقى العربية) الموسيقار والمايسترو (هاني فرحات)!
وذلك بتحويل (مهرجان الموسيقى العربية) عن طريق الغناء إلى سلاح قوي نحارب به عدونا، ونندد بإرهابه، ونذالته.
ونكشف حقيقته الدنيئة في توسيع دائرة الصراع من فلسطين، إلى دول الجوار تحت ذرائع وحجج صارت أبعادها الداخلية والحسابات السياسية الشخصية التي تحركها مكشوفة للجميع .
ونجعل (مهرجان الموسيقى العربية) من خلال تقديم الأغنيات الوطنية التى تغنت بفلسطين ولبنان – وهى بالمئات ـ كتيبة من كتائب الدفاع عن لبنان وفلسطين، وغيرها من الدول العربية الجريحة.
وكان جمهور (مهرجان الموسيقى العربية) – ومعظمه من النخبة المثقفة – سيقبل أكثر على ليالي المهرجان، خاصة أنه سيستعيد كثير من الأغنيات الوطنية التى سمعها، أو قرأ عنها.
والتى كانت تهتف بالشعارات، وتتحدث عن بسالة الجندي اللبناني والفلسطيني، والعربي، وتنشر بين الناس روح القتال، وروح التضحية، وتحث الناس على العطاء لا الأخذ، وتشيع بين أبناء الوطن روح الأمل والتفاؤل.
أوبريت وطني جديد أو قديم
كان يجب أن تغير إدارة (مهرجان الموسيقى العربية)، سياستها على الفور، بعد اشتعال الأوضاع في لبنان، وتقدم ضمن برنامجها أوبريت وطني جديد، على غرار (الحلم العربي)، و(القدس هترجع لنا) و(الوطن الأكبر) و(الجيل الصاعد) وغيرها من الأوبريتات الوطنية.
وفي حالة ضيق الوقت، نظرا لتسارع الأحداث الجارية في لبنان، وعدم وجود ميزانية، إعادة أوبريت قديم وليكن (القدس هترجع لنا) أو (الحلم العربي) برؤية جديدة ـ أو حتى كما هو ـ تجمع فيه نجوم الغناء في العالم العربي.
وفي هذا الصدد: أنا قادر على تجميع كل نجوم الغناء العربي الكبار خلال 24 ساعة!، وهم في الحقيقة غير منتظرين اتصال مني أو من غيري، مجرد فقط الإعلان عن تغيير خريطة برنامج المهرجان الموسيقى العربية إلى تقديم أوبريت وطني.
فضلا عن أغنيات وطنية عن لبنان، والقدس، كان سيسارع كل نجوم الغناء بالاتصال بإدارة (مهرجان الموسيقى العربية)، ويأتون وهم سعداء بالمشاركة في هذه الليالي.
لكن أن تترك أيام وليالي الدورة الـ 32 لـ (مهرجان الموسيقى العربية) تمر كما هو مجدول لها من العام الماضي!، مليئة بالأنس والطرب والفرفشة، دون أن توثق لما يحدث الآن من مأسي ومجازر في غزة، ولبنان، فهذا جرم كبير سيحاسب عليه المسئولين عن إدارة المهرجان من الأجيال القادمة!
الأغنية وتوثيق المجازر
الغريب أننا في مصر كنا نوثق كل الأحداث التى تمر بالعالم العربي من خلال الغناء، منذ مذبحة دنشواي، مرورا بمذبحة (دير ياسين).
فعندما حدثت (مذبحة دير ياسين) يوم 9 أبريل عام 1948، كتب الشاعر على محمود طه ولحن وغنى الموسيقار محمد عبدالوهاب رائعتهما (أخي جاوز الظالمون المدى).
ومع اشتعال حرب فلسطين في شهر مايو عام 1948، اشتعلت ثورة غنائية موازية، واستمر الغناء المصري يوثق لكل الأحداث العربية حتى عام 2000 عندما كتب الكاتب والشاعر (د. مدحت العدل):
كان شايل ألوانه، كان رايح مدرسته
وبيحلم بحصانه، وبلعبه، وطيارته
فجأة انطلق الغدر، وموت حتى براءته
سال الدم الطاهر على كراسته
من هنا بنقول أرضنا، عرضنا دمنا أمنا
وإن مات ملايين منا، القدس حترجع لنا.
بعد هذا انزوت الأغنية المصرية وتم الحجر عليها، بفعل فاعل!، وغابت أو بمعنى أدق غُيبت عن التعبير عن ما يدور حولنا!
ومن هنا لي تساؤل ورجاء في نفس الوقت: هل يمكن لإدارة (مهرجان الموسيقى العربية) أن تستوعب الأحداث الراهنة الدامية في (لبنان، وغزة)، وتقوم بتغير برنامجها وذلك بتضمينه أوبريت وطني، وكذلك تغذيته بأغان حماسية نضالية – وماأكثرها – كي ترفع معنويات وتدعم الأشقاء في حربهم ضد العدو الصهيوني؟!.