بقلم الكاتب الصحفي: بهاء الدين يوسف
في هذه الأيام المثقلة بالأحداث السيئة والضغوط المتنوعة اسمحوا لي ان أمرر لكم نصيحة ابنتي الصغرى (فرح)، بالهرب من الواقع لعدة ساعات عبر مشاهدة المسلسل الكوري الجديد (حب في الجوار)، أو (Love Next Door) الذي عرضت حلقته السادسة عشر والأخيرة في السادس من أكتوبر الحالي.
قصة مسلسل (حب في الجوار) كما تظهر من الاسم رومانسية كوميدية، وهى فرصة لإفساح جانب من صدورنا للرومانسية التي تكاد تكون اختفت من قلوبنا وحياتنا تحت وطأة الظروف الصعبة، كما يقدم للمشاهدين فرصة للتحليق في فضاء مريح مسكون بالرومانسية والبساطة.
لكن هناك إلى جانب الرومانسية العديد من التفاصيل التي تريح العين والقلب، بداية من المشاهد النظيفة التي يمكن للآباء مشاهدتها مع الأبناء دون خجل أو حرج من مناظر وإيحاءات خارجة عن النص، رغم أن المسلسل مصنف لمن هم فوق الـ 18 عاما!
هناك أيضا مشاهد الشوارع البسيطة والبيوت الواسعة في المنطقة التي تجري فيها أحداث (حب في الجوار)، والتي تقع على أطراف العاصمة الكورية، بجانب الهدوء النفسي الذي يغلف كل أبطال العمل حتى في عز معاناة بعضهم من المشاكل.
أبرز ما لفت انتباهي في مسلسل (حب في الجوار) تغلب المجتمع الكوري على ثقافة الطبقية التي تسود في كل مجتمعاتنا العربية وبعض المجتمعات الغربية كذلك، لدرجة أننا في بلدنا يمكن أن نقسم المناطق السكنية حسب الفئة الاجتماعية التي ينتمي لها سكانها.
فمثلا من المستحيل عمليا في مصر أن نجد مواطن بسيط لديه مطعم متواضع يسكن إلى جوار طبيب مشهور، وأن يتنزها معا، وأن ترتبط زوجة الطاهي ربة المنزل بصداقة عمر مع زوجة الطبيب التي تعمل كسفيرة في وزارة الخارجية.
عقدة التقسيم الطبقي
الحقيقة أن تلك الفكرة أبهرتني وأعجبني قدرة الكوريين على تجاوز عقدة التقسيم الطبقي، ولا أعرف إن كان ذلك يحدث في الواقع أم أن ما عرضه المسلسل كان ضربا من الخيال.
شدني كذلك أن كل شخصيات التي ظهرت في (حب في الجوار) الفقراء منهم والأغنياء، لم تعان من ضغوط معيشية مثل التي تحاصر المصريين في تدبير أبسط احتياجاتهم المعيشية مثل الطعام والشراب والعلاج والتعليم، وبالتالي اقتصرت المعاناة على ضربات القدر كالمرض والموت.
نعود إلى مسلسل (حب في الجوار) لنواصل التحليق في سماء الخيال الجميل بدلا من السقوط في معطيات الواقع الحزين، وهو مثل أغلب الدراما الكورية مبهج في مجمله، سواء بوفرة المناظر المريحة للعين، أو بالمضمون الذي يراعي القيم الأخلاقية المهمة، وحتى الأدب الذي يغلف تعاملات الناس هناك مع بعضهم وهو أيضا أمر نفتقده في مصر.
لا يمكن أيضا إغفال رسالة ضمنية مهمة قدمها المسلسل، مفادها: أن أمريكا ليست هى أرض الأحلام كما تم تصويرها للعديدين حول العالم، وإنما على العكس يكون الابتعاد عنها أحيانا بمثابة فرصة ثانية لبدء الحياة والأحلام من جديد.
تدور أحداث مسلسل (حب في الجوار) حول فتاة تُدعى (باي سيوك ريو) التي تجسد الشخصية (يونج سو مين)، تعود إلى كوريا بعد سنوات من الحياة في أمريكا والعمل في واحدة من الشركات الكبيرة هناك.
وذلك بعد انهيار حياتها العملية والعاطفية حيث طردت من عملها الذي عانت فيها من الاستغلال، وانفصلت عن خطيبها بعد إصابتها بسرطان المعدة.
علاقة الشد والجذب
بعد العودة تتقاطع حياتها مع جارها وصديق الطفولة (تشوي سيونج هيو/ يونج هاي إن)، المهندس المعماري الشاب الذي تربى معها في منزلها نظرا لسفر أمه المستمر بسبب عملها كسفيرة.
يعرض المسلسل علاقة الشد والجذب بين الشابين، التي تخفي مشاعر كلا منهما تجاه الآخر، حتى يعترف (تشوي سيونج) لجارته بحبه لها ويخوضا مسيرة شاقة لإقناع أسرتيهما بالموافقة على الزواج.
هذا هو الخيط الرئيسي للعمل، وعلى جوانبه تفاصيل كثيرة مثل قصة المراسل الصحفي الذي يهب حياته لتربية ابنة شقيقه بعدما توفى هو وزوجته في حادث سيارة.
وهناك قصة كفاح الصديقات الأربعة اللاتي تربطهن صداقة عمر وجيرة في نفس الحي، وهن زوجة الطاهي والسفيرة زوجة الطبيب والأرملة التي كرست حياتها لتربية ابنتيها، وسيدة رابعة لم يكشف المسلسل ما إذا كانت مطلقة أو أرملة هى الأخرى.
هناك كذلك قصة الطاهي الذي كان شاعرا ورساما ترك هوايته ليفتتح مطعما يعينه على القيام بمسؤولياته الزوجية والأبوية، لكنه لا يجد النجاح في المطعم ولم يتمكن من الاستمرار في هوايته، ومع ذلك نجده يقاوم الاحباط ولا يستسلم له.