بقلم المفكر الكبير الدكتور: ثروت الخرباوي
يا لها من ليلة ليلاء وكأنها ليلة (كربَّلاء) عشتها مع بلد (الترند)، وكربلاء هذه إن لم تكن تعرف أيها الأستاذ كلمة واحدة مكونة من مقطعين.. المقطع الأول هو (كرب) والمقطع الثاني هو (بلاء).
وقد تقول لي وأنت ترمقني بعينك: (انت ها تتفلسف وتتناصح علينا يا حضرة)، لماذا جعلت من حرف الباء حرفين، مرة في كرب، ومرة في بلاء؟، مع أن الباء حرف واحد لم يرد إلا مرة واحدة في (كربَّلاء)!!
وقتئذ سأقول لك: حلمك علينا يا سيدنا فأنا أعرف اللغة العربية من ساسها لرأسها وأحفظ ألفية (ابن مالك) رحمه الله، فقد كان صديقا لوالدي، وقد أخذتُ دكتوراه – أي إجازة عُليا بالنحوي – مثل صلاح ذو الفقار في فيلم (الأيدي الناعمة) حينما أخذ دكتوراه في (حتى).
أما أنا فأخذتها دون فيلم ولا دياولو في حرف (الباء) بجلالة قدره فهو حرف يساعد بعض الأفعال على التعدي كما يقول النحاة، وأنا لا أحب التعدي ولا المتعدين ولا الذين يساعدون على التعدي.
كما أن حرف الباء من حروف القلقلة، ويا خوف قلبي من القلقلة واضطرابها، وفوق هذا يا أستاذنا الفاضل فهو حرف إذا تم تشديده بالشدة المغلظة فإنه وأيمان الله التي لا أحلف بها كذبا يتم نطقه مرتين، وهو طبعا ـ أي حرف الباء ـ كما تعرف جاء في (كربَّلاء)، مشددا لذلك فإنني نطقته مرتين والأجر والثواب عند الله .
هه ماذا تقول: ما الذي أدخل زعيط في معيط ؟!.. هه أأنا في نظرك (نطاط الحيط).. اتقي الله يا أستاذنا في أخيك المسكين، وعلى العموم الله يسامحك.. لن أدخل معك في مناوشات وسأقول لك وجهة نظري على داير الحرف الواحد.
يا سيدي (كربَّلاء) هذه كانت موقعة حربية حامية الوطيس، وكان المتحاربون فيها كلهم يرفع راية الإسلام، وكان معظم من يرفع الراية يقصد المُلك والحُكم والذي منه، فكانت هذه المعركة على ما فيها من القلقلة والاضطراب وما فيها من الشِدة (بكسر الشين” والتنطع ما يجعلها معركة كرب، ومعركة بلاء.
المسألة لا تحتاج قاموسا
وما زلنا إلى الآن نكتوي بنارها ونار فتنتها رغم بعد الشقة بيننا وبينها.. وأنت طبعا سيد العارفين وتعرف أن هناك فريقا من المسلمين قبل موقعة (كربَّلاء) بسنوات لا أعرف عددها رفعوا المصحف في وجه سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وكأنه كان يريد أن يطبق قوانين حمورابي! أو القوانين اليونانية.
مشكلتنا يا أستاذنا في الشعارات والذي منه.. طوال تاريخنا ونحن نرفع الشعارات والرايات ولكننا وكما يقول الشاعر ـ ولا مؤاخذة يا سيدنا الأفندي ـ كالعيس في الصحراء يقتلها الظما والماء فوق ظهورها محمول.
لا أبدا المسألة لا تحتاج قاموسا لتعرف معنى كلمة (العيس)، العيس هذه يا سيدنا معناها الإبل لا مؤاخذة.. لا يا أستاذ لا داعي للتجريح أنا لا أشتم ولكنني أصف حالنا والذي منه.
هه لم أسمعك.. ماذا تقول؟ تتهمني بالرغي وكثرة الكلام، تقول أنني لم أشرح لك ما هي تلك الليلة الليلاء التي بدأتُ بها كلامي!!، والله عندك حق، فرغم أنني حكيم عصري وأواني إلا أنني فاتني من كثرة الأوجاع أن أحكي لك عن تلك الليلة الرهيبة.
لا تؤاخذني يا سيدي الأستاذ على هذا الرغي ولكن بعض الحكمة تأتي من الرغي، ومع ذلك فأنا لا أرغي ولا يمكن أن يصفني أحد الخبثاء بكثرة الرغي والذي منه، ولكن وعهد الله حدثت لي حادثة عجيبة هي من عجائب الدنيا السبع بل أنقح.
هل تريد أن تعرف ما هى هذه العجيبة؟.. هذا من حقك ولكن التعب أصابني الآن وسأروي لك قصتي في تلك الليلة الليلاء، عندما انخلعت مني شخصيتي واسمي وصفتي وأصبحتُ شخصية أخرى!!.. بل قل أصبحت شخصيتين.
هه.. تريد أن تعرف من أنا؟ وما هي قصة هذا الانخلاع والتغيير؟.. أووه لقد نسيت أن أُعرِّفك بنفسي وما أنسانيه إلا الرغي، أنا يا سيدنا (صالح هيصة) الذي كتب عني عمنا الراحل العظيم (خيري شلبي) رواية عظيمة، الله يرحمه، نعم أنا خرجت من قصته الشهيرة (صالح هيصة) ذات ليلة ليلاء لأتكلم معك.
علّي صوتك يا سيدنا، مش سامعك، آه تسألني لماذا أتكلم بهذه الطريقة.. ههههه كنت أظنك تقول (الحريقة) أصل الحقيقة هى الحريقة من شأنها أن تحرقك وتحرقني في نار الدنيا والعياذ بالله، أما لماذا أتكلم هكذا لأنني في ذات الوقت أحمل في داخلي شخصية الأستاذ (حِكَم).
الأستاذ (حِكَم) بتاع اللغة العربية
نعم الذي قام به سيدنا خالد الذكر ذو القدر الكبير (عبد المنعم إبراهيم)، الأستاذ (حِكَم) بتاع اللغة العربية في فيلم (السفيرة عزيزة)، تذكره وهو يقول هذا التريند الشهير: (هف هف) عندما اقتربت منه سكينة المعلم.
وياويل من اقتربت منه سكينة المعلم، وتذكره طبعا وهو يقول لاسماعيل ياسين بصوت غليظ ذلك التريند الأشهر: (الأساس بالسين أم بالثاء)؟!
يا خبر اسود ومنيل، هل كنت تظن أنني (ثروت الخرباوي)؟!.. لا ياعمنا هذا (الخرباوي) لا يكتب حاليا، لقد توقف عن الكتابة مطلقا وبتاتا، وأنا حللت مكانه عند عمنا الأفندي (شهريار النجوم).
سيبك من هذا (الخرباوي) فكلامه لا يسمن ولا يغني من جوع، اعتبرني يا عمنا مثل الشيخ (البتنجاني)، صاحب الخرافات التافهة السقيمة السطحية البليدة، وقتها سيمشي ورائي أكابر القوم، وسيلهج بذكري كُتَّاب وأدباء وسيناريستات وشعراء.
ولكن لن ينكشف أحد منهم لأن غطاء الشهرة سيغطيهم، وسأصبح في ذاتي تريندا كبيرا!، وسيكون لي مريدين يتوقون شوقا لكلامي، وأنا أقول: إوعى تديني قفاك فالقفا جفا.
عجيبة لماذا لا ترد عليَّ؟.. ألست من مقامك؟ نعم نعم عرفت.. أصابك الصداع.. هذا شيء عادي خاصة في هذه الأيام التي تكثر فيها الهيصة، الدنيا هيصة يا أستاذ وكل واحد يتفنن في الهيصة بتاعته.
أما الهيصة التي أكلمكم عنها بصفتي (صالح هيصة) والتي هبط عليَّ وحيها في تلك الليلة الليلاء، فهي هيصة التريندات، و(التريند) يا سيدي هو مصطلح بدأ استخدامه بكثرة مع وسائل التواصل الاجتماعي.
وهو يعني الشيء الذي اشتهر، وكلمة trend بالإنجليزية الفصحى تشير إلى الاتجاهات والأنماط، وكل ما يتم تداوله بين الناس عن طريق الشهرة هو في حد ذاته (التريند) موضة انتشرت فهي (تريند)، كلمة اشتهرت أو عبارة لقت ذيوعا بين الناس فهي (تريند).
بين (التريند) و(الفريند)
وهكذا أصبحت حياتنا تدور بين (التريند) و(الفريند)، و(الفريند) كما تعرف هو الصديق، friend ، فما أن تقول لفريندك (البلي بلي بي البلي بلي با)، ثم ينشرها فريندك حتى تصبح بين الناس تريندا، وما أن يقول خالد الذكر الراحل (محمود عبد العزيز): يا قفا يا قفا.. حتى يصبح قفاك حديث القوم.
إنها (التريندات) يا عمنا وتاج راسنا، وهى تغزو الناس غزو الجراد للأرض الخضراء، ولكن ما أحلى تريندات زمان، تريندات الفن يا مولانا، وما أقبح (الترند) في هذا الزمان.
هل تتذكر السيدة (ماري منيب) وهى تقول لعادل خيري في مسرحية (إلا خمسة): إنتي جاية اشتغلي إيه؟.. أكيد تتذكرها، فالشارع المصري وقتها أصبح يقول: (إنتي جاية تشتغلي إيه؟.. فيقول (عادل خيري): سواقة يا هانم سواقة.
هذا (تريند) فني قديم انتشر وما زال منتشرا، و(توفيق الدقن) صاحب: (يا آه يا آه، والعلبة دي فيها إيه؟، وأحلى م الشرف مفيش، وآآلو يا همبكة)، و(عبد المنعم إبراهيم) وترنداته التي تسد عين الشمس يا حضرة، مثل: (البللوم، بللوم.. و فيها فيل.. فيل)!
وخذ عندك عمنا (فؤاد المهندس) وترينداته، وهو يقول في (حواء الساعة 12): (وقال تودري قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة)، وفي فيلم (اعترافات زوج) عندما ذهب لمستشفى المجانين وقوله الشهير: (ما فيهاش بيبي)، فيصبح تريندا يهتز له الثقلان، وستنا (شويكار) وهي تقول (التريند) الأشهر: (إنت اللي قتلت بابايا.. آه يا بابايا)، ولن نترك عمنا (المهندس) أبدا فهو صاحب أشهر تريندات هو وفريقه المسرحي:
عندك الست (فيكتوريا كوهين)، وهي تقول في مسرحية (أنا فين وانتي فين): (أدوني الشايب ليه، أنا وحشه ولا إيه؟)، وهي أيضا تقول: (يجوزهم وياخد فلوسهم)، والمهندس وهو رايح يجيب الديب من ديله.
وطبعا ستتذكر (عزوز أفندي) وهو يقول في (سيدتي الجميلة): (ربنا يهده زي ما هد السلم لملم لملم)، أو (فهمي أمان) الطرشجي وهو يقول مع (المهندس) عن الطرشي (إيسانس إف).
و(فاروق فلوكس) وهو يقول: (يا هاااي)، و(سيد زيان) وهو يقول: (شوية عيال احنا)، وستتذكر مقولة ذلك الممثل المجهول: (سرق برق واستخبى في الورق)، والمهندس في مسرحية (أنا وهو وهي) وهو يقول: (من غير شنب من غير شنب)، و(عادل إمام) وهو يقول: (بلد شهادات صحيح).
ولكن إيه اللي جاب سيرة التريندات، و(التريند) كما قلت لكم هو النقل والنشر، ونحن أمة ذات ثقافة نقلية والعياذ بالله، والنقل غير الانتقال يا سيدنا الأفندي، فأنت ممكن تنتقل في لحظة من مكان لمكان آخر، في سرعة البرق يا أفندينا.
لكن النقل كما قلت هو ثقافة (التريند)، و(التريند) هبطعليَّ وحيه في تلك الليلة الليلاء حينما سمعتهم يقولون: (صبحي باع مطعمه، وعواد باع أرضه، وأحمد الفنان طلق مراته الفنانة، وسعد اتصور مع سعدية، وحسن مع حسنية).. بلد (الترند) صحيح!