رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

عصام السيد يكتب: (الدحيح) بصوت أم كلثوم!

بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد

انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعى تعليقات غريبة ومثيرة للدهشة على الحلقة الأخيرة من برنامج (الدحيح)، والتي حملت عنوان (أم كلثوم في باريس)، حيث أجمعت تلك التعليقات على أن أصحابها قد (بكوا) أثناء مشاهدة الحلقة!

وبما أن حلقات (الدحيح) كلها تتميز بخفة الظل، وبمسحة كوميدية مهما كان الموضوع معقدا أو خطيرا، وسواء كان يتناول وقائع تاريخية أم يشرح أدق النظريات العلمية، لذا لفتت انتباهى تلك التعليقات وهذا الإجماع، و تساءلت هل هذا إخفاق من (الدحيح)؟، أم أنه اضطر أخيرا الى تغيير أسلوبه المشهور به؟

بداية لا أعتقد أن هناك شاب في الأجيال الجديدة يملك تليفونا ذكيا وباقة (نت) ولا يعرف (الدحيح)، أو (أحمد الغندور)، فهذا الشاب القادم من المنصورة ، خريج الجامعة الأمريكية.

والذى بدأ عام 2014  في تقديم برنامج لتبسيط العلوم على الشبكة العنكبوتية من أجل أن (يشعبن العلوم) – على حد تعبيره – وأن يجعلها تصل للعامة وللأشخاص غير المهتمين بها أو غير الدارسين.

ويحاول أن يجعل هذا التبسيط ضاحكا، سرعان ما أصبح له جمهور بالملايين و يحقق عدد مشاهدات قياسية بالنسبة للبرامج على مواقع التواصل الإجتماعى، بل يتفوق على كثير من برامج الترفيه التي امتلأت بها الشبكة، برغم أنه برنامج (علمى).

و بعد ثلاث سنوات من تقديم البرنامج على قناته الخاصة تعاقد مع شبكة الجزيرة بلس عام 2017 وبعدها بثلاث سنوات أخرى وأثناء جائحة كورونا توقف البرنامج بقرار من الشبكة، التي قالت أن الخطط الإنتاجية في المرحلة الحالية الصعبة لا تسمح بالاستمرار في نشر برنامج (الدحيح)!!

انتشرت شائعات عن اعتزال (الدحيح)، وكن بعد فترة قصيرة يعود على منصة (شاهد)

شائعات عن اعتزال (الدحيح)

بعدها انتشرت شائعات عن اعتزال (الدحيح)، وكن بعد فترة قصيرة يعود على منصة (شاهد) ليقدم برنامج متحف الدحيح في عام 2020 ثم ينتقل بعدها بعام إلى قناة أكاديمية الإعلام الجديد على اليوتيوب ويعود لنفس الاسم القديم (الدحيح).

و خلال تلك الرحلة يصل إلى أن يصبح – كما تصفه كثير من الصحف و المواقع – (من أهم صناع المحتوى والمؤثرين، إذ استطاع تعزيز قيم المعرفة والتوعية بالموضوعات الهامة والقضايا المحورية وإيصالها لجمهور واسع.

وذلك مع بداية قناته على اليوتيوب، التي تتناول مواضيع مختلفة لا حصر لها، من بينها التاريخ والعلوم والنظريات والتناقضات.

أُدرِج اسم (الغندور) أو (الدحيح) في قائمة الأشخاص الأكثر تأثيرًا في العالم العربي لعام 2018، كما اختير (الغندور) في القائمة القصيرة لجائزة IBC العالمية 2019 لأكثر الشباب المؤثرين في الإعلام، وتقدم الجائزة إلى من أحدثوا تأثيرًا حقيقيًا بشغفهم وطموحهم والتزامهم ويقدمون مساهمة بارزة في صناعة الإعلام، سواء كانت إبداعية أو تجارية أو تقنية.

كما جرى اختياره ضمن (قائمة فوربس) للشباب تحت سن الـ 30 للعام 2022، واختير من قبل مركز الشباب العربي في قائمة (روّاد الشباب العربي)، وهي قائمة تتضمن (مجموعة من الشباب الذين لا تتجاوز أعمارهم الـ 35 عامًا من مختلف الدول العربية، ولهم سجل حافل بالإنجازات ذات الأثر الإيجابي في مجتمعاتهم).

كما شارك في النسخة الثانية من (قمة المليار متابع)، التى تعد أكبر تجمّع لصناع المحتوى والمؤثرين في العالم، والذى أقيم في يناير الماضى في (متحف المستقبل) بدبي والذى حضره أكثر من 7 آلاف مشارك، من بينهم 3 آلاف صانع محتوى ومؤثر ومبدع من جميع أنحاء العالم.

وفي  حفل الافتتاح يلقى الغندور خطابا بصفته صاحب البرنامج الأعلى في نسبة المشاهدة على منصة يوتيوب.

كل هذه النجاحات لم تمنع من الهجوم عليه في بعض الأحيان واتهامه بنشر الإلحاد بعد حلقته عن (الأكوان الموازية)، وأحيانا أخرى بالتطبيع مع العدو الصهيوني، وفي كثير من الأحيان بالاستخفاف بالرموز.

لكن هذه الاتهامات سرعان ما تساقطت أمام وقائع أخرى، فهو صاحب أشهر محتوى عن تاريخ القضية الفلسطينية، والذى تم تقديمه في حلقة اسمها (فلسطين.. حكاية الأرض) فور بداية حرب السابع من أكتوبر في واحدة من أطول حلقاته، والتي تعدت الساعة وأكثرها غزارة في المعلومات لتحصد مشاهدات بأكثر من 22 مليون مشاهدة حتى الآن.

حلقة (الدحيح) عن أم كلثوم تخطت المليون مشاهدة خلال ساعات

رحلة السيدة (أم كلثوم)

وبالعودة الى حلقة (الدحيح) عن أم كلثوم والتي تقول الصحف أنها احتلت مكانة كبيرة بمنصة يوتيوب عربيا وعالميا، بعد أن تخطت المليون مشاهدة خلال ساعات من عرضها لتصبح ( ترند ) على السوشيال ميديا و المنصات الرقمية.

نجد أن الحلقة التي كتبها (أحمد الفخراني) وأخرجها (محمد طارق) تتحدث عن كواليس رحلة السيدة (أم كلثوم) لكى تغنى في مسرح أوليمبيا أكبر مسارح باريس بعد نكسة 1967.

فبعد الهزيمة تحولت السيدة (أم كلثوم) من مطربة شهيرة إلى أيقونة وطنية من خلال مساهمتها في المجهود الحربي ، فقد بدأت سلسلة من الحفلات داخل مصر ثم خارجها، وخصصت دخلها لإعادة بناء الجيش، كما قامت بجمع التبرعات لنفس الغرض.

وقد أدى هذا إلى رفع الروح المعنوية للمصريين والعرب الذين توحدوا من خلال صوتها ونسوا خلافاتهم وهم يستمعون إليها، أما رحلتها إلى باريس فقد كانت أكبر تحدى في تلك السلسلة لأنها ستغنى أمام جمهور لا يعرف العربية، وفي بلد تسيطر عليه المنظمات الصهيونية لوجود أكبر جالية يهودية في أوروبا كلها.

وهذه الحلقة من (الدحيح) لا تنقل وقائع تاريخية فقط تجعلك ترى وجها آخر لأم كلثوم، وجه الفنان المناضل بل تثير في المشاهد روح المقاومة، وهو يتابع رحلة امرأة آمنت بوطنها وبعدالة قضيته فقامت بمجهود يعادل مجهود مؤسسات كاملة، لتجمع مبلغ 3 مليون جنيه و 60 كيلو ذهب، وهو مبلغ ضخم بمقاييس ذلك العصر.

وأعتقد أن حالة البكاء (العامة) التي انتابت كثير من المشاهدين جاءت نتيجة أن الحلقة أذيعت في توقيت عصيب يشتعل فيه الوطن العربى، وتمتد فيه يد الكيان الغاصب الى خارج فلسطين لتضرب لبنان و سوريا والعراق واليمن.

صحيح أن حلقة (الدحيح) تدفعك الى الفخر بإنجاز السيدة (أم كلثوم) وإصرارها وعزيمتها حتى حققت (انتصارا معنويا) في زمن النكسة، لكن دموعك ستنهمر رغما عنك وأنت تقارن الماضى بالحاضر والمجد بالهوان.

نبكى لحظة اجتمعت فيها الدول العربية على صوت مطربة من أجل (إزالة آثار العدوان)، ولم تيأس ولم تسكن ولم تستسلم.. نبكى على ذكرى وحدة (ما يغلبها غلاب) تجاوزت فيها الشعوب خلافات الحكام.

نبكى على الفن الملتزم والمرتبط بأحداث وطنه، يعالج جراحه ويسكن ألمه و يمنحه الأمل.. نبكى على قوانا الناعمة المؤجرة الآن للغير، و يا دحيح: أصبت الاختيار والتوقيت وأصبت الهدف.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.