(حرب أكتوبر).. كانت السبب في عودة الطيور الغائبة من أهل الموسيقى والغناء
كتب: أحمد السماحي
كانت (حرب أكتوبر) عام 1973 ، سببا في عودة الطيور الموسيقية والغنائية الغائبة عن الساحة للأضواء مجددا، فمع اللحظة التى اندلع فيها أشرف قتال على الأرض المصرية من أجل التحرير، كان شبابنا المقاتل يكتب أعظم أغنيات النصر.
وفي هذه الأيام لعبت الأغنية المصرية دورا عظيما، وخلعت عن نفسها رداء الهجر والخصام والسهد والسهر والعذاب، وارتفعت إلى مستوى الحدث العظيم، وهو الانتصارفي (حرب أكتوبر).
وترددت الأغنية في الطرقات، والميادين، والشوارع، تهتف بالشعارات، وتتحدث عن بسالة الجندي المصري والعربي في (حرب أكتوبر)، ونشرت بين الناس روح القتال، وروح التضحية، وحثت الناس على العطاء لا الأخذ.
وأشاعت بين أبناء الوطن روح الأمل والتفاؤل، وتحول المؤلفون والملحنون والمطربون إلى كتيبة من كتائب النصر، بعد مرور حوالي أربعة أيام من المعركة، عندما تأكدوا من انتصارانا من خلال استماعهم إلى محطات الأذاعات الأجنبية.
تأكيد النصر في أكتوبر
عندما تأكد النصر في (حرب أكتوبر) زحف المطربون والشعراء والملحنين إلى مبنى الإذاعة والتليفزيون، وقدموا من يوم (10 أكتوبرحتى أول نوفمبر) كما جاء فى تحقيق للأستاذة (سكينة فؤاد) فى مجلة (الإذاعة والتليفزيون) حوالي 36 أغنية.
ولم يكن يعلم الجمهور – الذي ظل ملاصقا للراديوآنذاك – أن ستديوهات الإذاعة كانت ملعبا مفتوحا يتنازعه الزاحفون عليه بكلمة المعركة، ولحن المعركة، وصوت المعركة.
فلم يتخلف عن التعبير بالكلمة شاعر، ولا تمهل عن التعبير بالنغمة ملحن، فبعض الألحان كانت تسجل فى الثانية صباحا ويسمعها رئيس الإذاعة بعدها بدقائق.
وفى الخامسة أو السادسة صباحا تقدم للناس، حيث امتد إرسال الإذاعة لأول مرة 24 ساعة كاملة، وبرز اسم (وجدي الحكيم) فى دائرة الضوء الغنائية باعتباره الساعد الأيمن لرئيس الإذاعة فى الإنتاج الغنائي.
وازدادت حدة المنافسة وجرت الاتصالات التليفونية بين المؤلفين والملحنين والمطربين، ولم يتواعدوا في البيوت، ولا في الصالونات، وإنما تواعدوا في ستديوهات الإذاعة.
حيث سارع عدد كبير من المطربين للتعبير عن فرحتهم ببيانات الانتصار في (حرب أكتوبر)، وواكبت الأغنية طلقات المدافع، وعبرت الآفاق في أعقاب عبور قوات مصر الباسلة خط بارليف.
وألغى (محمد محمود شعبان) رئيس الإذاعة الروتين المعمول به وهو ضرورة أن يمر النص مكتوبا على لجنة النصوص ثم يمر ملحنا على لجنة الاستماع، باعتبار أن الأغنية فى مثل هذه الظروف تقفز إلى قمة الأهمية بين المواد الإذاعية.
فهى تملأ فراغات البرامج التى توقفت لعدم ملاءمتها للظروف، وتصبح سلاحا ضروريا لتعبئة المشاعر، وأيضا صدى للإيقاع النفسي للجماهير علاوه على إنها وثائق تسجيل فنية حية.
سرقة ما نشرناه من أغنيات المعركة
في السنوات الماضية نشرنا في بوابة (شهريار النجوم) كل أغنيات ووثائق (حرب أكتوبر) الغنائية، والمسرحية، والسينمائية، والحقيقة أنني كنت سأكتفي بما كتبته في السنوات الماضية، لأنني لم أجد الجديد لأكتب عنه هذا العام.
خاصة أن كثير من الزملاء الصحافيين سرقوا ما قمنا بنشره مع تغيير العناوين فقط، وأصبحوا بقدرة قادر (مؤرخين غنائيين) ويعرفون اسم الأغنية، وشاعرها، وملحنها، مع العلم أنهم لا يعرفون أسماء كثير من الشعراء والملحنيين الموجودين حاليا!.
ولكن لم يطاوعني قلبي، وطردت هذا الهاجس من خاطري، ووجدت أن التعبير بالموسيقى عن الأحداث الكبرى فى تاريخ أمتنا العربية تعتبر من الأعمال الجديرة بالتشجيع.
والاستماع إليها مجددا، ونشرها للأجيال الشابة حتى و لو أن هذه الأعمال لا تذاع إطلاقا، فعلى الأقل نوثقها كتابيا.
خاصة أن انتصارنا في (حرب أكتوبر) كان سببا في عودة كثير من الطيور التى كانت ابتعدت عن الساحة الغنائية، بعضهم للاكتئاب نتيجة هزيمة يونيو عام 1967، وبعضهم لظهور جيل جديد على الساحة الغنائية.
عودة قوية لأحمد صدقي
من الملحنيين الذين عادوا للساحة الغنائية بقوة مع انتصارات (حرب أكتوبر)، الملحن الكبير المبدع (أحمد صدقي)، الذي غاب عن الأضواء فترة، وإذا بالمعركة تعيده للساحة الغائية.
فلحن للمجموعة من كلمات الشاعر (محمد كمال بدر) على لسان الجنود أغنية بعنوان (بالأحضان يا سيناء) التى يقول مطلعها:
التار التار التار، التار نده علينا، جبينا السلاح وجينا
لشطنا الجريح، وللرملة الحزينة، وبالأحضان بالأحضان يا سينا.
ولحن للمطربة نجاح سلام أغنية (صوت المآذن) شعر (أحمد عثمان المراغي) والتى يقول فيها:
صوت المآذن في المساء يكبر
ودويه بالنصر لاح يبشر
والشعب يرجو الله نصرا كاملا
والله فوق الظالمين وأكبر..
كما لحن للمطرب (محمد الأسواني) الأغنية المبهجة (ألفين سلام) كلمات سعيد محمد سعيد، والتى يقول مطلعها:
ألفين مسا ع الصيادين والمينا
وفنارة مصرية تدل سفينة
يا ألف حمد الله بسلامة العودة
رسيت مراسينا، ومعاه رسينا
يا ليل يا عين، موال ومصري
أصيل وراسي، من بورسعيد لما السويس
دق المراسي، رفرف على وش القنال
محمود الشريف.. صبرنا وعبرنا
كما عاد أيضا الملحن العظيم (محمود الشريف) الذي قدم للمجموعة أغنية رائعة كلمات كمال عبدالحليم بعنوان (صبرنا وعبرنا) يقول فيها:
صبرنا وعبرنا وطهرنا قدرنا وربك نصرنا
وبالبندقية رفعنا العلم وربك نصرنا
قبلت التحدي وعديت قنالك لأرضك
وأرضي ومديت حبالك
وخلي تكالك على الله وعلينا
وبالبندقية رفعنا العلم وربك نصرنا..
وقدم (الشريف) أيضا لمطربة المعارك (فايدة كامل) أغنية كتبها الشاعر (بخيت بيومي) من شعار شهير كان يردده الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بعنوان (لا صوت يعلو فوق صوت المعركة) يقول فيها:
لا صوت يعلو فوق صوت المعركة
غير الرصاص وكلنا لازم نكون في المعركة
شعلة حماس ده أنت وأنا
وكل البلد لو طال كفاحنا للأبد
مجهودنا كله نوهب للمعركة لأجل الخلاص..
ولحن (محمود الشريف) أيضا للمطربة (نجاة الصغيرة) أغنية من كلمات (كمال عمار) بعنوان (من باب الفتوح) التى تقول مطلعها:
من باب الفتوح عدينا ودينا ليوم النصر
لليوم اللي مستنينا يلاقينا في أحضان سينا
يلاقينا فى أحضان مصر.
كما قدم محمود الشريف للمطربة الصاعدة بقوة (عفاف راضي) أغنية (تسلمي يا شدة يا صانعة الرجال) كلمات السعيد أبو العيلة
مدحت عاصم.. يوم النصر
من الطيور الموسيقية التى عادت لساحة الغناء بعد النصر في (حرب أكتوبر)، الموسيقار المجدد (مدحت عاصم) الذي لحن أغنية من كلمات الشاعر (مصطفى الضمراني)، وغناء تغريد البشبيشي بعنوان (يوم النصر) يقول مطلعها:
لو أملك أكتر من روحي لاديته لمصر
لو أملك أكتر من عمري لوهبته لمصر
وادي ولادي فدا بلادي، بقدمهم ليوم النصر
سمير الاسكندراني.. لا أسير وحدي
كان المطرب (سمير الاسكندراني) ابتعد عن الغناء في سنوات الهزيمة، ولعب دورا وطنيا مهما لصالح بلده ضد العدو الإسرائيلي، وجاء انتصارنا في (حرب أكتوبر) ليعيده بقوة للغناء من خلال قصيدة إنسانية بعنوان (لا أسير وحدي) يقول مطلعها:
أنا لا أسير وحدي، معي الملايين من كل العالم
أنا لست وحدي، كلنا نزحف من أجل العدل
أنا لا أسير وحدي فأنا أغني ألف ألف مرة
عبدالعزيز محمود، وسيد عوض
كما أعاد انتصارنا في (حرب أكتوبر) مطرب الثلاثينات والأربعينات (عبدالعزيز محمود) الذي رجع بقوة وفتحت شهيته للغناء وقدم أغنية (آمن بكفاحك) من تلحينه، وكلمات الشاعر حسين السيد.
أما المؤلف الموسيقي الكبير الدكتور (سيد عوض) صاحب سيمفونية (اليرموك) رغم ابتعاده عن الغناء السائد، لكن فرحة النصر جعلته يتعاون مع المطربة الكبيرة (فايدة كامل) في أغنية (اضرب يا جيش مصر) كلمات (سيد القطان)، يقول مطلعها (اضرب يا جيش مصر، واهجم هجمتك، شعبك معاك فى المعركة).